جواد بلا فارس للكاتبة بنوتة اسمرو الجزء الرابع عشر

8 3٬516

جواد بلا فارس للكاتبة بنوتة اسمرو الجزء الرابع عشر

جواد بلا فارس للكاتبة بنوتة اسمرو الجزء الرابع عشر

جواد بلا فارس للكاتبة بنوتة اسمرو الجزء الرابع عشر

جواد بلا فارس للكاتبة بنوتة اسمرو الجزء الرابع عشر , معكم صديقة زاكي الشيف الموهوبة ,

الخطوات

********************************

عادت “آيات” بصحبة “كريم” وبمجرد ان دخلا القرية قالت “آيات” بمرح :

– “كريم” وديني الشقة الأول .. عايزة أغير هدومى وألبس حاجة من اللى اشتريناها

ابتسم لها قائلاً :

– ماشى يا ستى

نظرت اليه بتأثر قائله :

– بجد يا “كريم” ربنا ما يحرمنى منك .. انت دلوقتى كل عيلتى مش أخويا وبس .. عارف أنا بجد محظوظة أوى ان ليا أخ زيك .. رغم انك مش أخويا شقيقي بس بجد أنا بنسى النقطة دى تماماً .. بحس فعلاص أكننا اخوات من أم واحدة وأب واحد

ابتسم وو يربت على رأسها قائلاً :

– أنا كمان بعتبرك أختى بجد .. لان فعلاً انتى أختى يا “آيات” .. متقلقيش حتى لما أتجوز هفضل آخد بالى منك وهفضل معاكى مش هسيبك .. وحتى لما تتجوزى وتروحى بيت جوزك .. بردة هفضل جمبك وقت ما تحتاجيني هتلاقيني

لمعت الدموع فى عينيها تأثراً بكلماته فصاح بمرح :

– أوف .. ده انتوا الستات حاجة بشعة .. تزعلوا تعيطوا .. تفرحوا تعيطوا .. حاجة بؤس

ضحكت “آيات” بملء فمها وهى تقول :

– عشان احنا كائنات رقيقة حساسة

تعلقت أنظاره بـ “إيمان” التى كانت تسير فى اتجاه البناية .. كانت تبعد عنها بضع خطوات فقط .. عندما اقترب منها “كريم” وأطلق زمور سيارته فانتبهت .. أوقف سيارته أمام البناية فقالت “آيات” بخبث :

– افتحلى الشنطة هاخد حاجتى وأطلع

قال “كريم” وهو يحمل الحقائب :

– سبيها وأنا هطلعهالك

ألقت نظرة على “إيمان” التى اقتربت وقالت وهى تأخذهم من يده :

– لا هاتهم مش تقال

توجهت “آيات” الى داخل البناية بينما ابتسم “كريم” وهو يقول لـ “إيمان” :

– ازيك يا “إيمان”

ابتسمت بخجل قائله :

– الحمد لله

نظر الي ملابسها وقال :

– غيرتى هدومك ولا لسه

– لا لسه طالعة دلوقتى .. مش هتأخر عشر دقايق بس وأنزل

ابتسم قائلاً :

– براحتك

كادت أن تنصرف لكنه أوقفها قائلاً :

– استنى

فتح باب السيارة الخلفى وأخرج منه بوكية كبير يحوى ورود حمراء زاهية معد بطريقة رائعه .. قدمه اليها وعلى شفتيه ابتسامه واسعة وهو يقول :

– اتفضلى

اتسعت ابتسامة “إيمان” ونظرت الى الورد بسعادة وهى تحمله بين يديها كالطفل الصغير .. ثم نظرت اليه قائلخ :

– متشكرة أوى

تمتم مبتسماً :

– العفو .. يلا مستنيكي

أومأت برأسها ودخلا البناية وهى تكاد تقفز فى الهواء فرحاً

دخلت “آيات” البيت ليتنامى الى مسامعها صوت شهقات بكاء قادم من غرفتها .. تركت ما بيدها أمام الباب وأغلقته وتوجهت مسرعة لتجد “أسماء” جالسه على فراشها تدفن وجهها بين يديها وتبكى بحرقه .. اقتربت منها “آيات” وقالت بلوعة :

– “أسماء” مالك فى ايه ؟

قالت “أسماء” وهى تحاول أن توقف بكائها دون جدوى :

– مفيش حاجة

جلست “آيات” بجوارها وهى تقول بحده :

– ازاى يعني مفيش حاجة

قالت “أسماء” بنفاذ صبر وهى تكفكف دمعها :

– قولتلك مفيش حاجة يا “آيات” .. شوية وهبقى كويسة

هتفت “آيات” بحدة وقد غاظها كتمان “أسماء” لمشاعرها وأحزانها دائماً :

– انتى على طول كدة .. عمرك ما جيتي قولتيلى يا “آيات” أنا مضايقه من كذا .. على طول بتشيلى فى قلبك وتسكتى .. بجد يا “أسماء” أنا مكنتش مصتورة ان أنا ولا حاجة بالنسبة لك

نظرت اليها “أسماء” قائله :

– ازاى يعني ولا حاجة .. أنا مليش غيرك أصلاً وانتى عارفه كدة

– لو كان فعلاً ملكيش غيري كنتى حكتيليى على اللى جواكى مش قفلتى على نفسك كده

تنهدت “أسماء” بحزن وقالت :

– لما بتكون المشكلة ملهاش حل مبعرفش أتكلم فيها . .بحس الكلام هيتعبنى على الفاضى

– ومين قالك ان ملهاش حل .. اتكلمى يمكن أعرف ألاقيلها حل

قاتل “أسماء” بمرارة :

– لا ملهاش حل .. ومستحيل يبقى ليها حل

– ايه هيا المشكلة اللى ملهاش حل ؟

فى تلك اللحظة دخلت “إيمان” الى البيت وأغلقت الباب بهدوء فلم ينتبه أحد الى صوت اغلاقه .. كادت أن تتوجه الى غرفتها لكنها تسمرت فى مكانها عندما سمعت “أسماء” تقول :

– أنا بحب “على”

شعرت “آيات” بالدهشة وهى تنظر الى “أسماء” قائله :

– “على” مين ؟

نظرت اليها “أسماء” قائله ودموعها تبلل وجهها :

– “على” أخو “إيمان”

اضطربت “إيمان” بشدة ولم تدرى كيف تتصرف .. أهداها عقلها الى أن تعود وتفتح الباب وتغلقه بقوة .. هبت الفتاتان عندما استمعا الى صوت اغلاق الباب .. وقفت “إيمان” على باب غرفتيهما فالتفتت “آيات” اليها .. قالت “إيمان” بسرعة متظاهرة بالمرح :

– ازيكوا يا بنات .. أنا داخلة أغير هدومى لان “كريم” مستنيني تحت

أومات “آيات” برأسها وهى تبتسم بوهن .. دخلت “إيمان” غرفتها وهى تتنهد بقوة وبأسى

قامت “آيات” وأغلقت الباب ثم عادت للجلوس بجوار “أسماء” وقالت لها :

– احكيلي اللى حصل .. واشمعنى “على” بالذات

قصت لها “أسماء” كل مواقفها مع “على” .. فقالت “آيات” :

– يعني “على” كان السبب انك متحضريش امبارح كتب كتاب “إيمان”

– كنت مخنوقة أوى .. لما قالى صحابك محترمين حسيت انى مجروحة منه أوى

صمتت قليلاً ثم نظرت الى “آيات” قائله بحيرة :

– أنا مش عارفه أنا ليه حسيت نحيته بكدة .. يعني هو جد أوى معايا .. وناشف .. بس معرفش .. عارفه لما تحسى انك منجذبه لحاجة لانها ضدك .. لانها مختلفة عنك .. أنا حسيت ان ده اللى خلانى أتعلق بيه كده .. انه مختلف عن أى حد شوفته وعن أى حد عرفته

لاحت ابتسامة على شفتيها وهى تقول :

– تعرفى انه قالى انه مش بيحب يعمل حاجة غلط مع بنت عشان مراته اللى هيتجوزها .. يعني مش عايز يخون مراته وهو أصلاً لسه مشفهاش ولسه ميعرفش هى مين .. هو فى حد كده

ثم قالت :

– ورغم انى فى نظره غلط .. الا انه مش بيتكلم معايا بشدة أو بعنف أو بإحتقار .. بالعكس بحس انه بيتكلم معايا براحه وبشويش .. مش بيقولى كلام جامد يكرهنى فى عيشتى .. بالعكس بحسه عارفه أكنه بياخد بإيدى واحدة واحدة .. لما اعتذرلى كنت فرحانه أوى .. حسيت انه مهتم ولو شوية صغيرين انه ميزعلنيش أو انى أبقى مضايقه منه .. فضل يكلمنى بالراحة على اللبس وعلى الحجاب .. من غير ما يجرحنى ومن غير ما يقولى انتى غلط وهتدخلى النار .. لأ .. كان بيتكلم براحه .. غصب عنى حسيت انى اتشدتله .. نفسي يفضل يتكلم معايا كده وينصحنى على طول .. مش فى اللبس بس ..لأ فى كل حاجه

ران الصمت بينهما .. فقالت “آيات” بحماس :

– “أسماء” يمكن بس انتى عجبك اسلوبه مش أكتر من كده .. يعني مش حب ولا حاجة زى ما انتى متصوره

قالت “أسماء” بصوت باكى وقد عاودت عبراتها التساقط على وجهها :

– أنا كنت فاكرة كده .. فضلت أقول لنفسى كده .. بس لما عرفت انه بيحب “سمر” وعايز يتجوزها حسيت انى قلبي موجوع أوى .. مش قادرة أتخيله مع “سمر” ولا مع أى واحدة .. مش قادرة أتخيل انى ممكن معرفش أتكلم معاه تانى .. أو انه يختفى فجأة من حياتى .. حسه انى عايزاه فى حياتى على طول يا “آيات” .. معرفش أنا عمرى ما حسيت كده .. وعلى طول بستخف بالناس اللى بتحب وبتتعلق بغيرها .. بس أنا فعلاً حسه انى اتعلقت بيه أوى .. تعرفى أنا نفسى دلوقتى حالاً أتكلم معاه .. فى كل حاجة .. نفسى أحكيله على كل حاجة

تعالت شهقاتها وهى تقول بصوتها المرتجف الباكى :

– نفسى أحكيله على بابا وماما ومشاكلهم وخناقاتهم .. نفسى أحكيله على احساسى بعدم الأمان .. نفسى أحكيله على الحاجات اللى بتخوفنى .. نفس أحكيله على “هانى” واللى عمله معايا .. حسه انى عايزه أحكيله على كل حاجة .. أنا على طول بخبى مشاعرى جوايا ومش بحب أتكلم مع حد عن احساسى .. بس أنا حسه انى عايزه أحكيله هو على كل حاجة .. أول مرة أحس بكده .. أحس انى عايزه أطلع اللى جوايا لحد .. عايزه أعيط أدامه .. عايزه أصرخ .. عايزه أخرج كل اللى جوايا .. وبعد ما أخلص يتكلم معايا وأسمع منه

نظرت اليها “آيات” بحزن فقالت “أسماء” بمرارة وهى شاردة :

– بس هو بيحب “سمر” .. طبعاً شايفها أحسن منى مليون مرة .. وان هى دى البنت اللى تستحق تكون مراته

نظرت الى “آيات” بأعين دامعة وهى تقول بألم :

– عايزة أمشى من هنا يا “آيات” عايزه أروح أى مكان تانى غير هنا .. بس مليش مكان أروح فيه .. مش عارفه أروح فين

انفجرت “أسماء” فى البكاء مرة أخرى فأحاطتها “آيات” بذراعيها تشاركها عبراتها هى الأخرى وهى تشعر بالألم من أجلها !

************************************

التف “كريم” و “إيمان” حول طاولة الطعام .. بدت “إيمان” شاردة .. نظر اليها “كريم” متأملاً ثم قرب كفه من كفها .. فانتفضت .. وابتسمت بخجل وأبعدت كفها .. أسند مرفقيه على الطاولة وهو يقول بمرح :

– اللى واخد عقلك .. بتفكرى فى ايه

– أبداً .. مشكلة واحدة صحبتى جت على بالى

قال “كريم” بمرح :

– آه قولتيلى .. سرحانه فى واحدة صحبتك وانتى اعده معايا تانى يوم من كتب الكتاب .. لا بداية مبشرة

ابتسمت قالئه :

– أنا آسفة معلش

بادلها ابتسامته اوقال :

– ولا يهمك

أتى النادل بالطعام .. نظرت “إيمان” الى الطعام قائله :

– ايه كل ده .. أنا عاملة دايت أصلاً

ابتسم قائلاً :

– خلاص مش من مرة

قالت بحزم :

– لا من مرة .. المرة دى ممكن تبوظلى تعب اسبوع

نظر اليها قائلاً :

– مش المفروض بيكون يوم فرى كل اسبوع .. خلى النهاردة الفرى بتاعك

ابتمست قائله :

– انت شكلك كده هتبوظلى كل اللى بعمله

ضحك قائلاً :

– لا متقلقيش النهاردة بس .. وبعدين انتى مش محتاجة تنزلى كتير ..

قالت بتوتر ممزوج بالحرج :

– لا محتاجة أنزل كتير .. عشان بس هدومى واسعة فمش باين أنا محتاجة أنزل أد ايه

قال “كريم” وهو يشرع فى تناول طعامه :

– انتى دلوقتى عندك الجيم ومشرفة عليه كمان يعني مش صعب علييك انك تستمرى على الرياضة

قالت “إيمان” بحماس :

– أنا فعلاً من ساعة ما جيت هنا وأنا مستمرة على الرياضة وحتى خسيت عن الأول

ابتسم دون أن يعقب فقالت بتوتر وهى تخشى أن تجرحها اجابته :

– انت مش مضايق عشان أنا مليانه شوية ؟

قال “كريم” بهدوء :

– انا حابب انك تكونى أقل .. وعارف انك تقدرى .. ممكن بس يكون كان كسل منك أو حاجة .. بس عامة حتى لو منزلتيش فأنا مش هتفرق كتير بالنسبة لى .. بس أنا قولتلك اللى أنا حابه أكتر

ابتسمت وقد شعرت بالراحة والحماس :

– ان شاء الله هكون زى ما انت حابب

اقترب منها بوجهه هو ينظر الى عينيها بعمق قائلاً :

– ودى حاجة تفرحنى

ابتسمت بخجل وشرعت فى تناول طعامها هى الأخرى .. نظر اليها بسعادة قائلاً بمرح :

– بس اتطورنا عن امبارح .. يعني الحمد لله فى تقدم

ضحكت بخجل قائله :

– هى أول طلعة بس اللى بتكون صعبة

ضحك هو الأخر قائلاً :

– ماشى

ثم نظر اليها بخبث وغمر بعينه هو يقول :

– عقبال ما نفتح على الرابع

احمرت وجنتاها خجلاً وأشاحت بوجهها .. سمعته يطلق ضحكة رنانه .. أسعدت قلبها وطربت لها أذنيها

عبر “كريم” بسيارته بوابة القرية وأوقفها أمام المبنى الذى يحوى صالة الألعاب والتفت اليها قائلاً :

– اشوك فى اجتماع بالليل ان شاء الله

ابتسمت قائله :

– ان شاء الله

كادت أن تهم بالإنصراف لكنها عدلت عن رأسها ونظرت اليه قائله :

– ممكن أسألك عن حاجة

ابتسم قائلاً وهو يلتفت اليها :

– آه طبعاً اتفضلى

صمت قليلاً تحاول البحث عن كلمات مناسبة لتصوغ عبارتها .. ثم قالت :

– انت ليه اخترتنى أنا بالذات .. وبالسرعة دى .. يعني كل حاجة حصلت فجأة .. وبعدين احنا متكلمناش مع بعض ولا حاجة .. يعني ليه حسيت انك عايز تتقدملى أنا وكمان كتب كتابة مش خطوبة

نظرت اليه تنتظر جواباً لأسئلتها .. التفت بجسده اليها ونظر اليها قائلاً بجدية :

– بصى يا “إيمان” .. أنا شخص عملى شوية .. يعني عندى واحد زائد واحد يساوى اتنين .. كنت بدور على زوجة بمواصفات معينة .. والصفات دى فعلا لقيتها فيكي .. وعشان كده مترددتش لحظة

سألته بصوت خافت :

– ايه هى الصفات دى

ابتسم لها بحنان قائلاً :

– أولا انها تكون انسانه ملتزمة وعارفه ربنا وده لمسته فيكي من لبسك ولما كنتى بتغضى بصرك لما بتشوفيني .. كمان أنا بحب البنت الخجولة الحييه .. وده لمتسه فيكي كل ما بقابلك .. يمكن دى أكتر صفة أنا كنت حابب انى أور عليها وألاقيها فى الانسانه اللى ارتبط بيها .. كمان كنت عايز واحدة باره بأهلها .. وده لمسته من كلام مامتك عنك .. كمان كنت عايزها من بيت طيب .. لان اخواتها دول هيبقوا خيلان ولادى .. وطبعاً اخوكى “على” ما شاء الله عليه راجل محترم جداً .. وكمان مامتك وباباكى ناس طيبين .. كنت عايز واحدة متحطش راسها براسى يعني واحدة أحس بضعفها وبانها أنثى وده لمسته ساعة المشكلة اللى فى الاجتماع الأول لما مشيتيى وسيبتى الاجتماع .. كان ممكن تقفى وتسمعيني كلمتين فى العضم .. بس انتى مشيتي بهدوء.. ولما عرفتى انك فهمتيني غلط وحسيتى بالذنب مكنتيش عارفه تتعاملى معايا ولا عارفه تواجهيني .. وغير ده كله أنا حسيت بإنجذاب نحيتك .. ودى مش هقدر أفسرها لانها حاجه تتحس متتقلش .. حاجه بتحسيها بقلبك وبتلاقيه بيقولك هى دى الإنسانه المناسبة ليك .. وطبعاً أولاً وأخيراً الاستخاره والاستشارة .. وأنا استخرت ربنا .. واستشرت “آيات” وسمعت عنك كل خير

ابتسمت “إيمان” وأومأت برأسها وقد أشعرتها كلماته بالراحة .. أمسك يديها فارتجفت بين أصابعه .. نظرت الى عينيه التى تحتويها وهو يقول :

– انتى بأه وافقتى عليا ليه ؟

ابتسمت بخجل وقالت وهى تنظر الى يدها التى فى يده :

– حسيت انك انسان محترم ومعارف ربنا .. وكمان “على” اتعامل معاك وشكر فى أخلاقك جداً .. وكمان “آيات” شكرت فيك .. واستخرت ربنا ووافقت

نظر اليها متفحصاُ قائلاً بخبث :

– بس كده .. يعني محستيش بأى كيميا خالص

توردت وجنتاها خجلاً وسحبت يدها من يده

فقال بعتاب :

– ماشى وأنا اللى كنت فاكرك .. بس خلاص هعمل ايه حظى كدة

نظرت اليه بأشاح بوجهه عنها .. تمتمت بحزن :

– انت زعلت

لم يجيبها فقالت :

– انا بتكسف على فكرة .. يعنى حتى لو حسه بحاجه مش هعرف أقول دلوقتى

التفت اليها قائلاً وهو رفع أحد حاجبيه :

– ماشى .. وأنا هستنى .. كده عليكي ليا حاجتين .. الأول اعتراف مهم .. والتانى الدبلة اللى لبستها لنفسى امبارح

ضحكت فقال بمرح :

– مش هتنازل عن حقى على فكرة .. خلى بالك يعني

أومأت برأسها ونزلت من السيارة .. ابتسم لها قبل أن ينطلق الى الجراح ليصف سيارته وينزل متوجهاً الى مكتبه

**************************************

سار “آدم” مع والدته فى الممر الذى يحوى مكاتب الموظفين بالقرية .. توقفا أمام مكتب “آيات” فأشارت له أمه بالابتعاد .. ابتعد خطوات للخلف .. طرقت الباب فأتاها صوت “آيات” آذناً بالدخول .. شعرت “آيات” بالدهشة وهبت واقفة وهى ترى والدة “آدم” أمام الباب .. أقبلت نحوها قائله بترحاب :

– أهلاً وسهلاً ازى حضرتك يا طنط

اقترب منها والدة “آدم” وأغلقت الباب وهى تقبلها قائله :

– الحمد لله يا بنتى ازيك انتى

غادر “آدم” بعدما دخلت والدته وأغلقت الباب خلفها .. دعا الله أن تأتى تلك الزيارة بنتيجه ترضيه

أجلستها “آيات” على الأريكة بالمكتب وجلست بجوارها .. نظرت اليها أم “آدم” متفحصة .. بدت مختلفة عن ذى قبل بملابسها الواسعة الفضفاضة و حجابها الطويل ووجها النظيف الخالى من مساحيق الجميل .. تمتمت مبتسمة :

– بسم الله ما شاء الله .. ربنا يفتح عليكي يا بنتى

ابتسمت “آيات” وهى مازات تشعر بالدهشة من تلك الزيارة .. ربتت والدة “آدم” على قدمها قائله :

– بصى يا بنتى .. انا جايه أقولك كلمتين .. ومعلش استحميلنى واعتبريني زى أمك

قالت “آيات” على الفور :

– طبعاً يا طنط اتفضلى

قالت أم “آدم” :

– أنا جايه أتكلم معاكى عن ابنى “آدم”

تجمدت ملامح “آيات” وهى تقول :

– أنا مش حابه أتكلم عنه يا طنط بعد اذنك

قالت أم “آدم” بحزم :

– اسمعيني ولو معجبكش الكلام ارمه ورا ضهرك ولا أكنك سمعتيه

نظرت اليها “آيات” بتوجس .. قالت أم “آدم” :

– ابنى غلط غلط كبير أوى .. فى حق ربنا وفى حق نفسه وفى حقى وفى حقك انتى كمان .. بس مين يا بنتى مبيغلطش .. طول ما الانسان عايش فى الدنيا دى بيغلط وبيتوب .. وربك بيغفر ويسامح .. يبقى احنا يا بنى أدمين مش هنسامح بعض

قاطعتها “آيات” قائله بشئ من الحدة :

– بس دى قدرات .. فى حد ممكن يسامح وحد لأ .. فى غلط ممكن الواحد يفغره وغلط لا صعب الواحد ينساه .. وحتى لو سامحت .. مش ممكن هنسى .. هفضل مجروحه منه .. والأصعب انى هفضل أحتقره .. أنا مبقتش بحترمه يا طنط .. مش قادره أحترمه

رمقتها أم “آدم” بحزن وهى تستمع الى مشاعرها تجاه ابنها .. فتنهدت قائله :

– يا بنتى اللي عايزاكى تعرفيه ان ابنى بيحبك أوى .. والله بيحبك .. والله ابنى اتغير وبيحبك .. ده كان بيعد طول الليل قدام القبر مش عايز يمشى .. فضل يا كبدى عليه زى ما يكون هو اللى مات .. لا بياكل ولا بيشرب وآفل على روحه بيصلى وبيقرا قرآن

خفق قلب “آيات” وهى تتخيل حال “آدم” الذى وصفته أمه .. وهو يظن بأنها ماتت وأنه دفنها بيده .. أكملت أمه :

– لما عرف انك عايشة بقت الدنيا مش سايعاه من الفرحة .. بأه نفسه يجيلك ويتأسفلك .. ولما اتكلم معاكى وصدتيه كان بيتقطع من جوه .. والله “آدم” تاب يا “آيات” ورجع عن الطريق اللى كان ماشى فيه .. لو مكنش تاب بجد مكنش حاله اتغير لما افتكرك متى .. لو مكنش تاب بجد مكنش ساب الشغل فى القرية التانية رغم انه كان بيقبض منها فلوس أد كده .. بس هو ساب الحرام يا بنتى .. وكل ده قبل ما يعرف انك عايشة .. يعني مسبش الحرام عشانك . .لأ سابه عشان ربنا يا بنتى .. يعني تاب من قلبه بجد

نظرت اليها “آيات” بمزيج من الحيرة والخوف والألم .. فربتت على قدمها قائله :

– فكرى يا بنتى .. فكرى وشوفى قلبك هيرسيكي على ايه .. انا بس حبيت أجى وأقولك الكلام ده بنفسى .. لانى عارفه ان “آدم” حاول يتكلم معاكى كتير وانتى بتصديه .. فاكراه بيضحك عليكي تانى .. قولت آجى وأقولك وأكيد أنا ست كبيرة مش هضحك عليكي ولا أغشك

أطرقت “آيات” برأسها فقال أم “آدم” وقالت :

– أنا همشى يا بنتى وربنا ينور قلبك ويرزقك الخير انتى و “آدم” ابنى .. حتى لو رفضتيه فده حقك يا بنتى محدش يقدر يجبرك على حاجة انتى مش عايزاها .. لو رفضتيه ربنا يباركلك ويرزقك باللى أحسن منه .. ويباركله ويرزقه باللى تسعد قلبه

ظلت “آيات” محتفظة بصمتها فقالت أم “آدم” وهى تخرج هاتفها من حقيبتها :

– هاتى رقمك يا بنتى وخدى رقمى خليه معاكى .. خلينا نسأل على بعض ونود بعض .. بعيد عن ابنى “آدم” وبعيد عن حكايتك معاه

تبادلا أرقام الهواتف ورحلت أم “آدم” بينما ظلت “آيات” جالسه مكانها على الأريكة .. تشعر بمشاعر كثيرة متضاربه بداخلها .. لكن أقسى شعور فيهم كان .. الخــوف .. الخوف من أن تُخدع مرة أخرى !

تنهدت وقامت لتغادر مكتبها بعدما شعرت بحاجتها الى استنشاق الهواء المنعش .. خرجت لتتقابل مع “إيمان” التى ابتسمت لها قائله :

– هتحضرى اجتماع بالليل ؟

تمتمت “آيات” :

– أيوة ان شاء الله

نظرت اليها “إيمان” وهى تتذكر حديث “أسماء” عن “على” وقالت لها :

– فى حاجة مضايقاكى يا “آيات”

أخذت “آيات” نفساً عميقاً ثم قالت :

– مش حاجة محددة .. تقدرى تقولى حاجات

اتعست عينا “إيمان” وهى تنظر الى نقطة خلف “آيات” .. ثم قالت بدهشة :

– بصى شوفى مين واقف مع “أسماء”

التفتت “آيات” لتتسع عيناها دهشة هى الأخرى .. رأت “آدم” واقفاً مع “أسماء” يتحدثان كمان لو كان بينهما حديثاً خاصاً وكل منهما يتطلع الى الآخر بإهتمام .. قالت “إيمان” وهى مازالت ترمقهما بنظراتها :

– يا ترى عايز منها ايه

حانت من “آدم” التفاته فرآى “آيات” تنظر تجاهه .. تأمل ملابسها الواسعة وحجابها الطويل بمزيج من الدهشة والإعجاب .. التفتت “آيات” وقالت لـ “إيمان” :

– هروح أشوف شغلى

دخلت “آيات” المبنى مرة أخرى وهى تتساءل بداخلها عن الحديث الذى يجمع بين “آدم” و “أسماء” فى تلك اللحظة

فى تلك اللحظة قالت “أسماء” لـ “آدم” بضيق :

– أرجوك يا دكتور ده موضوع يخصنى

قال لها “آدم” بحزم :

– بس والدك قلقان عليكي جداً .. واترجانى انى لو عرفت أى حاجه عنك أبلغهاله

قالت بضيق :

– أنا مش عايزه حد منهم يعرف مكانى .. أصلاً أنا مش فارقة معاهم .. محدش فيهم مهتم بيا .. هو تلاقى بس الناس كلت وشه لما مشيت فحب يرد اعتباره

نظر اليها “آدم” بإهتمام قائلاً :

– أنا مش عارف انتى لسه بتقولى كده .. بس الراجل فعلاً كان هيموت من قلقه عليكي .. وأنا مقدرش أبقى عارف مكانك وساكت .. انا لما شوفتك دلوقتى استغرب جداً .. لانى مكنتش متوقع انك تكونى هنا مع “آيات” .. ول كنت أعرف من الأول كنت كلمتك وعرفتك ان والدك بيدور عليكي

– لو سمحت يا دكتور “آدم” .. متقولوش حاجه

تنهد “آدم” قائلاً :

– بصى يا “أسماء” أنا اديته كلمه ووعدته انى لو عرفت مكانك هعرفه .. وهو فعلاً قلقان عليكي .. هديكي فرصة تظبطة أمورك ونفسيتك تهدى كده وبعدين هكلمه وأقوله على مكانك .. ماشى ؟

أومأت برأسها بإستسلام وقالت :

– ماشى .. بس متكلموش غير لما تعرفنى الأول

أومأ برأسه قائلاً :

– خلاص ماشى

فى تلك اللحظة أقبلت أم “آدم” فعرفهما “آدم” ببعضهما البعض ثم استأذنت “أسماء” للانصراف .. قال “آدم” الى أمه بإهتمام :

– عملتى ايه يا ماما ؟

ابتسمت قائله :

– كل خير يا حبيبى .. قولتلها كلمتين طلعوا من قلبي .. واللى ربنا رايده هيكون

ربتت على كتفه قائله :

– لو ليك نصيب فيها هتاخدها يا ابنى ومحدش هيقدر يقف قصادك .. أما لو ربنا مش كاتبهالك يبقى ترضى بنصيبك يا حبيبى وربنا ان شاء الله هيرزقك بغيرها

أطرق “آدم” برأسه وقلبه يصرخ : لا أتمنى غيرها .. أرجوك يارب ارزقنيها

فى تلك اللحظة خرج “كريم” من المبنى .. فإبتسم “آدم” فى وجهه قائلاً :

– أستاذ “كريم” لو سمحت

أقبل “كريم” فعرفهما “آدم” قائلاً :

– أستاذ “كريم” مدير القرية يا ماما

نظرت اليه أم “آدم” ببشاشه وقالت :

– أهلاً بيك يا ابنى ما شاء الله ربنا يحميك من العين

ابتسم “كريم” وقال :

– تسلمى يا حاجه

نظرت اليه بإعجاب وقالت :

– ما شاء الله قرية تشرح القلب .. ده انا كنت فى القرية التانية قافله على نفسى الباب وحبسه نفسى فى الشاليه ليل ونهار مكنتش بحب أخرج .. كنت بحس أستغفر الله انى فى مكان كله غضب من ربنا .. أما هنا ما شاء الله الواحد بيحس ان قلبه بيرفرف كده وهو ماشى فى القرية .. ربنا يباركلكوا يارب

اتسعت ابتسامة “كريم” وهو يقول :

– وأنا مبسوط جداً ان القرية عجبت حضرتك

قالت والدة “آدم” بحماس :

– عجبتنى أوى .. ده كفاية انكوا مبتعملوش حاجة تغضب ربنا .. والله الواحد كان خايف غضب ربنا ينزل على القرية التانية وهو فيها زى ما غضب ربا نزل على “عاد” و “ثمود” وأهلك اللى فيها كلهم بالمعاصى اللى كانوا بيعملوها .. بس هنا الحمد لله الواحد قلبه مستريح .. وكفاية يا ابنى ان مالكوا حلال .. أصل الحرام ده ربنا مبيباركش فيه .. بييجى من هنا والبركة تضيع من هنا .. ربنا يرزقكوا ويوسع عليكوا يارب

تمتم “كريم” :

ربنا يباركلك يا حجه تسلمى على الدعاء الجميل ده

ثم نظر الى “آدم” قائلاً :

– متنساش اجتماع بالليل يا دكتور

أومأ “آدم” برأسه مبتسماً وهو يقول :

– لا متقلقش مش ناسى

***************************************

أثناء انهماك “زياد” بجولته الإشرافية على الشاطئ .. رأى مجموعة من الأطفال يلعبون بالكرة .. دخل بينهم والتقط الكرة بقدميه وظل يأتى بحركات احترافيه .. نظر اليه الأطفال فى اعجاب ثم .. شرع فى اللعب معهم والأطفال يضحكون ويمزحون بمرح .. اندمج “زياد” فى اللعب بالكره مع الأطفال وقد تعالت ضحكاتهم وصيحات الإعجاب بلعب “زياد” المحترف .. فجأة تعالت الأصوات على الشاطئ بالصراخ فأحد الأطفال يغرق فى الماء .. اندفع “زياد” بسرعة ناحية البحر وأخذ يجدف بيديه وقدميه الى أن انتشل الطفل من الماء .. وضعه على الأرض ليجد وقد انقطع تنفسه تماماً .. لم ينتظر للبحث عن أهل الطفل بل انطلق كالمجنون متوجهاً الى .. عيادة الأطفال !

سمعت “سمر” هرج ومرج بالخارج وصت رجل يصيح :

– فين الدكتورة اللى هنا الولد هيموت

خرجا “سمر” من مكتبها مسرعة مرتدية معطفها الأبيض .. هتفت :

– ايه فى ايه ؟

لم يجيبها “زياد” بل اقتحم الغرفة .. وخرجت الأم التى كانت عندها فى المكتب ومعها طفلها بعدما رأت “زياد” يمدد الطفل فوق سرير الفحص وهو يصيح بأنفاس متقطعة :

– الولد غرق فى البحر .. مبيتنفسش

أبعدت “سمر” “زياد” بيدها وهوت على صدر الطفل بسماعتها .. لا تنفس .. لا نبض .. قامت على الفور بعمل تنفس صناعى للطفل .. وقف “زياد” قراقبها وهى تعمل بسرعة وبإصرار .. لم يتحرك الطفل ظل ساكناً .. لمعت العبرات فى عين “زياد” مختلطة بالماء الذى بلل عيينه ووجهه وملابسه بالكامل .. وأخيراً شهق الطفل بقوة فقامت “سمر” على الفور بإمالته ليستطيع اخراج كل الماء المحتبس داخل رئتيه .. كح الطفل بقوة الى أن سكن .. نظرت اليه “سمر” تتفحصه وتمتمت بقلق :

– حبيبى انت كويس .. حاسس بإيه

أشار الى صدره وهو يبكى قائلاً :

– هنا بيوجعنى

نظرت بشفقة وألم الى الطفل ذو الخامسة من عمره .. ومسحت على شعره قائله بحنان :

– معلش ده من التنفس الصناعى اللى عملتهولك .. شوية وهتبقى كويس

أومأ الطفل برأسه والدموع فى عينيه .. أخذ “زياد” يتمتم فى خفوت :

– الحمد لله .. الحمد لله

التفتت اليه “سمر” بحده وقد كادت أن تنسى وجوده .. نظرت اليه قائله :

– وحضرتك كنت فين لما كان بيعوم فى البحر ؟

قال “زاد” بانفاس متقطعة :

– كنت بـلعب مع ………

قاطعته هاتفه بغضب :

– كنت بتلعب .. بتلعب وسايب ابنك يعوم لوحده فى البحر وهو فى السن الصغير ده

نظر اليها “زياد” يحاول افهامها الوضع :

– لا أنا …….

لكنها قاطعته وهى تنظر اليه بإحتقار قائله :

– انت معندكش ضمير ولا عندك احساس .. اللى زيك خسارة ان ربنا ينعم عليه بنعمة الأطفال .. لما تسيب طفل صغير زى ده يعوم فى البحر لوحده وتقولى انك كنت بتلعب تبقى بجد متستاهلش تكون أبوه

نظر اليها “زياد” بحده هاتفاً :

– افهمى الأول وبعدين اتكلمى

قاطع صياحهما فى وجه بعضهما البعض دخول رجل الى غرفة الفحص وهو يهتف بلوعة :

– محمد فين ؟

نظر الى الفراش ثم أسرع بمعانقة الصغير وهو يبكى قائلاً :

– محمد انت كويس .. يا حبيبى

نظرت اليه “سمر” بدهشة عندما قال الطفل بصوت باكى :

– أنا خايف يا بابا

رفعت “سمر” نظرها لتنظر الى “زياد” الذى عقد ذراعيه أمام صدره وهو يرفع حاجبيه وينظر لها بقوة .. شعرت بالخجل لأنها صبت جام غضبها على الشخص الخطأ .. التفت والد الطفل قائلاً بصوت مضطرب :

– هو كويس يا دكتورة

قالت بحزم :

– أيوة كويس .. بس لو سمحت خد بالك منه بعد كده .. ده صغير مينفعش ينزل البحر لوحده

قال “زياد” بلؤم وبنبره بارده :

– ايه الهدوء ده .. مش هتسمعيه الموشح اللى سمعتيهولى من شوية ؟

أشاحت “سمر” بوجهها عنه بينما نظر اليه الرجل بإستغراب ثم عاد ينظر الى “سمر” قائلاً :

– أقدر أخده دلوقتى

قالت بإقتضاب :

– أيوة اتفضل

حمل الرجل ابنه وغادر غرفة الفحص .. التفتت تنظر الى “زياد” الذى مازال يعقد ذراعيه أمام صدره ثم قال :

– مش ناوية تعتذرى ؟

قالت بحزم :

– لأ .. اتفضل اطلع عشان فى كشوفات بره

أومأ برأسه وقال قبل أن يغادر :

– ماشى .. هسامحك بس عشان مراعى الخضة اللى كنتى فيها

خرج “زياد” وعادت “سمر” الى ممارسة عملها المعتاد

**********************************

جلس “زياد” بصحبة “آدم” فى مطعم القرية يتناولان طعامهما .. قال “زياد” :

– وبعدين .. خالتى قالتلك تتفائل ولا تصرف نظر يعني ؟

تنهد “آدم” قائلاً :

– معرفش .. قالتلى لو نصيبك هتاخدها ولو مش نصيبك ربنا يرزقك باللى تسعدك

قال “زياد” وهو يرشف من كوبه :

– بصراحة انت مفيش فى ايدك حاجة تعملها يا “آدم” .. يعني بعد زيارة خالتى ليها لو هى لسه مصره على الرفض .. يبأه خلاص يا ابنى انساها

توقف “آدم” عن تناول طعامه وهو ينظر الى “زياد” قائلاً :

– أنساها ؟

ترك الملعقة من يده واستند بمرفقيه فوق الطاولة وهو يقول :

– “زياد” .. أنا لما حبيت “آيات” .. حبيت فيها برائتها وحنيتها وطيبة قلبها .. لكن دلوقتى أنا مش بحب “آيات”

نظر اليه “زياد” فأكمل “آدم” بحزم :

– أنا بعشقها

تبادلا النظرات قليلاً .. ثم قال “آدم” :

– “آيات” اتغيرت .. معدتش “آيات” بتاعة زمان .. شخصيتها بأت أقوى بكتير .. بأت بتعرف تتحمل المسؤلية .. بأت بتعرف تقف على رجليها .. بأت بتعرف تتحدى وتقاوم .. بأت واثقة فى نفسها جداً .. أنا لو كنت بحبها قبل كدة 70% فأنا دلوقتى بحبها 100%

صمت وهو يتطلع الى البحر بجواره يسمع هدير أمواجه ثم قال :

– “آيات” مبتعرفش تكره .. يمكن دى أكتر حاجة جذبتنى ليها فى البداية .. قلبها أبيض أوى ونضيف أوى مبتعرفش تكره .. مبتعرفش تحقد على حد ولا تأذى اللى أذاها

ثم نظر الى “زياد” قائلاً بحماس :

– انت متعرفش يا “زياد” “آيات” كانت بتحبنى ازاى .. مكنتش بتسمع كلامها ليا ولا بتشوف نظراتها ولهفتها وخوفها عليها .. مكنتش بتحس اللى أنا بحسه .. “آيات” كانت بتحبنى جداً وأنا واثق انها حتى لو كانت دلوقتى مجروحه منى .. إلا ان مستحيل تكون كل مشاعرها ماتت .. أكيد لسه فى ولو جزء بسيط

قال “زياد” :

– بس يا “آدم” هى معدتش بتثق فيك .. معدتش هتقدر تستمر معاك وانت جارحها كده .. صعب عليها

تنهد “آدم” قائلاً بحزم :

– بالعكس .. “آيات” لو اتجوزت واحد تانى غيري وكونت معاه أسرة وشلتنى من حسابتها .. مستحيل هتنسى الجرح اللى جرحتهولها .. هيفضل معلم جواها .. حتى لو حبت التانى ده .. برده مستحيل تنسى مشاعرها نحيتي ولا تنسى انى كنت السبب فى ان قلبها يتكسر .. لكن لو رجعتلى أنا هنسيها الألم اللى شافته بسببى .. لو رجعتلى هداوى جرحها يا “زياد” وهتنساه ومش هتفتكره تانى .. مش هيألمها تانى

صمت “زياد” لا يدرى ما يقول .. فأكمل “آدم” :

– لو كانت اللى موجودة دلوقتى هى “آيات” القديمة .. كان ممكن أحاول أنساها وأدور على غيرها .. لكن دلوقتى لأ .. مش هقدر .. دلوقتى بقت البنت اللى بحلم بيها فعلاً .. زمان قولتلها انتى فتاة أحلامى ومكنتش حاسسها .. لكن دلوقتى بقولها ومن قلبي .. “آيات” هى فتاة أحلامى يا “زياد” ازاى أسيبها تضيع من ايدي

طرق على الطاولة بقبضته وهو يقول بحزم :

– أنا واثق انها لو اتأكدت انى اتغيرت هترجعلى .. هى بس محتاجه تتأكد انى اتغيرت وانى مش هخدعها تانى ولا هكدب عليها تانى .. هى دى مشكلتى انى أثبتلها ده .. لو قدرت فعلاً أخليها تصدقنى .. أنا واثق انها هترجعلى .. عشان كده مش هستسلم .. لازم أخليها تصدقنى

نظر “زياد” الى ساعته قائلاً :

– طيب يلا عشان منتأخرش على الإجتماع

****************************************

قرأ “عاصى” أحد عناوين الصحف بغضب بالغ :

– بنت عائلة اليمانى .. ترفض العمل فى قرية عمها بسبب تدنى مستوى العمل بها

كرمش الجريدة بين قبضتيه بقوة وهو يهتف :

– أهو ده اللى كنت خايف منه .. ماشى يا بنت “عبد العزيز” .. خليتي اللى يسوى واللى ميسواش يتكلم عننا .. إما وريتك مبقاش أنا “عاصى”

فوجئ “كريم” بـ “أحمد” أمامه بالمكتب فهب واقفاً وهو يسلم عليه قائلاً :

– أهلاً أهلاً يا “أحمد” ازيك

ابتسم “أحمد” قائلاً :

– تمام الحمد لله ازيك انت

– الحمد لله اتفضل اعد

جلس “أحمد” مواجهاً ل “كريم” الذى قال :

– ناوى تحضر اجتماع النهاردة ولا ايه .؟ .. هيكون أول اجتماع يشارك فيه دكتور “أدم” و “زياد”

قال “أحمد” بتوتر :

– بصراحة أنا جايلك عشان حاجة تانية .. بس ده ميمنعش انى هحضر الاجتماع ان شاء الله

وضع “كريم” مرفقيه فوق المكتب قائلاً :

– خير يا “أحمد”

تنحنح “أحمد” بضع مرات قبل أن يقول :

– بصراحة انا عايز أطلب منك ايد الآنسة “آيات”

بُهت “كريم” قليلاً .. فقال “أحمد” :

– أتمنى تعرض الأمر عليها وأنا منتظر رأيها ان شاء الله .. وإذا كانت موافقة ان شاء الله فأنا هجيب بابا وماما ونيجي نتقدملها رسمى ونطلبها منك

أومأ “كريم” برأسه قائلاً :

– خلاص هقولها ان شاء الله

اتسعت ابتسامة “أحمد” وهو يقول :

– وأنا متفائل ان شاء الله

قالت “آيات” لـ “سمر” قبل أن تدخل الإجتماع :

– يا بنتى هتعملى ايه لوحدك فى الشقة تعالى اعدى فى المكتب على ما الإجتماع يخلص

قالت “سمر” بحرج :

– هتحرج يا “آيات”

هتفت “آيات” :

– يا بنتى هتتحرجى من ايه .. بقولك هتعدى فى جمب لحد ما نخلص

دخلت “آيات” بصحبة “سمر” الى مكتب “كريم” .. وفوجئت بوجود “أحمد” بالداخل الذى هب واقفاً وابتسم اليها .. أشاحت بوجهها والتفتت الى “كريم” .. ألقت التحية وعرفتهما على بعضهما البعض .. فقال “كريم” :

– متشكرين يا دكتورة على اللى عملتيه النهاردة وآسفين على تعبك معانا

قالت بحرج :

– لا أبداً مفيش مشكلة .. أنا كنت مبسوطة وأنا بشتغل فى العيادة النهاردة

التف الجميع حول طاولة الإجتماع بإستثناء “سمر” التى جلست على الأريكة الموجودة بالمكتب .. تسمرت مكانها عندما رأت “زياد” الذى دخل المكتب برفقة “آدم” .. نظر اليها “زياد” بدهشة وهو لا يعلم سبب وجودها فى مكتب “كريم ” .. أشاحت بوجهها بعيداً عن نظراته .. ألقى “آدم” نظره على “آيات” الجالسه بجوار “كريم” .. ثم جلس فى مكانه على الطاولة مواجهاً لـ “كريم” .. بعد قليل حضر “على” برفقة “إيمان” .. اندهش “على” لوجود “سمر” بالمكتب .. توترت “سمر” لرؤيته .. وهو أيضاً بدا عليه التوتر .. وفى النهاية حضرت “أسماء” .. و.. بــدأ الإجتمــــاع

مال “زياد” على “آدم” قائلاً :

– مين البنت اللى أعده ورا دى ؟

ألقى “آدم” نظرة على “سمر” ثم قال :

– مش فاكر اسمها .. صاحبة “آيات”

ثم قال بأسى وهو يتذكر يوم خطبتهما :

– حضرت خطوبتنا

التفت “زياد” ليلقى نظرة على “سمر” التى أشاحت بوجهها الى الجهة الأخرى بمجرد أن التفت نظراتهما .. بدا على “على” الشرود .. وكأنه فى مكان آخر غير هذا الإجتماع .. أما “آدم” فقد جاهد نفسه بصعوبة ولم يوجه عينيه تجاه “آيات” .. حتى لا يثير غضب “كريم” الجالس قبالته .. التفتت “أسماء” تنظر الى “سمر” ثم تعود لتنظر الى “على” فى أسى غير عابئ بنظراتها غير “آيات” التى شعرت بالأسى لما تعانيه صديقتها من حب مستحيل .. نظرت “إيمان” مبتسمة الى “كريم” أثناء حديثه .. فإنتهز فرصة أنهماك الجميع وغمز لها بعينه فأشاحت بوجهها ووضعت أصابعها على فمها تكتم ضحكتها .. شعر “آدم” بنظرات “أحمد” المتحدية التى يصوبها تجاهه بين الحين والآخر .. عقد ما بني حاجبيه فى حيرة .. لا يدرى سبب تلك النظرات .. انتهى الإجتماع .. فرحلت الفتيات .. وبقى الرجال فى مكتب “كريم” .. استأذن “آدم” للإنصراف بينما انخرط “زياد” و “على” فى الحديث مع “كريم” .. ابتعد “آدم” عن المكتب بضع خطوات ليسمع صوت “أحمد” من الخلف يقول :

– لحظة يا دكتور

التفت اليه “آدم” .. فوقفت “أحمد” فى مواجهته وفى عينيه نفس النظرة .. أطرق برأسه لبرها ثم نظر اليه قائلاً :

– مبروك على شغلك الجديد

قال “آدم” ببرود :

– الله يبارك فيك

وضع “أحمد” يديه فى خاصرته وهو يقول :

– وشك حلو علينا .. أول يوم استلمت فيه شغلك اتكتب كتاب “كريم” و مراته .. وتانى يوم اللى هو النهاردة فى مبشرات لخطوبة قريب ان شاء الله

ابتسم “آدم” ببرود .. وهم بأن ينصرف فقال “أحمد” :

– مش هتسألنى خطوبة مين ؟

وقف “آدم” قائلاً بنفاذ صبر:

– خطوبة مين ؟

ابتسم “أحمد” بإستفزاز وهو يقول :

– خطوبتى

تمتم “آدم” ببرود :

– مبروك

قال “أحمد” وهو يرفع حاجبيه بتحدى :

– مش عايز تعرف مين العروسة ؟

تحولت نظرات “آدم” الى القلق والتوتر .. فاتسعت ابتسامة “أحمد” وهو يقول :

– “آيات” .. خطوبتى أنا و “آيات”

تسمر “آدم” فى مكانه وقد تجمدت تعبيرات وجهه ونظرات عينيه .. فربت “أحمد” على كتفه قائلاً بمرح مصطنع :

– يلا أشوفك بعدين يا دكتور

عاد “أحمد” الى مكتب “كريم” .. بينما وقف “آدم” حيث هو للحظات يحاول أن يستوعب تلك الصدمة .. ثم ما لبث ان التفت بعصبية أحث السير الى أن رآى “آيات” تسير بصحبة “سمر” و “إبمان” و “أسماء” متوجهين الى سكنهم .. فسار مسرعاً الى أن أصبح بينها وبينه عدة خطوات فهتف :

– “آيات”

التفت الأربع فتيات بحدة .. توقفت “آيات” وهى تنظر اليه بإستغراب .. اقترب ووقف أمامها .. كانت تعبيرات الغضب على وجهه .. وعيناه بدتا فى منتهى القسوة .. نظرت اليه بدهشة .. فقال بحده :

– عايز أتكلم معاكى لو سمحتى

نظر الى الفتيات .. فابتعدن قليلاً ثم انحنت “إيمان” على “سمر” قائله :

– بلاش نبعد خلينا قريبين منهم .. مينفعش نسيبها لوحدها معاه

عقدت “آيات” ذراعيها أمام صدرها وهى تقول بتحدى :

– أفندم

رمقها بنظراته الغاضبة وقد تجعد جبينه بقوة وهو يقول بصرامة شديدة :

– اسمعى يا “آيات” .. أنا عارف انى غلطت فى حقك جامد أوى .. وجرحتك كتير .. وعشان كده أنا مستعد أتحمل أى عقاب انتى بتعمليه فيا دلوقتى لانى عارف انى أستحق كده

ثم رفع أصبعه محذراً أمام وجهها وهو يقول بغضب :

– بس لو وافقتى انك تتخطببى للى اسمه “أحمد” ده .. أو لأى راجل غيره .. فأنا هنساكى وأشيلك من قلبى يا “آيات”

نظرت اليه “آيات” بإستغراب عندما ذكر أمر خطبتها لـ “أحمد” .. أكمل “آدم” بنفس الغضب :

– والله ما هسامحك لو عملتيها .. عاقبيني زى ما انتى عايزه .. لكن تتخطبى لغيرى لأ

لانت نظراتها وبدت فى عينيها دموع لا تدرى سببها .. فاختفى غضبه وهو ينظر اليها قائلاً بحنان :

– خدى وقتك .. انا عارف انك صعب تسامحيني وصعب تصدقيني .. عارف ان ده مش هيحصل بسهولة .. أنا هفضل مستنى ان ده يحصل يا “آيات” .. بس لو سمحتى انتقمى منى بأى شكل انتى عايزاه .. إلا انك تتخطبى لغيرى

انهى حديثه ودار على عقبيه ليرحل من حيث جاء .. وقفت “آيات” تتابعه بنظراتها والعبرات مازالت فى عينيها .. وفى قلبها حيرة كبيرة !

الفصل التاسع والعشرون

صلوا على حبيبنا محمد

تمددت “آيات” فى ظلام غرفتها وهى تسمع تردد كلمات “آدم” فى عقلها .. تنهدت بقوة وهى تشعر بحيرة كبيرة بداخلها .. خاصة بعدما أخبرها “كريم” بعد عودته الى البيت

بتقدم “أحمد” لخطبتها .. وأنه لن يرحل من القرية قبل أن يحصل على ردها .. وطلب منها “كريم” استخارة الله عز وجل فى هذا الأمر

عاودت التفكير فى “آدم” مرة أخرى .. كيف يطلب مسامحتها .. كيف تستطيع أن تفعل .. أيظن أن أخطائه بتلك السهولة التى من الممكن غفرانها .. كيف تثق به مرة أخرى

.. كيف تثق بحبه ومشاعره مرة أخرى .. كيف تثق أنه تاب بالفعل .. لن تستطيع أن تتحمل صدمة أخرى .. يكفيها ما لاقت فى الفترة الماضية من صدمات مؤلمة .. لكن جزء

آخر من نفسها يقول .. لما لا تعطينه فرصه .. لما لا تصدقيه خاصة وانكِ فقدتِ الآن كل شئ .. فماذا يريد منكِ غير حبكِ وقلبكِ .. الله يغفر للعبد مالم يغرغر ..

فكيف لا تغفرين أنتِ .. أنتِ أيضاً فى حاجة أن تطلبى مغفرة الله ورضوانه .. فلكم عصيتيه .. ماذا سيكون شعورك لو رفض توبتكِ .. ألن تموتين قهراً وكمداً .. أطلقت

تنهيدة أخرى ثم قامت من مضجعها وتوضأت وصلت ركعات القيام التى تصليها كل ليلة .. وبعدما انتهت وقبل أن تصلى الوتر .. صلت صلاة استخارة !

وأثناء سجودها وأثناء ترديدها لدعاء الاستخارة .. استشعرت أنها بين يدي الله عز وجل وأنها تستخيره فى أمرها .. وعندما وصلت الى هذا الجزء فى الدعاء :

– اللهم ان كان “آدم” ……..

توقفت للحظة وقد انتبهت أنها ذكرت اسم “آدم” بدلاً من “أحمد” والذى من المفترض أن تستخير الله من أجل رغبته فى الزواج منها .. صمتت للحظة .. ثم عاودها خشوعها

وأكملت الدعاء كما خرج من قلبها أول مرة :

– اللهم ان كان “آدم” خيراً لى فى ديني ومعاشى وعاقبة أمرى فيسره لى وبارك لى فيه .. واللهم ان كان “آدم” شراً لى فى ديني ومعاشى وعاقبة أمرى فاصرفه عنى واصرفنى

عنه .. ثم اقدر لى الخير حيث كان وارضنى به .. انك على كل شئ قدير

انتهت من صلاة الفجر .. ونامت ملء جفونها

**********************************

فى صباح اليوم التالى .. وقفت “أسماء” فى الشرفة لا تريد الإجتماع معهن على مائدة الفطور .. فآخر ما تريده الآن هو رؤية “سمر” .. كان مجرد مرآها أمراً شاقاً

عليها .. كلما رأتها تذكرت بأن “على” فضلها هى عن جميع النساء .. وبأنه يراها وحدها زوجته المستقبليه .. وأنه ما أراد أحداً سواها .. كان هذا الشعور يطعنها

.. يقتلها .. يعذبها .. لكن للأسف تعلم أن عليها أن تعتاده .. فلعلها تسمع قريباً خبر خطبتهما !

تسللت نسمات الصباح تداعب الستائر المعلقة على شرفة البيت .. التفت “آدم” يتطلع الى السماء بزرقتها ونقائها .. تسللت الى أذنيه أصوات تغريد العصافير فوق الشجر

.. نهض من مكانه وترك جريدته الصباحية ووقف يستند الى سور الشرفة .. يعبئ رئتيه بهواء البكور المنعش .. رفع رأسه الى السماء فوقه .. تخيل الله عز وجل فوق ..بعيد

.. فوق سبع سماوات مما يقف الآن .. تأمل أن الله فوق عرشه .. مستوٍ عليه .. استواء يليق بجلاله وكماله .. تخيل الملائكة فى السماء .. تلبى أمر ربها .. تخيل

الجنة وخازنها .. أخذ يتساءل تُرى كيف شكلها .. كيف نعيمها .. تُرى أمن الممكن أن يدخلها .. من أى باب يدخل .. تذكر احدى خطب الجمعة التى سمعها منذ فترة قريبه

.. أن للجنة أبواب ثمانية .. احداها يسمى باب الصلاة .. يدخل منه المصلون القائمون الراكعون الساجدون آناء الليل وأطراف النهار .. واحداها باب الريان ويدخل

منه أهل الصيام الذين يكثرون من صيام النوافل بجانب الفرائض .. واحداها باب الأيمن وهو باب المتوكلين الذي يدخل منه من لا حساب عليه ولاعذاب .. واحداها باب

الصدقة .. واحداها باب الحج والعمرة .. واحداها باب الجهاد فى سبيل الله .. واحداها باب الكاظمين الغيظ والعافين عن الناس الذين يعفون عن مظالمهم .. واحداها

باب التوبـــه ! .. وهو مفتوح دائماً .. فى كل وقت وكل حين .. حتى تشرق الشمس من مغربها ..

شعر “آدم” بقشعريرة تسرى فى جسده وهو يتذكر كلام “كريم” عن شروط التوبة الصادقة .. والذى كان آخرها .. رد المظالم الى أهلها .. رفع نظره الى السماء مرة أخرى

وهو يقول فى نفسه .. تًرى أمن الممكن أن أدخل الجنة من ذاك الباب .. بــاب التوبــة !

أخذ نفساً عميقاً ثم دلف الى الداخل .. توجه الى خزانه ثيابه وانتقى منها ما يرتديه .. أقبل على والدته وقبل رأسها قائلاً :

– ماما .. انا مسافر القاهرة

نظرت اليه بدهشة قائله :

– خير يا ابنى

قال “آدم” بحزم :

– فى حاجة مهمة لازم أعملها

قبل رأسها مرة أخرى قائله :

– ادعيلي

رفع كفيها الى السكاء قائله :

– ربنا يهديك يا ابنى وينورلك طريقك ويردك بالسلامة

لم يستطع “آدم” تأجيل هذا الأمر .. يجب أن يقوم به .. والآن ! .. هاتف “كريم” ليخبره بأمر سفره .. كانت “آيات” الى جوار “كريم” فى المكتب فاستمعت الى “كريم”

وهو يقول :

– تيجي بالسلامة يا دكتور

سألت “كريم” وهى تتظاهر بالإنهماك فى تفحص الأوراق فى يدها :

– خير .. فى حاجة تخص القرية ؟

قال “كريم” وهو يعاود عمله :

– لا دكتور “آدم” مسافر القاهرة فبيعتذر انه مش هيقدر ييجى النهاردة

شردت “آيات” وهى تفكر فى سبب سفره المفاجئ الى القاهرة !

**************************************

وقفت تنظر اليه .. وهو منهمك فى ازاحة بعض ألواح الخشب المبعثرة وجمعها معاً فى مكان واحد .. اقتربت منه .. ووقفت أمامه .. التفت “على” اليها .. نظر اليها لبرهه

.. بدت له جامدة الملامح .. فى عينيها نظرة غريبة .. غض بصره .. واعتدل واقفاً وهو ينفض يديه فى بعضهما البعض .. قالت بجمود :

– ممكن أسألك عن حاجة؟

تمتم بهدوء :

– اتفضلى

بلعت “أسماء” ريقها وهى تقول :

– لو انا استغفرت ربنا على الحاجات اللى أنا كنت بعملها غلط ومكنتش أعرف انها غلط .. ربنا هيسامحنى ؟

أومأ برأسه وهو يقول بحماس :

– طبعاً طالما توبتى من قلبك

أومأت برأسها ثم قالت :

– وممكن الناس اللى حوليا تسامحنى ؟ .. ولا هيفضلوا فاكرين الحاجات الغلط اللى كنت بعملها ؟

صمت وقد ضاقت عيناه .. ألقى على وجهها نظرة يحاول فيها تبين مقصدها من السؤال .. لم تقابله الا ملامحها الجامدة الخالية من أى انفعال .. تنظر الى عينيه مباشرة

.. تبغى اجابه لسؤالها .. قال بحيرة :

– مش فاهم سؤالك .. تقصدى صحابك يعني .. أكيد هينسوا ويتعاملوا معاكى بناء على التغيير اللى حصلك

قالت بخفوت :

– لأ مقصدش صحابى

رفع عينيه مرة أخرى بدهشة .. هذه المرة لمح نظرة حزينه فى عينيها سرعان ما أخفتها قائله بصوت حاولت أن يبدو بارداً خالى من أى انفعال :

– صحيح نسيت أباركلك على كتب كتاب أختك .. مبروك لأختك .. وعقبالك انت و “سمر”

قالت ذلك ثم دارت على عقبيها دون أن يتمكن من الرد عليها .. شعر بالدهشة لعلمها بموضوع “سمر” .. تُرى أعلمت من “سمر” .. أهى من أخبرتها .. ولماذا كانت تتحدث

معه بتلك الطريقة الغريبة .. ترك ما بيده وتوجه الى “إيمان” فى الصالة الرياضية .. اتصل بها وأخبرها أنه ينتظرها بالخارج لعدم استطاعته الدخول فالمكان مخصص

للنساء فقط .. خرجت “إيمان” وهى تنظر اليه بقلق وقالت :

– فى ايه يا “على” ؟

نظر اليها “على” قائلاً بإهتمام :

– هى “أسماء” عرفت منين انى كنت متقدم لـ “سمر” .. انتى اللى قولتيلها ولا “سمر”

تحولت نظراتها الى الدهشة وهى تقول :

– انت ازاى عرفت ان “أسماء” عرفت بموضوع “سمر” .. انتوا بتتكلموا مع بعض فى مواضيع خاصة يا “على” ؟

زفر “على وقال بنفاذ صبر :

– سألتك يا “إيمان” سؤال جاوبيني عليه

قالت “إيمان” وهى تعقد ذراعيها أمام صدرها :

– سمعتنى وأنا و “سمر” بنتكلم عن الموضوع ده .. وعرفت انك كنت متقدم لـ “سمر” .. انت ليه مهتم بالموضوع ده ؟

لم يجيبها .. بل سألها بإهتمام :

– “سمر” كانت بتقولك ايه بالظبط .. يعني ايه اللى جاب سيرة الموضوع

– مفيش الموضوع اتفتح فجأة وكل اللى قالته “سمر” انها محتارة .. صلت استخارة بس مش عارفه تاخد قرار

أومأ “على” برأسها وصمت لبرهه .. ثم قال :

– و “أسماء” .. كان رد فعلها ايه لما عرفت ؟

ازدادت نظرات “إيمان” حدة وهى تقول :

– “على” فى ايه بالظبط .. حرام عليك لو كنت بتعشمها بحاجة .. البنت أصلاً فيها اللى مكفيها مهياش ناقصة

نظر اليها “على” وهو يعقد جبينه فى استغراب قائلاً :

– يعني ايه فيها اللى مكفيها .. انتى تعرفى عنها ايه بالظبط ؟

– أعرف ان مامتها وباباها على طول بينهم مشاكل جامدة .. وانها بنت وحيدة .. وان فى الآخر باباها طرد مامتها من البيت واتجوز واحدة تانية .. وطردها هى كمان ..

وراحت عاشت مع مامتها فى بيت جدها .. بس سابت البيت معرفش ليه وراحت عاشت مع “آيات”

شرد “على” فى كلام “إيمان” عن “أسماء” فقاطعت “إيمان” تفكيره وهى تقول بحزن :

– “على” ابعد عنها أحسن ..متخليهاش تتعلق بيك أكتر من كده

نظر اليها “على” بدهشة قائلاً :

– يعني ايه مخليهاش تتعلق بيا أكتر من كده .. مين قال انها متعلقة بيا أصلاً

هتفت “إيمان” بحده :

– أنا سمعتها وهى بتتكلم مع “آيات” عنك .. متعشمهاش بحاجة يا “على” والله البنت فعلاً مش متحمله صدمة

ضاقت عيناه وهو ينظر اليها قائلاً :

– سمعتيها بتقول ايه عنى ؟

بدا على “إيمان” التردد لكنها حسمت أمرها وقالت :

– سمعتها بتقول انها .. بتحبك

تجمدت نظرات “على” على “إيمان” وهو يحاول استيعاب هذ التصريح .. أكملت “إيمان” :

– أنا قولتلك عشان تبقى عارف وتاخد بالك من تصرفاتك معاها عشان متفهمكش غلط وتعشم نفسها على الفاضى

ثم لاحت سحابة حزن فى عينيها وهى تقول :

– الإحساس ده وحش أوى .. لما تتعشم بحاجة وتلاقيها ضاعت منك .. عشان كده مش عايزاك تكون السبب فى ان “أسماء” تحسه .. هى رغم انها عنيدة .. بس طيبة وغلبانه أوى

.. ومش عايزاها تتجرح

أومأ “على” برأسه وهو يشعر بضيق شديد .. ثم غادر واجماً دون أن ينطق ببنت شفه !

********************************************

شعرت “بوسى” بمزيج من الدهشة والخوف والفزع وهى تفتح الباب لتجد “آدم” ماثلاً أمامها .. هتفت بصوت مضطرب :

– “آدم” ! .. عايز ايه ؟

لم تنتظر رداً بل حاولت غلق الباب لكنه وضع قدمه يمنعها من غلقه .. جرت فى اتجاه الهاتف تنوى الإتصال بالأمن الموجود أسفل العمارة .. لكن “آدم” دفع الباب ودخل

وجذب الهاتف من يدها وهو يقول :

– استنى يا “بوسى” متخفيش

أخذت تتراجع الى الوراء وهى تنظر اليه بفزع قائله :

– اطلع بره يا إما هصوت وألم عليك العمارة

مدت لها “آدم” يده بذلك المغلف الكبير الذى كان يحمله .. والذى لم تنتبه اليه منذ البداية .. قال بهدوء :

– خدى يا “بوسى”

نظرت الى المغلف بشك ثم رفعت عينها تنظر اليه قائله وهى مازالت تشعر بالخوف :

– ايه ده

أخذ نفساً عميقاً ثم قال بحزم :

– دى الفلوس اللى شاركتيني بيها فى العربية والفلوس اللى خدتها منك وقولتلك انى هرجعهالك والفلوس اللى خدتها وما قولتش انى هرجعهالك

تحولت نظرات الخوف الى نظرات الدهشة فى عينيها فأكمل قائلاً :

– انا معرفتش أحسن المبلغ بالظبط .. بس أنا مملكش غير العربية ولسه بايعها حالاً .. هى طبعاً اتباعت بخسارة .. ودى كل الفلوس اللى استلمتها من صاحب الأجنس اللى

اشتراها .. خديهم عديهم وشوفى يكفوا انك تسامحيني وتنسى الدين اللى عليا ليكي ولا لأ

ازداد اتساع عينيها دهشة وهى تشعر بأنها ترى “آدم” آخر غير الذى تعرفه .. وقفت جامدة لا تتحرك .. فقال “آدم” وهو ينظر الى يده الممدودة بالمغلف :

– خدى يا “بوسى” .. عديهم وشوفى يكفوا ولا لأ

أخذت منه المغلف بتردد .. نظرت الى المال بداخله دون أن تقوم بعده ولكنها شعرت بأن المبلغ كبير .. يكفى ويفيض .. نظرت اليه وقالت :

– أنا حسه ان ده أكتر من الفلوس اللى خدتها منى ومن الفلوس اللى شاركتك بيها فى العربة

تنهد “آدم” بإرتاح وقال :

– طب الحمد لله .. كنت خايف ميقضوش

ثم قال بأسى :

– متنسيش انى كنت عايش هنا وانتى بتصرفى على البيت أكل وشرب وغيره .. يعني لو جينا حسبناها بالظبط هلاقى نفسى مديون ليكي .. بس أهم حاجة انك تسامحيني .. على

كل اساءه منى .. وعلى كل غلطة عملتها فى حقك .. من أول علاقتنا اللى كانت كلها غلط فى غلط

نظرت اليه “بوسى” مبتسمه وهى تقول :

– طبعاً مسامحاك يا “آدم” .. انت عارف انى مبعرفش أزعل منك أبداً

تركت المغلف من يدها على الطاولة .. وتوجهت الى باب البيت تغلقه .. ثم عادت تتهادى فى خطواتها .. وقفت أمامها تستند بيدها على صدره وهى تنظر الى عينيه بهيام

قائله :

– تعرف انك وحشتنى أوى .. رغم انى كنت خايفة منك لما شوفتك بس حسيت انك واحشنى اوى

أزاح “آدم” يديها بحزم .. وقال :

– سامحتيني على أى اساءه صدرت منى ؟

ابتسمت وهى تعيد وضع يديها على صدره قائله :

– أيوة يا حبيبى

أزاح يديها مرة أخرى وهو يقول :

– استغفرى ربنا يا “بوسى” .. حياتك كلها غلط .. لو متى دلوقتى عارفه مصيرك ايه ؟ .. استغفرى ربنا قبل ما تلاقى نفسك جوه القبر وبتندمى على كل ذنوبك الصغير قبل

الكبير

توجه الى باب البيت فتحه وخرج !

لأول مرة منذ سنوات يركب “آدم” المواصلات العامة .. كان قد نسى تلك المعاناة الشاقة التى تذكره بأيام ثانوى وبالجامعة حينما كان يتزاحم وسط الركاب ليستطيع أن

يجد مكاناً يقف فيه .. يعد الدقائق التى تفصله عن مكان نزوله فينزل بنفس الصعوبة التى صعد بها !

كان المنظر يبدو غريباً .. رجلاً وسيماً يرتدى حل أنيقة للغاية يرتاد المواصلات العامة ! .. كان معه ما يكفى ليركب أحد سيارات الأجرة .. لكنه لم يستطع مقاومة

اغراء ركوب الحافلة .. تذكر “آدم” ذو الثامنة عشرة ربيعاً والذى كان يرتاد تلك الحافلة يومياً للذهاب الى جامعته .. سابحاً فى بحر أحلامه وطموحاته .. بقلبه

النقى التقى وعينيه الشغوفتان .. وآماله العريضه التى يخطها عقله .. وعلى الرغم من مرور خمسة عشر عاماً .. إلا أنه فى تلك اللحظة شعر كما كان يشعر “آدم” ذو

الثمانية عشرة ربيعاً .. رغم الزحام الشديد فى هذ الوقت من اليوم .. ورغم وقوفه بطريقة غير مريحة .. الا أنه شعر بإبتسامه صغيره تلوح فوق شفتيه .. كان شعور

الرضا يغمر قلبه .. شعر بأنه أزاح حملاً ثقيلاً عن قلبه فصار خفيفاً يرفرف بجناحيه داخل قفصه العظمى !

نزل ليركب احد الأتوبيسات المتوجهة الى العين الساخنة .. ليعود مرة أخرى الى قرية المــاســة .. تلك القرية التى يشعر الآن بإنتماء شديد اليها .. لكل بنيانها

ولكل سكانها .. وكأنه كان يعيش فيها منذ الأزل .. توقف الأتوبيس ليركب مرة أخرى سيارة توصله الى القرية .. دخل القرية مفرود الصدر .. ممشوق القامة .. يشعر بأنه

انتصر أخيراً على تلك النفس الأمارة بالسوء .. والتى تحدث عنها “كريم” فى خطبته .. نعم استطاع مقاومتها .. مكافحتها .. وترويضها .. تمنى أن يصل الى مرحلة تلك

النفس المطمئنة .. تمنى أن يصبح أفضل وأفضل .. لكنه ذكر نفسه قائلاً .. ليس بالتمنى فقط يصل الإنسان الى ما يريد يا “آدم” .. غاص فى البحر من أراد اللآلئ !

.. توجه الى مسجد القرية ليصلى فريضة العشاء .. ثم جلس فى أحد الأركان يقرأ من مصحفه الصغير الذى بات لا يفارقه !

فى اليوم التالى شعر الجميع بتغيير فى اسلوب “آدم” الذى اتسم بمرح لم يألفوه من قبل .. كان يعمل بمزيج من الثقة بالنفس والتفاؤل .. وكأنه ملك الدنيا بأسرها

.. انعكست نفسيته على عمله فأبدع ! .. سعد “زياد” بهذا التغيير الذى آلم بصديقه .. سأله فجأة :

– انت فين عربيتك ؟

ابتسم “آدم” قائلاً :

– بعتها

نظر اليه “زياد” بدهشة وقال :

– بعتها ليه .. هتغيرها ؟

قال “آدم” بهدوء :

– لأ .. بعتها واديت فلوسها لـ “بوسى” .. عشان أرد الدين اللى كان فى رقبتى ليها

نظر اليه “زياد” بإعجاب وربت على كتفه قائلاً :

– متزعلش ربنا يعوضك غيرها ان شاء الله

ضحك “آدم” قائلاً :

– أنا مش زعلان على فكرة .. بالعكس .. عارف لما تحس انك كان فى حاجة مقيداك وفجأة اتحررت منها .. أهو أنا ده احساسى دلوقتى .. ياريتنى كنت عملت كده من زمان

.. لى كنت هعرف انى هرتاح كده كنت بعتها من زمان ورجعتلها فلوسها

فى تلك اللحظة توجهت “سمر” الى العيادة .. لمحها “زياد” وهى تدخل المبنى .. فقال وهو يغدو مسرعاً :

– سلام دلوقتى يا “آدم”

جلس “آدم” على أحد المقاعد فى الحديقه .. يرفع ذراعيه على ظهر المقعد الكبير كما لو كان صقراً يهم بالطير فى السماء .. خرجت من مبنى الإدارة برفقة “أسماء” ..

تتجاذبان أطراف الحديث .. نظر اليها متأملاً .. وابتسامه عذبة على شفتيه .. حانت منها التفاته اليه .. لترى “آيات” نظراته المصوبة تجاهها .. اتسعت ابتسامته

العذبة .. خفق قلبها بقوة .. فأشاحت بوجهها بسرعة .. وحثت السير لتغادر المكان !

رآى “زياد” أحد الأطفال يلعب بالكره مع أصدقائه فى الحديقة أمام العيادة .. جذب الطفل الذى كان يجرى من ملابسه و ركع على ركبيته وهو ينظر اليه متفحصاً وهو يقول

:

– ايه ده يا ابنى انت وشك أصفر كده ليه

قال الطفل بحيرة :

– مش عارف يا عمو

جذبه “زياد” من يده وقال بمرح وقد لمعت عيناه بخبث :

– طيب تعالى نروح للدكتورة وهى تقولنا وشك أصفر ليه

فوجئت “سمر” بـ “زياد” يدخل غرفة الفحس برفقة أحد الأطفال .. ابتسمت للطفل فبادلها ابتسامتها .. قال “زياد” بمرح :

– معلش يا دكتورة كشف مستعجل

نظرت اليه “سمر” قائله بجدية :

– اتفضل .. ايه مشكلته

قال “زياد” بلؤم :

– معرفش يا دكتورة بس وشه أصفر ومش طبيعى خالص

قامت “سمر” من مكانها تتابعها نظرات “زياد” الخبيثه .. حملت الطفل واجلسته على سرير الفحص وبدأت فى الكشف عليه .. ثم قالت :

– لا مفيهوش حاجة .. هكتبله على شوية فيتامينات وياريت تهتم بأكله كويس

قال “زياد” على الفور :

– لا أنا مش متجوز أصلاً .. الواد ده مش ابنى

نظرت اليه بدهشة فرأت المرح فى عينيه .. أشاحت بوجهها وتوجهت الى مكتبها مرة أخرى ودونت بعض الكلمات فوق الروشته ثم أعطتها له .. أخذ “زياد” الورقة منها وهو

يشكرها قائلاً :

– متشكرين أوى يا دكتورة مش عارف من غيرك كنا عملنا ايه

خرج “زياد” .. فحركت رأسها يميناً ويساراً بدهشة .. قال الطفل لـ “زياد” بعدما خرج من العيادة :

– مش هتجبلى الدوا يا عمو

دفعه “زياد” من ظهره قائلاً :

– دوا ايه يا ابنى انت صدقت انك تعبانه .. ده انا اللى محتاج فيتامينات .. يلا روح شوف كنت بتعمل ايه

جرى الطفل فى اتجاه أصدقائه يكمل اللعب معهم .. رآى “زياد” طفل جالس على أحد المقاعد يأكل الآيس كريم .. فنظر اليه قائلاً :

– انت يا ابنى مال وشك أصفر كده ليه

نظر اليه ببلاهة قائلاً :

– ايه ؟

جذبه من يده قائلاً :

– تعالى تعالى هنروح للدكتورة تشوف مالك

فوجئت “سمر” بـ “زياد” يدخل غرفة الفحص وبيده طفل آخر .. أخذت تنظر الى الطفل ثم الى “زياد” الذى قال بلهفة :

– المرة دى الحالة مستعجلة جداً .. ومتحتملش تأخير

قامت ودارت حول المكتب بلهفة وهى تقول بقلق :

– خير فى ايه

أشار “زياد” الى الطفل الذى تلطخ وجهه بالآيس كريم .. قائلاً وهو يحاول أن يخفى ابتسامته :

– وشه أصفر أوى

نظرت اليه “سمر” بحده وقالت بشك :

– انت بجيب الأطفال دى منين

لم يستطيع كتم ضحكاته فضحك ضحكة مكتومة .. نظرت اليه “سمر” بغضب وقالت :

– انت جاى تهرج يا أستاذ

توقف عن الضحك بصعوبة وهو يقول :

– لا والله أبداً أصل أنا أمى الله يرحمها كانت دايماً تقولى عليك حنية قلب يا “زياد” مشفتهاش على حد

أشارت “سمر” يعينيها الى الباب وقالت بحزم :

– اتفضل

نظر اليها بغيظ وجذب الطفل من يده قائلاً :

– تعالى يا ابنى نشوفلنا دكتورة تانية .. الدكتورة دى قلبها قاسى

قبل أن يغادر التفت اليها قائلاً :

– على فكرة مش مسامحك على اللى عملتيه فيا المرة اللى فاتت ولازم تعتذرى

نظرت اليه “سمر” بحدة وغضت شفتيها بغضب .. فقال بمرح :

– خلاص خلاص .. أول مرة أشوف دكتورة أطفال مرعبة كده .. المفروض بيكونوا رقاق كده وكيوت .. عشان الأطفال متخفش منهم

أشارت الى الباب برأسها وقالت بحزم :

– اتفضل

ابتسم “زياد” ورمقها بنظرة إعجاب قبل أم يغادر الغرفة .. هزت رأسها فى حيرة قائله :

– مجنون ده ولا ايه

***********************************

اقتربت “آيات” من “أسماء” التى تقف فى الشرفة ساهمة شارده .. قالت لها بحنان :

– سرحان فى ايه يا جميل

ابتسمت “أسماء” بوهن .. ثم عادت تنظر مرة أخرى الى السماء الرمادية والتى لا يفصلها عن زرقة الليل سوى أقل من ساعة .. نظرت اليها “آيات” متأملة اياها وهى تقول

:

– بتفكرى فيه ؟

نظرت الى “آيات” بحزن وقالت :

– بفكر فى حاجات كتير

استندت “آيات” على سور الشرفة وهى تنظر الى مجموعة من الأطفال يلعبون بالكرة أسفل البناية .. ثم التفتت الى “أسماء” قائله :

– حسه انك زى اللى تايه فى البحر ومش لاقى شط يرسى عليه

التفتت “أسماء” تنظر اليها .. فأكملت “آيات” :

– وفجأة لقيتي شط أدامك بس مشكلتك انك مش عارفه توصليله ؟

أومأت “أسماء” برأسها بحزن .. فابتسمت “آيات” قائله :

– محتاجه مركب توصلك للشط ده ؟

ابتسمت “أسماء” بوهن وأومأت برأسها .. فأكملت “آيات” :

– طيب تعملى ايه فى نفسك بأه لو كان المركب أدامك وانتى اللى مش عايزه تركبى

اختفت ابتسامة “أسماء” وقالت بتوتر :

– مش مسألة مش عايزة أركب

– أمال ايه ؟

قالت “أسماء” بضيق :

– معرفش حسه ان فى حاجة مكتفانى .. زى ما قولتى المركب أدامى بس حسه انى متكتفه ومش عارفه أركب .. حسه ان الموج بيشدنى وبيبعدنى عن المركب دى

قالت “آيات” بحنان :

– يبقى محتاجة مساعدة صديق

ابتسمت “أسماء” .. فبادلتها “آيات” الابتسام قائله وهى تمد اليها يدها :

– هاتى ايدك

أعطتها “أسماء” يدها بإستغراب فتشبثت “آيات” بيدها بقوة وقالت بحنان :

– مش هسيبك فى البحر أكتر من كده يا “أسماء” .. ولا هسمح لك انك تغرقى .. عشان أنا بحبك بجد ونفسى نكون مع بعض فى الجنة

اغرورقت عينا “أسماء” بالعبرات وأطرقت برأسها .. فقالت “آيات” التى دمعت عيناها هى الأخرى :

– يا بنتى أنا كنت زيك .. بس أنا عرفت أفوق لنفسى .. أنا عارفه احساس انك مكتفة ده .. جربته قبل كده

ثم نظرت الى يديهما المتشابكة وهى تقول :

– أديني بساعدك أهو .. بس ربنا بيقول ” إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ”

تساقطت من عيني “أسماء” العبرات عزيرة فقالت “آيات” :

– لو عايزة “على” …..

رفعت “أسماء” رأسها تنظر اليها .. فأكملت “آيات” بحزم :

– يبقى لازم تكونى “فاطمة”

شردت “أسماء” فى كلامها فأكملت :

– ومش قصدى “على” ده .. قصدى سيدنا “على” رضى الله عنه .. لو عايزه واحد زيه .. يبقى لازم تكونى زى “فاطمة” بنت النبي صلى الله عليه وسلم .. مينفعش تكونى عايزة

“على” .. وانتى واقفه مكانك محلك سر

توقفت عبراتها عن الانهمار .. ونظرت الى “آيات” .. التى قالت بحنان :

– “على” مش أول ولا آخر راجل فى الدنيا .. فى رجاله كتير كويسة .. بس كل واحد بيدور على اللى شكله .. واحد زى “على” بيدور على واحدة شكله يا “أسماء” .. فاهمانى

؟

أومأت “أسماء” برأسها .. فقالت “آيات” :

– عارفه لو اتغيرتى بجد .. وعشان ربنا .. عشان تبقى زى ما ربنا عايز .. ربنا هيكرمك أوى .. ربنا بيفرح جداً بالعبد اللى بيتوب .. كان ممكن ربنا يخلقنا كلنا

كويسين وكاملين ويدخلنا كلنا الجنة .. لكنه لحكمته خلقنا كدة شوية نغلط ونتوب ونستغفر وندخل الجنة .. وناس تفضل على حالها وعنادها ومعصيتها والعياذ بالله يدخلوا

النار .. ده من عدل ربنا .. ان كل واحد بياخد جزاء عمله

ثم قالت :

– “كريم” قالى جملة حلوة أوى مش قادرة أنساها .. قالى ان النبي صلى الله عليه وسلم قال “حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات” .. يعني الجنة عشان توصليلها

لازم تجبرى نفسك انك تعملى الطاعات حتى لو كارهاها.. بس بتعمليها عشان ربنا أمرك بيها .. أما النار فبتتملى بالناس اللى بتمشى ورا شهواتها ورغباتها وأهوائها

.. وبتعمل كل اللى هى عايزاه من غير ما تقف وتشوف ده حلال ولا حرام .. هيرضى ربنا ولا هيغضبه

شعرت “أسماء” بسكينه فى قلبها وهى تستمع الى “آيات” .. ران الصمت عليهما وكل منهما شارده فى جهه وهما مازلتا ممسكتان بأيدي بعضهما البعض .. قالت “أسماء” فجأة

:

– تعرفى ان بابا بيدور عليا وسأل دكتور “آدم” عليا

نظرت اليها “آيات” بدهشة .. فقالت “أسماء” بشرود :

– دكتور “آدم” كان عايز يقولهم على مكانى بس أنا مكنتش حبه انهم يعرفوا

ثم التفتت الى “آيات” قائله :

– انتى رأيك ايه ؟

صمتت “آيات” تفكر .. ثم قالت :

– رأيي عرفيهم مكانك .. مهما كان هما أهلك .. مهما كانت المشاكل اللى بينكم .. بس برده هما أهلك

تنهدت “أسماء” بعمق .. ثم قالت :

– أنا حسه فعلاً انى عايزة أكلمهم

لمعت العبرات فى عينيها وهى تقول بتأثر :

– وحشونى أوى

عانقتها آيات” بشدة ..فتركت “أسماء” لعبراتها العنان

*****************************************

فى المساء عادت “سمر” من عملها فى العيادة .. نظرت اليها أمها بحنق قائله :

– ايه يا “سمر” أمال لو كانوا بيدوكى مرتب على كده .. يا بنتى انتى بتشغلى وقتك مش أكتر يعني مش لازم تشتغلى بزمة كدة

قالت “سمر” وهى تتوجه الى غرفتها :

– يا ماما انتى عارفه انى بحب شغلى جداً .. وبعدين ازاى يعني مشتغلش بزمة ده أنا دكتورة .. ومش أى دكتورة .. لا أدكتورة أطفال .. ازاى يعنى أخون الأمانة اللى

ربنا ائتمنى عليها

نظرت حولها وقالت :

– أمال “آيات” و “إيمان” و “أسماء” فين ؟

قالت أمها :

– “آيات” و “أسماء” نزلوا يتمشوا شوية .. و”إيمان” مع خطيبها بيتعشوا بره

فتحت “سمر” حقيبتها ثم ما لبثت أن صاحت بضيق :

– أوووف نسيت موبايلى فى العيادة

قالت أمها بلا مبالاة هى تشغل التلفاز :

– ابقى هاتيه الصبح

قالت “سمر” وهى تتوجه للباب :

– لا هروح أجيبه

أوقف “كريم” سيارته أسفل البناية وهو ينظر الى “إيمان” مبتسماً .. بادلته ابتسامته .. نزع الدبلة من اصبعه ومد يده اليها قائلاً :

– ممكن بأه تحنى عليا وتلبسينى الدبلة

لحظة تردد ثم أخذتها من يده وألبستها اياه فهتف :

– أشهد أن لا اله الا الله .. شوفتى زى شكة الدبوس

أطلقت “إيمان” ضحكة مرحة وهى تقول :

– خلاص بأه بطل تريقه أديني لبستهالك أهو

نظر اليها “كريم” وهو يقول :

– عارفه يا “إيمان” أقولك على سر

أسندت ظهرها الى المقعد وقالت :

– قول

التفت اليها قائلاً :

– أنا طول عمرى بحلم يبقى عندى ابن زى “صلاح الدين الأيوبى” .. قائد .. عظيم .. تلتف الجيوش حواليه .. ويفتح القدس مرة تانية

نظرت اليه “إيمان” بتأثر فأكمل قائلاً بحماس :

– نفسى أنا وانتى يا “إيمان” نعين بعض على كدة .. نربى ولادنا صح .. مش زى ما احنا اتربينا .. نربيهم من صغرهم على الدين وعلى العقيدة وعلى المبادئ .. نربيهم

على حب النبي وحب الصحابة وحب أمهات المؤمنين .. نربيهم ونعرفهم ان قدوتهم فى الحياة مش الخطيب ومنيب .. لا قدوتهم “عمار بن ياسر .. عمر بن الخطاب .. بلال بن

رباح .. وعائشة وحفصة وأم حبيبة وفاطمة الزهراء .. نفسى يشربوا الدين ده من صغرهم ويكونوا نبته طيبة .. نفسى يغيروا فى الدنيا وفى البلد دى مش زى ما جم زى ما

راحوا .. نفسى أفيد ديني وأفيد بلدى وأطلع ولادى شايلين هم دينهم وهم بلدهم على كتافهم .. مش كل همهم هو أكل وشرب ونوم

نظر اليها بعمق وأمسك يديها بين راحتيه وقال مبتسماً :

– هتساعديني على ده يا “إيمان”

أومأت برأسها وقالت بتأثر :

– أيوة يا “كريم” .. هساعدك على ده

قبل “كريم” يديها وقال وهو ينظر اليها مبتسماً :

– وأنا أوعدك انى أكون خير زوج ليكي .. أكيد هتمر علينا مشاكل مش هتبقى حياتنا كلها عسل فى عسل .. بس أوعدك على الأقل لما تهب علينا الريح .. انى أتقى ربنا

فيكي .. زى ما أنا عايزك توعديني انك تتقى ربنا فيا

قالت له “إيمان” وهى تتشبث بيديه بقوة :

– أوعدك ان مهما مر علينا من مشاكل .. هتلاقيني قبل ما تنام بقرب منك وبقولك ” لا أذوق غمضاً حتى ترضى “.. مش هسيبك فى يوم تنام وانت غضبان عليا

قرب “كريم” رأسها منه وقبل جبينها .. ابتسمت له بخجل وأبعدت نفسها ..فقال مبتسماً :

– ربنا يقدرنى وأقدر أحافظ على الأمانة

*************************************

عادت “سمر” الى العيادة فوجدت عاملة النظافة تنظف المكتب فبحثت عن هاتفها فوق المكتب وهى تقول :

– مشفتيش موبايلى بيتهيألى كنت سايباه هنا

قالت المرأة وهى تنظر يميناً ويساراً :

– لا يا دكتورة والله مشفتوش

قالت “سمر” بحيرة ممزوجة بالضيق :

– أمال هيكون راح فين بس

اتجهت الى البالطو الأبيض المعلق على الشماعة بجوار المكتب ودست يدها فى جيبه لتظهر ابتسامة على شفتيها وهى تقول :

– الحمد لله لقيته

رن جرس الهاتف الموضوع فوق المكتب .. فالتقطت السماعة .. كانت احدى الأمهات تسألها عن طفح جلدى آلم بصغيرها .. جلست “سمر” فوق مكتبها تجيب على أسئلة المرأة

بصبر .. خرجت عاملة النظافة من المكتب .. وفجأة أظلم كل شئ .. فصاحت “سمر” وهى تضع يديها على سماعة الهاتف :

– يا حجه .. هو مفيش هنا كشاف

أتاها صوت المرأة وهى تصيح قائله :

– بدور أهو يا دكتورة

عادت لتكمل حديثها مع الأم عبر الهاتف .. فجأة سمعت صوت صراخ المرأة بالخارج .. فهبت واقفة وسقطت السماعة من يديها .. نادت المرأة فلم تجيبها .. وضعت يدها على

قلبها وهى تمتم بصوت مرتجف :

– أعوذ بالله من الشيطان الرجيم .. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

صرخت تناديها مرة أخرى دون جدوى .. تساقطت عبراتها فى ظلام الغرفة .. أخذت تبحث فوق المكتب عن هاتفها بأيدي مرتجفة فلم تجده من فرط توترها .. فجأة رأت كتلة

لهب كبيرة تمر من أمام الباب لتملأ الردهة فى الخارج .. نظرت الى النار بأعين متسعة وقد ارتجف جسدها فزعاً وهلعاً .. جمدها خوفها فى مكانها .. فقط كانت تنظر

الى النار كالتمثال !

أسرع كل من “كريم” و “على” و “زياد” بالحضور الى العيادة بعدما توجه فرد الأمن الى مكتب “كريم” ليخبرهم بأمر الحريق .. أسرع البعض بالإتصال بالمطافئ .. بينما

تناول البعض طفايات الحريق الصغيرة يحاولون بها اخماد تلك النيران التى اندلعت فى عيادة الأطفال التى كانت ترتفع طابقين عن الأرض .. كانت عاملة النظافة جالسه

على الأرض تبكى وهى تمسك برأسها الذى ينزف دماً .. سألها “كريم” بلهفه :

– ايه اللى حصل ؟

قالت المرأة الباكية :

– واحد خبطنى على راسى وفجأة لقيت النار حوليه حطيت بطانية حوليا وخرجت و ……..

لم تستطع أن تكمل حديثها فقد سقطت مغشياً عليها .. حملها “على” وتوجه بها مسرعاً الى أحد الأطباء المقيمين فى القرية لحين حضور الإسعاف .. نظر “كريم” الى “زياد”

بقلق وهو يقول :

– أنا خايف يكون فى حد جوه

قال “زياد” بلهفة وهو يرتدى احدى المعاطف الواقية ويعطى آخر لـ “كريم” :

– تعالى نشوف قبل ما النار تمسك فى المكان أكتر من كده

دخل كلاهما .. كانت النيران تشتعل من الجدران وكأن أحدهم سكب عليها سائل سريع الاشتعال .. لم تكن النيران قد وصلت الى الأرضية فاستطاعوا المرور دون صعوبة كبيرة

.. أخذا ينظران فى الغرف التى سُدت فتحاتها بالنيران وهما يصيحان :

– فى حد هنا ؟

فجأة سمعا صوت “سمر” التى صرخت باكيه :

– أنا هنا

وقف “كريم” و “زياد” أمام مدخل الغرفة المشتعل وتلك النيران التى تفصلهما عن “سمر” التى وقفت خلف المكتب باكية العينين ضامة قبضتيها الى بعضهما البعض واضعة

اياهما فوق صدرها .. كانت ترتجف كورقة فى مهب الريح .. فصاح “زياد” فى “كريم” :

– خليهم يحطوا مرتبة تحت الشباك بسرعة يا “كريم”

رجع “زياد” الى الخلف وأحاط نفسه بالبطانية بإحكام ثم اندفع داخل الغرفة ليقف فى وسطها .. توجه “كريم” مسرعاً لإحضار المرتبة .. كانت “سمر” ترتجف بشدة .. فنظر

اليها “زياد” قائلاً :

– لا أبوس ايدك اوعى يغمى عليكي دلوقتى .. متخفيش النار بعيد عنك

التفت ينظر الى مدخل الغرفة والذى أكلته النيران المسعورة حتى أصبح من الصعب الخروج خاصة وقد ازداد اشتعال الممر بالنيران .. فتح “زياد” النافذة التى تقع خلف

المكتب ونظر الى الأسفل .. لحظات ووجد “كريم” يحضر مرتبة ووضعها أسفل الشباك وأحضر بعض الرجال مرتبة أخرى .. التفت الى “سمر” قائلاً :

– يلا نطى انتى الأول

نظرت “سمر” من النافذة وهى تصيح باكية :

– انت بتهرج مش هعرف أنط

نظر الى الأسفل ليجد الرجال أحضروا المزيد من المراتب حتى تستطيع امتصاص صدمة سقوطهما .. جذبها “زياد” بإصرار فى اتجاه النافذه وهو يهتف :

– يلا يا بنتى النار هتطولنا

قالت وهى تبكى :

– أنا خايفة

قال لها وهو ينظر الى الأسفل :

– متخفيش مش هيحصلك حاجة .. عارفه لعبة السوست اللى الأطفال بتتنطط فوقيها .. تخيلى انك بتلعبيها معاهم

نظرت اليه “سمر” بمزيد من الدهشة والغيظ وهى تهتف :

– لعبة السوست .. انت بتستهبل

صرخ فيها “زياد” قائلاً :

– يا ربى على لت الحريم .. اخلصى النار هتطولنا

نظرت الى النافذة .. ثم بمساعدة “زياد” تمكنت من الوقوف فوقها ثم .. أغمضت عينيها لتقول الشهادتين وتقفز من النافذة مع صيحة “إيمان” الواقفة فى الأسفل :

– سمرررر

أسرعت الفتيات بمساعدة “سمر” على النهوض .. نظرت اليها “إيمان” الباكية وهى تهتف بلوعة :

– “سمر” انتى كويسة

أومأت “سمر” برأسها وهى مازالت لا تصدق أنها نجت من الموت المحقق .. التفتت تنظر الى “زياد” الذى وقف فوق الشرفة يتابعها بعينه الى أن تأكد من سلامتها .. ثم

يقفز ليصيح بألم :

– آآآآآآآآآآآآآآآه

التوت ذراعه أسفل جسده .. اقترب منه “كريم” وبعض الرجال .. صاح بلهفه :

– انت كويس يا “زياد” جرالك حاجة

أمسك “زياد” ذراعه وهو يهتف بألم :

– حسبي الله ونعم الوكيل .. مرتبة دى ولا صبة أسمنت .. انتوا منجدينها بإيه يا ظلمه

ساعد “كريم” “زياد” على النهوض فى تلك اللحظة أقبل “آدم” وهو ينظر الى صديقه فى لوعة قائلاً :

– “زياد” ايه اللى حصل .. ايه اللى بهدلك كده

قال “زياد” وهو ممسك بذراعه ويأن ألماً :

– أنا كويس كويس .. متقلقش بس شكلى هحتاج أجبس

ساعده “آدم” على ركوب سيارته ثم أخذ منه المفتاح وانطلق به الى المستشفى بينما انهمك “كريم” مع الرجال فى اطفاء الحريق !

**************************************

جلست “سمر” فى منتصف فراشها تبكى كالأطفال وبجوارها أمها و “إيمان” و “أسماء” .. دخلت “آيات” حاملة كوب من الليمون وأعطته لها قائله :

– اشربى ده يا “سمر”

تناولت “سمر” الكوب من بين يديها وهى تقول بصوت مرتجف :

– كنت مرعوبة .. من رعبى فضلت واقفة أبص للنار معرفتش أتصرف

عانقتها أمها وقالت فى لهفة :

– الحمد لله يارب .. الحمد لله انك رجعتهالى بالسلامة

قالت “إيمان” بأسى :

– يا عيني شكل الأستاذ “زياد” ايده اتكسرت وهو بينط .. دكتور “آدم” خده على المستشفى

هتفت “سمر” وقد تذكرت فجأة المرأة التى كانت تنظف الكتب :

– كان فى ست معايا فى العيادة هى بتنضف .. متعرفوش طلعوها ولا لأ

طمأنتها “إيمان” قائله :

– آه متقلقيش طلعوها و “على” خدها على المستشفى .. “كريم” قالى ان دماغها اتفتحت وقالت ان فى حد خبطها على دماغها .. عامة هو قالى ان البوليس بيحقق دلوقتى وانهم

أكيد هيطلبوا شهادتك انتى وهى و الأستاذ “زياد”

هتفت أم “سمر” :

– مش النهاردة البنت أعصابها تعبانه .. بكرة ان شاء الله يبقوا يسألوها اللى هما عايزينه

********************************

فى المستشفى هتف “آدم” بغضب :

– “عاصى” الكلب .. أنا واثق ان هو اللى وره اللى بيحصل ده

قال “زياد” وهو يئن ألماً أثناء تجبير ذراعه :

– آآآآه .. الله يحرقه .. هى وصلت لحرق عيادة الاطفال .. ده بجد راجل تيييييييييييييييييت

زفر “آدم” بحده وهو يقول :

– طبعاً اتجنن بعد ما شاف نجاح الماســة .. هو كده أعوذ بالله انسان مؤذى

هتف “زياد” بعدما انتهى الطبيب من تجبير ذراعه .. وقد أخذ يتحسس ذراعه بأسى :

– أنا مش بس دراعى اتكسر .. لأ أنا كمان كرامتى اتبعترت .. بأه البنت تنط وتنزل صاغ سليم .. وأنا يااللى شحط وأد النخلة أنزل مدشدش كده

نظر اليه “آدم” مبتسماً على الرغم منه .. فأكمل “زياد” مغتاظاً :

– لأ وأقولها متخفيش نطى .. متخفيش مش هيحصلك حاجة .. وأنا اللى وقعت على جدور رقبتى زى الجردل

ضحك “آدم” ضحكة مكتومة وهو يقول :

– معلش تعيش وتاخد غيرها

– يلا .. المهم ان محدش حصله حاجة

تنهد “آدم” قائلاً :

– أيوة الحمد لله .. والست كمان كويسة خدت كام غرزة فى راسها بس الحمد لله مفيش لا شرخ ولا حاجة

ثم قال بصرامة :

– أما نشوف آخرتها مع الزفت اللى اسمه “عاصى” ده !

***********************************

فى صباح اليوم التالى أخذت الشرطة افادة “سمر” و “زياد” وعاملة النظافة .. ووعدوا بسرعة العمل على اكتشاف الجناة ..

اجتمعوا جميعهم فى مكتب “كريم” مساءاً لبحث هذا الأمر الجلل الذى يهدد عملهم وسمعة القرية .. بإستثناء “أسماء” التى اعتذرت عن حضور الإجتماع والتى لاحظ “على”

غيابها .. أصر “آدم” على أن هذه الأفعال لن تخرج الا من يد “عاصى” .. كان القرار الذى توصلوا اليه هو زيادة الحراسة ووضع كاميرات المراقبة فى زوايا متفرقة فى

أنحاء القرية الى حين وصول الشرطة الى معلومات جديدة فى القضية

انتهى الإجتماع وكل منهم شارد فيما أصاب القرية بالأمس وفيما يمكن أن يفعله “عاصى” ! .. أعطى “كريم” مفتاح السيارة لـ “آيات” و “إيمان” قائلاً :

– استنونى فى العربية عشان نروح المشوار بتاعنا

كانت “إيمان” قد طلبت بعض المستلزمات للصالة الرياضية و اقترح “كريم” خروج “آيات” معهما والتى لا تخرج من القرية أبداً فأراد أن يرفه عنها قليلاً .. خرجت الفتاتان

من المكتب فقالت “إيمان” وهى تشير الى بقعه عصير على ملابسها :

– عايزة أروح أغير هدومى الأول مش معقول هخرج كده

قالت “آيات” بوهن :

– أنا هلكانه مش هقدر آجى معاكى .. هستنى “كريم” فى العربية ونجيلك ناخدك من البيت

– خلاص ماشى

خرجت “إيمان” من المبنى لتسمع “على” من خلفها يقول :

– مروحه ؟

التفتت قائله :

– أيوة هغير الأول عشان خارجه مع “كريم” و “آيات”

أومأ برأسه قائلاً :

– طيب أنا أصلاً مروح

سارا معاً فى اتجاه المنزل .. بينما توجهت “آيات” الى الجراج للجلوس فى سيارة “كريم” وانتظاره .. فجـــأة .. وجدت من يكمم فمها من الخلف .. حاولت الصراخ فأتى

صوتها مكتوماً للغاية لا يسمعه من يبعد عنها ببضعه أمتار .. حاول الرجل جذبها فى اتجاه ما .. وهى تحاول أن تفلت من بين يديه !

رأى “آدم” .. “أحمد” وهو متوجه الى خارج مكتب “كريم” .. خشى أن يستغل وجود “آيات” فى الجراج ويحاول الحديث معها .. فغادر مكتب ”

كريم” على الفور وسار خلفه ليرى الى أين هو ذاهب .. انعقد جبينه بضيق شديد وهو يراه كما توقع “آدم” متوجهاً الى الجراج .. لحقه وقد تزايد الغضب بداخله .. توقف

“أحمد” فجأة وهو يرى “آيات” وذاك الرجل المقنع يجذبها مبتعداً .. وقف “آدم” خلفه يراقب المشهد بأعين متسعة قبل أن ينطلق كالسهم فى اتجاه الرجل .. كان الرجل

عاكفاً على محاولة السيطرة على حركات “آيات” المجنونة فى افلات نفسها من بين يديه .. فلم ينتبه الى لكمه “آدم” التى تحركت بسرعة فى الهواء لتهوى على وجهه فيصيح

متألماً .. جذب “آدم” .. “آيات” من ذراعها يبعدها عن الرجل ووقف أمامها فى مواجهاته .. وبسرعة البرق أخرج المقنع مطواه من جذائه وحاول تسديد الطعنات الى “آدم”

.. صرخت “آيات” باكية وهى ترى يد “آدم” التى تمسك بذراع الرجل فى محاولة افلات المطواة منها .. أسرع “أحمد” فى جذبها صائحاً :

– تعالى يا “آيات ” لازم تبعدى من هنا

صاحت :

– لا استنى

نظرت “آيات” خلفها الى “آدم” الذى تلقى لكمة من الرجل أرداه أرضاً ثم جثم فوقه يحاول طعنه بمطواته فسدد اليه “آدم” لكمة قلبت الموازين وأصبح “آدم” معتلياً الرجل

.. صاح “أحمد” وهو يجذبها من ذراعها :

– سيبيه هيعرف يتصرف .. يلا بسرعة من هنا

صاح “آدم” بلوعة وهو يحاول السيطرة على الرجل :

– “آيات” امشى من هنا .. خدها بعيد يا “أحمد”

لكن فجأة سمعت صرخة مدوية من “أحمد” التفتت وأطلقت صرخة عالية عندما وجدت مقنعاً آخر يلف عنق “أحمد” بذراعه يريد خنقه .. ظلت تطلق صرخات مدوية عل أحد يسمعها

.. استطاع “آدم” ربط يدي الرجل خلف ظهره بربطه عنقه وأسرع فى اتجاه الرجل الذى يخنق “أحمد” جذبه من ملابسه بقوة .. فأفلت “أحمد” من بين يديه وأخذ يشهق بقوة

ليعبئ رئته بالهواء الذى افتقدته .. ظل “آدم” و المقنع يكيلان الى بعضهما اللكمات والركلات .. بينما جلست “آيات” مكانها وقد شعرت بأن قدميها لا تحملانها وأخذت

تصرخ عالياً .. فى تلك اللحظة حضر “كريم” و “زياد” ليروا ذلك المشهد المفزع .. اسرع الاثنان يعينان “آدم” على الإمساك بالرجل وصد ضرباته .. لم ينتبه أحد الى

الرجل الأول الملقى على الأرض والذى استطاع تحرير يديه من ربطة عنق “آدم” .. أخرج مطواة أخرى من بين ملابسه وأطلق زمجرة غاضبة وهو ينطلق فى اتجاه “كريم” الذى

يكتف المقنع الثانى .. فصرخ “آدم” بسرعة محذراً :

– حاسب يا “كريم”

ترك “كريم” ذراعى المقنع ليمسك بذراع المقنع الآخر كى يتفادى الطعنه التى كاد أن يوجهها اليه .. بمجرد أن أفلت “كريم” المقنع الثانى استطاع أن يتمالك نفسه وسدد

لكمة بكوعه الى بطن “زياد” الذى صاح متألماً .. حاول “آدم” شل حركته لكنه هوى بقبضة مطواته فوق رأس “آدم” بقوة انفجرت لها الدماء من رأسه وترنح واضعاً يديه

على موضع الجرح قبل أن يجلس أرضاً ويهرب المقنع من المشهد .. صرخت “آيات” وهى ترى الدماء تنهمر على وجه “آدم” .. بينما يحاول “كريم” و “زياد” الامساك بالمقنع

الأول .. استطاعا بالفعل شل حركته تماماً .. اتصل “كريم” بأفراد الأمن على البوابة الذين حضروا بسرعة وسيطروا على الرجل .. كانت “آيات” تنظر الى “آدم” وتبكى

بلوعة وهى جالسه على الأرض تصرخ بشدة وقد أفزعها كل ما حدث .. نظر “آدم” تجاهها وهو ممسكاً برأسه .. فتح عينيه بصعوبة فظهر لها كرتان من اللون الأزرق وسط صفحة

الدماء الحمراء التى غمرت وجهه .. تمتم بصوت خافت وهو يشعر بألم حاد فى رأسه :

– متخفيش

اتجه “كريم” الى “آيات” وهتف يريد الإطمئنان عليها :

– انتى كويسة ؟ .. “آيات” انتى كويسة فيكي حاجة

هزت رأسها نفياً وهى تنظر الى “آدم” باكية بكاء أشبه بالصراخ والأنين .. تركها “كريم” ليتفحص جُرح “آدم” الذى كان ينزف بغزارة ساعده مع “زياد” على النهوض بصعوبة

.. نظر “كريم” فى اتجاه “آيات” وصاح :

– بينزف جامد لازم أنقله المستشفى دلوقتى .. خد انت “آيات” يا “زياد” روحها

توجه “كريم” مسرعاً الى سيارته وأدخل “آدم” الى المقعد الأمامى وانطلق به تحت نظرات “آيات” الملتاعة

************************************

أوصلها “زياد” الى البيت وهى تحمل نفسها بصعوبة .. استقبلها الفتيات فى دهشة وفزع .. كانت ليلة عصيبة على الجميع .. ظلت “آيات” فى غرفتها تهاتف “كريم” بين الحين

والآخر للإطمئنان على وضع “آدم” .. اخبرها “كريم” بأنه داخل غرفة الفحص يتم عمل بعض الآشعة على رأسه .. شعرت “آيات” بقلبها يكاد أن يتوقف خوفاً .. قامت وتوضأت

وفرشت سجادتها ووقفت تصلى وتدعو الله عز وجل باعين دامعة أن يسلمه ويحفظه من كل سوء .. حاولت النوم فلم تستطع .. فى النهاية عاد “كريم” .. سمعت صوت سيارته من

الأسفل .. علمت أنه سيأتى للإكمئنان عليها فلم تشأ أن تخرج لها وتظهرلهفتها لمعرفة أخبار “آدم” .. دخل “كريم” غرفتها برفقة “إيمان” .. بمجرد أن رأته ألقت بنفسها

بين ذراعية وتعالى شهقات بكائها .. أجلسها “كريم” على الفراش وجلس جوارها وهو يضع يده على رأسها ويقرأ عليها آيات الرقية .. الى أن هدأت وسكنت .. مسح عبراتها

وهو يقول بحنان :

– أحسن دلوقتى

أومأت برأسها .. نظرت اليه تنتظر أن يخبرها بحال “آدم” لكن اهتمامه كان منصباً عيلها . فإضطرت أخيراً أن تقول :

– وهو ازيه دلوقتى ؟

تنهد “كريم” قائلاً :

– الحمد لله جت سليمة .. خدله كام غرزه .. بس الحمد لله انها جت على أد كده

قاتل “آيات” وهى تعاود البكاء مرة أخرى :

– كنت مرعوبة لما شوفت منظر الدم

ربت “كريم” على كتفها قائلاً :

– قولى الأذكار وحاولى تنامى .. انتى شكلك مرهق أوى

فعلت “آيات” ما طلب .. وبصعوبة شديدة استطاعت اغلاق عينيها .. من التعــب !

استيقظت “آيات” وهى تنظر الى هاتفها .. لم يتصل “كريم” .. أرادت الإتصال به لمعرفة أخبار “آدم” .. لكنها عدلت عن ذلك واتصلت بـ .. والدة “آدم” .. حتى تستطيع

الحصول منها على اجابة تشفى غيللها .. حمدت الله أنهما تبادلتا أرقام الهواتف يوم أن كانت عندها فى المكتب .. أتاها صوت يبدو عليه آثار الارهاق :

– السلام عليكم

تمتم “آيات” :

– وعليكم السلام

– ازيك يا “آيات” يا بنتى

– الحمد لله يا طنط

صمتت برهة ثم قالت بإضطراب :

– أنا بس كنت عايزة أطمن .. دكتور “آدم” أخباره ايه دلوقتى

فى تلك اللحظة دخلت أم “آدم” الى غرفة ابنها مسرعة والذى كان ممدداً فى فراشه .. وقد لف الشاش حول رأسه .. نظر اليها “آدم” واتسعت عينه دهشة وهو يسمعها تقول

:

– تسلمى يا “آيات” يا بنتى متحرمش من سؤالك

قالت “آيات” بحزن وقلق :

– يعني هو كويس دلوقتى .. يعني مش بيتألم ؟

قالت أمه وهى تنظر اليه مبتسمه بحنان :

– أيوة يا بنتى كويس الحمد لله متقلقيش

ابتسم “آدم” وهو يمد يده الى والدته يبغى الهاتف .. أعطته اياه فوضعه على أذنه قائلاً برقه :

– أنا كويس يا حبيبتى متقلقيش عليا

تجمدت “آيات” فى مكانها ووضعت يدها على فمها وقد اتسعت عيناها فزعاً .. قال “آدم” بحنان :

– متتصوريش فرحان بإتصالك أد ايه .. لانه خلانى أتأكد ان أنا مهم بالنسبة لك .. كنت هتجنن امبارح من خوفى عليكي .. بس “كريم” طمنى انك كويسة .. لو كان جرالك

حاجة كنت روحت فيها

أغلقت “آيات” هاتفها فوراً وهى تحاول السيطرة على دقات قلبها التى أخذت تتسارع بشدة .. لكن هيهــات .. القلــب الذى تسارعت دقاتــه يأبـى أن يعــود الى سباتــه

!

……….يتبع

عرض التعليقات (8)