روايه انت لي الحلقه 33

7 14٬322
 

روايه انت لي الحلقه 33

روايه انت لي الحلقه 33 جزء 1

روايه انت لي الحلقه 33

روايه انت لي الحلقه 33 , معكم صديقة زاكي الشيف الموهوبة ,leen
رواية انت ليالحلقة الثالثة و الثلاثون الجزء 1بعد الانتصار الذي حقّقته، ليلة أن أفسدت ُ على أروى سعادتها، شعرت بنشوة كبيرة!

كيف لا، و ليلتها.. بقى وليد قلبي معي في المستشفى ، يحيطني بالرعاية و العطف !

لقد زالت جميع الآلام المفتعلة التي أرغمت معدتي على التظاهر و الإحساس بها ، بمجرد أن رأيت وليد مقبلا نحوي بقلق !

و تحوّلت إلى رقص عندما رأيه أصابع يده خالية من أي محابس !

سألته بعد ذلك، و نحن في المستشفى، و أنا أنظر إلى يده اليمنى :

” أين خاتمك ؟ ”

وليد فكّر قليلا ثم قال :

” في علبته ! ”

شعرت بسعادة كدت معها أضحك بقوة ! لكنني منعت نفسي بصعوبة لئلا يكتشف وليد بأنني لا أشكو من أي شيء !

إلا من غيرتي من الدخيلة، و رغبتي في إبعادها عني نهائيا

أخفضت نظري لئلا يقرأ وليد ما بعيني من فرح و مكر .. و بقيت كذلك بضع ثوان، ، إلى أن سمعته يقول :

” و أنت ؟؟ ”

رفعت نظري إليه ، في بلاهة ! ماذا يعني ؟؟

قال :

” أين خاتمك ؟ ”

و من عينيه إلى يدي اليمنى مباشرة ! لم أرتده مذ خلعته تلك الليلة !

قال :

” لا تقولي أنك أضعته مجددا ! ”

قلت مداعبة :

” هل وجدته ؟؟ ”

وليد اندهش و قال مستغربا :

” أحقا أضعته ثانية ؟؟ أي فتاة أنت ِ ! ”

قلت مباشرة :

” أنا رغد ! ”

ابتسم و قال :

” حقا !؟ كدت ُ أنسى ! كنت ِ تضعين ألعابك و تأتين إلي طالبة مني البحث عنها ! ”

ابتسمت ُ بخجل…

قال :

” لكنها كانت ألعاب .. أما هذا .. ”

و بتر جملته…

و ظل ينظر إلي بصمت برهة.. ثم وجه عينيه نحو الجدار…

قلت :

” وليد .. ”

بصوت خافت هامس، التفت إلي و أجاب :

” نعم ؟ ”

” هل.. ستظل تعتني بي .. فيما لو بقيت ُ دون زواج عشر سنين أخرى ؟ ”

استغرب وليد من سؤالي، ثم قال :

” و عشرين، و خمسين ، و مئة ! ”

قلت بخجل :

” حقا وليد ؟ ”

” طبعا صغيرتي ! إنك جزء مني ! ”

كدت ُ أقول بسرعة :

” و أنت كلّي ! ”

و لكنني خدّرت الجملة في لساني لئلا تصحو !

قلت و أنا أعبث بأصابعي :

” وليد … ”

و أتممت :

” تخلّصت ُ من الخاتم ”

و نظرت إليه لأرى تعبيرات وجهه

بدا مستغربا حائرا

قلت موضّحة أكثر :

” سامر حل ّ رباطنا و لذلك .. خلعته ”

هي تعبيرات غاية في الغموض ، تلك التي ارتسمت على وجه وليد لحظتها… ذهول مفاجأة ، صدمة، استياء… عدم تصديق، أو .. لا أدري.. لا أدري ما كان معناها…

بعد صمت الاستيعاب و التفكير ، قال :

” إذن .. إذن … أنت و سامر … ”

أتممت ُ جملته :

” لم نعد مرتبطين ! ”

وليد وقف فجأة ، و أخذ يحوم…في الغرفة ، يفكّر .. ثم استدار إلى فجأة و سألني :

” لماذا يا رغد ؟ ”

تبادلنا نظرة عميقة، ثم أحنيت رأسي و أخفضت عيني نحو الأسفل.. خشية أن تصرخ الجملة من عيني : ( لأني أحبك أنت ! )

التزمت الصمت، و لم أرفع بصري إليه مجددا… فما كان منه إلا أن أقبل نحو الستارة ليغلقها

بعدما أغلقها حول سريري، قال جملة أخيرة :

” مهما كان السبب، و لأنك ِ تحت رعايتي الآن، فاحذفي فكرة الزواج من رأسك ِ نهائيا.. طوال السنين المقبلة ”

~ ~ ~ ~ ~ ~

الآن، و أخيرا..أصبحت رغد حرّة !

اتصلت بسامر و علمت منه بالتفاصيل، و الجملتان اللتان ظلتا معلقتين في رأسي كانت أولاهما :

” لا داعي لأن تأتيا لزيارتي ، لا أريد أن أراها ”

أما الثانية، فهي :

” تستطيع أن تتزوّج الآن ممن أرادت ”

” من تعني ؟ ”

” اسألها ! ”

كل هذا أكد لي ، أن رغد بالفعل انفصلت عن سامر من أجل رجل آخر… و هذا الآخر لن يكون غير حسام، و أنا لن أكون وليد إن سمحت لها بالزواج من أي مخلوق على وجه الأرض.. فرغد من هذه اللحظة أصبحت لي ! نعم لي !

و مهما كانت العقبات، و مهما عاندت الظروف، فسوف لن أسمح لأي رجل بدخول حياتها و سرقتها مني مجددا.. و لن تكون في النهاية إلا لي أنا..

توالت الأيام، و رفع الحظر أخيرا عن المدينة الصناعية و صار بإمكان الناس التحرك منها و إليها دون خطورة .. و ما أن حدث ذلك ، حتى طالبتي رغد بأخذها إلى بيت خالتها و ألحّت علي بالطلب ، الأمر الذي جعل الشكوك في رأسي تكبر و تتفاقم و أصبحت مهووسا باسم حسام حتى صرت أراه في الكوابيس…

و بعد إلحاح شديد منها وافقت على اصطحابها لزيارة عائلة خالتها بمجرد انتهاء موسم الحصاد .

 

~ ~ ~ ~ ~

 

 

بعد أيام، سيأخذني وليد أخيرا لرؤية خالتي و نهلة و الجميع … كم اشتقت إليهم ! كم من الشهور مضت مذ افترقنا في تلك الليلة الحمراء …

كنت رغم ذلك على اتصال شبه يومي بنهلة أخبرها عن كل شيء يدور من حولي و داخلي …

في أحد الأيام، كان وليد يعمل في المزرعة كالعادة، و كنت أراقبه و أرسم منظرا جميلا على مقربة منه، الشقراء كانت داخل المنزل مشغولة ببعض الأمور مع والدتها

فجأة ، إذا بي أرى أناس غرباء يدخلون المزرعة، و يعبرون الممر و يقتربون منّي !

كانوا أربعة رجال… تقدّم أحدهم نحوي أكثر و سأل :

” أأنت الآنسة أروى نديم ؟؟ ”

قال آخر مقاطعا :

” أرأيت ؟ كما توقّعت ! إنها فتاة قاصر ! ”

قال الرجل الأول و هو يقترب أكثر :

” أنت هي ؟ ”

تراجعت أنا للوراء، و ألقيت بالفرشاة و علبة الألوان جانبا و هتفت :

” وليـــــد ”

وليد كان يعمل بالجوار.. ، و حين سمع ندائي أقبل مسرعا .. فلما ظهر أمام عيني ركضت إليه في ذعر …

” رغد .. ماذا هناك ؟ ”

و نظر إلى الرجال الغرباء …

ثم سألهم :

” من أنتم ؟؟ ”

قال الرجل الذي تحدّث إلي :

” أنا المحامي يونس المنذر، و هؤلاء رجال قانون أتباعي ، أتينا بحثا عن الآنسة أروى نديم ”

و نظر باتجاهي أنا

اختبأت أنا خلف وليد، و أطللت برأسي لأراهم !

قال المتحدّث :

” أهي هذه ؟ ”

قال وليد :

” لا ، لكن هل لي أن أعرف ماذا تريدون منها ؟ ”

قال المتحدّث :

” أهي هنا ؟ أ هذه مزرعة المرحوم نديم وجيه ؟ ”

” نعم . فماذا تريدون منها ؟ ”

” عفوا من تكون يا سيد ؟ ”

” وليد شاكر، زوج أروى نديم ”

تبادل الرجال جميعهم النظرات ، ثم قال المتحدّث :

” هل يمكننا التحدث إلى السيدة أروى ؟ فالأمر مهم ”

قال وليد :

” هل لي أن أعرف .. الموضوع ؟؟ ”

قال الرجل :

” الموضوع يتعلق بإرثها، و لكن لا أريد مناقشته دون حضورها شخصيا و مع البطاقة المدنية ، بعد إذنك ”

وليد استدار ليتحدّث معي …

” رغد، من فضلك، استدعي أروى، و اطلبي منها إحضار بطاقتها ، و احضري بطاقتي من محفظتي ، تجدينها في أول أدراج الخزانة في غرفتي ”

أذعنت للأمر و ذهبت مسرعة نحو أروى ، و أخبرتها بالأمر، ثم أسرعت إلى غرفة وليد أفتّش عن محفظته

استخرجت المحفظة من أحد أدراج الخزانة، و أخرجت البطاقة منها و أثناء ذلك ، لمحت شيئا داخل المحفظة أثار فضولي !

مجموعة من قصاصات الورق مرصوصة خلف بعضها البعض و مدسوسة خلف البطاقة !

بفضول سحبت واحدة منها فاكتشفت أنها جزء ممزق من صورة فوتوغرافية ما !

استخرجت القصاصة الثانية ، و الثالثة ، و الجميع، حتى وجدت قطعة حاوية على وجه شخص !

رتبت القصاصات .. حتى اكتملت الصورة ، و صارت جليّة أمامي …

صورة لفتاة صغيرة، تجلس على الأرض، و أمامها علبة ألوان و دفتر تلوين تلّون رسومه … صورة لا يقل عمرها عن 13 عاما كما لا يزيد عمر الطفلة الظاهرة فيها عن 5 سنين !

إنها صورتي أنا !!

” رغد ”

سمعت صوت أروى مقبل نحوي فأعدت القصاصات بسرعة كيفما اتفق، و أخذت البطاقة و خرجت مسرعة من الغرفة …

” ها أنا ”

خرجنا سوية من المنزل إلى المزرعة، فوجدنا وليد و الرجال الأربعة و قد جلسوا على المقاعد الموجودة حول طاولة موضوعة على مقربة من المنزل …

حينما أقبلنا.. وقف الجميع .. و قال وليد مشيرا إلى أروى :

” هذه هي أروى نديم وجيه ”

و بعد أن استوثق الرجال من البطاقة ، قال ذلك الرجل نفسه :

” إذن فأنت لست فتاة قاصر كما اعتقدنا ”

قالت أروى :

” أنا في الرابعة و العشرين من العمر ! ”

قال الرجل :

” هذا سيسهّل مهمّة استلامك للإرث ”

أورى و وليد تبادلا نظرة التعجب ، ثم قالت :

” الإرث ؟ أي إرث ؟ والدي رحمه الله لم يترك لنا غير هذه المزرعة ! ”

و أشارت بيدها إلى ما حولها …

الرجل تحدّث قائلا :

” لا أتحدّث عن إرث والدك رحمه الله ”

تعجبت أروى ، و سألت :

” من إذن ؟؟ ”

قال الرجل :

” عمّك المرحوم عاطف وجيه ”

حملقنا نحن الثلاثة في وجوه بعضنا البعض، في منتهى الدهشة و الاستغراب ، و إن كنت أنا أقلهم استغرابا !

قال وليد :

” عاطف وجيه ؟؟ أبو عمّار ! ”

أجاب الرجل :

” نعم أبو عمّار ، رحمهما الله ”

وليد و أروى نظرا إلى بعضهما .. ثم إلى الرجل الغريب …

سألت أروى :

” عمّي عاطف ! عجبا ! لقد مات قبل عام ! هل ذكرني في وصيته !؟ ”

الرجل قال :

” لم يترك المرحوم وصية، كما لم يترك وريثا ، لكنه ترك ثروة ! ”

ازداد تحديق وليد و أروى في بعضهما البعض ، ثم سألت أروى :

” ثروة ؟ ”

قال الرجل :

” نعم ، و لك منها نصيب كبير ”

حلّ الصمت برهة ، ثم قالت أروى :

” ما يصل إلى كم تقريبا ؟ ”

قال الرجل بصوت تعمّد أن يكون واضحا رنانا :

” ما يصل إلى الملايين يا سيدتي ! ”

فغرت أروى ، و كذلك وليد و أنا.. كلنا فغرنا أفواهنا من الذهول … و قالت أروى غير مصدّقة :

” ملا…يين ؟؟ تركها لي ..!! ”

قال الرجل :

” نعم ملايين ! ”

هزّت أروى رأسها غير مصدّقة… و هي تضع يدها على صدرها من الذهول …

قال الرجل :

” يبدو أنك لم تكوني على علم ٍ يا سيّدتي.. بأن عمّك المرحوم عاطف وجيه كان مليونيرا فاحش الثراء ! ”

 

~ ~ ~ ~ ~

لقد كانت مفاجأة هزّت كياننا جميعا …

عاطف وجيه، هو والد عمّار القذر، الذي قتلته بيدي قبل تسع سنين ..

و عاطف هذا ، كان رجلا شديد الثراء و يملك العديد من الأملاك … و من بينها مصنع كبير كان يضاهي معظم مصانع المدينة الساحلية، و هو مصنع لم تلمسه يد الحرب، كما فعلت بمصانع أخرى ، منها مصنع والدي السابق …

حقيقة، كان حدثا مزلزلا شل ّ حركتنا و أفكارنا طوال عدّة أيام…

و الفتاة الفقيرة التي ارتبطت بها ، و التي قبلت بي على حالي و عللي ، و فتحت قلبها و بيتها و كل ما لديها من أجلي، و التي كنت أفكر بالانسحاب من حياتها من أجل رغد… أصبحت الآن..مالكة لثروة كبيرة !

يا للأيام …

يا للزمن .. الذي يؤرجحنا و مصائرنا إيابا و ذهابا… علوا و هبوطا… مستقبلا و ماض ٍ !

كان يفترض عليها السفر إلى المدينة الساحلية من أجل إتمام الإجراءات اللازمة شخصيا.. و استلام نصيبها العظيم من تلك الثروة…

و كان علي أنا ترتيب الأمور من أجل هذه الرحلة، إلى المدينة الساحلية، مدينتي الأصلية، و التي لم أزرها منذ زمن..

” هل تصدّق يا وليد ؟؟ إنني لا أكاد أصدّق ! كأنه حلم ! آخر شيء كنت أتوقعه في الوجود على الإطلاق..هو أن أرث شيئا و من ثروة عمّي الذي لم أره في حياتي غير بضع مرّات عابرة ! ”

قالت ذلك ، و هي بين التصديق و التكذيب.. تشع عيناها فرحا و ابتهاجا..

قلت :

” سبحان الله ! ”

أروى، مدت يديها و أمسكت بيدي و قالت :

” شدّ على يدي ّ بقوّة يا وليد ! دعني أحس بالألم لأتأكّد من أنها حقيقة ”

ابتسمت لها و قلت :

” إنها حقيقة مذهلة ! صدّقي يا أروى ! أصبحت ِ ثرية ! ”

أروى نظرت إلي بسعادة، و اغرورقت عيناها بالدمع، ثم ارتمت في حضني …

” ضمّني بقوّة يا وليد.. فأنا أريد أن أشعر بأنها الحقيقة..بأنني لا أحلم..بأنني في الواقع..وبأنك معي ! ”

أحطتها بذراعي مشجعا ..و مؤكدا لها ما أعجز أنا نفسي عن تصديقه… و مكررا :

” سبحان الله…سبحان الله ”

أغمضت عيني، و نحن متعانقان، و سبحت في بحر الذكرى البعيدة… استعرض شريط حياتي و المفاجآت التي اختزنها القدر لي ، و صدمني بها مرة تلو أخرى …

قالت أروى :

” ماذا سنفعل الآن؟؟ ”

” لا أعرف ! لازلنا في أول الطريق ! ”

ابتعدت أروى عن صدري قليلا، و نظرت إلي مطولا، و ابتسمت و قالت :

” لا حاجة للقلق..ما دمت معي ”

ابتسمت لها، فعادت و غمرت رأسها في صدري بارتياح…

أما أنا فأغمضت عيني في ألم…و مرارة ..في حيرة و ضياع.. ماذا سأفعل الآن؟؟ ماذا ينتظرني بعد ؟؟ ماذا تخبئين لي أيتها الأقدار ؟؟

و عندما فتحتهما..لمحت عينين حمراوين..ملأتهما الدموع..تنظران إلي بألم، مطلتين من فتحة الباب.. و ما أن رأيتهما ..حتى انسحبت صاحبتهما مبتعدة .. تاركة إياي في بحر من الضياع..

لم استطع البقاء مكاني لحظة بعد.. أبعدت أروى عني قليلا و قلت :

” دعيني أذهب لترتيب بعض الأمور.. من أجل السفر ”

أروى ابتسمت و قالت :

” و أنا أيضا سأرتب بعض أموري… لا أدري كم سنغيب هناك ! ”

و تركتها و تسللت نحو غرفة رغد..

طرقت الباب مرارا لكنها لم تجبني، و حين هممت بالانصراف رأيت مقبض الباب يتحرك أخيرا…

في الداخل، وجدت رغد غارقة في الدموع المريرة..فتصدّع فؤادي و طار عقلي خوفا عليها…

” ما بك صغيرتي؟؟ ماذا حصل ؟”

رمتني رغد بنظرة ثاقبة .. لم يكفها تمزيق أحشائي بل و صهرت الجدار الذي خلفي من حدّتها…

” رغد !؟ ”

قالت :

” متى ستسافران ؟ ”

قلت :

” خلال أيام معدودة ”

قالت :

” هل يجب أن تذهب أنت ؟ ”

استغربت سؤالها و أجبت :

” طبعا ! فأروى ستكون بحاجة إلي بالتأكيد ! ”

قالت بنبرة حزينة :

” و أنا ؟ ”

نظرت إليها بتعجّب ، و قلت :

” بالطبع ستكونين معنا ! ”

رغد لم تعقّب، بل أحنت رأسها للأسفل بحزن…

اقتربت منها أكثر ، ثم قلت :

” رغد ! و هل تظنين أنني سأترك هنا و أذهب ؟؟ ”

رغد رفعت رأسها و نظرت إلي نظرة جعلت قواي تخور فجأة …

قلت بصوت ضعيف واهن :

” أرجوك يا رغد.. ماذا تقصدين ؟ أخبريني بلسانك فلغة العيون هذه ..ترسلني إلى الجنون ”

قالت رغد :

” ستصبحان ثريين ! ”

ثم أضافت :

” هنيئا لكما ! ”

و غطت وجهها بيديها كلتيهما و بكت بكاء ً مؤلما…

” أرجوك يا رغد، لم كل هذا ؟؟ ماذا يجول برأسك الآن ؟؟ ”

رغد قالت و هي على وضعها هذا :

” دعني وحدي ”

لم أقبل، قلت مصرا :

” ما بك الآن ؟ أخبريني أرجوك ؟؟ ”

أزاحت رغد يديها و رمقتني بنفس الناظرة ، و قالت :

” أريد الذهاب إلى خالتي ! هلا ّ أخذتني إلى هناك ؟ ”

 

رتبنا الأمور للسفر برا ، أنا و رغد و أروى و الخالة ليندا ، فيما ظل العم إلياس في المزرعة، يهتم بأمورها بمساعدة الأشخاص الذين عيّنتهم أنا للعمل عندنا قبل مدّة.

خطة سفرنا كانت تقتضي منا التعريج على المدينة الصناعية أولا ، من أجل زيارة عائلة أم حسام، كما ترغب رغد و تلح، و من ثم الذهاب إلى المدينة الساحلية.

في السيارة، كانت أروى تجلس على المقعد المجاور لي، و كنا نتبادل الأحاديث معظم الوقت، بينما يخيم صمت غريب على المقعدين الخلفيين، رغد و الخالة !

الخالة سرعان ما غلبها النعاس فنامت، أما الصغيرة الحبيبة، فكلما ألقيت نظرة عبر المرآة إليها وجدتها تحدّق بي بحدّة ! و كلما حاولت إشراكها في الحديث معنا ردت ردا مقتضبا سريعا ، باترا !

المشوار إلى المدينة الصناعية المنكوبة لم يكن طويلا، لكن الشارع كان خاليا من أية سيارات، الأمر الذي يثير الوجل في قلوب عابريه !

عبرنا على نفس محطة الوقود التي بتنا عندها تلك الليلة.. و نحن مشردون في العراء !

المحطة كانت مهجورة، و البقالة مقفلة… المكان ساكن و هادىء ، لا يحركه شيء غير الريح الخفيفة تعبث بأشياء مرمية على الأرض …

كم كان يومنا مأساويا…

خففت السرعة، و جعلت أراقب ما حولي و أستعرض شريط الذكريات… لقد نجونا بأعجوبة ! سبحان الله …

” وليد .. ”

كان هذا صوت رغد، تناديني بوجل.. و كأن الذكرى أثارت في قلبها الفزع… التفت إليها فوجدتها تكاد تلتصق بمقعدي ! و علامات التوتر و الخوف مستعمرة تقاسيم وجهها الدائري…

قلت مشجعا :

” نجونا.. بفضل الله ..”

و سبحنا في بحر عميق من الهدوء الموحش …

تابعنا طريقنا ، و الذكرى تجول في رأسينا… هنا مشينا حفاة.. هنا ركضنا… هنا وقفنا… هنا حملت رغد… هنا وقعت رغد … هنا أصيبت رغد ! آه ..ما كان أفظع ذلك الجرح ! …

و هنا …

هنا …

ماذا تتوقعون هنا ؟؟

إنها سيارتي !

” وليد ! ”

نادتني رغد و هي ترى سيارتي القديمة واقفة إلى جانب الطريق ، مع سيارات أخرى في نفس المكان !

أوقفت السيارة ، و أخذت أتفرج على سيارتي القديمة هناك !

التفت إلى رغد فوجدتها تنظر إلي …

يا للأيام ! بل يا للشهور ! أما زالت سيارتي القديمة واقفة في انتظار عودتي في مكانها !

فتحت الباب و هممت بالنزول ، ناو الذهاب و تفحصها عن كثب !

” إلى أين وليد ؟؟ ”

سألني رغد ، قلت :

” سألقي نظرة ! ”

و قبل أن أخرج كانت رغد قد فتحت بابها و سبقتني !

وقفت إلى جانبها ، و قلت :

” سأتفحصها عن قرب ! ”

” سآتي معك ”

و طبعا لا داعي لأن اعترض !

ذهبنا إلى السيارة و فتحت الأبواب الغير موصدة، و تفحصت ما بالداخل …و رغد إلى جانبي..

” كما هي ! لم يتغير شيء ! أ رأيت يا رغد ؟؟ ”

لم تعقّب ، بل ظلت تتفحصها بعينيها ، و ربما تستعيد الذكرى المرعبة ..

ركبت مقعدي الأمامي ، فأسرعت هي لركوب المقعد المجاور…و أغلقت الباب.

 

” كما هي ! رغد .. أتصدّقين ذلك ! سبحان الله ! ”

رغد قالت :

” هيا بنا..ننطلق للخلف، و نعود من حيث أتينا تلك الليلة، و نعود بالزمان للوراء، و ننسى ما حصل انطلاقا من هذه النقطة ! ”

ابتسمت و قلت :

” يا ليت … ”

و تنهّدت و أضفت :

” يا ليتنا بعدما وصلنا إلى هذه النقطة، رجعنا للوراء ، و رجع كل شيء كما كان… ”

و أسندت رأسي إلى مسند المقعد.. و أغمضت عيني …

لست أريد العودة للوراء بضعة أشهر، بل تسع سنين ، بل عشر… بل 15 …

إلى ذلك اليوم الذي اقتحمت فيه مخلوقة صغيرة حياتي فجأة ! و ملأتها صراخا ، و بكاء ، و دموعا.. و ألما…

فتحت عيني و التفت إلى رغد، فوجدتها تنظر إلي بقلق..

إنها هي ذاتها… المخلوقة التي غزت عالمي منذ سنين .. ذاتها التي تجلس قربي الآن ، لا يفصلني عنها سوى بضع بوصات…

تنظر إلي نظرتها للعالم بأسره، و أمثّل بالنسبة لها كل الناس…

” رغد .. ”

” نعم ؟ ”

” كيف تشعرين الآن ؟؟ ”

قالت :

” الآن الآن ؟”

” نعم الآن ! ؟ ”

ابتسمت و قالت :

” بالسرور ! ”

عجبا ! أمر هذه الصغيرة كله محيّر !

بعد ذلك، أغلقت أبواب السيارة، و ودعناها على أمل العودة لها ذات يوم، و تابعنا مشوارنا نحو المدينة…

ما إن أطللنا على مشارفها، حتى رأينا الدمار و الخراب يعشش على شوارعها و أجوائها…

اضطررت لسلك طرق ملتوية و معقّدة لأصل إلى قلبها…

المباني المتهدّمة ، الأشجار المحترقة، الشوارع المدمّرة، و الأشياء المبعثرة هنا و هناك …

كلها ، مناظر تثير الرعب في قلب الصخر…

عبرنا أخيرا على الشارع المؤدي إلى منزلنا… و آه من ألم المنظر .. آه بعد ألف آه و آه…

بيتنا.. كتلة من الفحم الأسود… محاطة بطبقة من الرماد و الغبار…

تحوّل ذلك المنزل الصغير الهادئ، الحبيب .. إلى شبح ميت.. لا أثر فيه و لا معلم من معالم الحياة و الروح…

” يا إلهي ! ”

قالت رغد ذلك ، و وضعت يدها على وجهها لتحاشي رؤية المنظر المؤلم…

و تخفي الدموع التي ساحت على الجانبين.. رثاء و عزاء …

لم أستطع أن أمر من هنا مرور الكرام ، أوقفت سيارتي عند الباب ، المكان الذي اعتدت أن أوقف سيارتي فيه.. و نظرت من حولي …

شعرت باختناق شديد في صدري، و كأن الغبار و الرماد قد سدّت حويصلاته ، و منعت جزيئات الهواء من الدخول…

مع ذلك، لم أتمالك منع نفسي من المضي قدما…

فتحت الباب، وقلت :

” سألقي نظرة”

و التفت إلى رغد.. كانت لا تزال تخفي وجهها خلف يديها…

قلت :

” رغد.. أتأتين ؟؟ ”

أردتها أن تأتي معي.. شيء حي يتحرك معي في سكون ذلك الشبح الميت، أردت أن أشعر ببعض الحياة.. ببعض الأمان..بأن هناك من لا زال حيا معي .. رغم موت من مات.. و فناء من فني…

أروى قالت :

” سآتي معك ! ”

رغد بسرعة أبعدت يديها عن وجهها و فتحت الباب !

خالتي الأخرى أيضا تبعتنا… و سرنا نحن الأربعة نحو الداخل…

الأبواب كانت مفتوحة، كما تركناها أنا و دانة ليلة هروبنا …

سرنا ندوس على الرماد، و نتنفس الغبار.. و رائحة الخراب و الوحشة… تقرصنا الذكريات و تصفعنا المناظر المؤسفة، و تحني ظهورنا الحسرة على ما كان و ما لم يعد…

رغد أمسكت بيدي، و كلما سرنا خطوة شدت ضغطها علي.. و كلما رأت شيئا أغمضت عينيها بقوّة و عصرت الدموع المتجمعة في محجريها…

حتى إذا ما بلغنا الردهة المؤدية إلى غرفة والدي ّ ، حررت يدي من بين أصابعها، و هرولت نحو الباب و فتحته باندفاع…

” أمي… أبي … ”

حينها فقط، أدركت كم كنت مجنونا حين سمحت للفضول بالتغلب علي … و وقفت عند المنزل…

اقتحمت رغد الغرفة و هي تهتف

” أمي .. أبي .. ”

و انهارت على السرير ، تحضن الوسائد و تبكي بحرارة و مرارة .. بكاء عاليا صدّع الحجر … و أدمع الجدران.. و زلزل الأرض…

” أنا أنتظركما ! لماذا لا تعودان ؟ أي حج هذا الذي لا يعود الحجيج فيه من بيت الله ! .. الله ! يا الله .. أنت ترى بيتي الآن ! أنت رب البيت و أنا لا بيت لي… و أنت رب الناس و أنا لا ناس لي ! أتاك جميع الآباء و الأمهات.. و أنا لا أب لي و لا أم ! يا رب.. لا أب لي و لا أم ! يتّمتني مرتين يا رب .. مرتين يا رب .. مرتين أفقد فيهما أعظم ما أعطيتني إياه .. بل أربع مرّات ! أمان و أبان ! أربع أيتام في بيت خرب محروق ! ”

كيف احتمل أنا ..وليد .. كلاما كهذا من رغد ؟؟

انهرت باكيا معها بلا شعور… و أي شعور يبقى للمرء و هو يرى ما نراه…؟

حسبنا الله و نعم الوكيل …

من وسادة إلى وسادة، و من زاوية إلى زاوية، و من شيء إلى شيء، أخذت صغيرتي تتنقل و هي تهتف

” أمي .. أبي ”

تفتش حطام الخزائن، و تستخرج الخرق المحروقة المتبقية من ملابسهما و تحضنها و تقبّلها و تصرخ .. و قلبي يصرخ معها .. و تتمزق، و قلبي يتمزّق معها .. و تنهار و قلبي ينهار معها أيما انهيار…

” يكفي رغد.. بالله عليك، دعينا نرحل ”

أبت رغد الحراك، بل زاد تشبثها حتى ببقايا الستائر.. و شباك النوافذ..

أروى و الخالة بكتا لبكاء رغد، و وقفتا في الخارج في حزن و أسف على ما حلّ ببيتنا.. و بوالدينا..

رغد ، أقبلت فجأة نحو الأدراج الموجودة أسفل المرآة.. و أخذت تفتح الواحدا تلو الآخر… و تستخرج أشياء أمي ، ما تبقى منها و تضم ما تضم، و تقبّل ما تقبّل ، و تضع في حقيبتها ما تضع..

” هنا كانت أمي تجلس كل يوم تسرّح شعرها ! ”

” وليد انظر ! هذا سوار أمي المفضل ! ”

” وليد هل تعتقد أنها قد تغضب إن احتفظت به !؟”

” أريد أن آخذ هذا معي !، و هذا .. و هذا و هذا و هذا ! ”

” وليد ..لا أريد أن أخرج من هنا ! ليتني كنت هنا و احترقت قبل رحيلهما ”

و مرة أخرى أسمعها تدعو على نفسها بالموت.. هتفت متوسلا :

” يكفي يا رغد ، هيا نغادر المكان أرجوك فلم أعد أحتمل المزيد ”

اقتربت منها و أمسكت بذراعها و أرغمتها على الخروج من الغرفة، رغم مقاومتها..

كانت رغد تبكي بكاءا شديدا ، و استمرّت في نوبتها هذه و نحن واقفان عند الباب، لا توافق على التزحزح عنه خطوة بعد…

” رغد .. صغيرتي … ”

ناديتها بأتعس صوت صدر من حنجرتي الكئيبة…على الإطلاق..

نظرت إلي و قالت بأسى :

” من بقي لي بعدهما؟ من بقي لي ؟ ”

قلت :

” أنا يا رغد .. لك و معك دائما..أنا يا رغد.. أنا … ”

رغد نظرت إلي نظرة حزينة قاتلة، و فكها الأسفل يرتجف من البكاء.. و الدموع تقطر منه …

” رغد … ”

” وليد … ضمّني ”

وقفت كالأبله ، لا أفهم و لا أفكر و لا أتصرف !

قالت و فكها لا يزال ترتجف :

” ضمّني .. ألست أبي و أمي الآن ؟ ألست من بقي لي ؟ ”

لحظتها.. تمنيت لو أتحوّل إلى جدار ، يكون أكثر نفعا مني .. كأي جدار عانقته و تشبثت به.. كأي جدار ربما، و مع كونه جمادا لا روح فيه و لا حياة، أشعرها بالدفء و العطف و الأمان… أما أنا.. و أنا واقف أمامها كالشبح الميت، الغير مجدي .. فلم يكن مني إلا أن أحنيت رأسي للأمام في عجز عن فعل شيء أكثر أهمية و حرارة و نفعا من الجدران …

لن أسامح نفسي ما حييت، على خذلاني لصغيرتي في لحظة كهذه…

بعد ذلك ، و رغم أنني كنت مصرا على المغادرة فورا، إلا أن رغد كانت مصرّة على دخول غرفتها و تفقّد أشيائها…

السرير كان محروقا، و لا زلت أشكر الله ألف مرة لأن رغد ليلتها كانت نائمة في بيت خالتها..

ألف حمد لك يا رب..

الأثاث، في موضعه السابق، لكنه مكتس باللون الأسود المتفحم.. و مغطى بذرات الرماد و فتات المحروقات…

لم أشأ دخول الغرفة، وقفت عن الباب أراقب رغد و هي تتحسس أشياءها المحروقة… حتى إذا ما انتهت إلى مجموعة لوحاتها الكبيرة ، جعلت تتفقدها بسرعة و وله ، و تهتف بألم :

” لا ، لا .. لا … ”

ثم نظرت إلي و قالت بين دموعها :

” وليد .. لقد احترقت َ ! ”

و أخذت تحضن الرماد… و البقايا… أخيرا قررت الدخول، و حين صرت قربها مباشرة قالت و هي تنثر الرماد من حولها :

” أنظر.. لقد احترقت حتى الصورة ! لماذا ؟ يا إلهي ماذا تبقى لي ؟ ماذا تبقى لي ؟؟ ”

” دعونا نغادر المكان و نختصر الألم أرجوكما ”

كان ذلك صوت أروى التي كانت واقفة عند الباب.. قالت رغد

” ارحلوا و اتركوني.. أريد الموت هنا.. آه يا رب.. لماذا عشت أنا و ماتا هما ؟ حتى الصورة احترقت ! ماذا تبقى لي ؟؟ ”

أروى تقدمت نحونا و أمسكت بيد رغد محاولة مواساتها و تشجيعها، إلا أن رغد نهرتها بقوة، و رمتها ببعض الكلمات الجارحة، ربما من شدة حزنها …

و لم تسمح لنا رغد بمغادرة المنزل حتى تفقدته غرفة غرفة و ممرا ممرا و زاوية زاوية…

حتى المطبخ جلست فيه فترة طويلة تستعيد الذكرى و تقلّب المواجع ، و تكرر

” هنا كانت أمي تطهو الطعام ، و هنا كان أبي يدوّن ملاحظاته في المفكرة ! ، و هناك كانت دانة تزين كعكاتها بالشيكولا ! … و سامر يقف هناك، يتحدّث عبر الهاتف، و عند هذه الطاولة كنت أنا أجلس لأقشر البطاطا !

ليت ذلك يعود…

و لو يوما واحدا فقط..

أعيش فيه وسط عائلتي .. بين أمي و أبي، و أختي و أخي.. يوما واحدا فقط.. عسى أن يكون آخر أيام حياتي… ”

بل إن هذا سيكون آخر أيام حياتي أنا، ما لم تتوقفي عن ذلك يا رغد … ارحميني…

حملت رغد معها تذكارا من كل مكان و عن كل شخص.. حتى سامر…كما أخذت حليها و حلي دانة، بل و ما بقي من فستان زفافها المحروق أيضا !

” سأعطيه لأختي حين تعود ! كانت مهووسة به .. و تعتبره كنزها الثمين ! مسكينة يا دانة ! ”

خرجنا من ذلك الحطام الكئيب بعدما أغرقناه بالدموع و ملأناه بالألم… إن كنت، الشخص الذي لم يعش في هذا المنزل فترة طويلة، و لم يحمل معه سوى القليل من الذكريات، و أنا أكاد أنصهر من حرارة ما بداخلي، فكيف برغد …؟؟

ابتعدنا عنه و قلوبنا معلقة عنده، و أنظارنا متشبثة به حتى اللحظة الأخيرة…و أخذنا معنا ما غلا مما نجا، و ما نجا مما غلا

لم تتوقف سيل الدموع حتى بعدما وصلنا إلى منزل أبي حسام، و كان الآخر محترقا ، إلا انه أحسن حالا من بيتنا المدمّر…

حين قرعنا الباب، فُتح و ظهر من خلفه أفراد العائلة أجمعون، و الذين كانوا في انتظارنا منذ ساعات…

ما إن رأت رغد خالتها حتى صرخت.. و انهارت في حضنها بحرارة …

اللقاء كان من أقسى اللقاءات التي مررت بها في حياتي.. لا يضاهيه أي لقاء، عدا لقائي بأهلي بعد خروجي من السجن، مع فارق ضخم، هو أنه لا أهل أمامي لأعود إليهم و أعانقهم و أبكي فوق صدورهم…

استهلكنا كمية كبيرة من الدموع حتى أوشكنا على الجفاف، صعدت رغد بعد ذلك مع ابنة خالتها إلى الطابق العلوي، و ذهبت النساء إلى غرفة أخرى، و بقينا نحن الرجال في غرفة المعيشة نقلّب الأحزان و نتجرّع الآهات و نتبادل التعازي…

حينما حل الظلام، أردت أخذ عائلتي إلى فندق لقضاء الليلة قبل متابعة السير غدا، مع أنني لست واثقا من العثور على مكان مناسب، و طلبت من حسام استدعاء الثلاث…

ذهب حسام و عاد بعد قليل مع أمه و أروى و أمها ، فسألت عن رغد ، فأخبرتني أم حسام أنها أرسلت ابنتها الصغرى لاستدعائها…

لحظات و إذا بالفتاة الصغيرة ( سارة ) تأتي نحونا و تقول :

” تقول رغد إنها ستبقى معنا و لن ترحل مع وليد و خطيبته الشقراء الدخيلة و أمها ! ”

تبادلنا جميعا النظرات المتعجبة، و حملقنا في الفتاة الصغيرة … ثم سألتها أمها :

” سارة ! هل هذا ما قالته ؟؟ و هل طلبت منك نقل هذا إلينا ؟؟ ”

و هنا أقبلت الآنسة نهلة، و نظرت إلى أختها بغضب، ثم إلينا أنا و أروى و قالت :

” رغد ستبات معي الليلة ”

شعرت بالضيق الشديد من ذلك، فقلت :

” أين هي ؟ أود ا لتحدّث معها فهلا ّ استدعيتها ؟ ”

قالت :

” إنها لا تريد الخروج الآن… ”

ضقت أكثر و قلت :

” أرجوك آنستي، هلا استدعيتها ”

و ما كدت أنهي الجملة حتى طارت الصغيرة سارة لاستدعائها !

ثوان و إذا بها تعود قائلة :

” لن تذهب معك ! ارحل و اتركها و شأنها ”

هتفت الآنسة نهلة :

” سارة ! تبا لك ! لا تتدخلي أنت و ابقي في مكانك ”

قلت :

” هل أخبرتها بأنني أريد التحدّث معها ؟؟ ”

موجها الخطاب إلى الفتاة الصغيرة، فابتسمت الأخيرة و قالت :

” نعم ! و قالت إنها لا تريد التحدث معك، و إن علي إخبارك بأنها لن تذهب معكم فارحلوا ! ”

أم حسام ذهبت الآن إلى غرفة ابنتها و عادت بعد قليل قائلة :

رواية انت لي

الحلقة الثالثة و الثلاثون الجزء 2

” دعها تنام هنا الليلة ، إنها في حالة سيئة ”

و عبارة ( حالة سيئة ) أزعجتني و أقلقتني أكثر…

” أرجوك يا سيدتي ، استدعيها لأتحدّث معها الآن ”

و ما إن أنهيت جملتي هذه حتى رأيت رغد تظهر أمامي، ثم تقول :

” سأبقى هنا في بيت خالتي ! لن أرحل معكم ”

اجتاحني الهلع، فقلت :

” تعنين الليلة ؟ ”

قالت :

” بل كل ليلة ، سوف أعيش هنا بقية عمري ”

نظرت إليها، و إلى جميع من حولي في عدم تصديق .. ثم سألتها :

” ماذا تعنين يا رغد ؟ لا يمكنك ذلك ! ”

قالت بصوت متحد ٍ :

” بلى ، يمكنني ”

” رغد ! مستحيل ! ”

قالت بتحد أكبر :

” بلى يا وليد، سأبقى أنا مع عائلتي الحقيقية، و ارحل أنت مع عائلتك الجديدة.. و في أمان الله ”

عرض التعليقات (7)