جواد بلا فارس للكاتبة بنوتة اسمرة الجزء الخامس عشر والاخير

19 4٬739
 

جواد بلا فارس للكاتبة بنوتة اسمرة الجزء الخامس عشر والاخير

جواد بلا فارس للكاتبة بنوتة اسمرة الجزء الخامس عشر والاخير

جواد بلا فارس للكاتبة بنوتة اسمرة الجزء الخامس عشر والاخير

جواد بلا فارس للكاتبة بنوتة اسمرة الجزء الخامس عشر والاخير, معكم صديقة زاكي الشيف الموهوبة ,

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الفصل الثلاثون.

صلوا على رسولنا المصطفى

ابتسم “آدم” وهو يمد يده الى والدته يبغى الهاتف .. أعطته اياه فوضعه على أذنه قائلاً برقه :

– أنا كويس يا حبيبتى متقلقيش عليا

تجمدت “آيات” فى مكانها ووضعت يدها على فمها وقد اتسعت عيناها فزعاً .. قال “آدم” بحنان :

– متتصوريش فرحان بإتصالك أد ايه .. لانه خلانى أتأكد ان أنا مهم بالنسبة لك .. كنت هتجنن امبارح من خوفى عليكي .. بس “كريم” طمنى انك كويسة .. لو كان جرالك

حاجة كنت روحت فيها

أغلقت “آيات” هاتفها فوراً وهى تحاول السيطرة على دقات قلبها التى أخذت تتسارع بشدة .. لكن هيهــات .. القلــب الذى تسارعت دقاتــه يأبـى أن يعــود الى سباتــه

!

مسحت وجهها بكفيها وهى تحاول ألا تفكر فى كلماته التى أسمعها اياها منذ قليل .. قامت وغسلت وجهها .. نظرت الى نفسها فى مرآة الحمام .. بعينيها الحائرتين ..

وملامحها المضطربة .. بلعت ريقها بصعوبة وهى تشعر بقلبها وهو يعصيها ويرفض أن يستكين كما كان .. جففت وجهها بعصبيه وخرجت ترتدى ملابسها .. وتتوجه الى عملها

عل انشغالها به ينسيها تلك الأفكار وتلك المشاعر التى تحاول مقاومتها .. وبشدة

************************************

توجه “على” الى مكتب “كريم” .. فوجده يتحدث الى الهاتف .. أشار له “كريم” بالجلوس وانتظاره حتى يُنهى مكالمته الهاتفيه .. بدا على “على” الضيق والتوتر .. انهى

“كريم” مكالمته ونظر اليه وهو يقول :

– خلاص كاميرات المراقبة هتتركب فى القرية النهاردة .. والحراسه اللى على البوابه زودناها

أومأ “على” برأسه لكن عقله كان فى مكان آخر

ضاقت عينا “كريم” وهو يقول :

– مالك يا “على” فى حاجه

تنهد “على” قائلاً فى وجوم :

– بص يا “كريم” أنا بعتبرك صاحبى وأخويا .. عشان كده جيت أتكلم معاك .. أنا حاسس انى مخنوق أوى

نهض “كريم” والتف حول المكتب .. جلس على المقعد المواجه لـ “على” وسأله بإهتمام :

– خير يا “على” .. قول أنا سمعك

تنهد “على” بأسى وقال :

– “أسماء” صحبة أختى و أختك

قال “كريم” بإستغراب :

– مالها .. حصل منها حاجة ؟

قال “على” بضيق :

– اللى حصل ان انا وهى اتكلمنا كذا مرة مع بعض عن لبسها وعن شروط الحجاب وكانت بتسألنى فى حاجات وأنا أرد عليها زى التعدد والمصافحة

ظل “كريم” صامتاً .. فأكمل “على” وهو مطرق برأسه :

– اللى عرفته من “إيمان” انك حست بحاجه نحيتي .. وقالتها صراحة يعني مفيش مجال لسوء الفهم .. من ساعة معرفت وأنا حاسس انى مخنوق ومضايق جداً .. خاصة ان “إيمان”

قالتلى ان ظروفها صعبة .. ومشاكلها كتير .. فمكنتش أحب أزود مشاكلها دى وأخليها تــ ….

توقف ولم يستطع ان يكمل .. ظل مطرقاً برأسه .. الى أن قال “كريم” وهو يسند مرفقة فوق المكتب :

– غلطان يا “على”

رفع “على” رأسه ينظر الى “كريم” الذى قال بحزم :

– غلطان انك تتكلم معاها فى حاجة شخصيه زى لبسها ولو حتى من باب انك تنصحها .. مينفعش يا “على” وأظن انك عارف الكلام ده كويس .. لان انت شاب ومعرض للفتنة ..

زي ما هى بنوته صغيره ومعرضة للفتنه .. وده اللى حصل فعلاً البنت اتعلقت بيك وحبتك .. وأنا واثق انك أكيد انت كمان مشاعرك اتحركت نحيتها

أطرق “على” برأسه مرة أخرى وقد احتقنت الدماء فى وجهه .. أكمل “كريم” :

– لو كنت عايز تنصحها فكان ممكن تقول لأختك “إيمان” تتكلم معاها .. أو تقولى وأنا أقول لـ “آيات” لكن كلامك معاها كده ده باب فتنة كبير يا “على”

عقد “على” جبينه بضيق وهو يقول :

– طيب أعمل ايه دلوقتى

تنهد “كريم” وانحنى الى الأمام يسند مرفقيه الى قدميه وهو يقول :

– حاول متحتكش بيها خالص .. لا فى شغل ولا فى غير شغل .. وأنا هحاول أشوف طريقه بحيث ان تعاملها يكون مع “آيات” مباشرة من غير ما تضطر تتعامل معاك

ثم تنهد قائلاً وهو ينظر الى “على” بعتاب :

– طيب هى معذورة لجهلها .. لكن انت مش معذور يا “على”

تمتم “على” بضيق :

– استغفر الله العظيم .. انا فعلاً كنت حاسس ان مكنش المفروض أتكلم معاها كده وانها ممكن مشاعرها تتحرك نحيتي بس معرفش ايه اللى خلانى أستمر وأتكلم معاها عن

لبسها

تنهد قائلاً :

– انت صح .. لو كنت عايز أنصحها فعلاً كنت خليت “إيمان” هى اللى تتكلم معاها مش أنا

قال “كريم” وهو يرجع ظهره للخلف :

– خلاص حصل خير .. وكويس ان الموضوع فى أوله .. ملحوقه يعني .. وانت راجل محترم يا “على” .. بس طبيعي انك تضعف بس أهم حاجة زى ما علمت كده تلوم نفسك على الغلط

وتصححه

اومأ “على” برأسه وهو يقول :

– متشكر يا “كريم” .. مكنش فى غيرك أقدر أتكلم معاه ويفهمنى

ابتسم “كريم” قائلاً :

– أنا تحت أمرك فى أى وقت يا “على” .. انت مش أخو “إيمان” مراتى بس .. لأ انت أخويا أنا كمان

ابتسم “على” وهو يستأذن للإنصراف الى عمله

*********************************

وقفت “أسماء” فى الشرفة بعدما اعتذرت هذا اليوم أيضاً عن الذهاب الى عملها .. كانت تشعر بأنها تحتاج الى ترتيب حياتها وأفكارها ومشاعرها .. تريد حسم صراعات

كثيرة بداخلها .. وأهم هذه الصراعات وأكبرها هو أهلها .. الذين افتقدتهم بشدة .. التقطت هاتفها الموضوع فوق الطاوله بالشرفه .. وتأملت الشمس التى وسلت الى كبد

السماء تشع نورها فى بهاء .. اتصلت بأنامل متردده برقم والدها .. اندفعت العبرات من عينيها بمجرد سماع صوته التى تسلل الذى أذنيها ليزيد من حنينها وشوقها اليه

.. حاولت التحدث لكنها لم تستطع .. اضطر “مدحت” أن يغلق الخط بعدما لم يجد من يجيب

نظرت “مديحة” الى “مدحت” بشك وهى تقول :

– مين ؟

قال وهو يجلس على أحد المقعد فى غرفة المعيشة :

– معرفش محدش رد

قامت وأخذت الهاتف من يده وعاودت الإتصال بالرقم فصاح فيها :

– انتى اتجننتى يا “مديحة”

قالت بحده وهى تنظر اليه بإحتقار :

– أنا واثقة انها واحدة تيييييييييييييت من اللى تعرفهم

هب واقفاً وهو يصيح :

– قولتلك مليون ألف مرة أنا خلاص قطعت علاقتى بكل اللى أعرفهم .. اعقلى بأه ومتطلعيش روحى

اتسعت عيناه فى دهشة وهو يرى “مديحة” التى تجمدت فى مكانها ثم ما لبثت أن صاحت بلهفة :

– بنتى

قالت “أسماء” بصوت باكى :

– وحشتيني يا ماما

جلست “مديحة” على المقعد خلفها منهارة وهى تقول :

– “أسماء” .. وحشتيني يا حبيبتى .. وحشتيني أوى .. “أسماء” انتى كويسة

قالت “أسماء” وهى تحاول أن تتمالك نفسها :

– أيوة الحمد لله .. انتى كويسة .. وبابا كويس ؟

بكت “مديحة” بشدة وهى تقول :

– سمحيني يا بنتى . .سمحيني .. حقك عليا .. انا عارفه انى أم فاشلة .. ومستحقش أكون أم أصلاً

أجهشت “أسماء” فى البكاء فى الأخرى .. أخذ “مدحت” الهاتف من يد “مديحة” بلهفة وهو يقول بصوت مرتجف وأعين دامعة :

– “أسماء” حبيبتى .. انتى كويسة يا حبيبتى

قالت “أسماء” من بين شهقاتها وهى تمسح دموعها بظهر يدها :

– أيوة يا بابا كويسة .. بس انتوا وحشتونى أوى

قال لها بلهفة :

– انتى اللى وحشتيني أوى يا “أسماء” .. انتى فين يا حبيبتى قوليلنا مكانك وهنجيلك دلوقتى

قالت “اسماء” بلهفة :

– هو انت وماما رجعتوا رجعتوا تانى لبعض يا بابا

ألقى نظرة على “مديحة” الى وقفت أمامه ووجهها مبلل بالعبرات .. ثم قال :

– قوليلى انتى فين يا “اسماء”

تنهدت بعمق ثم قالت :

– أنا فى العين السخنة

قال بإستغراب :

– فى العين السخنة .. بتعملى ايه هناك

أخذت منه “مديحة” الهاتف وهتفت :

– حبيبتى قوليلى مكانك بالظبط وهنجيلك دلوقتى حالاً يا حبيبتى

أعطتهم “أسماء” العنوان .. فأسرعت “مديحة” بتبديل ملابسها .. وانطلقت مع “مدحت” فى طريقهم الى .. قرية المــاســة !

***************************************

فى اليوم التالى زار “آدم” فى المستشفى كل من “كريم” و “زياد” و “على” .. كان سعيداً لرؤيتهم حوله .. ابتسمت والدته وهى تعدل من وضع الوسادة خلف ظهره .. وقالت

للشباب :

– منورين والله .. اهو كده لازم تكونوا اخوات وتخافوا على بعض وتبقوا ايد واحدة .. الديب مبيقدرش الا على الغنمة اللى ماشيه لوحده .. لكن لو سط القطيع يخاف

يقربلها

ابتسم “زياد” قائلاً بمرح :

– آه فعلاً هو “آدم” يدى على غنمة

ضحك “آدم” قائلاً :

– ماشى يا أبو دراع مكسور .. بأه مش مكسوف من نفسك بعد اللى حصلك ده .. شكلك بأه بايخ جداً بصراحة

قال “زياد” بمرح :

– متفكرنيش ده أن كل ما أفتكر أتغاظ .. أموت وأعرف ازاى هيا نطت سليمة وأنا اللى حصلى كده

التفت اليه “كريم” قائلاً بمزاح :

– أكيد الموضوع متعلق بالنية يا “زياد”

صاح قائلاً :

– والله نيتى بيضة وزى الفل

ثم التفت اليه والدة “ىدم” قائلاً :

– ولا ايه رأيك يا خالتى

قالت بحماس :

– “زياد” .. ده “زياد” ده زينة الرجالة .. ده ربنا يباركله ابن حلال مصفى .. ربنا يرزقه ببنت الحلال اللى تشيله جوه حبابى عنيها

قال “زياد” :

– والله انتى زى السكر يا خالتى .. والوحيدة اللى نصفانى فى الدنيا دى .. ربنا ميحرمنى منك

ثم قال بخبث :

– وبخصوص بنت الحلال .. فشكلك يا خالتى هتلبسى الحته اللى على الحبل قريب

اتسعت ابتسامته وهى تهتف :

– بجد يا “زياد”

أطلقت زغروته فصاح “آدم” :

– ماما احنا فى المستشفى

لم تلتفت اليه بل سألت “زياد” بحماس وابتسامة واسعة على شفتيها :

– مين يا “زياد” .. واحدة من هنا ولا من جيرانا فى القاهرة

قال مبتسماً :

– لا من هنا

نظر اليه “آدم” قائلاً :

– ده انت طلعت ندل آخر حاجه .. وأنا آخر من يعلم يعني .. ما قولتليش حاجه عن الموضوع ده

قال مبتسماً :

– أديني قولت أهو

التفت اليه “كريم” قائلاً :

– مين بأه تعيسة الحظ .. قصدى سعيدة الحظ

قال بثقه :

– الدكتورة “سمر”

التفت اليه “على” بإهتمام دون أن ينطق ببنت شفه .. فقالت أم “آدم” بإستغراب :

– مين دكتورة “سمر” دى .. أنا شوفتها قبل كده ؟

قال “آدم” ضاحكاً :

– دى الدكتورة اللى كانت جوه عيادة الأطفال .. و “زياد” أنقذها .. مش لاقى غير دى يا “زياد” دى هتفضل تزل فيك طول عمرك على اللى حصل ده

شرد “على” وهو يشعر بداخله بمشاعر شتى .. تتقاذفه يميناً ويساراً .. شرقاً وغرباً .. لكنه استغرب من شئ واحد .. وهو أن كل هذه المشاعر لم يكن من بينها .. الغضــب

!

***************************************

قام “عاصى” من فوره يستقبل “سراج” الذى دخل مكتبه قائلاً :

– أهلاً يا بابا اتفضل

جلس “سراج” مكان “عاصى” أام المكتب .. أغلق “عاصى” الباب جلس أمام والده الذى قال بحده :

– وبعدين يا “عاصى” .. هتبطل تتصرف من دماغك امتى

قال “عاصى” بتبرم :

– يا بابا أنا متصرفتش كده الا لما جبت أخرى مع الناس دى .. يعنى عجبك معدلات الشغل اللى بتقل يوم عن يوم .. محدش له سيره الا عن قريتهم .. حتى الصحفيين اللى

بندفعلهم كل شهر أد كده ونازلين تشويه فى سمعة القرية وبرده لسه معدل شغلهم عالى زى ما هو

صاح “سراج” بغضب وهو يضرب بكفيه فوق المكتب :

– تقوم تبعت رجال تخطف “آيات” يا “عاصى” .. هتستفاد ايه يا غبى من كده

قال “عاصى” بحق :

– هستفاد انى هضغط بيها على اللى اسمه “كريم” ده

نظر اليه “سراج” بإحتقار وهو يقول :

– غبي وهتفضل طول عمرك غبى .. أهم مسكوا واحد من الرجلين اللى بعتهم .. هتعمل ايه دلوقتى يا فالح

نظر اليه “عاصى” بدهشة وقال :

– انت عرفت منين يا بابا

قال “سراج” بتهكم :

– انت فاكر ان انت بس اللى ليك عيون فى كل مكان .. انت نسيت ان أنا “سراج اليمانى” ولا ايه

قال “عاصى” بضجر :

– متقلقش الواد ميعرفش مين اللى مأجره ودافعله الفلوس .. يعنى أصلاً ميعرفش حاجه عشان يقولها .. خليهم يشبعوا بيه

ضم “سراج” قبضتيه معاً ووضعهما فوق المكتب قائلاً :

– وبعدين هنتصرف ازاى

قال “عاصى” فى شرود :

– متقلقش بفكر فى حاجه كدة هتجيب من الآخر

سأله “سراج” بحذر :

– حاجة ايه

نظر اليه “عاصى” وهو يرفع أحد حاجبيه ويقول بلؤم :

– هدية صغيره تتحط فى مكتب “كريم”

نظر اليه “سراج” وقد فهم ما يعنيه “عاصى” .. لاحت ابتسامه على شفتيه وهو يقول :

– أهو هو ده الشغل اللى من الآخر .. مش تقولى خطف “آيات”

ابتسم “عاصى” قائلاً :

– خلاص متقلقش يومين بالكتير والهدية توصله

قام ليغادر المكتب فأوقفه “سراج” قائلاً :

– ايه أخبار السكر ؟

التفت اليه “عاصى” وقال بخبث :

– متقلقش وصل المخازن

نظر اليه “سراج” وقال بلهجة ذات معنى :

– متسيبوش كتير فى المخازن عشان النمل ميحومش حوليه

ابتسم “عاصى” وهو يفتح الباب قائلاً :

– متقلقش

*************************************

وقف “آدم” يصلى ويستخير الله عز وجل فى اقدامه على خطوة أجلها كثيراً .. دعا الله كثيراً فى سجوده أن ييسر له الخير .. وأن يجمع بينه وبين من يهواها قلبه ..

أطال سجوده .. وأطال دعائه وتوسله لله وهو يقول :

– يارب أنا مبتمناش غيرها .. يارب خليها تسامحنى .. يارب اجعلها من نصيبى أنا مبتمناش زوجة غيرها .. يارب مش هقدر أتحمل جوازها من راجل غيرى .. يارب اجعلها

من نصيبى .. يارب عيني مش شايفه غيرها وقلبى مش حاسس بغيرها .. نفسى تكون ليا وأكون ليها .. ونعين بعض وناخد بإيد بعض .. يارب أنا محتاجلها فى حياتى عشان تثبتنى

على اللى أنا فيه .. محتاجلها يارب عشان تعينى على طاعتك .. يارب نفسى تكون مراتى فى الحلال .. نفسى أنسى معاها كل حاجة غلط كنت بعملها .. يارب اقبل دعائى ..

يارب

أنهى “آدم” صلاته وخرج ليجد والدته فى غرفتها .. اقترب منها وجلس بجوارها فقامت وعتدلت فى فراشها وهى تضع يدها على رأسه التى لفها الشاش وهى تقول :

– مالك يا ابنى .. تعبان

هز رأيه نفياً وهو يقول :

– لا أبداً يا ماما .. الحمد لله أحسن كتير

نظرت اليه بأعين متفحصه وهى تشعر ببال ابنها المشغول :

– أمال مالك يا ابنى فى حاجة مضايقاك

التفت اليها قائلاً :

– ماما أنا عايز أخطب “آيات”

ابتسمت والدته وهى تقول بسعادة :

– يا حبيبى .. ياريت والله ده يوم المنى

قال “آدم” بحماس :

– طيب أنا فكرت أخد الخطوة دى فعلاً وأتكلم مع أخوها .. على الأقل أثبتلهم انى جد فعلاً .. ايه رأيك

أومأت برأسها وقالت بحماس :

– أيوة كده .. أبوك الله يرحمه كان يقولى الواحد يعيش يوم واحد زى الأسد أحسن من انه يعيش 100 يوم زى النعامة

ابتسم “آدم” وهو يقول :

– يعني رأيك أتقدم وأتكلم مع أخوها

قالت بنفس الحماس وهى تربت على ظهره :

– أيوة يا حبيبى اتقدم .. عشان يعرف انك شاريها بجد .. وان شاء الله ربا يحنن قلبها وتوافق

أومأ “آدم” برأسه .. بذت كلمات والدته الحماس بداخله حتى انه لم يستطع الإنتظار أكثر .. بدل ملابسه وتوجه الى الخارج تشيعه دعوت أمه وابتسامتها الحانيه المشجعة

.. رفعت كفها الى السماء تسأل الله أن يسعد قلب ابنها .. وأن يرزقه بمن هواها قلبه

شعر “كريم” بالدهشة لإتصال “آدم” الذى طلب فيه زيارته لبعض الوقت .. عدل “كريم” من وضع المنزل واستعد لاستقباله .. دخل “آدم” وهو يحاول اخفاء التوتر الذى يشعر

به بداخله .. قال “كريم” بترحاب :

– اتفضل يا دكتور .. اتفضل

جلس “آدم” على الأريكة وجلس “كريم” على المقعد الجاور له .. بعد عبارات التحية والمجاملة تنحنح “آدم” وقال :

– “كريم” .. أنا جايلك النهاردة عشان أتقدم لـ “آيات”

صمت “كريم” وبدا عليه الصدمة مما سمع .. فقال “آدم” بتوتر :

– أنا عرفت ان “أحمد” اتقدملها .. وأنا لحد دلوقتى معرفش هى كان ردها ايه عليه

نظر الى “كريم” بتوتر وقلبه يخفق بوجل .. لديه ثقه كبيره فى انها سترفض “أحمد” .. لكن على الرغم من ذلك لم يستطع ألا يشعر بالتوتر والخوف من أن يكون مخطئاً

فى تفسير مشاعرها .. قال “كريم” :

– ولا أنا أعرف ايه ردها .. لسه مقالتليش ردها

أومأ “آدم” برأسه .. ران الصمت بينهما .. ثم قال :

– طيب ياريت تعرض عليها طلبى .. وهى تختار

نظر “كريم” الى “آدم” متفحصاً ثم أسند ظهره الى المقعد قائلاً :

– بصراحة يا دكتور .. مكدبش عليك أنا مقلق شوية من الموضوع ده

تنهد “آدم” قائلاً :

– أنا اتغيرت يا “كريم” .. عارف انك أكيد سمعت من “آيات” كل اللى عرفته عنى .. وعارف انك نظرتك ليا عامله ازاى دلوقتى .. بس أنا اتغيرت .. وانت أكتر واحد المفروض

انه يقدر يعني ايه انسان تاب .. وبعد عن كل حاجة غلط فى حياته

باغته “كريم” قائلاً :

– عشان “آيات” ؟

قال “آدم” على الفور :

– لا مش عشان “آيات” .. عشان ربنا .. أنا سيبت جولدن بيتش وأنا فاكر ان “آيات” ماتت .. سيبتها بكل الأرف اللى فيها حتى من قبل ما أعرف انى ممكن اشتغل هنا فى

الماسة .. أنا بعت عربيتي عشان أنفذ الشرط الأخير فى التوبة .. عشان أرد المظالم اللى مكنش حد منكوا هيعرف عنها حاجة .. بس أنا بعامل ربنا .. وتوبت عشانه هو

.. عشان يبقى راضى عنى

نظر اليه “كريم” وقد ظهرت ابتسامه صغيره على زاوية قمه .. فأكمل “آدم” بثقة :

– أنا مش ممكن أبداً أجرح “آيات” يا “كريم” .. أنا بحبها .. والله بحبها .. وأوعدك وأوعدها انى هحافظ عليها .. انا دلوقتى عرفت قيمة “آيات” .. ونفسى بجد توافق

انها تكون مراتى واننا نبتدى حياتنا سوا

ثم قال بأسى :

– “كريم” اللى عايزك تفهمه وتشرحهولها هو انى ما أملكش من الدنيا دى أى حاجة .. العربية بعتها زى ما قولتلك .. وما أملكش غير مرتبى اللى بقبضه من القرية ..

واللى جزء منه بيطلع كل شهر لدين قديم فى رقبتى بسبب شغلى اللى خسرته مع “عاصى” وأبوه .. يعني أنا حتى مش هقدر دلوقتى أجيبلها شبكة .. ولا هقدر أوعدها ببيت

كبير وعفش غالى .. مش فى امكانياتى دلوقتى

صمت وأطرق برأسه بأسى ثم نظر اليه قائلاً وهو يعقد جبينه بقوة :

– كان نفسى أأقدملها حاجة تليق بيها .. وبقيمتها .. بس للأسف أنا لسه هبتدى حياتى من أول وجديد .. كل اللى أقدر أقدمه دلوقتى .. دبلتين

ثم أشار الى قلبه قائلاً :

– وده

نظر اليه “كريم” قليلاً ثم قال :

– وأنا لامس صدق توبتك دى يا دكتور .. بس القرار فى ايد “آيات”

أومأ “آدم” برأسه قائلاً :

– وأنا هنتظر ردها

***************************************

دلف “مدحت” بسيارته بوابة القرية .. أخذت “مديحة” تتطلع الى ما حولها تبحث عيناها بلهفة عن ابنتها “أسماء” .. اتصل “مدحت” بها ليعلمها بوصولهما فوصفت له الطريق

الى البناية التى تقيم بها .. نظرت من الشرفة واتسعت ابتسامتها وهى ترى سيارة والدها مقبلة فى اتجاه البناية .. دخلت مسرعة وأخذت طرحة لفتها على شعرها كيفما

اتفق ونزلت مسرعة وقلبها يخفق بقوه لا تتحمل تلك الثوانى التى تفصلها عن أحضانهما .. أوقف “مدحت” سيارته بمجرد أن لمحها تخرج من البوابه .. خرجت “مديحة” مسرعة

من السيارة وأقبلت عليها تأخذها فى أحضانخا لتروى اشتياقها وحنينها اليها .. بكت “أسماء” فى أحضان والدتها .. ذاك الحضن الذى افتقدته طويلاً جداً حتى عندما

كانت تعيش معها فى نفس المنزل .. لا تتذكر متى آخر مرة شعرت بذراعى أمها تلتفان حولها هكذا .. لا تتذكر متى آخر مرة أسندت وجنتها الى هذا الصدر الحانى .. لم

تكن “أسماء” بعناقها تروى اشتياق الفترة الماضية فحسب .. بل كانت تروى اشتياق سنوات من الجفاف العاطفى .. أبعدتها أمها لتنظر اليها بأعينها الدامعة وهى تقول

:

– “أسماء” .. وحشتيني أوى يا بنتى

قالت “أسماء” بصوتها المرتجف :

– وانتى كمان يا ماما وحشتيني أوى

التفتت الى “مدحت” الذى جذبها الى أحضانه باكياً كما لم تراه من قبل .. احاطته بذراعيها وهى تشعر بإنتفاض جسده لقوة بكاؤه .. كانت الدموع تتساقط من عينيها لكن

البسمة مرتسمه على ثغرها فى ثبات .. فى تلك اللحظة شعرت بأن لها قيمة .. بأن وجودها له معنى .. بأن لها من يفتقدها ويشعر بإشتياق الى وجودها فى حياته .. لم

تكن سعادتها بالغة لرؤيتهما فحسب .. بل لشعورها بأنها شخصاً مهماً فى حياتهما

أدخلتهما “أسماء” المنزل بترحاب شديد .. جلسا معاً على الأريكة كل منهما فى جهة .. يسمعان منها ما حدث لها منذ أن تركت البيت .. ظهرت تعبيرات الأسى والحزن على

وجيهما .. وكل منهما يستشعر كم كان مقصراً فى حق تلك الفتاة التى رزقهم الله اياها

***************************************

شعرت “آيات” بيداً تحيط بكتفيها فانتفضت والتفتت لتجد “كريم” مبتسماً .. وضعت يدها على صدرها قائله :

– خضتنى

ضحك ضحكة خافته وقال :

– هيكون مين يعني اللى يجرؤ انه يحط ايده على كتفك كده

ابتسمت قائله :

– معرفش اتخضيت وخلاص

نظر الى الكراتين التى كانت تتفحص محتوياتها وهو يقول :

– طالعة بكرة مع الفوج السياحى ؟

قالت “آيات” بحماس :

– أيوة ان شاء الله

أومأبرأسه قائلاً :

– ممكن تسيبي شغلك شويه

– أهااا

سارت معه فى اتجاه الشاطى وهو مازال لافاً كتفيها بذراعه .. نظرت اليه “آيات” قائله :

– عارفه انك عايز تتكلم فى ايه

نظرت اليها مبتسماً وقال دون أن يتوقفا عن السير :

– طيب عايزك فى ايه ؟

نظرت أمامها وقالت :

– هتسأنى عن رأيى فى طلب “أحمد”

– مممممم ايه رأيك فى طلب “أحمد”

توقفت “آيات” عن السير ونظرت اليه قائله :

– مش موافقة يا “كريم”

نظر اليها قائلاً دون أن يبدو مندهشاً لردها :

– توقعت كده .. بس أحب أسمع منك أسباب رفضك

نظرت حولها بضيق ثم قالت :

– “أحمد” من أيام من كنا فى الجامعة وأنا عارفه انه بيحبنى .. ووقتها كان الحب بالنسبة لى مهم .. مستحيل كنت أرتبط بإنسان مش بحبه .. وأنا مكنتش بحب “أحمد”

عشان كده لما قالى زمان انه عايز يتجوزنى رفضت

ثم نظرت اليه قائله بحزم :

– بس دلوقتى فى حاجات تاينة أهم من الحب .. مش هتنازل عنها فى الإنسان اللى هتجوزه

– ايه هيا الحاجات دى ؟

قالت بحماس :

– اهم حاجة يكون انسان محترم ويعرف ربنا .. ياخد بإيدي وآخد بإيده .. نبقى احنا الاتنين طوق نجاة لبعض .. أحس انه بيحبنى وخايف عليا .. مقصدش الحب الرومانسي

اللى كله كلام جميل .. لأ أقصد انه يحبنى بتصرفاته قبل ما يقولهالى بلسانه .. احس انه خايف عليا من النار .. وانه بيبعدنى عن كل حاجة غلط وبيصلح من تصرفاتى

.. عايزه همنا يبقى واحد .. ازاى نرضى ربنا ونقرب منه .. عايزاه يخاف من ربنا ويخاف يغضبه مش واحد عايش فى الدنيا كده وخلاص مش عارف هو اتولد ليه ولا عارف هو

عايش ليه

اتسعت ابتسامة “كريم” وهو ينظر اليها بإعجاب قائلاً :

– متتصوريش يا “آيات” أنا فرحان بيكي أد ايه .. ربنا يهديكي كمان وكمان

ابتسمت وهى تنظر اليه قائله :

– يعني معايا حق أرفض “أحمد”

– معاكى حق ترفضى كل اللى يخالف أحلامك دى .. لان اللى بتقوليه هو مواصفات الرجل الصالح اللى أتمناه لأختى

أطرقت “آيات” برأسها فباغتها “كريم” بقوله :

– دكتور “آدم” طلب ايدك منى

رفعت رأسها بحدة تنظر اليه وقد اتسعت عيناها دهشة وألجم لسانها .. ازداد ارتفاع وهبوط صدرها .. أكمل “كريم” :

– شرحلى ظروفه .. هو دلوقتى يعتبر هيبدأ حياته من السفر .. وعربيته باعها عشان يسدد دين فى رقبته .. وبيقول انه مش هيقدر يقدملك دلوقتى غير دبلتين

قالت بإقتضاب :

– وقولتله ايه

– قولتله هقولها وانتظر الرد مننا

انفلعت “آيات” قائله :

– انت ازاى يا “كريم” تقوله كده .. كان المفروض تقوله لأ مش هيحصل مش ممكن أختى ترتبط بيك

سألها “كريم” بهدوء :

– ليه ؟

قالت بإنفعال :

– ليه؟ .. مش عارف ليه .. عشان الدكتور الغير محترم .. زانى .. تقبل ان أختك تتجوز واحد كده .. أصلاً مينفعش أتجوزه لان ربنا بيقول “الزَّانِي لَا يَنْكِحُ

إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً” .. وأنا مش كده .. فمينفعش أنا وهو نتجوز

قال “كريم” بهدوء :

– الآية دى متنطبقش على “آدم”

نظرت اليه بدهشة وصاحت :

– ازاى يعني متنطبقش عليه .. ما انت عارف اللى عمله يا “كريم” وهو أكدلى الكلام ده بنفسه

قال “كريم” بحزم :

– “آدم” بمجرد ما تاب ورجع لربنا سقطت عنه صفة الزنا .. يعني خلاص خرج من الآية اللى اصلاً تفسيرها غير ما انتى فاهمة بس ده مش موضوعنا دلوقتى

قالت “آيات” بعناد :

– بس ربنا بيقول ” وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ

وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً ” … انت تقبل انى أتجوز واحد كده

رفع “كريم” حاجبيه قائلاً بتحدى :

– كملى الآيات يا “آيات” .. كمليها

صمتت .. فأكمل عنها قائلاً :

– ” إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً ” ..

مش كده .. مش هى دى الآية اللى بعدها

صمتت “آيات” وقد أطرقت برأسها فى شرود .. فقال “كريم” :

– أنا لا بقولك وافقى عليه ولا بقولك ارفضيه .. بقولك استخيرى واللى انتى هتقرريه هيكون .. انا مستحيل أغضب عليكي واحد انتى مش عايزاه

نظرت اليه “آيات” بحيرة وقالت :

– انت رأيك فيه ايه ؟ .. تاب بجد ؟ .. اتغير بجد

قال “كريم” بثقه :

– “آيات” أنا بقدر أفهم اللى أدامى بسهولة .. لو مكنتش حسيت انه انسان كويس كنت رفضت فوراً من غير ما أرجعلك

تركها “كريم” وسط حيرتها وشرودها .. أكملت السير حتى وقفت أمام البحر الهادر .. تنظر الى علو أمواجه كعلو أمانيها .. لا تريد أن تخطئ الإختيار هذه المرة ..

لا تنظر مشاعرها التى تحركت من سباتها .. لكنها لن تفعل كالمرة الأولى وتنساق خلف مشاعرها دون تحكيم عقلها .. تريد أن تتأكد من أنه لن يجرحها مرة أخرى .. تريد

أن تتأكد من أنه فــارســهـــا المفقــود !

*****************************************

جلست الأربع فتيات فى غرفة “آيات” بينما نام أبوى “أسماء” فى غرفة “إيمان” .. والغرفة الثالثه بقيت بوالده “سمر” .. قالت “آيات” بسعادة :

– أنا فرحانه أوى عشان انتى فرحانه يا “أسماء”

قالت “أسماء” ببهجة لم تشعر بها منذ وقت طويل :

– فرحانه بس .. ده أنا حسه زى اللى كان ضايع منه حاجه مهمة وأخيراً لقاها .. بجد مكنتش متوقعة انى هفرح كده لما أشوف بابا و ماما .. بس بجد فرحت اوى أوى

ابتسمت لها “سمر” قائله :

– ربنا ما يحرمكوا من بعض أبداً

بادلتها “أسماء” الإبتسام وقالت :

– يارب

سألتها “إيمان” :

– وبعدين ناوية على ايه .. هتكملى شغل فى القرية ولا هترجعى معاهم

قالت “أسماء” بحيرة :

– بصراحة لسه مقررتش .. مش عارفه

قالت “آيات” بحنان :

– استخيرى ربنا .. وان شاء الله أى ان كان اختياره هيكون خير ليكي

أومأت “أسماء” برأسها وقالت :

– ماشى هستخير بس ابقى اكتبيلى دعاء الاستخاره فى ورقة عشان مش حفظاه

قالت لها “سمر” :

– يا بنتى سهل جداً .. ” اللّهم أني أستخيرُك بعلمك وأستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم فإنك تَقْدِرُ ولا أَقَدِْر وتعلَمْ ولا أَعْلَمْ وأنت علاَّمُ الغيوب

.

اللّهم إن كنت تعلمُ ( وتقولى الحاجة اللى بتستخيري ربنا عشانها ) خيرٌ لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري فاقْدُرْه لي ويسِّرْه لي .

وإن كان هذا الأمرُ شراً لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري فاصرفّهُ عني وأصرفني عنه واقْدِرْ لي الخير حيث كان ، ثم رَضّتَيِ به ”

سألتها “أسماء” :

– وأصليها ازاى ؟

قالت “سمر” :

– عادى زى الصلاة العادية ركعتين وبتقولى الدعاء ده بعد التشهد الأخير وقبل ما تسلمى .. أو ممكن تقوليه بعد ما تسلمى من الصلاة

أومأت “أسماء” برأسها .. قالت “إيمان” لـ “آيات” :

– طالعة بكرة مع الفوج السياحى ؟

أومأت “آيات” برأسها وقالت :

– أهاا

سألتها “سمر” :

– طالعين فين

قالت “آيات” :

– جبل عتاقة .. الفوج اللى طالع رجاله وستات .. فقولنا يكون فى 2 دليل .. راجل عشان يتعامل مع الرجالة .. وبنت عشان الستات يتعاملوا معاها برحتهم

ثم قامت قائله :

– فكرتونى .. هقوم أجهز شوية حاجات كده عشان أخدها معايا بكرة ان شاء الله

*************************************

فى الغرفة المجاورة كانت تلك هى المرة الأولى منذ فترة طويلة يضطر فيها “مدحت” و “مديحة” الى المبيت معاً فى غرفة واحدة .. شعرت “مديحة” بالحرج كما لو كانت

مع رجل غريب .. جلس “مدحت” فوق فراشه مستنداً ظهره الى احدى الوسائد شارداً .. خرجت “مديحة” الى الشرفة تستنشق هواء الليل العليل .. بعد دقائق تبعها “مدحت”

ووقف بجوارها يتأمل الطبيعة الساحرة تحت ضوء القمر الذى صار بدراً يزين السماء ببهائه وروعته .. قالت مديحة قاطعة هذا الصمت :

– الحمد لله اننا لقيناها .. لما شوفتها مكنتش مصدقه نفسى

أطرق “مدحت” برأسه ينظر الى الأشجار التى تتحرق أوراقها بنعومه مع نسمات الليل :

– الحمد لله .. أنا كمان مصدقتش نفسى لما سمعت صوتها فى التليفون .. ومصدقتش انها سليمة وعايشة .. الحمد لله ان ربنا حفظها طول الفترة دى .. كان ممكن نلاقيها

بس نلاقيها فى حال تانى وفى وضع تانى .. الحمد لله

دمعت عينا “مديحة” وهى تقول :

– قصرت كتير أوى فى حقها .. حسه بإحساس فظيع .. حسه بجد بإحساس بشع

نظر اليها “مدحت” قائلاً :

– أنا كمان قصرت معاها كتير .. محستش ان عندى بنت الا لما راحت منى

ثم قال :

– وقصرت معاكى انتى كمان

التفتت تنظر اليه .. كانت تلك هى المرة الأولى التى تجده معترفاً بتقصيره تجاهها .. فأكمل وهو مازال يتطلع اليها :

– عارف انى غلطت كتير .. وان أى مشكلة بتحصل كنت بكبر دماغى وأشوف مزاجى بره .. مفيش مرة أعدت معاكى وحاول أحل المشكلة بهدوء

قالت وهى على وشك البكاء :

– أنا كمان غلطت

صمتت والدموع تتساقط من عنييها .. فقال بحنان لم تألفه :

– غلطتى فى ايه

هزت كتفيها وتطلع أمامها قائله :

– فى حاجات كتير

ابتسم “مدحت” وقال :

– تعرفى ان دى المرة الأولى اللى تعترفى فيها انك غلطتى فى حقى

التفتت اليه بحده وقالت :

– ودى برده المرة الأولى اللى تعترف فيها انك غلطت فى حقى

اختفت ابتسامته وقال بجديه :

– بصى يا “مديحة” أكتر حاجة بيكرهها الراجل هو انه يلاقى مراته واقفاله الكلمة بالكلمة .. دى حاجة بتستفز أى راجل .. أى نعم أنا عصبي ولما بزعل ببقى غبي ..

بس انتى برده بتنرفزيني يا “مديحة” وبتخرجيني عن شعورى .. فى مواقف كتير ممكن تحتويها بهدوء .. من غير ما تعندى معايا ومن غير ما تتحديني

قالت بعصبيه :

– بس انت لما بتتعب يا “مدحت” مش بس بتكون غبى انت بتكون عنيف جداً .. مفيش ست تقبل على نفسها وكرامتها انها تتضرب كل شوية والتانى وعلى حاجات تافهة

قال “مدحت” بحده :

– ما هو انتى بعنادك اللى بتنرفزيني لدرجة انك بتخليني أمد ايدي عليكى

صاحت بغضب :

– برده أنا اللى غلطانه .. حاجة حلوة أوى والله انت اللى بتضرب وأنا اللى غلطانه

تنهد “مدحت” بقوة وقال :

– اظاهر اننا مش هنعرف أبداً نبقى زى أى اتنين متجوزين بيتكلموا مع بعض بإسلوب محترم

قال ذلك ودخل الى الغرفة وترك “مديحة” وعيناها غارقه فى بحر دموعها

****************************************

فى صباح اليوم التالى توجهت “آيات” الى الحافلة المنطلق بالفوج السياحى الى جبل عتاقة .. شعرت بالصدمة عندما صعدت الحافلة لتجد “آدم” جالساً على أحد المقاعد

فى منتصف الحافلة .. نظرت اليه بدهشة شديدة .. فإبتسم لها بعذوبة .. أشاحت بوجهها وتحدثت مع زميلها فى الرحلة وتم التأكد من صعود جميع الركاب .. جلست فى مكانها

فى المقعد الأول وهى لازالت تشعر بالدهشة لوجود “آدم” على متن الحافلة .. انطلق السائق بهم فى طريقهم الى جبل عتاقة حيث تقع احدى العيون الكبريتيه الطبيعية

والتى تصل فيها درجة حرارة الماء الى 35 درجة والتى تقوم بعلاج العديد من الأمراض الجلدية والجهاز العضلي الهيكلي والأمراض الروماتيزمية .. توقفت الحافلة فى

المكان المنشود .. قادت “آيات” النساء .. وقاد زميلها الرجال .. شعرت بنظرات “آدم” المصوبة تجاهها لكنها تجاهلته تماماً .. كانت الجولة رائعة استمتع به السائحين

.. انتوا من أخذ الحمامات الكبريتيه فأمرتهم “آيات” بأخذ حماماً ساخناً حتى تتفتح المسام وتتبدد رائحة الكبريت .. ثم توجه الفوج الى الحافلة للعودة الى القرية

وأخذ قسطاً من الراحة .. فبعد حمام الكبريت يكون الجسم متثاقلاً ويلزم فترة من الراحة بعدها للإجهاد الذى يصيب القلب والدورة الدموية بحمامات الكبريت

انطلقت الحافلة بهم عائدة الى القرية مرة أخرى .. وفى منتصف الطريق .. انفجرت أحد اطارات الحافلة .. فتوقف السائق لتبديل الإطار التالف .. نزلت “آيات” تنظر

الى الجبل حولها .. والى المنطقة الصحراوية والرمال تحت أقدامها .. نظرت الى السماء بلونها الرمادى والى الشمس التى غربت فى الأفق والتى تعد بالعودة مرة أخرى

مع فجر يوم جديد .. سارت قليلاً تتأمل صفحة السماء الصافية وهى تشعر بحيرة كبيرة بداخلها .. حيرة ما بين مشاعرها وبين تجربتها المريرة التى آلمتها أشد ايلام

.. فجــأة .. تجمدت الدماء فى عروقها عندما سمعت من خلفها انطلاق الحافلة مكملة طريقها فى اتجارة القرية .. التفت جرت “آيات” مسرعة وهى تصرخ بأعلى صوتها :

– استنى .. استنى

لكن صوتها كان أضعف من أن يصل الى السائق أو لأحد الركاب .. نظرت بفزع الى الحافلة التى ابتعدت تماماً … توقفت على الجرى وهى تلهث .. نظرت حولها الى الليل

الذى بدأ فى الهطول .. أخذت تلهث بشدة .. وهى تحاول تهدئه خفقات قلبها المضطرب

أطل “آدم” برأسه من الممر الفاصل بين جانبي الحافله .. لم يتمكن من رؤيتها فوق مقعدها .. ظنها نائمة ولربما تستند برأسها بزاوية مائلة لذلك لم يتمكن من رؤية

رأسها أعلى المقعد .. عاد يسند ظهره الى مقعده .. كان يعلم بأن الفوج سنقيم الى رجال ونساء وأنه لن يتمكن من رؤيتها طويلاً .. لكنها أراد أن يكون معها .. فما

كان يطيق البقاء فى القرية وهى ليست موجودة بها .. أخذ يحاول رؤيتها مرة أخرى دون جدوى .. تسرب اليه الشعور بالقلق .. على الرغم من ان الوضع يبدو طبيعياً ..

قام من مقعده ليُصعق عندما وجد مقعدها فارغاً .. قال للمشرف الجالس فى الجهه الأخرى :

– فين الآنسة “آيات” ؟

التفت زميلها الذى كان يسند رأسه الى زجاج الحافله .. ونظر الى مقعدها الفارغ ثم قال بدهشة :

– معرفش

هتف “آدم” بالسائق :

– اوقف لو سمحت

التفت السائق ينظر الى “آدم” بدهشة .. فرخ به :

– بقولك اقف

نزل “آدم” من الحافلة وهو ينظر حوله .. قال المشرف على الرحلة بقلق :

– أكيد نزلت لما كنا بنغير العجلة ومخدناش بالنا انها مركبتش

صاح فيه “آدم” بغضب بالغ :

– ازاى يعنى مخدتش بالك .. هى مش مشرفة معاك على الرحلة .. ازاى مخدتش بالك انها مش أعده فى الكرسى بتاعها

أطرق الرجل برأسه ولم ينطق ببنت شفه .. أمره “آدم” وهو يبدو فى قمة قلقه :

– لازم نرجع ندور عليها

صعد “آدم” ليطلب من السائق العودة مرة أخرى لكن السائق فاجئه بإقتراب نفاذ الوقود .. فلن يكفى للعودة مرتين .. أخذ “آدم” يسب بخفوت وهو يشعر بالحنق الشديد ..

نظر الى المشرف وقال :

– روح انت عشان السياح اللى معانا .. وابعتلى حد بأى عربية

قال ذلك ودون أن يعطيه فرصة للرد نزل من الحافلة وانطلق يعدو بأقصى سرعته فى عكس اتجاه سير الحافلة .. ظل يردد بلسانه :

– يارب .. يارب

شعر بخوفه يتصاعد خاصة بعدما أسدل الليل أستاره .. أخذ يفكر فى “آيات” التى حتماً هى خائفة الآن .. زاد من سرعة عدوه وكأنه يسابق الزمن !

نظرت “آيات” حولها بفزع وقد هبط الظلام ليسود المكان .. لولا القمر المضى فى السماء لما تمكنت من رؤية ما حولها .. سمعت أصوات الرياح تزأر وتزمجر فى غضب ..

والرمال تتحرك لتلسع وجهها ويديها .. عقدت ذراعيها أمام صدرها وهى تردد بعض الأذكار حتى تطمئن قلبها الفزع

***********************************************

شعرت “آيات” بخوفها يتصاعد فأخذت تردد بعض الآيات بصوت عالى .. يتسرب صوتها المرتجف بالتلاوة الى أذيها لتشعر بشئ من الطمأنينه .. وكأن صوتها يونسها .. ظلت

واقفة فى مكانها تلف حولها بين الحين والآخرة .. آملة أن ينتبهوا الى اختفائها .. بعد مضى ما يقرب من ساعة من العدو المتواصل .. تمكن “آدم” أخيراً من العثور

عليها .. واقفة كالغزال الشارد فى عرض الطريق .. ابتسم قائلاً :

– الحمد لله .. الحمد لله

صاح قائلاً :

– “آيات”

التفتت تنظر اليه .. لمعت الدموع فى عينيها وهى تنظر اليه بلهفة .. كالغريق الذى وجد طوق نجاته .. ابتسمت وهى تشعر بالسعادة الشديدة لرؤيته .. اقترب منها بأنفائه

المتقطعة وقف أمامها راكعاً يذع كفيه على ركبتيه يحاول ادخال المزيد من الهواء الى رئتيه التى تعبت من عدوه تلك المسافة الطويلة .. نظرت اليه قائله بصوت مصطرب

:

– انت نزلت من الباص ليه ؟

اعتدل واقفاً وهو لايزال يلهث وحبات العرق تتصبب من وجهه وهو يقول بصوت متقطع الأنفاس :

– نزلت أدور عليكي .. لقيتك مش موجودة على الكرسى بتاعك

نظرت اليه بأعين دامعة .. فابتسم فى وجهها وقال :

– متحفيش .. هيبعتولنا حد بالعربية .. متخفيش

أومأت برأسها .. اتسعت باتسامته وهو يتأملها بحب قائلاً :

– كنت فاكر هاجى ألاقيكى منهارة وبتعيطى

أطرق برأسها وهى تقول :

– أعدت أقرأ قرآن .. بس برده كنت خايفة جداً

قال بحنان بالغ :

– متخفيش يا “آيات” أنا معاكى

تحاشت النظر اليه وابتعدت عنه بضع خطوات لتجلس على صخرة كبيرة فوق رمال الصحراء الباردة .. اقترب منها “آدم” وجلس على الأرض أمام الصخرة .. تحاشت “آيات” النظر

اليه .. بينما أخذ يتأملها بحب وحنان جارف .. ثم قال :

– أخوكى قالك ؟

بلعت ريقها بصعوبة وقد فهمت مقصده .. أومأت برأسها دون أن تنظر اليه .. قال لها وهو يتأملها متفحصاً :

– وردك ايه ؟ .. ممكن اعرفه دلوقتى ؟

صمتت .. طال صمتها .. وهى تنظر الى الرمال التى تلعب بها بطرف حذائها .. وهو ينظر اليها لا يحيد نظره عنها .. وأخيراً قالت بصوت خافت لا يكاد يكون مسموعاًك

– مش قادره أنسى

صمت “آدم” .. شرد .. أمعن التفكير .. وأخيراً نظر اليها قائلاً :

– والمفروض دلوقتى انى أقولك خلاص يا “آيات” معدتش هضايقك تانى ؟

ثم قال بحزم :

– لا يا “آيات” مش هقول كده .. هقولك فكرى تانى وتالت ورابع .. أنا مش هيأس الا فى حالة واحدة انتى عارفاها كويس

ثم قال :

– مش هيأس الا اذا اتخطبتى لغيرى .. ساعتها بجد هشيلك من قلبى وهنساكى

ظلت مطرقة برأسها .. فنظر اليها بألم قائلاً :

– حتى مش عايزه تبصيلي .. للدرجة دى مش طايقانى ؟

بللت شفتها بلسانها .. ثم قالت بصوت مضطرب دون أن تنظر اليه :

– لا مش كده .. بس .. مش عايزه اعمل حاجة حرام

ظل “آدم” ينظر اليها للحظات .. ثم .. أطرق برأسه هو الآخر .. التفتت تنظر جانباً فى عكس الإتجاه الذى يجلس فيه .. صمت “آدم” لبرهه ثم ما لبث أن ارتسمت ابتسامه

حانيه على ثغره وقال وهو مازال مطرقاً برأسه :

– معاكى حق .. لازم نتقى ربنا عشان ربنا يباركلنا

اندهشت لكلامه فلو تسمعه من قبل يتحدث على هذا النحو .. لم تلتفت لكنها أرهفت أذنيها بشده .. سمعت صوته الذى بدا عليه الارتياح والفرح وهو يقول :

– مادمتى خايفة تبصيلي وتغضبى ربنا يبأه أكيد انتى خايفه ربنا ينزع البركة بينا زى ما نزعها قبل كده .. مش كده يا “آيات” ؟

ظلت محتفظة بصمتها .. فاتسعت ابتسامته وقال وهو يقف وعينيه على الطريق أمامه :

– معاكى حق .. ما عند الله لا ينال الا بطاعته

وقف ينظر فى الاتجاه الآخر .. يجاهد نفسه بصعوبة ألا يغضب ربه بـ .. نظــرة .. يصوبها الى حبيبته الجالسه أمامه .. ارتسمت ابتسامه صغيره على شفتيها وقد أسعدتها

كلماته التى لم تتوقع يوماً أن تصدر من “آدم” .. التفتت تنظر اليه لتجده واقفاً أمامها ينظر الى الإتجاه الآخر .. أشاحت بوجهها لتنظر فى الإتجاه المعاكس ..

أخذت تتسائل بداخلها .. عن هذا التغير الذى تراه فى سلوكه .. أتصدق مشاعرها وأحاسيسها .. أم تظل محتفظة بخوفها وقلقها .. تنهدت وهى تمتم :

– يارب انت أعلم بنفسى منى .. اهديني للطريق اللى فيه خير ليا

************************************

اتصلت “إيمان” بـ “كريم” لتقول فى قلق بالغ :

– “آيات” لسه مرجعتش يا “كريم” أنا قلقانه عليها أوى خايفة يكون ابن عمها خطفها

قال بقلق :

– ازاى يعني لسه مرجعتش .. طيب اقفلى

اتصل “كريم” بـ “آيات” فلم تجيب .. فهاتفها متروك بداخل الحافلة .. اتصل بالمشرف فأخبره بما حدث وبأنه أرسل سيارة لاحضارها هى و “آدم” .. اتصل “كريم” بـ “آدم”

فتمتم :

– أخوكى بيتصل

انتبهت “آيات” وسمعته يقول :

– أيوة يا “كريم” .. لا متقلقش لقيها .. العربية فى الطريق .. ماشى .. طيب ثوانى

أعطاها الهاتف قائلاً :

– “كريم” عايز يطمن عليكي

ردت وطمأنته على نفسها .. وأخبرها بان السيارة فى طريقها اليهما .. أنهت المحادثة ومدت يدها بالهاتف اليه .. أخذه ووقف مبتعداً كما كان .. أخذت تفرك ذراعيها

بكفيها فى محاولة لبث الدفئ فيهما .. التفت اليها “آدم” قائلاً :

– بردانه ؟

وبدون ان ينتظر ردها .. خلع جاكيت البدلة وهم بان يتوجه اليها ليعطيه لها .. عندمــــا .. رآى شئ اسطوانى طويل يزحف على الصخرة خلفها .. دقق النظر ليجد ثعباناً

ذو رأس كبير وعينين حمراوين ولسان مشقوق يحركة حركات مرتعشة يزحف فى تؤدة بالقرب منها .. رفعت رأسها تنظر الى “آدم” .. اتسعت عيناه فى دهشة وهى تراه مقبل عليها

بسرعة ونظرة غريبة فى عينيه .. فى نفس الحظة التى هم الثعبان بأن ينقض عليها بنابيه .. أمسكه “آدم” بيديه الاثتنين .. اطلقت “آيات” صرخة طويلة وهبت واقفة وهى

تنظر الى هذا الشئ الذى يتلوى فى يدي “آدم” .. أطلق “آدم” صيحة قبل أن يتركه ليسقط أرضاً .. أخذ يزحف مبتعداً ليترك خلفه على الرمال آثاراً متعرجة .. اتجه الى

“آيات” التى كان وجهها ينطق بأعتى علامات الفزع .. هتف قائلاً بلهفة :

– “آيات” التعبان عضك ؟

أخذت تنهج بشدة .. ثم قالت بصوت خافت :

– لأ

اتسعت عيناها وهى تنظر الى آثار العض والدماء على يده .. فصاحت بجزع :

– “آدم” .. عضك يا “آدم”

أخذت تجهش فى البكاء وهى تتلفت حولها قائله :

– “آدم” لازم نشوف دكتور بسرعة .. أكيد كان مسمم

أمسك “آدم” بيده وهو يتمتم :

– متقلقيش

قال ذلك وهو يشعر بداخله بخوف كبير .. خوف من أن يسرى سم الثعبان داخل جسده قبل أن تصل السيارة وتحمله عائداً الى القرية .. خوف من أن يتسمم دمه ويلفظ أنفاثه

قبل أن يتمكن من أخذ المصل .. خوف من أن يلاقى ربه دون أن يعلم ان كانت توبته قد قُبلت أم لا .. يالله .. أنا لست مستعداً للموت .. لست واثقاً بعد من أنك غفرت

لى ذنوبى .. لست مستعداً لدخول قبرى .. لست مستعداً لأن يقبض ملك الموت روحى .. أريد أن أكفر عن ذنوبى أولاً .. أريد أن أغرق نفسى فى الطاعات لأتطهر مما لوثت

به نفسى من آثام .

نظرت اليه “آيات” بلوعة وهى تبكى بقوة وقالت :

– “آدم” انت كويس

لم تستطع أن تتبين هروب الدماء من وجهه تحت ضوء القمر .. لم يجيبها “آدم” .. بدا عقله منشغل بشئ آخر .. شئ أهــم .. رأته “آيات” وهو يجثو على الأرض .. ليتيمم

.. ثم اعتدل فى وقفته .. رفع كفيه بمحاذاة أذنيه .. وكــبر للصلاة .. اذا كانت هذه هى النهاية .. فلتكن وأنا أصلى .. فلتُقبض روحى وأنا ساجــد .. هذا ما حدث

به نفسه قبل أن يبدأ فى صلاته .. وقف بخشوع يصلى .. وقد بدأ الوهن يزحف الى جسده .. وضعت “آيات” كفها على فمها تكتم شهقاتها وهى تنظر الى وجهه الذى تصبب عرقاً

.. والى عينيه الغائرتين .. شعر بحلقه يجف .. وبجفونه تثقل .. قاوم هذا الشعور .. واستمر فى الصلاة .. وضع جبينه على الأرض ساجداً .. وظل يستغفر .. ويستغفر

.. ويستغفر .. أغمض عينيه وقد استسلم لمصيره .. خفق قلبه بخوف واضطراب .. ظل يرجو الله أن يغفر له ويتقبل توبته .. ظل يرجوه أن يرحمه وأن يتجاوز عن سيئاته ..

لم يشعر بأى شئ آخر .. سوى بدنو لحظة المــوت .. تمنى لو كان مستعداً لها أكثر من ذلك .. تمنى لو كان بإستطاعته العودة الى الوراء وتصحيح كل شئ بحياته .. تمنى

وتمنى .. هربت دمعة من عينه وهو ساجد .. دمعة خوف وخشية ورهبة .. تذكر وقتها حديث النبي صلى الله عليه وسلم “عينان لا تمسهما النار عين باتت تحرس فى سبيل الله

.. وعين بكت من خشية الله ” .. ها هوا يبكى خشية من الله عز وجل .. فهلا حرم عليه النار .. استبشر خيراً وأحسن ظنه بالله .. لم يتوقف لسانه عن الاستغفار ..

لم يرفع جبينه عن الأرض .. فلتأتى تلك اللحظة وهو ساجد .. فليجرع سكرات الموت وهو ساجد .. لعله يُبعت يوم القيامة وهو ساجد .. فيرحمه الله ويعفو عنه .. لا يدرى

الى كم من الوقت ظل ساجداً .. لكنه أنتبه الى صيحة “آيات” وهى تهتف بصوت مرتفع :

– أيوة هنا .. تعالوا بسرعة

قام “آدم” من سجودة وأتم صلاته .. بدا خائر القوى .. رأى سيارة تتوقف أمامهما .. صاحت “آيات” فى السائق بصوت ملتاع باكى :

– بسرعة رجعنا القرية .. فى تعبان عضه

خرج الرجل من سيارته مسرعاً يعين “آدم” على النهوض والجلوس داخل السيارة .. ركبت “آيات” فى الخلف .. ظلت طوال الطريق تتابعه فى مرآة السيارة الجانبية .. أخذت

جفونه تثقل شيئاً فشيئاً وازداد شعوره بالحمى .. الى أن وصلوا أخيراً الى المشفى .. وتم اعطائه المصل المضاد لسم الأفعى !

***************************************

مر اليوم التالي بصعوبة على الجميع .. لم يصدق “آدم” أنه لا يزال حياً فكل ما كان يشعر به من ألم ووهن جعله يظن بأنه ما هى الا لحظات وتفرق روحه جسده .. أخذ

“كريم” يواسيه قائلاً :

– “آدم” افتكر دايماً حديث النبي صلى الله عليه وسلم ” مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلَا وَصَبٍ وَلَا هَمٍّ وَلَا حُزْنٍ وَلَا أَذًى وَلَا غَمٍّ

حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ ” .. يعني كل ده تكفير لذنوبك ان شاء الله

ابتسم “آدم” وهو فى فراشه قائلاً :

– والله لو كل اللى بيحصلى ده تكفير ذنوبى فأنا راضى .. وراضى أوى كمان

ربت “كريم” على كتفه .. فأمسك “آدم” بيده قائلاً :

– “آيات” كويسه ؟

أومأ “كريم” برأسه .. خرج “كريم” من حجرة “آدم” بالمشفى ليلاقى “آيات” الجالسه بالخارج فى صحبة والدته تطيب بخاطرها وتواسيها .. قامت “آيات” وانصرفت مع أخيها

.. ركبت السيارة بجواره والتفتت اليه قائله :

– هو كويس ؟

أومأ “كريم” برأسه وانطلق فى طريقه .. أسندت رأيها على زجاج السيارة .. فالتفت اليها “كريم” يقول :

– تعبانه

قالت بصوت مبحوح من كثرة البكاء :

– مرهقة بس

لاحت ابتسامة على شفتيه وهو يقول متهكماً :

– يتمنعن وهن الراغبات

التفتت اليه بسرعة واحمرت وجنتاها خجلاً .. فنظر اليها بمرح قائلاً :

– شكلك بيقول ان هيبقى فى خطوبة قريب

رسمت ابتسامه صغيره على شفتيها وهى تدير وجهها لتنظر من الشباك بجوارها .. فضحك “كريم” ضحكة خافته وهو يقول :

– طيب مش نفرح الراجل اللى نايم فى المستشفى ده

التفتت تنظر اليه مبتسمة بخجل وهى تقول وقد بدا عليها الارتباك :

– دلوقتى ؟

اتسعت ابتسامته وهو يقول :

– اللى أعرفه ان الواحد لما بيكون تعبان وبيسمع خبر حلو ده بيديله دفعه ان صحته تتحسن .. ايه رأيك نديله الدفعه ولا نأجلها لما يخرج

اتسعت ابتسامتها بينما لمعت عيناها قائله :

– خلاص ماشى

أطلق ضحكة أخرى .. وعبثت أصابعه فى شاشة هاتفه ثم وضع الهاتف فوق أذنه .. سمعته يقول :

– السلام عليكم . .أيوة يا دكتور .. كنت عايز أبشرك بحاجة كدة فى وسط المآسى اللى انت فيها دى

ثم التفت “كريم” ينظر الى “آيات” التى تبتسم بخجل .. ثم قال :

– منتظرينك ان شاء الله ام تقوم بالسلامة انت والست الوالدة عندنا فى البيت

هب “آدم” جالساً فى فراشه .. حتى كاد المحلول المعلق أن يقع أرضاً .. هتف بلهفه :

– يعني ايه يا “كريم”

ضحك “كريم” قائلاً :

– هيكون ايه يعني يا دكتور .. متركز كده

اتسعت ابتسامه “آدم” وهو ينظر الى والدته فى سعادة وهو يقول :

– خلاص ان شاء الله .. أصلاً الدكتور هيكتبلى على خروج النهاردة .. ان شاء الله هتصل بيك بالليل أبلغك المعاد

– خلاص مستنيك ان شاء الله .. وحمدالله على السلامة مرة تانية

شعر “آدم” بسعادة تغمر قلبه وروحه وعقله .. حمد الله كثيراً .. وشكره كثيراً .. على استجابه دعائه .. ظل طوال اليوم فى فراشه يتعجل مغادرة المشفى .. والذهاب

لخطبة حبيبته !

**************************************

أصرت “آيات” على عدم عمل حفل للخطبة .. فقط يرتديان دبلتا الخطبة .. فعلى الرغم من سعادتها وفرحة قلبها .. إلا أنها كانت تشعر ببعض الخوف .. الذى تتمنى أن يختفى

تماماً من داخلها .. توجهت برفقة “كريم” و “إيمان” و “آدم” ووالدته الى الصائغ لشراء دبلة الخطوبة .. نظرت الى الدبل المعروضة وهى تتذكر يوم ذهبت برفقة “آدم”

ووالدها لشراء دبلة خطبتها الأولى .. لاحت سحابة حزن على وجهها وهى تتذكر كيف نزع والدها تلك الدبلة من اصبعها .. وكيف تحطمت آمالها وأحلامها .. حانت من “آدم”

التفاته اليها .. ليرى ذاك الحزن فى عينيها .. فشعر على الفور بأنها تذكرت ذلك الماضى الذى يتمنى من كل قلبه أن ينسيها اياه ويمحيه من ذاكرتها تماماً .. أشاح

بوجهه عنها غاضاً لبصره وهو يشعر برغبة عارمة فى احتوائها بذراعيه و التحدث اليها بما يجيش فى صدره ليزيل تلك المخاوف والآلام من قلبها تماماً .. سألها “كريم”

:

– ها .. اخترتى

نظرت الى تلك القطع الذهبية وهى تشعر بشئ من انقباض الصدر .. تمتمت بخفوت :

– لأ .. عادى .. مش مشكلة أى واحدة فيهم

قال “آدم” بحزم وعينيه على تلك القطع الذهبية :

– لأ

صمتت فأكمل :

– اختارى الدبلة اللى تحبيها .. واللى تحبى تلبسها

ثم قال بصوت حانى :

– عشان الدبلة اللى هتختاريها دلوقتى مش هتقلعيها من ايدك أبداً

خفق قلبها بقوة لكلماته التى أشعرتها بأنه يعى تماماً تلك المخاوف التى تعتمل داخل صدرها .. وقفت تنظر الى القطع الذهبية فى حيرة وعيناها تلمع بعبرات خفيفة

.. لا تدرى ما اصابها فجأة .. لكنها وقفت مضطربة .. فجأة قال “آدم” للصائغ :

– شكراً

أشار لهم بالخروج .. شعرت “آيات” بالدهشة لكن دهشتها زالت عندما خرجوا من المحل وسمعته يقول لـ “كريم” بحزم :

– هنروح محل تانى

أومأ “كريم” برأسه وتخيروا محلاً آخر .. دخلت “آيات” فوضع الصائغ أمامها تشكيلة كبيرة .. فقال “آدم” وهو ينظر الى القطع الذهبية :

– لو معجبكيش حاجة هنا مفيش مشكلة نروح مكان تانى .. المهم تختارى حاجه حباها

أخذت “آيات” تنظر اليهم .. ثم .. وقع نظرها على احدى الدبل .. فقال قلبها نعم تلك .. أخذتها وارتدتها فى اصبعها .. التفت “آدم” ينظر اليها .. خفق قلبه لمرآى

تلك الابتسامه العذبة التى ارتسمت على شفتيها .. أشاح بوجهه مبتسماً وهو يقول :

– عجبتك

قالت بخفوت :

-أيوة

أرتها لـ “كريم” ولوالدة “آدم” التى قالت بسعادة :

– مبروك عليكي يا حبيبتى

نظرت “آيات” الى الدبلة فى سعادة بالغة .. قالت والدة “آدم” بحنان :

– اختارى يا بنتى خاتم .. ده هيكون هدية خطوبتك

نظر “آدم” الى أمه بدهشة .. قالت “آيات” بحرج :

– شكراً يا طنط مفيش داعى

ربتت والدته على ظرها قائله :

– من هنا ورايح اسمى ماما مش طنط .. وبعدين انتى بنتى وأنا عايزه أهادى بنتى

قبل “آدم” رأس والدته ممتناً .. وقبلتها “آيات” بتأثر .. تخيرت خاتماً رقيقاً .. كانت سعادة “آدم” غامرة عندما قامت والدته بإلباسها ذاك الخاتم وتلك الدبلة

..ثــم .. تُطلق زغروته عالية تملأ المكان يهجة وسعادة .. أخذ نفساً عميقاً مريحاً وهو يتمتم بسعادة :

– الحمد لله .. يارب باركلى فيها

أخرج “آدم” الدبلة الفضية التى اشتراها منذ قليل ووضعها فى اصبعه وأخذ ينظر اليها بسعادة .. أخيراً .. صارت خطيبته مرة أخرى .. أخيراً استجاب الله دعاءه وأعادها

اليه مرة أخرى .. قال بحنان وهو مطرق برأسه :

– مبروك يا “آيات”

ابتسمت وخفقات قلبها تعزف لحناً جميلاً .. قالت بسعادة ممزوجة بالخجل :

– الله يبارك فيك

قال برقه :

– وفيكِ .. ربنا يباركلى فيكِ

اتسعت ابتسامتها وهى تشعر بأن الفــرح طــرق بابهــا أخــيراً .

فـــارس

حلمك تتمنيه واللي حلمتي في يوم تلاقيه

بيكون وصفه يا مسلمه ايه يالا قوليلنا واحكي عليه

ما تشوف عينه الا حلاله ولاغير ربه بيشغل باله

ويطاطى ويراضي الوالد والوالده بتبات دعياله

ومصلي والمولى هاديه آدي اللي حلمت اني الاقيه

قولي كمان يا صبيه عليه

فــــارس

حلمك تتمنيه

بيكون وصفه يا مسلمه ايه يالا قوليلنا واحكي عليه

يتعب جسده ويعرق اكتر لجل ما يرتاح قلبه الاخضر

وبيرجعلى وايده نضيفه نفسه عفيفه وزي السكر

وطيابته بتبان في عنيه

آدى اللى حلمت انى ألاقيه

بتمنى انه يقدرني يبقى ولي لقلبى وأمري

والليل لو بطول أوقاته يبقى ونيسى ونجمى وقمرى

وأنا عمرى والروح أعطيه

آدى اللى حلمت ألاقيه

أمر العاطي انك تلاقيه زي ماكنتي بتحلمي بيه

وأهو جالك دلوقتي

الفــــارس

يسعد قلبك ويهنيه

يسعد قلبك ويهنيه

الفصل الحادي والثلاثون

صلوا على رسول الله

فى صباح اليوم التالى للخطبة استيقظت “آيات” وهى مازالت لا تصدق ما حدث خلال اليومين الماضيين .. أصحبت الآن خطيبة لـ “آدم” مرة أخرى .. وافقت على الخطبة كفترة

اختبار له .. فهما زالت ثقتها به غير مكتملة بعد .. لكنها ما عادت تستطيع أن تنكر التغيير الذى لمسته فى تصرفاته وشخصيته .. ولعل آخرها رؤيتها اياه وهو يصلى

بخشوع ظاناً أنها اللحظات الأخيرة قبل موته .. فبدلاً من أن يفقد أعصابه أو يبكى أو ينوح .. وقف يصلى فى خشوع ليستقبل الموت وهو على طاعة .. خرجت من غرفتها

لترى الجميع جالساً فى غرفة المعشية .. بإستثناء والد “أسماء” والذى أصر “كريم” على اقامته معه هو “على” .. حتى تكون الفتيات على راحتهن .. تعالت أصواتهن بالمرح

والمزاح وهن يقدمن اليها التهانى والدعاء لها بالتوفيق .

كعادتها ارتدت ملابسه وتوجهت الى عملها .. دخلت مكتبها لتفاجئ بباقة زهور على مكتبها وبها كارت أنيق كُتب فيه :

– ألف مبروك يا عروستى .. “آدم”

ابتسمت بسعادة وهى تنظر الى الكارت والزهور التى أخذتها وأفرغت لها احدى الفازات ووضعتها أمامها فوق المكتب .. تنظر اليها بين الحين والآخر مبتسمة

*************************************

فى ذاك الصباح رحل “أحمد” عن القرية بعدما تيقن من ضياع “آيات” منه مرة أخرى .. فهذه المرة ربح “آدم” أيضاً .. رحل وفى داخله غضب كبير .. لم يكن ذاك الغضب خالصاً

من أجل خسارته لـ “آيات” .. بل كان منبعه أيضاً خسارته التحدى أمام “آدم” .. لكنه على الرغم من ذلك تمنى لها الخير .. مع من اختاره قلبها .. فهو يعلم علم اليقين

أنه لم يدخل قلبها يوماً .. ولم يستطع أن يحرك مشاعرها تجاهه قيد أنمله .. تذكر اخبارها اياه بأن مساعدته لها وقت محنتها ستكون بدون مقابل .. لن تضطر الى تقديم

مقابلاً لتلك المساعده .. لعل هذا ما يجذبه اليها .. نقائها وصراحتها المفرطة مع نفسها ومع غيرها .. فلو كانت فتاة أخرى فى محلها فلعلها استغلت الفرصة للإقتراب

من “أحمد” بعدما خست كل مالها وأملاكها .. لكنها لم تفعل .. لم تستغله .. ولم تخدعه .. لذلك لم يستطع أن يتمنى لها غير .. السعــادة

كانت دهشة “سمر” كبيرة عندما دخلت عليها أمها الغرفة لتقول :

– “سمر” انتى تعرفى واحد اسمه “زياد” ؟

نظرت اليها “سمر” بدهشة قائله :

– “زياد” مين ؟

أشارت والدتها الى الخارج وهى تقول بصوت منخفض :

– معرفش .. آعد بره .. وبيقول انه جاى يتقدملك

قفزت “سمر” من فراشها وقد اتسعت عيناها بشدة .. فحثتها أمها قائله :

– البسى بسرعة مستنياكى بره

ارتدت “سمر” ملابسها وهى تفكر .. من “زياد” هذا الذى جاء لطلب يدها .. صُدمت عندما خرجت لتجد “زياد” أمامها .. ذاك الرجل الذى كان يأتى العيادة وفى يده أحد

الأطفال فقط من أجلأن يتحدث معها .. والذى أنقذها يوم الحريق .. نظرت الى ذراعه المجبر بإشفاق .. نهض مرحباً وابتسامة على ثغره :

– أهلاً وسهلاً

تمتم وهى تخفض رأسها :

– أهلاً بحضرتك

جلست على أحد المقاعد .. وقدمت والدتها مشروباً اليه تناوله منها قائلاً :

– تسلم ايدك

ساد الصمت للحظات .. قبل أن يتنحح “زياد” ليقول بشئ من الحرج :

– أنا آسف انى جيت فجأة كدة .. بس أنا معرفش رقم الآنسة “سمر” و كمان من ساعة ما العيادة اتحرقت وأنا مبشوفهاش فى القرية

قالت والدتها بحزن :

– ربنا يجازى اللى كان السبب ده أنا كنت هموت من خوفى عليها

قال “زياد” :

– الحمد لهل انها جت على أد كده

نظرت “سمر” الى والدتها قائله :

– على فكرة يا ماما أستاذ “زياد” هو الىل خرجنى من العيادة وقت ما اكنت بتتحرق

نظرت اليه أمها بإعجاب قائلاً :

– ربنا يبارك فيك يا ابنى .. والله فضلت أدعيلك كتير .. ربنا صرف عنك كل سوء

ثم نظرت اليه ذراعه المجبر وقالت بأسى :

– معلش يا ابنى على اللى حصل .. ربنا يشفيك ويعافيك يارب

– تسلمى .. الحمد لله جت بسيطة .. المهم ان الآنسة “سمر” الحمد لله محصلهاش حاجه

ساد الصمت مرة أخرى .. ليقطعه “زياد” قائلاً وهو ينظر الى “سمر” :

– أنا زى ما قولت لولدتك يا دكتورة .. أنا يسعدنى ويشرفنى انى أتقدملك

أخذت “سمر” تفرك يديها وتنظر اليهما فى حرج .. دون أن تتفوه بكلمة .. فأكمل “زياد” وهو يترك كوبه من يده فوق الطاولة :

– أنا اسمى “زياد” .. عندى 33 سنة . .بشتغل هنا فى القرية .. مرتبي …….. .. عندى شقة فى القاهرة بس مش ناوى أرجع على الأقل دلوقتى لانى حابب أكمل شغل هنا

فى القرية .. والدى ووالدتى متوفيين من زمان .. تقدرى تقولى مقطوع من شجرة مليش غير صاحبى “آدم” اللى طبعت بيه من الدنيا وأمه ربنا يبارك فيها اللى بعتبرها

أمى التانية

صمتت تستمع اليه بإنتباه وهو لاتزال تنظر الى يديها فأكمل :

– لو فى أى سؤال أو أى حاجة تحبى تعرفيها عنى اسأليني عنها

خرجت من صمتها قائله :

– ممكن أعرف ليه حضرتك اخترتنى بالذات .. يعنى حضرتك متعرفنيش .. وأظن انك متعرفش أى حاجة عنى

ابتسم “زياد” قائلاً :

– مين قالك كده .. انا عارف كل حاجة عنك

رفعت رأسها تنظر اليه بإستغراب .. فاتسعت ابتسامته وهو يقول :

– بصراحة سألت “كريم” وقالى انك صاحبة أخته من زمان وانك عايشة مع والدتك .. وكمان انك صاحبة مراته وبتشكر فيكى جداً

شعرت “سمر” بالغيظ من “إيمان” التى لم تذكر لها شيئاً عن الموضوع .. أكمل “زياد” :

– مش عايزة تسأليني عن حاجة

قالت “سمر”بإقتضاب :

– لأ

– طيب أنا هجاوبك على سؤالك اللى سألتيه واللى أنا لسه مجاوبتش عليه .. سألتيني ليه اخترتك انتى بالذات .. صحيح أنا مشفتكيش الا كام مرة بس عجبنى فيكي انك جد

يعني مبتديش فرصة لحد انه يستظرف ولا يرخم عليكي .. وحسيتك بنت مؤدبة ومحترمة وواضح انك بتحبى شغلك أوى وعندك ضمير .. وحسيت انك هتكونى زوجة مناسبة ليا .. أنا

من زمان وأنا نفسى أقلا نصى التانى .. واحدة أحس بالراحة لما أشوفها وأقول هى دى يا واد يا “زياد” اللى تشاركك حياتك بحلوها ومرها

صمتت لا تدرى ما تقول فأكمل :

– أنا يمكن ظروفى قريبه شوية من ظروفى بس أنا ظروفى أصعب .. يعني اللى عرفته عنك ان باباكى من زمان وهو منفصل عنكوا

شعرت “سمر” بتوتر بالغ واضطربت ملامحها لذكر والدها الغائب .. فأكمل “زياد” :

– أنا كمان فقدت والدى الله يرحمه من زمان أوى .. يمكن مفتكرش شكله .. وحتى أمى الله يرحمها اتحرمت منها بدرى .. طبعاً ربنا يباركلك فى والدتك ويديها طولة العمر

.. وكان لازم أعتمد على نفسى بدرى وأشتغل وأصرف على نفسى وأكون نفسى عشان أعرف أفتح بيت .. حسيت ان احنا ظروفنا الى حد كبير متشابهة فهنقدر نفهم بعض كويس

شعرت “سمر” بإضطراب بداخلها .. أثرت بها كلماته وظروفه التى مر بها .. كان من الصعب عليها وبشدة العيش مع أب مفقود .. فكيف شعور من فقد أمه أيضاً ! .. بالتأكيد

كان شعوره قاسياً .. بالتأكيد عانى من وحدة شديدة .. ولا يزال .. سمعته يقول ليخرجها من شوردها :

– أنا بجد ارتحتلك جداً .. ونفسى فعلاً ان ربنا يجمعنا مع بعض .. وأى سؤال تحبي تسأليه أنا تحت أمرك

حاولت “سمر” مقاومة شعور الإرتياح الذى شعرت به من خلال حديثه .. وقالت بشئ من الحدة :

– حضرتك كنت صاحب دكتور “آدم” .. طيب كنت شغال معاه فى القرية اللى جمب القرية دى ؟

قال “زياد” مطرقاً برأيه :

– قصدك جولدن بيتش .. أيوة كنت شغال فيها

قالت بحدة وقد شعرت بأنها وجدع درع تحتمى خلفه :

– حضرتك كنت بتتشغل فى قرية كلها محرمات وحاجات تغضب ربنا ومكنش فارق معاك تغضب ربنا ولا لأ

نظر اليها “زياد” قائلاً :

– مين قال ان مكنش فارق معايا .. أنا مكنتش مرتاح أبداً للشغل هناك .. بس يمكن كنت محتاج اللى يعينى ويشجعنى انى آخد الخطوة دى واسيب الشغل .. والحمد لله “آدم”

فاق قبلى ولما قرر انه يسيب القرية اتشجعت وسيبتها

قالت “سمر”وهى تعقد ذراعيها أمام صدرها :

– مش مبرر

قال “زياد” بحماس :

– طبعاً مش مبرر .. كان لازم أسيب القرية بمجرد ما عرفت اللى بيحصل فيها .. بس تقدرى تقول الشيطان كان أشطر منى .. وكتفنى خلانى مش عارف أخد الخطوة دى .. بس

الحمد لله فوقت .. وأنا مرتاح جداً فى شغلى هنا على الأقل ضميري مرتاح وبستغفر ربنا على انى استهنت بشغلى فى جولدن بيتش

ثم قال :

– بصى يا دكتورة .. أنا اللى حبه فيكي أكتر هو انى حاسس انك انسانه محترمة وملتزمة .. وأنا محتاج واحد كدة تعيني .. أنا على فكرة حتى لو كنت بعمل حاجة غلط بس

مش من النوع العنيد المتكبر اللى بيرفض النصيحة .. ولا اللى بيقاوح فى الغلط .. لا الحمد لله من فضل ربنا عليا انى مش كده

ثم قال :

– والحمد لله كمان صحبة “كريم” و “على” فادتنى كتير وبدأت أنتظم فى الصلاة فى المسجد .. انا عمرى الحمد لله ما فوت فرض .. بس مكنتش بصلى فى المسجد .. بس دلوقتى

الصلاة كلها بصليها فى المسجد .. يعني الصحبة الصالحة بتأثر فيا وبتغير فيا .. ما بالك لو زوجة صالحة وعايش معاها فى بيت واحد

قاتل “سمر” وهى مطرقة برأسها :

– بس أنا مش صالحة اوى كدة .. أكيد ليا أخطاء وعيوب

قال “زياد” على الفور :

– يبأه نعين بعض .. انتى تكملى اللى ناقص فيا وأنا أكمل اللى ناقص فيكي

صمتت “سمر” وهى لا تستطيع انكار الراحة التى شعرت بها من الحديث معه .. لكنها قالت فجأة وبحزم شديد :

– أنا آسفة يا أستاذ “زياد” .. كل شئ نصيب

صُدم “زياد” لهذا الرفض القاطع والمفاجئ فى سياق الحديث .. بينما ظهر الحزن فى عين والدتها .. هى نفسها شعرت بالأسى بداخلها .. لا تعلم لما تفوهت بهذه الكلمات

لتنهى تلك المقابلة التى كلما طالت كلما شعرت بالإرتياح أكثر وبالميل اليه .. كانت تفتقد شعور الأمان فى يحاتها الى درجة أنها حينما شعرت بهذا الأمان فى حديثه

خافت منه !

لعلها خافت من أن كيون هذا الشعور سراباً سرعات ما تكتشف زيفه .. أو لعلها خافت أن تسير خلف أحاسيسها التى شعرت بالميل الى كلامه وشخصيته .. او لعلها تعودت

الوحدة وأطبقت على أنفاسها حتى لم تعد تجرؤ على الخلاص منها .. قامت بهدوء لتدخل غرفتها معتذرة منهما .. ساد الصمت للحظات يحاول فيها “زياد” فهم سبب ذاك الرفض

الذى لم يتوعه وبتلك الطريقه .. حتى أنها لم تأخذ وقتاً للتفكير .. استأذن لينصرف .. فتح الباب .. وقبل أن يخرج أوقفته أمها قائله :

– أستاذ “زياد”

التفت اليها وفى عينيه حيرة ممزوجة بالضيق .. فنظرت اليه بحنان قائله :

– اللى عايزه حضرتك تعرفه .. ان “سمر” تعبت كتير لما والدها بعد عنها وهى صغيره .. يمكن ده اللى بيخليها مش قادرة تثق فى حد . ومش قادرة تعتمد على حد غير نفسها

.. لانها شالت المسؤلية معايا قبل أوانها

ثم قالت فيما يشبه الرجاء :

– لو شاريها بجد اتمسك بيها

نظر اليها “زياد” صامتاً لبرهه .. ثم قال :

– لو حضرتك واثقة ان هو ده سبب الرفض .. يبقى أكيد هتمسك بيها

قالت أمها بحماس :

– أيوة أنا واثقة .. “سمر” بنتى وأنا عرفاها كويس .. لو مكنتش عجبتها مكنتش فضلت تجادل معاك وتسألك عن حاجة خاصة بيك .. كانت فضلت ساكتة ومفتحتش بقها .. وده

اللى خلانى بقولك الكلام ده دلوقتى .. حسسها انك شاريها وانك متمسك بيها

نظر اليها “زياد” قائلاً بحماس :

– أنا فعلاً متمسك بيها

اتسعت ابتسامة والدتها وفى عيونها دموع محبوسة وهى تقول :

– خلاص اتفقنا يا ابنى

لوح لها “زياد” مودعاً .. خرج من الباية وهو يفكر فيما دار فى المقابلة .. وفى كلمات والدتها .. نعم لا يعرفها الا منذ أيام قلائل .. لكنه يشعر بأنها نصفه الآخر

.. اذا كانت رفضته لذاك السبب .. فسيتمسك بها .. الى أن يتمكن من كسب ثقتها

****************************************

جلست “سمر” فى غرفة “ىيات” تحاول بصعوبة منع تلك العبرات من التساقط .. شعرت بأنها تفتقد للشجاعة التى تجعلها تقدم على تلك الخطوة وتبدأ فى بناء حياة طبيعية

مع شريط آخر يقف بجوارها ويواجهان الحياة جنباً الى جنب .. تذكرت كيف تخلى والدها عن الوقوف بجوار والدتها فى تلك الموادهة التى ذاقت مرارتها حتى وصلت لما هى

فيه الآن .. تنهدت بحسرة وهى تحاول مقاومة تلك المخارف التى تمنعها من أن تسعد كأى فتاة عادية .. التى تجعلها تصد كل من يتقدم لها .. والتى تجعلها الآن تزرف

تلك العبرات لما شعرت به من رغبة فى الموافقة كبتتها بداخلها لتعلن بدلاً منها رفضاَ قاطعاً .. أرادت حقاً اعطائه واعطاء نفسها فرصة .. فلعله يستطيع أن يكون

ذاك الرجل الذى تبغى .. تسرب اليها شعور بالندم لتسرعها فى الرفض .. فلعلها لو أعطت نفسها فرصة للتفكير لكانت وافقت .. قامت بضيق وتوضأت ووقفت تستخير الله في

ذاك الأمر الذى نهته بجمله واحدة منذ لحظات .. أنهت صلاتها وهى تفكر بحزم .. إن كان نصيبها فسيعود .. وإن لم يكن فلقد حماها الله من شر كانت ستقع فيه

ظل “آدم” محتفظاً بإبتسامته العذبة طيلة اليوم وهو يلقى نظرة على دبلته من حين الى آخر .. مازال الى الآن لا يصدق ما حدث .. لا يصدق أنه ارتبط بحبيبته أخيراً

.. لا يصدق أنها أعطته فرصة أخرى ليثبت أنه جديراً بها .. لم يفتر لسانه عن ترديد :

– الحمد لله

فالله من يسر له واستجاب له ورزقه بمن أحب .. لكم كان يتمنى أن تمر تلك الخطبة سريعاً ليستطيع رؤيتها والتحدث معها كيفما شاء ووقتما شاء .. شعر بأن تلك الخطبة

تكتفه عن التعبير عما يجيش به صدره .. لكنه عزم على ألا يغضب الله عز وجل هذه المرة .. لن يتجاوز معها كما فعل فى خطبتهما الأوى والتى كانت منزوعة البركة ..

عزم على أن يرضى الله ويطيعه حتى ينال ما يريد .. ساعده على ذلك “آيات” نفسها والتى أرادت ما أراده هو .. قارن بين حالهما فى خطبتهما الأولى وحالهما الآن ..

فاتسعت ابتسامته وهو يحمد الهل أن من عليه وعليها بالتوبة .. فلعل كل ما حدث كان من أجل تطهيرهما من ذنوبهما .. شرد “آدم” يفكر .. لعلهما لو كان تزوجها وقتها

لكان حياتهما الآن لا تطاق .. فبالتأكيد الحياة فى البعد عن الله لا تطاق .. شعر بكم كان الله رحيماً بهما أن فرقهما وهما على المعصية ليعيد جمعهما فى الطاعة

!

أخذ “آدم” يفكر .. لو علم الإنسان ما حماه الله منه لحمده على حاضره ولاستبشر بمستقبله .. أحياناً يكون الخير مغلف بغلاف من الأسى حتى نتوهم بأنه شراً .. لكنه

الخير وليس سواه .. كلما اقترب الانسان من الله فهم معنى الإبتلاء جيداً .. فالإبتلاء أحياناً يكون للتطهير وللتكفير عن الخطايا للرجوع الى الحق

بعد انتهاء العمل قابل “آدم” “كريم” وأخبره برغبته فى زيارة “آيات” والتحدث معها .. بعد عدة ساعات حضر “آدم” الى منزل “كريم” الذى رحب به ببشاشه .. بعد قليل

حضرت “آيات” تبتسم بخجل وهى مطرقة برأسها .. أخذ “آدم” نفساً عميقاً وهو يشعر بسعادة تغمر قلبه .. ها هى حبيبته أمامه .. حبيبه وخطيبته .. غض بصره وإن كان ذلك

شاقاً عليه .. تحدث قائلاً :

– ازيك يا “آيات”

ردت بخجل :

– الحمد لله .. ازيك انت

– الحمد لله .. لقيتي حاجة على مكتبك الصبح

ابتسمت قائلاً :

– أيوة .. فرحت بيها

اتسعت ابتسامته قائلاً :

– طيب الحمد لله انى قدرت أفرحك

صمت لبرهه ثم قال :

– “كريم” قالك على ظروفى ؟ .. انى دلوقتى يعتبر انى ببدأ حياتى من أول وجديد

أومأت برأسها قائله :

– أيوة “كريم” قالى كل حاجة

سألها بإهتمام :

– طيب ورأيك ايه .. يعني احساسك ايه

قالت بخفوت :

– أعتقد رأيى عرفته لما وافقت على الخطوبة .. أنا مش مهم عندى كل ده .. يعني أنا معنديش مشكلة انى أستناك لحد ما تقف على رجلك تانى

ابتسم بإرتياح وهو يقول :

– ريحتى قلبى بكلامك على فكرة .. وأنا أوعدك ان شاء الله انى أعمل كل اللى أقدر عليه عشان أعيشك أحسن مما كنتى عايشة

قالت “آيات” بصدق :

– صدقنى أنا مش ببص لكده .. أهم حاجة اننا نكون ماشيين صح .. وحياتنا صح .. لو ده حصل أكيد هيكون فيها بركه .. فى ناس كتير عايشة كويس ومرتاحة مادياً لكنها

تعبانه نفسياً ومفيش فى حياتها بركة .. ومش حسه بطعم الحياة أصلاً .. مش بالفلوس على فكرة .. المهم ان الواحد يكون راضى .. وأنا راضية طول ما احنا ينتقى ربنا

ومش بنغضبه

تنهد “آدم” قائلاً بتأثر :

انتى نعمة كبيرة أوى ربنا رزقنى بيها .. وأنا عاهدت ربنا انى أحفاظ عليكي يا “آيات” .. مش عايزك تخافى منى .. انا فعلاً اتغيرت كتير .. مش بس رجعت زى الأول

.. أنا رجعت أحسن مليون مرة من الأول .. نفسى تنسى كل اللى حصل قبل دة .. وتفتكرى بس حياتنا من لحظة ما اتخطبنا

ابتسمت تقول :

– فعلاً أنا حسه بكدة .. يعني معدتش بفكر فى حاجة فاتت .. خلاص مش هفكر فيه تانى .. انت غلطت وأنا غلطت .. خلاص ربنا يغفرلنا احنا الاتنين

اتسعت ابتسامة “كريم” الذى كان جالساً على بعد خطوات منهما يحمل اللاب توب على قدميه منشغلاً فيه .. دعا الله لهما أن يوفقهما وأن يجعل كل منهما قرة عين الآخر

*****************************************

شعرت “سمر” بالدهشة عندما عادت من عملها لتجد “زياد” جالساً بصحبة والدتها .. دخلت الغرفة على الفور لتقول لها “آيات” بلهفة :

– “زياد” آعد مستنيكي بقاله ساعة

قالت “سمر” بإضطراب :

– عايز ايه ده مش خلاص رفضته

دخلت والدتها وهى تقول :

– “سمر” تعالى شوية لو سمحتى

خرجت “سمر” وهى تشعر بالإضطراب .. ألقت عليه نظرة لتجده مبتسماً وقف مرحباً بها .. جلست وهى لا تعلم سر تلك الزيارة بعد رفضها اياه .. قامت والدتها وهى تقول

:

– تحب تشرب شاى ولا قوة يا أستاذ “زياد”

– قهوة لو سمحتى

دخلت أمها المطبخ .. فشعرت “سمر” بالضيق .. قالت بشئ من الحدة :

– خير يا أستاذ “زياد”

ابتسم وهو يضع ساقاً فوق ساق قائلاً بمرح :

– لا أبداً جاى أتكلم فى تفاصيل الخطوبة

نظرت اليه بحدة وقالت بدهشة :

– خطوبة ايه؟

ابتسم لها قائلاً :

– خطوبتنا

قالت بجدية :

– حضرتك بتهزر .. خطوبة ايه .. حضرتك خدت ردى المرة اللى فاتت ولا نسيته

مال بجسده ونظر اليها قائلاً بمرح :

– هو انتى فاكرة لما تقوليلى انك مش موافقة .. خلاص بأه همشى وأنسى الموضوع وأقول كرامتى وكده يعني .. لا أبسلوتلى .. مش أنا خالص

نظرت اليه بدهشة وقد ألجم لسانها فأكمل بنفس المرح :

– هفهمك .. لما كنت صغير كان عندى عربية نص نقل .. لا دماغك متروحش لبعيد .. مش عربية حقيقية .. عربية لعبة .. فى يوم العربية دى وقعت من البلكونة .. أنا اللى

حدفتها .. وبعدين وقعت على راس عم “فاروق” جارنا .. كان راجل غلبان أوى .. المهم فضل يزعق ويقول مين اللى رمى العربية دى على دماغى .. أنا طبعاً مفتحتش بقى

.. خفت يطلع يضربنى .. ولا يقول لأمى وهى تضربنى .. سكت .. والعربية ضاعت منى .. عم فارق الله يرحمه ويغفرله بأه من غيظه كسر العربية تحت رجله

كانت “سمر” تستمع اليه وهى تنظر اليه بدهشة وحيرة وقد فغرت فاها .. بعدما انتهى انتظرت أن يكمل فلم يتحدث فقالت بجدية :

– آه وبعدين .. ايه علاقة ده بموضوعنا ؟

أطلق “زياد” ضحكة عالية وهو يقول :

– لا ملوش علاقة أنا كنت بدردش معاكى

نظرت اليه “سمر” بغظيط ثم أشاحت بوجهها بينما عادت والدتها من المطبخ حاملة صنية القهوة .. فنهض “زياد” مسرعاً وأخذها منها قائلاً :

– تسلمى يا أمى متحرمش منك أبداً

نظرت اليه بدهشة وهو يقول لأمها “أمى” .. جلس “زياد” يرشف من فنجانه وهو يقول :

– تسلم ايدك يا أمى قهوة ممتازة

ثم التفت الى “سمر” يقول بلؤم :

– وانت يا دكتره بتعرف تعمل قهوة ولا ملكش فى الطبخ ؟

ضحكت والدتها قائله :

– لا “سمر” ما شاء الله عليها بتعرف تعمل كل حاجة

ابتسم “زياد” قائلاً :

– أنا كمان بعرف أعمل كل حاجة من أول الطبيخ لحد الغسيل

رفعت والدة “سمر” حاجبيها قائله بدهشة :

– معقولة

أخذ رشفة من فنجانه وقال :

– طبيعى لما راجل يعيش لوحده لازم يتعلم يعمل حاجة حاجة بنفسه .. اتعلمت كل حاجة .. أنا أصلاً عايش لوحدى على طول .. حتى لما سافرت شرم ولما جيت هنا برده كنت

عايش لوحدى

ثم قال بشئ من الأسى :

– أحياناً الواحد من كتر ما بيعيش لوحده بتعود على الوحدة ويحس انها زى الصاحب اللى صعب يسيبه أو يفترق عنه .. بس بييجي عليه وقت يحس انه خلاص مش طايقها ..

ونفسه فى حد يتكلم معاه زى ما بيتكلم مع نفسه .. نفسه يحس ان له لزمه فى الدنيا دى وان فى حياته بيت وأسرة وزوجة وأولاد ومسؤلية .. مش عايش كدة لنفسه وخلاص

كانت “سمر” تستمع اليه بإهتمام بالغ .. فأكمل :

– أنا يمكن عشان كمان كنت طفل وحيد .. فكانت الوحدة ملازمانى من كل اتجاه .. عشان كده نفسى أكون أسرة كبيرة أوى .. يعني بتاع 7 ولا 9 عيال كده

ثم التفت الى “سمر” قائلاً بمرح :

– ايه رأيك .. لو عايزه أكتر أنا معنديش مانع

لاحت الابتسامه على شفتيها وهى تقول :

– أكتر من كده ؟ .. انت مش عايز زوجة .. ده انت عايزه دادة لولادك

أطلق “زياد” ضحكة عالية سرت كالنغمات فى أذنيها وهو يقول بمرح :

– لا مش لدرجة دادة .. ما أنا هساعدك برده يعني .. لسه بقول بعرف أطبخ وأغسل وممكن كمان أحميلك العيال .. يلا يا ستى .. هتلاقى فين راجل زيي يحميلك العيال ..

ده أنا عريس لقطة والله

أطلقت “سمر” ضحكة مكتومة وهى تضع أصابعها على فمها .. شعرت بمرح بداخلها لم تشعر به منذ زمن .. وكأنها عادت طفلة مرة أخرى .. نظرت اليه بطرف عينها لتتأمل ملامحه

التى كانت عى قدر من الوسامة .. وابتسامته التى لا تفارقه .. ومرحه الذى يغدق به على من حوله .. شعرت بإستكانه وهى تستمع بإهتمام الى حديثه الشيق .. وذكريات

طفولته وصباه

***************************************

جلس “كريم” فى مكتبه يزاول عمله كالمعتاد عندما اقتحم عليه المكتب فجأة بعض الرجال .. نهض قائلاً :

– أفندم

قال أحدهم :

– أنا النقيب “…….” معانا أمر بتفتسش المكتب

شعر “كريم” بالدهشة وقبل أن سعى ما يحدث تجول المخبرين فى المكتب وقد قلبوه رأساً على عقب وهو يحاول تنظيم ما تم بعثرته من أوراق هامة .. ثــم .. صاح أحد المخبرين

:

– تمام يا فندم

التفت ليجد المخبر قد أعطى للضابط مجموعة أكياس فى داخلها مسحوق أبيض .. فتح الضابط أحد الأكياس وغمس فيها اصبعه ثم قربها منه يشمها ويتفحصها عن قرب .. ثم التفت

الى “كريم” قائلاً :

– مخدرات ! .. اتفضل معانا

صاح “كريم” بإستنكار :

– مخدرات

لم يتركوا له فرصة للحديث .. ساقه المخبرين الى الخارج وهو يشعر بالصدمة مما يحدث .. لقيه “آدم” و “زياد” فصاحوا :

– ايه فى ايه

– مين دول يا “كريم”

قال “كريم” وهو يسير معهم دون أن يسمحوا له بالتوقف :

– بيقولوا لقوا فى مكتبى مخدرات

صاح “زياد” بحده :

– ايه .. مخدرات !

سار “آدم” خلفه وهو يهتف قبل أن يجلسوه فى السيارة :

– متقلقش يا “كريم” هجيب المحامى وهجيلك على القسم

انطلقت السيارة حاملة “كريم” الذى أخذ يتمتم مصدوماً :

– اللهم اكفينيهم بما شئت وكيفما شئت

علمت “آيات” بخبر القبض على أخيها فأسرعت تجرى فى اتجاه البوابة .. لقيت “آدم” واقفاً يتحدث فى هاتفه بإهتمام اشار اليها فأقبلت نحوه .. أنهى اتصاله فقالت بلهفة

:

– ايه اللى حصل ده .. فين “كريم”

زفر “آدم” بحنق قائلاً :

– البوليس لقى فى مكتب “كريم” مخدرات

شهقت بقوة وهى تضع يدها على فمها ثم ما لبثت أن هتفت :

– مش ممكن كريم يعمل كده

قال “آدم” على الفور :

– طبعاً مش ممكن يعمل كده .. ده أكيد الكلب “عاصى

قفزت الدموع الى عينيها وقد أصابها الفزع والخوف على أخيها .. فهدئها “آدم” قائلاً :

– متخفيش يا “آيات” أنا رايحله القسم دلوقتى وان شاء الله خير .. روحى انتى دلوقتى

أسرع “آدم” فى اتجاه مكتب “كريم” ليجده مبعثراً عن آخره .. وضع “كرسى “أسف الكاميرا المثبته فى الجدار واستخرج منها الشريط الموضوع بها .. ثم توجه الى قسم الشرطة

حيث تم أخذ “كريم” !

بعد عدة ساعات من التحقيقات والإتيان بشريط الفيديو الذى صورته الكاميرا التى وضعها ووزعها “كريم” فى أماكن متفرقة من القرية بعد حادثة الجراج .. تبين أن أحد

العاملين بالقرية قد دخل مكتبه ودس تلك الأكياس فى ذاك المكان الذى وجده رجال الشرطة .. أثبت الفيديو بما لا يدع مجالاً للشك بأن تلك مؤامرة قد حيكت للإيقاع

بـ “كريم” .. وعندما سألهم الضابط عمن يشكون فيه .. أسرع “آدم” على الفور قائلاً :

– “عاصى اليمانى” .. مفيش غيره .. هو وأبوه شغلهم قذر .. ومستبعدش أبداً انهم يكونوا تجار مخدرات فعلاً

حضر أحضر القيادات الكبرى الى القسم وجلس بصحبة “كريم” و “آدم” و محاميه .. أفشى لهم عن علمهم منذ زمن بتجارة “سراج” و عاصى” المشبوهة .. وأنهم ينتظرون اللحظة

المناسبة للإيقاع بهم .. بالأدلة التى لن تجعلهم ينفدون من عقابهم .. طلب ذاك الضابط الكبير من “كريم” أن يساعدهم عن طريق المكوث فى القسم وكأنه بالفعل قد قُبض

عليه .. وذلك حتى يطمئن “عاصى” لسير خطته بنجاح .. وبعدم انكشاف تلك المؤامرة .. ووعده بأنه خلال يومين سيتم مداهمة المكان الذى تظن الشرطة بأنه مخزناً محملاً

بذاك السم الأبيض .. فقط ينتظرون اللحظة المناسبة حتى لا ينفد “عاصى” و “سراج” منها .. وافق “كريم” على الفور على مساعدة الشرطة فى القبض على أولئك المجرمين

.. كان المطلوب منه أن يظل فى القسم وألا يفشى أمر اطلاق سراحه بين العاملين فى القرية خاصة بعدما اكتشوا بوجود جواسيس فى القرية تعمل للصالح “عاصى” وأولها

ذاك العامل الذى دس امخدرات فى مكتب “كريم” .. وقد كان

انهارت “إيمان” بعدما سمعت خبر القبض على “كريم” .. وأصرت على الذهاب الى القسم لرؤيته .. استسلم “على” لإصرارها وتوجه بها بصحبة والده الى قسم الشرطة .. سمحوا

فقط بدخول “إيمان” الى غرفة المكتب حيث يجلس “كريم” منتظراً أوامر أخرى من الضابط .. بمجرد أن رأته شهقت باكية بشدة .. اقترب منه ولفها بذراعيه وعانقهاً طويلاً

وهو يقول :

– خلاص يا “إيمان” متعيطيش .. قول قدر الله وما شاء فعل .. وبعدين مش “على” فهمك .. أنا مش مقبوض عليا أنا هنا بس عشان “عاصى” يفتكر انهم قبضوا عليا وان محدش

بيشك فيه

أبعت رأسها لتنظر اليه قائله بأعين دامعة :

– كنت خايفة عليك أوى

أجهشت فى البكاء مرة أخرى .. فابتسم “كريم” بعذوبة وهو يقول :

– ده حب بأه

نظرت اليه قائله وهى تجفف دموعها بمنديلها :

– لا متجوزاك شفقة

أطلق ضحكة خافته وهو يقول بعتاب مصطنع :

– و أنا الى كنت فاكرك بتحبيني .. طلعتى متجوزانى شفقه .. وأنا مقبلش انك تتجوزيني شفقه

ابتسمت وهى تنظر اليه بحب قائله :

– لا مش شفقه

رفع احدى حاجبيه وهو يبتسم بلؤم قائلاً :

– أمال تجوزانى ليه .. عايزه أعرف دلوقتى

اختفت ابتسامتها وهى تقول :

– ده وقته يا “كريم” .. مش لما نشوف المصيبة اللى احنا فيها دى الأول

قال بحزم :

– متغيريش الموضوع .. متجوزانى ليه بأه

اتسعت ابتسامتها ولم تجيب .. فقال بحنان :

– طيب أنا هطلع أكرم منك

ثم نظر الى عينيها قائلاً :

– بحبك يا “إيمان”

احمرت وجنتاها وأطلقت ضحكة سعادة خافته ونظرت أرضاً .. أمسك ذقنها ورفع وجهها ونظر فى عينيها قائلاً .. انتى لما عرفتيني وقربتى منى .. حبتيني ولا لسه ؟

قالت بخجل :

– أيوة .. حبيتك

اتسعت ابتسامته وهو يشعر بأن قلبه يقفز فرحاً .. ثم قال بمرح :

– والله احنا اتنين مجانين .. ملقيناش الا القسم عشان كل واحد يقول مشاعره للتانى .. يعني أقول لولادنا ايه .. أول مرة أقول لأمكوا انى بحبها قولتها فى القسم

ضحكت بشدة .. فمسح بعض العبرات التى لاتزال عالقة على وجهها وهو يقول :

– أيوة عايزك تضحكى على طول كده .. مش عايزك تعيطي تانى

أومأت برأسها وهى تقول :

– خلى بالك من نفسك .. ماشى .. وأنا هجيك تانى

قال “كريم” بحزم :

– لأ .. متجيش هنا تانى يا “إيمان” .. انا مرضتش أضايقك المرة دى عشان مقدر قلقك عليا .. بس لو سمحتى متجيش هنا تانى .. وأنا هبقى أكلمك .. اتفقنا

أومأت برأسها قائله :

– خلاص ماشى يا “كريم”

***********************************

فى مطعم القرية جلست “أسماء” بصحبة أبويها .. التفوا حول الطاولة يتناولون طعام العشاء .. ابتسمت “مديحة” وهى تنظر الى ملابس ابنتها الواسعة وحجابها الطويل

.. فلم تكن معتادة على رؤية ابنتها بهذا النوع من الثياب .. فنظرت اليها ثم قالت :

– انتى غيرتى ستايل لبسك ولا ايه يا “أسماء”

قالت “أسماء” وهى تلعب فى طبقها بملعقتها :

– أيوة

نظر اليها “مدحت” قائلاً :

– اشمعنى يعنى .. عشان “آيات” غيرت ستايلها هى كمان

نظرت اليه قائله :

– لا مش عشان أقلد “آيات” .. عشان أنا حبه كده

ثم عادت تنظر الى طبقها قائله :

– عرفت ان لبسى مكنش صح .. و “آيات” اتكلمت معايا كتير .. وامبارح خلتنى أجرب لبسها .. وحسيت انى مرتاحه فيه

ثم قالت وهى شارده :

– “آيات” قالتلى انى لو لبست زى ما ربنا أمرنى .. ولو حطيت فى نيتى وأنا خارجه من البيت انى بلبس كده عشان ربنا وعشان أسمع كلامه .. باخد ثواب طول ما أنا بره

البيت .. أكنى بعمل عبادة بالظبط

ابتسمت والدتها وهى تقول بحنان :

– أنا فرحانه أوى بكلامك ده يا “أسماء” أول مرة أسمعك تتكلمى كده .. وكمان “آيات” حسه ان البنت دى اتغيرت كتير

ابتسمت “أسماء” قائله :

– هى فعلاً اتغيرت .. بس فضلنا نحب بعض زى الأول .. ولسه صحاب زى الأول ويمكن أكتر كمان من الأول

نظر اليها والدها وتنحنح قائلاً :

– انتوا ناوية على ايه يا “أسماء” .. هتكملى شغلك هنا فى القرية ولا هترجعى معانا القاهرة

تنهدت “أسماء” ثم قالت :

– من ساعة ما جيتوا وأنا بفكر فى الموضوع ده

ثم قالت بحزم :

– أنا عايزه أرجع معاكوا القاهرة

ابتسمت أمها وهى تربت على ظهرها قائله :

– يا حبيبتى .. أنا كمان كنت حبه انك ترجعى معانا

اتسعت ابتسامة “مدحت” وهو يقول :

– خلاص يبقى بكرة ان شاء الله نتوكل على الله ونرجع القاهرة

شردت “أسماء” وهى تنظر من نافذة المطعم بجوارها .. أخذت تتسائل فى نفسها .. تُرى هل ما تفعله صواب ؟! .. أترحل أم تبقى ؟! .. ظل السؤال يتردد بداخلها وقد منعتها

حيرتها من ايجاد الجواب المناسب !

************************************

كم كانت صدمة “أسماء” كبيرة عندما أخبرها والدها بحديث “على” معه .. استمعت اليه بلهفة وهو يقول :

– الشاب ده باين عليه محترم .. المهم هو قالى انه حابب يتكلم معاكى الأول فى شوية حاجات لو ارتحتوا انتوا الاتنين هيتوكل على الله ويجيب أهله .. ولو مفيش راحه

خلاص كل شئ نصيب .. قولتى ايه يا “أسماء”

كادت “أسماء” أن تسقط مغشياً عليها من فرط حماسها .. قالت بحماس :

– ماشى يا بابا

– طيب يا بنتى هو حابب نعد بره فى أى مكان .. يعنى مش حابب ان حد يعرف الموضوع دلوقتى قبل ما تتكلموا مع بعض .. حتى أمك أنا ما قولتلهاش

– ماشى يا بابا مفيش مشكلة

شعرت بدقات قلبها عالية معلنة عن سعادتها .. سألت نفسها .. أحقاً طلب على من والدها الحديث معها .. لماذا لم يطلب منها هى .. بالتأكيد لم يرد أن يتخطى والدها

.. هكذا هو .. يعرف الأصول جيداً .. يخشى أن يخطئ فى أفعاله وتصرفاته .. ارتسمت ابتسامه حالمه على شفتيها .. وهى تستعد لذاك اللقاء .. لم تخبر “أسماء” هو “آيات”

التى قالت بإبتهاج :

– طيب كويس .. بشرة خير .. يارب تمملها الموضوع على خير يارب

قالت “أسماء” بلهفه :

– يارب .. يارب

ثم سألت “آيات” :

– ايه أخبار أخوكى دلوقتى

قالت “آيات” الحمد لله :

– لا الحمد لله زى ما قولتلك مفيش قضية أصلاً .. بس هما مخليينه عندهم فى المكتب .. حتى مش مدخلينه الحجز .. عشان “عاصى” يفتكر انه نجح فى خطته وان محدش بيشك

فيه

قالت “أسماء” بعنف :

– حسبي الله ونعم الوكيل فيه .. ده كتلة شر متحركة

قالت “آيات” بأسى :

– أنا عرفت دلوقتى ليه بابا بعد عنهم .. وليه منعنى من انى أعرفهم أو أكون على صلة بيهم

– طبعاً يا بنتى كان معاه حق انه يتبرى من أخوه وابن أخوه .. دى عالم أستغفر الله العظيم

ابتسمت “آيات” قائله بمرح :

– سيبك من السيرة الغم دى وخلينا فى “على”

ابتسمت “أسماء” بسمة حالمة وهى تقول :

– “على” !

ضحكت “آيات” قائله :

– هنبدأ ولا ايه .. لا امسكى نفسك .. أما نشوف بس الموضوع هيرسى على ايه

*****************************************

شعرت “أسماء” بالحرج وهى ترى على مقبلاً عليهما .. نهض والدها مرحباً به وتبادلا عبارت المجاملة .. ثم جلس معهم على الطاولة فى ذاك المطعم الهادئ .. قام “مدحت”

قائلاً :

– طيب هعد أنا على الترابيزة اللى جمبكوا عشان أسيكوا تتكلموا براحتكوا

ظلت “أسماء” تنظر أرضاً تنتظر أن يبدأ حديثه .. قال :

– ازيك يا آنسة “أسماء”

تمتمت مبتسمة :

– الحمد لله

بدا عليه الحرج والإضطراب .. تناول رشفة من كوب الماء الموضوع أمامه ليقلل من جفاف حلقه .. ثم قال :

– أنا حبيت أتكلم معاكى بالطريقة دى .. عشان تبقى كل حاجة ماشية صح .. يعني محبتش ان ده يكون بدون علم أهلك .. بس نتيجة المقابلة دى متوقفة عليكي انتى

نظرت اليه تنتظر ما سيقول فأكمل :

– ليا شروط لازم تكون موجودة فى الانسانه اللى هرتبط بيها .. لو مكنتش مناسباكى خلاص يبقى مفيش نصيب

أومأت “أسماء” برأسها .. نظر “على” اليها للحظات متأملاً .. ثم أخفض رأسه قائلاً :

– انت ليه غيرتى لبسك ؟

صمتت ولم تجب فحضها قائلاً :

– عشان كلامى معاكى قبل كده ؟ .. ولا عشان عارفه انك جايه تقابليني ؟

قالت بحدة :

– لا ده ولا ده .. أنا غيرت لبسى لما اقتنعت .. ولما “آيات” اتكلمت معايا وفضلت ورايا لحد ما اتجرأت انى آخد الخطوة دى .. مش عشانك ولا حاجة .. ده لبسى اللى

بلبسه بقالى كام يوم .. مش لابسه كده عشان هشوفك يعني

قال “على” بصوت هادئ :

– انتى على طول منفعلة كدة

تنهدت بحزن وقالت :

– لا مش دايماً .. مش عارفه .. ساعات بتنرفز أيوة .. دى حاجة وحشة صح ؟

ابتسم “على” وقال :

– أكيد يعين مش هقولك دى حاجة حلوة

قالت “أسماء” مبتسمة :

– ايه بأه المواضفات ما قولتليش

اختفت ابتسامته وقال بجدية :

– الىل أنا عايزها زوجة تكون عارفه كويس يعني ايه زواج ومسؤليه .. زوجة عارفة حقوقها الزوجية وعارفه كمان واجباتها .. زوجة تبقى مستعدة انها تعيش معايا على

قدر امكانياتى .. لحمد لله أنا دلوقتى بقبض مرتب محترم .. بس مهما كان لسه فى بداية حياتى .. عايز واحدة تلتزم بكلام ربنا اللى امرها بيه .. متعندش فى الغط

وتتمسك بيه .. واحدة بنت حلال وطيبة

ثم أخذ نفساً عميقاً وقال :

– وبخصوص الشغل .. أنا مش حابب أبداً ان مراتى تشتغل

نظرت اليه صامته فأكمل :

– هتقوليلى أختك ايمان بتشتغل هقولك أختى “إيمان” مسؤلة من بابا وحاليا من زوجها هما حرين مع بعض .. لكن أنا محبش ان مراتى تشتغل .. كل راجل له طباع غير التانى

.. ودى طباعى .. دلوقتى أنا حابب أسمع منك .. هل اللى قولته ده مناسب ليكى ولا لأ ؟

لم تحتاج “أسماء” وقتاً للتفكير بل اتسعت باتسامتها وهى تقول :

– أنا أصلاً علىف كرة مبحبش الشغل .. أنا اشتغلت بس لانى مضطرة عشان أصرف على نفسى .. لكن أنا نفسى زى ما انت نفسك .. انى أعد فى البيت ويبقى مهمتى بيتى وجوزى

وولادى وبس ومفيش حاجة تشغلنى عنهم .. وبخصوص امكانياتك فأنا موافقة .. ومش هعترض على امكانياتك لانى نفسى فى راجل بجد أحس انه بياخد بإيدي وبيعرفنى الطريق

الصح .. وبعدين أى اتنين لازم يتعبوا فى بداية حياتهم وهما صغيرين .. يعين عادى .. بوعدين انت ما شاء الله عليك ناجح فى شغلك .. يعني أحسن من شباب كتير فى سنك

.. وبخصوص بأه انى انفذ كلام ربنا فأنا مش عنيدة لوا حاجة .. بس محتاجة اللى يتكلم معايا براحه والىل يفهمنى براحة من غير ما يجرحنى ومن غير ما يحسسنى انى الى

النار وبئس المصير .. وانت اسلوبك حلو معايا وبتتكلم براحة فأكيد هسمع كلامك

ابتسم “على” وهو ينظر اليها قائلاً :

– على فكرة أنا مش هادى على طول .. أنا لما بتنرفز ببقى صعب

ضحكت “أسماء” قائله :

– عارفه “إيمان” أختك قالتلى

أخفض “على” بصرة دون أن تختفى ابتسامته وهو يقول :

– يعني موافقة على كل الكلما اللى قولته ومعندكيش أى اعتراض عليه

قالت بخجل ممزوج بالسعادة :

– لأ معنديش اعتراض

التفت “على” ونادى والدها .. ثم نهض يسلم عليه قائلاً :

– ان شاء الله هتصل بحضرتك يا أستاذ “مدحت” عشان نيجي نزوركوا فى البيت

اتسعت ابتسامة “مدحت” وهو يقول :

– تنور يا ابنى .. أهلك راجعين امتى ان شاء الله

– بكرة ان شاء الله .. وانتوا مسافرين امتى ؟

– احنا مسافرين النهاردة ان شاء الله

– خلاص زى ما اتفقنا ان شاء الله

رحل “على” فتابعته “أسماء” بعينيها وهى تشعر بسعادة كبيرة .. ما ل”مدحت” عليها قائلاً :

– ها قوليلى ايه رأيك

نظرت اليه “أسماء” قائله :

– بصراحة هو حد محترم أوى .. انت رأيك ايه يا بابا

ابتسم قائلاً وهو يربت على ظهرها :

– أنان كمان شايف كدة .. ربنا يتمملك على خير

***************************************

ظل “كريم” فى القسم لمدة أربعة أيام .. وفى اليوم الخامس أتت البشرى بالقبض على “سراج” و “عاصى” بعدما أعدت لهم الشرطة كميناً وأوقعتهم فى فخها .. تابعتهم عدسات

الكاميرات للحصول على صورهم للتكسب من وراء تلك الفضيحة فى جرائدهم .

حمد “كريم” ربه لظهور الحق ولإنتقامه من رأسى الأفعى .. شعر “آدم” بالإرتياح فأخيراً لن يكون قلقاً من شرور “عاصى” وتهديداته .. تنهد بإرتياح وقد شعر أن الله

قد انتقم له .. وأخذ بحقه ممن ظلمه .. فها هو “عاصى” يزج فى السجن لأعوام طويلة .. يدفع بها ثمن شروره وأذاه لخلق الله .. على الرغم من شعور “آيات” بالراحة

الا أنها حزنت أن يكون ذاك هو مصيرهما .. تمنت لو كان تابا اللى الله قبل أن يقبض عليهما .. لكنهما تمادا فى ظلمهما وبطشهما حتى أخذهم الله أخذ عزيز مقتدر .

كانت تلك البشرى هى الأولى ثــــم .. توالت البشائر بعد ذلك ..عادت “أسماء” مع والديها الى القاهرة .. وكذلك عادا والدى “على” الى بيتهما فى القاهرة .. وبعد

يومين سافر “على” وتقدم رسمياً بصحبة والداه الى “أسماء” .. التى شعرت كالطير الذى ظل محبوساً أعوام عديدة فى قفص كئيب .. وفجـــأة .. أطلق سراحه .. ففرد جناحيه

يطير فى السماء ..

كانت سعادة “زياد” عارمة عندما ردت “سمر” أخيراً بالموافقة لكنها اشترطت فترة خطبة طويلة .. وألا يعقدا الا ليلة الفرح .. فتمت الخطبتين فى خلال شهر واحد ..

خطبة “على” و “أسماء” التى ظلت عند أهلها فى القاهرة .. وعاد “على” لممارسة عمله فى القرية بينما كان يذهب اليها مرة اسبوعياً .. وخطبة “زياد” و “سمر” .. التى

ظلت فى القرية برفقة والدتها .. وعملت فى عيادة الأطفال بعد اعادة تجديدها .

مضت شهــران على تلك الأحداث السعيدة ..

وفى أحد الأيام بينما كان “آدم” فى زيارة لـ “آيات” .. قال لها بضجر :

– مش نكتب الكتاب بأه .. الخطوبة طولت أوى

قالت وهى تحاول أن تخفى ابتسامتها :

– مطولتش ولا حاجة دول 3 شهور بس

صاح بحنق :

– آه 3 شهور بس شوفت فيهم ذل سنين .. كفاية انى لا عارف ابصلك ولا عارف أكلمك ولا عارف أعد معاكى براحتى

ثم نظر الى “كريم” الذى ابتسم وهو يتطلع الى اللاب توب الخاص به وقال له بمرح :

– منور يا “كريم”

قال “كريم” ضاحكاً دون أن يرفع عينه عن الشاشة :

– ده نورك يا “آدم”

هتف “آدم” قائلاً :

– مش تحضرنا يا “كريم” .. اقنع أختك بأه

ابتسم قائلاً وهو ينظر اليه :

– والله دى حاجه تخصكوا انتوا الاتنين .. انتوا اللى تحددوا معاد كتب الكتاب

قال “آدم” بغيظ :

– آه ما انت ايدك فى المية الباردة .. نطيت مرحلة الخطوبة على كتب الكتاب عدل

ضحك “كريم” قائلاً بمرح :

– يا باى على الأر

زفر “آدم” وهو يوجه حديثه الى “آيات” قائلاً :

– قولتى ايه .. نحدد بأه ؟

صمتت لتفكر فى أحداث الثلاث شهور الماضية والتى لمست فيهم تغير جذرى فى سلوك “آدم” جعلها تتناسى خوفها شيئاً فشيئاً .. بل جعلها تتناسى “آدم” القديم تماماً

.. حثها قائلاً :

– “آيات” .. انتى لسه خايفة .. لسه قلقانه منى ؟

قالت بخفوت :

– لأ

– طيب ايه ؟

نظرت الى “كريم” قائله بلؤم :

– لما أطمن على “كريم” أخويا الأول

نهض “آدم” قائلاً وهو يتظاهر بالإنصراف :

– طيب لما تبقى تطمنى على أخوكى ابقى ادينى رنه هتلاقيني عندك

نظرت اليه “آيات” بحدة .. فنظر اليها قائلاً بحزم :

– كلمة واحدة كتب الكتاب بعد 3 أيام

هتفت :

– لأ ايه 3 أيام دى مش هلحق أعمل حاجة .. خليهم اسبوع

قفزت ابتسامة الى شفتيه وهو يقول :

– ماشى اسبوع

نهض “كريم” ووقف أمامهما قائلاً بلؤم :

– ها وصلتوا لايه .. سنة ولا سنة ونص

نظر اليه “آدم” بغيظ وقال ضاحكاً :

– كان نفسى تبقى خطيب أختى عشان أذلك يا “كريم”

ضحك “كريم” قائلاً :

– ده انت بتحبنى أوى باين عليك

– أوى أوى

نظر اليهما “كريم” قائلاً بسعادة :

– بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما فى خيـر

***********************************

بعد شهرين ..

هبت النسمات المنعشة القادمة من اتجاه البحر لتلفح وجوه ذالك الثنائى الجالس على رمل الشاطئ مستنداً بظهره الى احدى الصخور الكبيرة .. كان الشاطئ خالياً الا

منهما .. تعالت أصوات الأمواج فى سيمفونية عذبة تطرب سامعها ليسبح معها فى عالم آخر .. تركزت أنظار الثنائى على قرص الشمس الذى أخذ فى الغروب شيئاً فشيئاً راسماً

لوحة فنية من ألوان الطيف تسبح فى السماء الزرقاء لتختلط ألوانها بزرقة السماء فتضفى عليها حرارة اللقاء .. نظر “آدم” الى “آيات” التى أحاطها بذراعه واستندت

برأسها الى صدره وقال :

– تعرفى انى بعشق منظر الغروب

رفعت رأسها ونظرت اليه قائله :

– أنا كمان بحبه أوى .. دايماً كنت بشوفه فى حلمى

ابتسم وهو يمسح بأصابعه على وجنتها قائلاً :

– حلمك ؟

أومأت برأسها مبتسمة .. فسألها :

– كنتى بتحلمى بإيه ؟

ضحكت ضحكة خافته ونظرت الى عينيه تسبح فى بحارهما قائله :

– كنت بحلم بأرض خضرا كبيرة وواسعة والشمس بتغرب فى السما .. وفجأة يظهر حصان من بعيد وعليه فارس .. ييجي يقف أدامى ويمدلى ايده ويركبنى وراه ويطير بيا

رفع حاجبيه فأكملت بحب :

– مكنتش لاقيه الفارس بتاعى .. بس دلوقتى لقيته

قبل وجنتها قائلاً :

– واثقة انك لقيتيه

أومأت برأسها بثقه .. فإبتسم لها تلك الإبتسامة الساحرة التى لطالما خطفت لبها وقال :

– وأنا كمان لقيت فتاة أحلامى .. اللى مش ممكن هسمح انها تضيع من ايدي تانى .. واللى هعمل كل اللى أقدر عليه عشان أسعدها وعشان أنسيها أى اساءة وأى جرح جرحتهولها

وضعت أصابعها على شفتيه وعقد حاجبيها وهى تقول :

– بلاش نتكلم عن اللى فات .. أنا نسيت خلاص

قبل أصابعها قائلاً :

– بجد .. يعني سامحتيني من قلبك

أومأت برأسها مبتسمه .. قال بحنان :

– عارفه كنت هتجنن لما كنتى بترفضيني ومش قادرة تسامحيني .. كنت خايف أوى مترضيش تردعيلى تانى .. مكنتش عارف ازاى هكمل حياتى من غيرك .. من غير ما تكونى فيها

.. لما عرفت ان “أحمد” اتقدملك خفت أوى .. خفت توافقى عليه .. كنتى هتبقى قتلتيني بجد

نظرت اليه تتطلع الى عينيه بحب .. فهمس لها وهو يتحسس وجهه بلهفة :

– لما كنت فاكر انى دفنتك .. الأيام دى من أصعب الأيام اللى مرت عليا فى حياتى .. لما شوفتك تانى .. مصدقتش نفسى .. حسيت ان روحى رجعتلى .. حسيت ساعتها ان مش

ممكن هقدر أبعد عنك أبداً .. حسيت انك لازم تكونى ليا

نظرت اليه بتأثر .. نهض فجأة قائلاً :

– يلا قومى

نظرت اليه بدهشة قائله :

– هنروح فين ؟

جذبها من ذراعها ليوقفها ونفضا ملابسهما من رمل الشاطئ وأمسك يدها وسار بها وهى لا تعلم الى أين يأخذها .. توجه بها الى المساحة الخضراء المشتركة بين الثلاث

قرى .. ودخل اسطبل الخيول لينتقى جواداً .. نظرت اليه “آيات” بدهشة وقالت :

– “آدم” بتعمل ايه ؟

لم يجيبها بل عدل من وضع السرج على الجواد وجذبها من يديها يوقفها فى بداية المرج الأخضر .. ثم اعتلى الجواد .. وحثه على الركض فى اتجاه قرص الشمس الذى أصبح

يظهر منه الآن أقل من نصفه .. نظرت اليه “آيات” وهو يبتعد أمام عينيها .. ركض بعيداً ثم توقف .. والتفت تجاهها .. اتسعت ابتسامها وضحكت بمرح وهى تراه مقبلاً

نحولها على صهوة جواده .. تعالت ضحكاتها كلما اقترب أكثر .. لمعت عينياها بسعادة عندما توقف أمامها يمد يده اليها مبتسماً .. قالت ضاحكة :

– انت بتعمل ايه ؟

لم يجيبها بل ظلت يده ممدودة اليها حتى سلمته كفها .. قربها من الجواد فقالت بحيرة :

– مش هعرف أطلع

ابتسم قائلاُ:

– متخفيش هساعدك

حاولت .. فلم تستطيع نظرت اليه ضاحكة بخجل وقالت :

– خلاص يا “آدم” مش مشكلة

أصر على انجاح محاولة اصعادها خلفه على ظهر الجواد .. حتى استطاعت ركوبه أخيراً ساعدها على ذلك ملابسها الفضفاضة من الأسفل التى سترتها دون أن تتكشف .. نظرت

حولها من ذلك الارتفاع وأمسكت به قائله بخوف :

– أنا خايفة

مد ذراعيه الى الخلف وأمسك بذراعيها ولفهما حول خصره والتفت اليها قائلاً :

– متخفيش امسكى فيا كويس

أحاطته بذراعيها و .. قبل أن ينطلق التفت اليها بعينان تشعان حباً وهمس بحنان :

– بحبــك يا “آيات”

نظرت اليه وقلبها يخفق بقوة .. تعلقت بعينيه هامسه :

– بحبــك يا “آدم”

ظلت أعينهما معلقة ببعضهما البعض للحظات .. تتحدث خلالها العيون بحديث لطالما اشتاقت اليه .. وتشاركها دقات القلب فى الحديث معلنة عن حباً تهفو اليه القلوب

.. تسمع صوت تنفسه المضطرب ويسمع صوت تنفسها الدؤوب .. رسمت نبضات قلبه لوحة من حبه الذى حبسه طويلاً بداخله .. والذى اشتاق أن يبثه اياها .. فترجم قلبها ذلك

الرسم ونبض هو الآخر ليرسم لوحة مماثلة تهديها اياه .. ثــم .. انطلق بها .. تزايدت نبضات قلبها خوفاً .. فإقتربت منه أكثر .. ثم ما لبثت أن اطمئنت بقربه ..

داعبت الرياح وجهها بنعومة .. نظرت من خلف كتفه الى قرص الشمس الذى غرب بالكاد .. والى المساحة الواسعة من النجيلة الخضراء والى فارسهــا الذى تحطيه بذراعيها

.. تمامــاً كحلمهــا .. اتسعت ابتسامتها .. أغمضت عينيهــا فى سعــادة تستمتــع بتلك اللحظــة التى انتظرتهــا طــويلاً .. فأخيــراً وجــدت لحلمهـــا فارســاً

نبيــلاً .

الفصل الثاني والثلاثون والأخير

نصلي على حبيب قلوبنا رسول الله -عليه أفضل الصلاة والسلام- .

غمرته السعادة و الفرحة .. ودق قلبه معلناً شغفه ولهفته لبدء حياته الجديدة .. مع تلك الزوجة التى اختارها من بين ملايين النساء .. كانت مواصفاته لزوجته المستقبليه

معروفة ومحددة ..فهو رجل يعرف جيداً ما يريد .. عمل بقول النبى صلى الله عليه وسلم “فإظفر بذات الدين تربت يداك” .. فإختارها تعرف ربها .. وتمتثل لأوامره وتجتنب

نواهيه .. فرآى فيها الزوجة الصالحة التى تعينه فى أمور دينه وديناه .. قذف الله بحبها فى قلبه .. ذالك القلب الذى حماه طيلة عمره من أن يخفق لإمرأة لا تحل

له .. حماه كما حمى بصره من رؤية الحرام والتلذذ به كغيره من الشباب فى سنه .. ولذلك كافأة الله الآن بزوجة لا يرى فى الوجود سواها .. أحبها بأكثر مما كان يتمنى

.. فكان حبها فى قلبه وحبه فى قلبها هو بركة تعففهما عن الحرام .. هى أيضاً صانت مشاعرها وعواطفها .. لم تسمح لأحد بأن يدخل قلبها .. حفظته لزوجها الذى لم تكن

تعلم عنه شيئاً .. حفظته من أجل أن تهبه اياه وهو غاية فى النقاء .. دون أن يلوثه حب محرم يدخل قلبها فينشر به سواداً يطفئ بريقه اللامع .. فكافأها الله برجل

من خيرة الرجال .. رأت فيه الزوج الصالح .. والحبيب الوفى .. خفق قلبها له كما لم يخفق من قبل .. واستعدت لليلة زفافها بفستانها الأبيض ناصع البياض كقلبها وقلبه

.

وفى جو من البهجة والسرور أعلنا للدنيا بأسرها أنهما زوج وزوجة يجمعهما ذاك الرباط المقدس .. وهاهما يدخلان عشهما السعيد وسط فرحة الأهل والصحب .. أمسك “كريم”

برأس “إيمان” بين راحتيه وقبل جبينها قائلاً :

– اللهم اجعلنى خير زوج لخير زوجة

رفعت “إيمان” كفيها لتضعهما على كفى “كريم” الممسكتان بوجهها همست له :

– اللهم اجعلنى خير زوجة لخير زوج

************************************

ترأس “آدم” ادارة القرية فى غياب “كريم” الذى استغرق اسبوعين .. استقبله الجميع بالتهانى والدعاء بالبركة فى زواجهما .. ترأس “كريم” اجتماعاً هاماً حضره “آدم”

و “على” و “زياد” .. أرادت “آيات” حضور ذاك الإجتماع لكن “آدم” قال لها بحزم :

– ازاى يعني تحضرية .. أكيد مراة “كريم” مش هتحضر ..تبقى البنت الوحيدة اللى أعد وسطينا .. ازاى يعني

قالت بإستنكار :

– ما انت و “كريم” موجودين

قال “آدم” بحزم :

– لا يا “آيات” برده مينفعش .. هبقى أقولك على اللى حصل فى الإجتماع

رغم ضيقها لعدم سماحه لها بالحضور إلا أنها لا تنكر السعادة التى شعرت بها وهى تستشعر غيرته عليها

قال “كريم” بإستغراب :

– آخر حاجة كنت متوقع ان “شكرى” يعملها

قال “آدم” بثقه :

– لا على فكرة أنا مستغربتش .. “شكرى” أولاً وأخيراً رجل أعمال يعنى اللى عمله ده متوقع جدا

قال “زياد” بإستنكار :

– أيوة يا “آدم” بس بصراحة أنا متوقعتش أنا كمان .. يعني لما قل معدل الشغل عنده والحجوزات .. توقعت انه يعمل زى ما كان “عاصى” بيعمل ويغوط أوى فى السكة اللى

هو عارفها .. لكن يقفل الملهى ويقلبه صالة ألعاب وكمان يمنع الخمرة من القرية ويفصل بين الرجالة والستات فى حمامات السباحة .. دى آخر حاجة توقعت ان “شكرى” يعملها

نظر اليه “آدم” قائلاً :

– زى ما قولتك يا “زياد” .. “شكرى” رجل أعمال .. أهم حاجة عنده المكسب والخسارة .. لما لقى ان فكرة القرية الحلال هى اللى بتكسب وبتجيب دخل ممتاز .. قرر انه

يمشى على النظام اللى احنا ماشيين عليه

قال “على” ساخراً :

– بس لسه سامح للستات انهم يلبسوا بكيني على البيلاج

قال “آدم” :

– وده أكبر دليل انه بيحاول يعمل أى حاجة عشان يزود دخل مش أكتر .. يعني مش فكرة حاجات حرام بيمعنها خوف من ربنا .. لا هو حاول يعمل حاجة وسط بين القرية الحلال

والقرية بتاعته .. يعنى من الآخر حب يرضى جميع الأذواق

قال “كريم” وهو يخط خربشات على الأورق أمامه :

– أهو ده معنى حديث النبى صلى الله عليه وسلم “إنما الأعمال بالنيات” .. احنا نيتنا اننا نبعد عن الحرام عشان منغضبش ربنا علينا .. فبجانب الكسب المادى لينا

ثواب عند ربنا .. لكن هو نبته انه يكسب أكتر ويرضى الناس وأذواق الناس .. وكده ملوش أى أجر عند ربنا

قال “على” وهو يومئ برأسه :

– فعلاً معاك حق يا “كريم” .. ياريت يا شباب نجدد نيتنا دايماً .. انها تكون خالصة لوجه الله .. عشان ميفتناش الأجر ده

قال “زياد” ضاحكاً :

– ألذ حاجة فى الموضوع اننا خلصنا من التهمة اللى اسمه “عاصى” ده هو وأبوه .. من يوم ما اتحبسوا والقرية حالها كرب خاصة بعد ما جت مراته وبنته يديروا القرية

.. زودوا الطينه بله

ثم صاح بمرح :

– أنا من الاول بقول الحريم دول يحطوا بس ايديهم فى أى حاجة تتخرب على طول .. أهو اللى فشل أعداء “سراج” و “عاصى” انهم يعملوه فى سنين .. جت مراته وبنته وعملوه

فى أربع شهور

نظر اليه “على” قائلاً:

– أنا سمعت انهم هيلغوا العقد مع الشركة اللى مأجرين منها القرية

هتف “زياد” :

– يكون أحسن برده .. يلا سكة اللى يروح ميرجعش

**************************************

فى مطعم القرية .. نظرت “آيات” الى “آدم” لتجده شارداً مقطب الجبين يتناول طعامه بروتينيه .. سألته بإهتمام :

– سرحان فى ايه؟

أفاق من شرود قائلاً :

– لا أبداً

أكمل تناول طعامه .. فالت “آيات” بحنان :

– هو انا مش عارفاك يعني .. فى حاجة شغلاك ومضايقاك كمان

قطب جبينه مرة أخرى وقال وهو يلعب بالطعام أمامه بطرف شوكته :

– كان نفسى ظروفى تكون أحسن من كده .. كان زمانا متجوزين دلوقتى وعايشين فى بيت واحد

وضعت كفها على كفه الموضوع فوق الطاوله وهى تنظر ايه بحنان قائله :

– الحمد لله احنا أحسن من ناس كتير يا “آدم” .. وانا شاء الله الوضع يتحسن

تنهد “آدم” بضيق ثم نظر اليها قائلاً :

– أنا الفلوس اللى حوشتها متكفيش أى حاجة يا “آيات” .. أنا محتاج سنين عشان أقدر أشترى شقة وأفرشها

ابتسمت قائله بمرح :

– يعني هو ازم يعنى يا دكتور “آدم” نعيش فى شقة ملك .. ما نأجر شقة ايه المشكلة يعني .. ولما ربنا يفتحها علينا نبقى نشترى شقه

قال “آدم” بضيق :

– وفرش الشقة .. ده لوحده محتاج مش أقل من سنة سنة ونص تحويش

قالت له “آيات” على الفور :

– مش لازم كل حاجة تبقى على سنجة عشرة يا “آدم” .. يعنى مش لازم نختار أغلى حاجة واقيم حاجة .. لو فكرنا بالطريقة دى يبقى هنستنى سنين زى ما بنقول

نظر اليها بأسى وقال :

– نفسى يا آيات” أجبلك كل اللى نفسك فيه

ابتسمت له بحب ونظرت اليه بعينان شغوفتان وهى تقول :

– وأنا نفسى فى شقة صغيرة حتى لو ايجار .. وعفش على أدنا لحد ما ربنا يرزقنا نبقى نغير كل حاجة يا “آدم”

أحاطها كفها بين كفيه واقترب منها ينظر اليها بشغف قائلاً :

– بحبــك

ابتسمت بعذوبه وهمست :

– وأنا بموت فيك

ابتسم لها بحنان وقال :

– متقلقيش يا حبيبتى ان شاء الله ظروفنا هتكون أحين

اتسعت ابتسامتها وهى تقول :

– مش قلقانه .. أنا واثقة ان ربنا هيكرمنا أوى يا حبيبى

****************************************

عادت “آيات” الى الشقة لتجد “زياد” جالساً مع “سمر” ووالدتها .. دخلت غرفتها .. بدلت ملابسها ووقفت فى الشرفة قليلاً .. ثـــم ما لبثت أن اندفعت “سمر” تفتح

باب الغرفة وناتها قائله :

– “آيات”

خرجت “آيات” من الشرفة لتنظر الى وجه “سمر” الذى ينطق فرحاً .. اقتربت منها “سمر” وقالت بحماس الأطفال وهى تضم كفيها معاً :

– خلاص حددنا معاد الفرح

نظرت اليه “آيات” بدهشة وهتفت :

– بتهرجى

أطلقت “سمر” صيحة سعادة وهى تقول :

– لا والله بتكلم بجد

اتسعت ابتسامة “آيات” وعانقتها قائله بسعادة :

– مببروك يا حبيبتى مبروك فرحتلك أوى أوى يا “سمر” .. أنا مش مصدقة

نظرت اليها “سمر” وقالت بإبتسامة واسعة :

– أنا اللى مش مصدقة .. أنا اشترطت على “زياد” خطوبة طويلة .. بس بجد أنا طول الشهور اللى فاتت وأنا كل ما أعرفه أكتر كل ما بحس براحه أكبر .. ولما كلمنى دلوقتى

فى الفرح كان متوقع جداً انى هرفض .. فوجئ انى بقوله انى موافقة بس هستخير الأول .. حسيت انه طاير من الفرحة

ضحكت “آيات” قائله :

– بركاتك يا “زياد”

ابتسمت “سمر” بتأثر وقالت :

– عارفه يا “آيات” .. ساعات كنت بتخيل انى مش ممكن هتجوز أبداً .. مش ممكن هقدر أثق فى حد أبداً .. بس “زياد” معرفش ازاى قدر يخليني أطمنله أوى كده .. يمكن

عشان هو فعلاً انسان طيب أوى .. وبسيط أوى .. وواضح أوى .. من النوع اللى تقدرى تفهميه من أول مقابلة .. لا هو غامض ولا هو كتوم .. بالعكس شخصيته واضحة وصريحة

وده اللى خلانى أثق فيه وأطمنله

قالت “آيات” بسعادة :

– ربنا يتمملك على خير يا “سمر”

ثم قالت :

– بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما فى خير

***************************************

تم تحديد موعد كتب كتاب “على” و “أسماء” قبل موعد زفاف “زياد” و “سمر” .. كان يوماً بهيجاً .. أصر “على” على كتب الكتاب فى قاعتين للأفراح .. فلعله أراد أن

يدخل السرور على قلب “أسماء” التى يعلم أنها لاقت الكثير من المآسى طوال حياتها .. وبالفعل كانت “أسماء” فى ذاك اليوم من أسعد ما يكون .. أحاطتها “مديحة” بذراعيها

بأعين دامعة وهى تبتسم بسعادة .. التف حولها صديقاتها “آيات” و “إيمان” و “سمر” .. اللاتى كن يدللنها ويمرحن معها فأضفين جو من البهجة زادها سعادة فوق سعادتها

.. كذلك أم “على” دمعت عيناها وهى تقبل عروس ابنها .. أحبتها “أسماء” بشخصيتها الطيبة البسيطة .. كذلك أحبتها أم “على” .. فهى صارت الآن زوجة فلذة كبدها .

عادت “مديحة” الى البيت مع “مدحت” و العروس السعيد “أسماء” .. التى قضت ليلها ساهرة تتحدث فى الهاتف لأول مرة مع زوجها وحبيبها “على” .. جلست “مديحة” فوق فراشها

تلمع عيناها بالدموع .. اقترب منها “مدحت” قائلاً :

– الحمد لله اليوم عدى على خير .. عقبال ما نوصلها بيتها ان شاء الله

زرفت “مديحة” العبرات وهى تقول :

– هتوحشنى أوى يا “مدحت”

ابتسم وهو يربت على ظهرها قائلاً :

– دى سنة الحياة يا “مديحة” .. وبعدين العين السخنة مش بعيد دى كلها 3 ساعات ونكون عندها

تنهدت “مديحة” وهى تقول :

– لولا انى حبيت خطيبها فعلاً وشايفاه راجل بجد .. مكنتش خليتها تسافر .. من يوم ما رجعتلى تانى وأنا حسيت انى ضيعت سنين وأنا عامله فجوة بيني وبينها .. كان

لازم أقرب منها أكتر .. هى بنتى وملهاش حد غيرى .. ياريت كنت خدتها فى حضنى من زمان .. أكيد مكنش حصلها ده كله ولا كانت نفسيتها تعبت كده

قال “مدحت” بوجوم :

– أنا كمان قصرت معاها .. بس أدينا بنتعلم من أخطائنا .. وربنا ادانا فرصة تانية نقرب من بنتنا ونحسسها اننا أهلها بجد .. سبحان الله الواحد مبيعرفش قيمة الحاجة

اللى ربنا كارمه بيها إلا لما بتضيع من ايده

نظرت اليه “مديحة” وقالت :

– تفتكر ممكن نكمل حياتنا مع بعض يا “مدحت” وتبقى حياة هادية .. ولا الشهور اللى فاتت دى حلم هنصحى منه ونرجع تانى زى ما كنا

نظر اليها “مدحت” قائلاً بحزم :

-بصى يا “مديحة” الحواز ده شركة بين اتنين .. وعشان الشركة دى تنجح لازم الاتنين تكون ايديهم فى ايدين بعض .. مينفعش واحد يبنى والتانى يهدم .. مينفعش واحد

يحاول انه يصلح والتانى واقف محلك سر .. لو حطيتي ايدك فى ايدك وعاهدتيني اننا نراعى الشركة دى على أد ما نقدر .. أكيد مش هنرجع لمشاكلنا القديمة اللى كانت

كلها بسبب ان كل واحد شايف نفسه صح وبيرمى على الغلط على التانى

قالت “مديحة وهى تمسك بيده :

– أوعدك انى هحاول على أد ما أقدر الشركة دى تنجح .. بس انت كمان اوعدنى انك متعملش الحاجات اللى بتضايقني منك

ضحك قائلاً :

– انتى عايزه الحاية كلها بمبى ولا ايه .. أكيد هضايقك وتضايقيني .. أهم حاجة اننا نحط خطوط حمرا فى التعامل بينا محدش مننا يتخطاها .. لازم نحترم بعض يا “مديحة”

حتى فى خلافاتنا مع بعض

أومأت برأسها وابتسمت قائلاً :

– وأنا موافقاك على كل اللى قولته يا “مدحت”

***********************************

جلس “آدم” شارداً فى مكتبه .. لا يفتر لسانه عن ترديد :

– أستغفر الله

يعلم جيداً أنها مفتاح الرزق .. تمنى لو تمر الأيام سريعاً ليستطيع توفير عش الزوجية ويتم زفافه على عروسه التى اشتاق لقربها .. أخذ يفكر فى حلول عديدة يستطيع

بها زيادة دخله ليسبق الزمن ويقلل من تلك الأيام التى تفصله عن حلمه .. سمع طرقات على الباب فاعتدل فى جلسته وأذن للطارق بالدخول .. دخل “كريم” بإبتسامته العذبه

قائلاً :

– فاضى شويه

أومأ “آدم” برأسه .. جلس “كريم” قبالته ونظر اليه قائلاً :

– بص يا عم “آدم” .. انت بتعتبرنى أخ ليك ولا لأ

قال “آدم” على الفور :

– طبعاً يا “كريم” .. ده انت أكتر من أخ .. وبصرف النظر عن انك أخو “آيات” فربنا يعلم أنا بحبك ازاى وبحترمك ازاى .. وبجد بعتبرك مثل أعلى ليا

ابتسمى “كريم” قائلاً :

– ربنا يكرمك يا “آدم” .. لو اللى بتقوله ده مظبوط فعلاً يبقى هتوافقنى على طلبى

نظر اليه “آدم” بإهتمام وقال :

– أأمر يا “كريم”

قال “كريم” بخفه :

– الأمر لله .. بص بأه .. قبل ما تكون انت أخويا فـ “آيات” أختى الملزومة منى .. أنا عارف اننا متكلمناش فى أى تفاصيل مين عليه ايه وقسمنا الجهاز بينا زى ما

الناس بتعمل .. انت متكلمتش فى الموضوع ده ولا حددت أى حاجة

قال “آدم” بحرج :

– عارف انى متكلمتش فى الموضوع ده بس مش زى ما انت فاهم .. أنا نفسى أنا اللى أجيب لـ “آيات” كل حاجة .. وبعدين يا “كريم” انت أكتر واحد عارف ان المفروض كل

حاجة تبقى على الراجل مش الست .. زمان لما كان الصحابة بيتجوزوا مكنش حد بيطلب من مراته انها تشاركه فى الجهاز .. كان بيجهز بيته على أد مقدرته .. وبصراحة أنا

شايف انى حابب أعمل كده مع “آيات” .. ان جابت هى حاجات فى البيت أهو بيتها ..تجيب اللى هى عايزاه .. لكن محبش ألزمها بحاجة وأقولها عليكي كذا وعليا كذا

اتسعت ابتسامة “كريم” قائلاً :

– على فكرة أنا فاهم كلامك ده كويس .. وعارف انك متكلمتش فى حاجة عشان كده .. بس اللى عايزه أقولهولك انى حابب أهادى “آيات”

نظر اليه “آدم” وقد عقد جبينه فأكمل “كريم” :

– الشقة اللى جمبى فاضيه .. وأنا هخدتها لـ “آيات”

قال “آدم” بحزم وتقطيبة جبينه فى تزايد :

– مفيش مشكلة هاديها زى ما انت عايز .. بس الشقة دى مستحيل نعيش فيها أنا وهى .. أنا اللى هجيب الشقة لـ “آيات” حتى لو ايجار

تنهد “كريم” قائلاً :

– انت بتعمل فرق ليه

قال “آدم” بحزم شديد :

– مش بعمل فرق بس معلش يا “كريم” الموضوع ده منتهى بالنسبة لى

قال “كريم” بعد تفكير :

– طيب المبلغ اللى كنت هحطه فى الشقة أنا ههديها بيه .. وتجيبوا كل اللى ناقصكوا

قال “آدم” بضيق :

– ودى برضة مرفوضة .. مش هخليها تفرش هى الشقة وأنا يبقى مليش لازمه خالص كده

هتف “كريم” :

– حيرتنى معاك .. طيب ايه يرضيك

قال “آدم” :

– “كريم” اقفل الموضوع ده أحسن لانه منتهى بالنسبة لى

نظر اليه “كريم” قائلاً :

– طيب عندى فكرة .. خد انت المبلغ على سبيل السلف وابقى ردهولى فى الوقت اللى يريحك

فكر “آدم” قليلاً وهو مقطب الجبين ثم هز رأسه نفياً وقال :

– لأ برده

هتف “كريم” :

– يا “آدم” متبقاش عنيد .. أقولك .. امضيلي وصل أمانه

نظر اليه “آدم” بإهتمام فقال “كريم” :

– أظن كده مناسب .. امضيليى وصل أمانه أثبت حقى بيه .. وابقى ادفع فى المعاد اللى يريحك

تنهد “آدم” وبعد تفكير لفترة قال وهو يرفع حاجبيه بحزم :

– أنا ممكن أخد الفلوس بشرط واحد .. هكتبلك وصلات أمانه مش وصل واحد .. كل وصل بمعاد محدد للدفع وبمبلغ محدد .. يناسبك كده

أومأ “كريم” برأسه مبتسماً وهو يقول :

– أيوة مناسبنى

أخرج “كريم” دفتر شيكاته ودون بياناته ثم أعطاه الى “آدم” الذى مزقه فوراً وهو يقول :

– ده لأ المبلغ ده كبير

تنهد “كريم” وهو ينظر اليه بغيظ .. ثم دون بيانات أخرى وأعطاه لـ “آدم” الذى نظر اليه بعين الرضا .. ثم اخرج عدة أوراق وكتب وصولات الأمانه وسلمها الى “كريم”

.. ثم نهض والتف حول المكتب معانقاً اياها قائلاً بإمتنان :

– تسلم يا “كريم” .. انت فعلاً راجل جدع أوى

ابتسم له “كريم” وقال :

– يا عم متقولش كده .. ربنا يوفقكوا ويتمملكوا بخير

خرج “كريم” من مكتب “آدم” الذى اتسعت ابتسامته وظل يحمد الله بلسانه وقلبه وكل جوارحه .. خرج “كريم” ينظر الى وصولات الأمانه .. ثــــم .. مزقها الى قطع صغيره

وألقاها مبتسماً فى أول سلة قمامة قابلته !

****************************************

جلست “سمر” ليلة عرسها تنظر الى فستان زفافها الأبيض الطويل وعيونها تلمع بعبرات خفيفه وباتسامه صغيره على ثغرها .. علقته فى مكان مرتفع حتى لا يتكرمش ثم دخلت

الى فراشها بعدما شربت كوباً من اللبن الدافئ .. نظرت الى فستانها بفرح .. ثم ما لبثت أن اختفت ابتسامته اتدريجياً ولمعت العبرات فى عينيها أكثر .. حتى كانت

عيناها كبئر فاض بمائه على ما حوله ..مسحت عبراتها بأصابعها وهى تحاول تمالك نفسها دون جدوى .. فتحت أمها الباب فجأة مبتسمة وهى تقول بمرح :

– “سمر” .. أنا ……..

تجمدت ابتسامتها على ثغرها وهى تنظر الى “سمر” الباكية .. اقتربت منها بلوعة وقالت :

– “سمر” مالك .. اتخانقتى انتى و “زياد” ؟

هزت رأسها نفياً .. وهى تحاول أن تهدئ من روعها .. جلست أمها بجوارها وقالت وهى تمسح عبراتها بيدها :

– أمال مالك يا حبيبتى

قالت “سمر” بصوت مرتجف وهى تضم قدميها الى صدرها :

– كان نفسى بابا هو اللى يكون وليى … ويكون موجود يوم فرحى .. حسه ان مليش حد .. كان نفسى هو اللى يسلمنى لـ “زياد” ويقوله خلى بالك من بنتى .. متزعلهاش ..

متضايقهاش .. كان نفسى أشوف الفرحه فى عنيه .. ويعيط ويقولى هتوحشيني يا “سمر”

أنهت كلامها لتجهش فى بكاء حار وهى تهتف :

– لكن أنا مش فارقه معاه أصلاً .. مش فارقه حتى انه يشوفنى ولا يطمن عليا .. خلفنى ليه طيب .. خلفنى ليه ؟

لم تتمالك أمها نفسها هى الأخرى ووضعت كفها على فمها لتجهش هى الأخرى فى البكاء .. قالت “سمر” بصوت باكى يئن ألماً :

– عارفه رغم كل السنين اللى فاتت دى .. أنا لسه عندى أمل انه فى يوم قلبه يحن ويسأل عليا .. عارفه لو جالى وقالى سامحيني أنا هعمل ايه ؟

نظرت اليها أمها لترى ذاك الألم الذى ينطق به وجه “سمر” ودموعها المتساقطة وهى تقول بمرارة :

– هسامحه .. والله هسامحه .. وهنسى كل حاجة ..بس هو ييجى بس .. أو حتى يسأل عليا .. ده ميعرفش حتى اذا كنت عايشة ولا ميته

تنهدت أمها بقوة عليها تطفئ من تلك النيران التى شعرت بها داخل صدرها .. ثم نظرت الى “سمر” بتردد .. بخوف .. بألم .. بخجل .. بضيق .. بحنان .. بأسف .. وقالت

:

– لأ عارف

توقفت “سمر” عن البكاء لتنظر اليها دون فهم .. فأكملت أمها بصوت مرتجف :

– عارف انك عايشة .. وانك كبرتى ودخلتى المدرسة .. ومش ناقصك حاجة

اتسعت عينا “سمر” فى محجريهما بشدة .. وفغرت فاها فى دهشة وقد شلت الصدمة لسانها .. لحظات وبلعت ريقها وهى تقول بلهفة :

– يعني ايه .. وهيعرف منين .. مش فاهمة .. وانتى عرفنى منين .. انتى بتقولى ايه

قالت أمها وهى تغالب عبراتها :

– أبوكى اتصل بيا يطمن عليكي يا “سمر”

أمسكتها “سمر” من ذراعها بقوة وهى تهتف بلهفة :

– ماما انتى بتقولى ايه .. ازاى يعني .. بابا بيكلمك وانتى بتكلميه .. ازاى يعني .. ماما فهميني أبوس ايدك

هتفت أمها بألم وهى تعاود بكائها :

– أبوكى المحترم بعد ما سابنى وسابك وسافر منعرفش عنه حاجة رجع افتكر بعد 15 سنة غياب ان عنده زوجة وبنت .. اتصل على تليفون البيت القديم الى كنا عايشين فيه

.. حاول يعتذر ويتأسف كان ممكن أسامحه بس ………

ثم هتفت بغضب ومرارة :

– لقيته بيقولى انه اتجوز واحدة من البلد اللى كان عايش فيها .. وخلف منها كمان .. وقالى وقتها انه رجع مصر هو ومراته وولاده وعايز يشوفنى ويشوفك

اتسعت عينا “سمر” وهى تسمع مصدومة الى اعتراف والدتها التى أكملت بحده :

– طبعاً رفضت وقولته مستحيل أخليك تشوفنى ولا تشوف بنتك .. حاول كتير واترجانى كتير .. بس احنا كنا خلاص ظبطنا حياتنا من غيره .. ومعدلوش وجود بينا

هتفت “سمر” بحده :

– ليه ما قولتليش يا ماما .. ليه لما اتصل بيكي ما قولتليش

قالت والدتها بغضب هادر :

– أقولك ليه .. ده واحد باعنى وباعك وراح عاش فى بلد تانية وكون أسره تانية .. ووقت ما حب ينزل مصر افتكر انه له بنت مخلفها .. ده واحد ميستحقش انه يكون أب

قالت “سمر” باكيه :

– وأنا قولتلك انى مستعده أسامحه .. انتى متعرفيش احساسى وأنا عايسة وعارف ان ليا أب وناسيني ومبيسألك عليا .. ليه ما قولتليش وقت ما اتصل يا ماما .. ليه ..

كان من حقى أعرف

ثم قالت كأنها تحدث نفسها :

– يعني لما اتصل بيكي كنت أنا عندى 15 سنة ولا 16 سنة .. كان ممكن تريحيني وتقوليلى على الأقل انه اتصل بيا .. انه سأل عنى .. بدل ما تسيبنى أتعذب كده

ثم نظرت اليه وهتفت :

– حرام عليكى ليه تحرمينى منه

قالت أمها بغضب :

– هو اللى حرمك منه مش أنا

قالت “سمر” بعتاب :

– انت بصيتى لكرامتك يا ماما ولزعلك منه لكن مبصتيش اذا كنت أنا محتجاه فى حياتى ولا لأ .. مش من حقك تحرميني منه طالما طلب يشوفنى .. أى زوج وزوجة لما بينفصلوا

عن بعض المفروض ميدخلوش ولادهم فى خلافاتهم .. هما ملهمش ذنب .. حتى لو الأم كرهت الأب والأب كره الأم ولادهم هيفضلوا يحبوهم هما الاتنين .. وهيفضلوا محتاجينلهم

هما التنين .. وحرام واحد فيهم يحرم التانى من ولاده .. حرام .. كان لازم تبصيلى أنا وتهتمى بمشاعرى أنا مش بمشاعرك انتى .. كان لازم تشوفى أنا محتاجه بابا

ولا لأ .. عايزه أشوفه ويشوفنى ولا لأ .. حتى لو انتى كرهتيه أما مش هقدر أكرهه أنا بحبه حتى من غير ما أشوفه .. حرام عليكي اللى عملتيه فيا

ثم قالت باكية :

– انتى كده قاطعه للرحم يا ماما .. بعدتيني عن بابا طول السنين دى .. عارفه ربنا بيقول ايه عن قاطع الرحم .. “وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ

مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ”

ثم قالت :

– عارف النبي صلى الله عليه وسلم بيقول ايه .. “إن أعمال بني آدم تعرض على الله تبارك وتعالى عشية كل خميس ليلة الجمعة فلا يقبل عمل قاطع رحم”

تنهدت أمها بأسها وهى مطرقة برأسها مغمضة العينين تشعر بالوهن .. ربتت “سمر” على ظهرها قائله بقلق :

– ماما انتى كويسة ؟

أومأت برأسها دون أن تفتح عينيها .. لحظات وهضت وخرجت من الغرفة .. أسندت “سمر” برأسها الذى أصابعه الصداع الى وسادتها وهى تفكر فى أسى في اعترافات والدتها

التى لم تكن تتوقعها قط .. عادت والدتها حاملة هاتفها .. أعطتها لها قائله :

– ده رقمه .. احتفظت برقمه .. معرفش ليه احتفظت بيه .. بس وقتها كان التليفون فيه اظهار .. ولقيت نفسى بحتفظ بالرقم وبكتبه عندى فى ورقة

ثم قالت :

– معرفش لو اتصلتى هتلاقى حد يرد عليكي ولا لأ .. أنا مجربتش أتصل بيه أبداً

تركتها أمها وأغلقت الباب خلفها .. نظرت “سمر” الى رقم الهاتف المدون فى هاتف والدتها .. هذا هو الخيط الوحيد الذى قد يصلها بوالدها مرة اخرى ..

تُرى أتأخذ تلك الخطوة وتهاتفه .. لم تحتاج وقتاً للتفكير .. اتصلت بأيدي مرتعشة وبقلب وجل ومشاعر مضطربة .. سمعت الرنين كالطنين فى أذنها .. ممل .. رتيب ..

ثــم :

– ألو

صوت رجولى .. لم تستطع أن تتبين إن كان صغيراً أم كبيراً .. رد الصوت مرة أخرى :

– ألو .. ألو

صوته أجش .. مازالت لا تستطيع تحديد سنه .. أغلق الخط ! .. حاولت الاتصال مرة أخرى :

– أيو .. مين بيتصل .. الخط مفتوح رد

تنحنحت وقالت بصوت خافت جداً :

– ألو

– أيوة .. مين ؟

لا تعرف ماذا تقول .. لا تعرف إن كان والدها أم لا .. قالت بصوت مرتجف مضطرب :

– أنا .. انا “سمر” .. ممكن أكلم …..

أرادت أن تقول بابا لكنها لم تستطع .. اغرورقت عيناها بالعبرات .. لم تنطق تلك الكلمة قط .. لم توجهها الى رجل قط .. كيف تنطقها الآن .. قال بصوت يبد وعليه

آثار البكاء :

– أنا كنت عايزة أتكلم مع الأستاذ ………

لم تكمل حديثها .. قاطعها الرجل قائلاً :

– “سمر” !

حاولت السيطرة على ارتجافة صوتها وهى تقول :

– أنا .. أيوة اسمى “سمر” .. أنا لو سمحت كنت عايزه أتكلم مع الأستاذ “……..” .. هو موجود ؟

لم تجد رداً .. فقط تستمع الى صوت تنفسه المضطرب .. فقالت بتوتر :

– أنا معرفش اذا كان ده رقمه ولا لأ .. الرقم قديم يعني ……..

قطعت حديثها عندما سمعت الرجل يجهش فى البكاء وهو يهتف بإسمها قائلاً :

– “سمر” .. انتى “سمر” .. بنتى ؟

تساقطت عبراتها وعلاات الألم على وجهها .. أغمضت عينيها بشدة وصوته يسرى فى أذنيها لأول مرة .. قال بلهفة :

– “سمر” .. اتكلمى .. انتى “سمر” بنتى مش كده ؟

قالت من بين شهقاتها :

– أيوة

قال بصوت حمل كل معانى الشوق والهفة والحنين :

– يا حبيبتى .. وحشتيني أوى أوى .. “سمر” اتكلمى عايز أسمع صوتك

ثم أجهش فى البكاء مرة أخرى .. قالت :

– انا مكنتش أعرف انك اتصلت بيا .. انا كنت فاكرة ……..

قاطعها بلهفة :

– انتى فين يا “سمر” .. عايز أشوفك .. أرجوكى يا بنتى .. نفسى أشوفك .. قوليلى مكانك يا “سمر .. عشان خاطرى قوليلى مكانك

قالت بسعادة من بين بكائها ودموعها وهى لا تصدق لهفته على رؤياها وعلى الحديث معها وعلى القدوم اليها :

– أنا فى العين السخنة .. فى قرية اسمها الماسة .. أنا ……

صمتت لبرهه ثم قالت :

– أنا فرحى بكرة

ثم أجهشت فى البكاء قائله :

– ونفسى أشوفك أوى

قال بصوت مرتجف :

– وأنا كمان نفسى أشوفك .. أنا هجيلك النهاردة .. ينفع يا بنتى ؟ .. ينفع أجيلك دلوقتى ؟

قالت بلهفة :

– أيوة . أيوة ينفع .. تعالى .. هستناك

قال وضحكاته تختلط ببكائه :

– طيب ادينى رقمك .. لو معاكى موبايل ادينه رقمه

أملته “سمر” هاتفها .. فوجدت رقماً يتصل بها فقال بلهفة :

– ده رقمى .. ماشى .. عشان لو معرفتش أوصل هكلمك .. انا جايلك حالاً يا “سمر” .. ماشى يا بنتى .. حالاً هجيلك

ابتسمت قائله وهى تمسح العبرات التى تغرق وجهها :

– ماشى مستنياك

أنهت المكالمة والتفتت لتجد والدتها واقفة أمام الباب وقد استمعت للمكالمة وعبراتها فى عينيها .. نظرت اليها “سمر” بأسى ثم قامت لترتمى فى أحضانها وهى تقول

:

– مش قادرة أستنى لبكرة قولتله ييجي دلوقتى .. عشان خاطرى متزعليش بس أنا بحبك وبحبه برده .. ومش عايزة أبعد عن حد فيكوا .. متزعليش منى

ربتت أمها على شعرها وقبلت رأسها قائله :

– مش زعلانه منك .. انتى اللى متزعليش منى

قبلتها مرة أخرى فنظرت اليها “سمر” بفرح وهى تقول بلهفة :

– انا مش مصدقه انى خلاص هشوفه .. ألبس ايه .. تعالى قوليلى ألبس يه .. طيب هو كان بيحب ايه عشان أعملهوله على ما ييجى

ابتسمت أمها من بين دموعها وهى تنظر الى ابنتها ولهفتها على ملاقاة أبيها .. شعرت وقتها الندم الشديد لحرمانهما من بعضهما طيلة الأعوام الماضية .. من أجل الثأر

لكرامتها الجريحة .. كان يجب أن تبدى مصلحة بنتها ومشاعرها على مصحتها هى ومشاعرها هى .. تنهدت فى أسى وهى تستغفر ربها على ما فعلت فى حق ابنتها الوحيدة

************************************

وقفت “سمر” فى الشرفة تنتظره .. اتصلت به مالا يقل عن 7 مرات .. كانت تطمئن عليه على الطريق فى هذا الوقت من الليل .. وكانت تتخذها ذريعة لسماع صوته .. لم تفارقها

ابتسامتها ونظرات عينيها الملهوفة .. قفز قلبها من مكانه حتى كاد أن يصم أذنيها لقوة ضرباته عندما علمت بأن على مشارف القرية .. ارتجفت يديها وشفتيها وهى تتطلع

الى الطريق أسفل البناية .. لمحت سيارة تعبر الممر أمام البناية لتتوقف عندها .. خفق لبها بقوة وهى تنظر الى الأسل الى ذلك الرأس الذى خطه الشيب الذى نزل من

تلك السيارة .. قبل أن يدخل البناية رفع رأسه عالياً .. تلاقت نظراتهما الملهوفة .. تأملت وجه أبهيا من ذاك الارتفاع وهى لا تتحمل تلك اللحظات التى تفلصها عن

القاء نفسها بين أحضانه .. دخل البناية فاتجهت الى الباب تهرول مسرعة .. دخلت والدتها غرفتها وأغلقت الباب .. بقيت خلفه تستمع الى ما يحدث .. فتحت “سمر” الباب

وعيناها معلقة على المصعد تنتظر خروده .. انفتح باب المصعد .. لظهر أماهها رجل وقور قد بلغ من الكبر عتياً .. خطت سنوات العمر بيديها فوق جبينه وعلى جانبي رقبته

.. يبدو على وجهة آثار الإجهاد .. لكن عينيه تعلقتا بها فى لهفة .. شعر لوهلة بالخجل .. فذاك الرجل والدها لكنها لم تراه أبداً .. لا تذكره أبداً .. شغرت بشئ

من الغربة .. لكن ذاك الإحساس تلاشى بعدما رأته يجهش فى البكاء وهو يتطلع الى وجهها بلهفة .. دمعت عيناها هى الأخرى .. لم يتنظر أكثر ليأخذها بين ذراعيه ضاماً

اياها بقوة الى صدره .. شعرت بقوة ضمته اليها فأغمضت عينيها تتساقط العبارت منهما .. تلف يديها حول عنقه بقوة وكأنها تخشى أن يفارقها مرة أخرى .. كان تنفسها

يتقطع من قوة ضمته .. بدا وكأنه لا يستطيع السيطرة على مشاعره التى فاضت حتى أغرقته وأغرقتها .. أبعدها عنه أخيراً لينظر الى وجهها الذى يراه لأول مرة منذ أن

تركها رضيعة فى مهدها .. ارتجفت شفتاه وهو يقول :

– “سمر” .. كبرتى .. كبرتى وبقيتي وعروسة جميلة

أجهشت فى البكاء مرة أخرى .. قال بألم ومرارة :

– سامحيني أنا آسف ..

سامحيني أنا آسف ..

والله أنا ندمان فوق مالا تتصورى .. ندمان انى سيبتك ومشيت .. ندمان انى دورت على نفسى وبس .. ندمان انى كان قلبى قاسى وجاحد .. حققت كل

اللى سافرت عشانه .. بس مرتحتش .. مرتحتش أبداً .. كنت طايش لأبعد حد .. هربت من المسؤلية .. بس للأسف فوقت متأخر .. ولما حبيت أرجعك لحضنى معرفشت .. سمحيني

يا بنتى

عانقته “سمر” مرة أخرى مغمضة عينيها . لم تكن تبغى العتاب .. لم تكن تبغى فى الحديث عما مضى .. لم تكن تبغى سوى ذاك الحضن والإحساس بالأمان الذى افتقدته طيلة

عمرها .. لم تشعر سوى بشئ واحد .. الآن هى فى أحضان والدها .. فلا شئ يهم سوى ذلك !

**********************************************

ارتدت “سمر” فستان زفافها ونظرت الى نفسها فى المرآة .. كانت تحلم بذلك اليوم منذ أن كانت صبية .. كانت تعلم بأنها ستكون سعيدة فى يوم عرسها كملايين البنات

.. لكنها لم تتوقع أن فرحتها يتكون بهذا الشكل .. فرحتها بزواجها ممزوجه فرحتها لوجود أبيها بجوارها .. ولياً لأمرها .. يضع يده فى يد “زياد” ليزوجها له ..

حاول كثيراً تبرير ما فعل .. والحديث فيما مضى .. لكنها رفضت الحديث عن أى شئ فات أوانه .. طوت هذه الصفحة تماماً .. لم تطويها فقط بل مزقتها وألقتها خلف ظهرها

.. لا يهمها ما فات .. المهم أنه معها وبجوارها .. وعدها بأن يعرفها على اخوتها من زوجته .. اخبرها أن لها أخاً وأختين .. سعدت لذلك بشدة .. لطالما حلمت بأن

يكون لها اشقاء وشقيقات .. أرادت التعرف عليهم بشدة .. أرادت أن تندمج فى حياة أبيها .. دون ان يؤثر ذلك على مشاعرها تجاه أمها .. فتلك نقرة وتلك نقرة أخرى

.. هذه أمها وهذا أبيها .. ليس شرطاً أن تخسر واحد منهما لتكسب الآخر .. بس تري أن تكسب كليهما .. فكل منهما تحمل نصف جيناته .. وكل منهما أعطاها سبباً للوجود

فى هذه الحياة .

سعد “زياد” بشدة من أجلها .. لم يرها سعيدة بهذا الشكل .. توجها الى عشهما السعيد .. نظرت اليه “سمر” بحب وثقة وحنان كما لم تنظر اليه من قبل .. بدت مرتاحه

بشكل كبير وكأنها كانت تحمل عبئاً ثقيلاً أزاحته أخيراً من فوق كتفيها .. عانقها “زياد” طويلاً يبثها حنانه .. يشعرها بأنه معها الآن وغداً وللأبد .. وبأنها

شريكة حياته ونصفه الآخر الذى لا يستطيع أن ينفصل عنه قط .. فبدءا حياتهما الزوجية بفرحة وسعادة وكل منهما يعد الأخر بأن يكون الحضن الدافئ له .. ومصدر أمنه

وأمانه !

***********************************************

فتحت “مديحة” الباب وابتسمت فى وجه “على” قائله :

– ازيك يا “على” .. اتفضل يا حبيبى

دخل “على” قائلاً :

– ازي حضرتك أخبارك ايه

قالت وهى تغلق الباب خلفه :

– كويسة يا حبيبى الحمد لله ازى ماما و “إيمان”

ابتسم قائلاً :

– بخير الحمد لله

أشارت الى حجرة الصالون فجلس واضعاً ما يحمله بيده فوق الطاولة .. دخلت “مديحة” غرفة “أسماء” قائله :

– “أسماء” على جه ومستنيكى بره

هبت من فراشها قائله بدهشة :

– “على” ! .. بس مقاليش انه جاى

ضحكت “مديحة” وقالت :

– عادى يعني هو غريب .. يلا البسى واطلعيله

ارتدت “أسماء” ملابسها .. استقبلها “على” ببشاشة .. ضحكت قائله :

– ايه المفاجأة الحلوة دى

جلست بجواره فقال :

– كنت قريب من هنا قولت أعدى عليكي وكمان أعملهالك مفاجأة

اتسعت ابتسامتها .. اخرج “على” من جيبه علبة من القطيفة واعطاها اياها قائله بإبتسامه عذبه :

– شوفى كده ذوقى هيعجبك ولا لأ

نظرت الى العلبة بدهشة ثم فتحتها لتجد خاتماً ذهبياً .. اتسعت ابتسامتها وهى تقول بسعادة :

– الله .. حلو أوى يا “على”

اتسعت ابتسامته هو الآخر وهو يرقب تلك السعادة على وجهها وقال :

– طيب الحمد لله ان ذوقى عجبك

نظرت اليه بحب قائله :

– أصلاً ذوقك بيعجبنى على طول

ثم قالت بمرح :

– مش اخترتنى يبأه لازم يكون ذوقك حلو .. هو فى أحلى منى

اختفت ابتسامته وتحدث بجدية قائله :

– انتى فعلاً يا “أسماء” جميلة .. مش بس بشكلك .. لأ كمان بروحك وبطيبة قلبك .. عارفه .. أنا كنت ببعد عن أى علاقه حرام أو أى حاجة تغضب ربنا وكنت دايماً بدعى

ربنا انه يرزقنى بزوجة طيبة أحبها فى الحلال وتدخل قلبي .. والحمد لله ربنا رزقنى بيكي

اختفت ابتسامة “أسماء” وشردت وفى عيينها نظرة أسى .. قام “على” وجلس بجوارها على الأريكة ينظر بإهتمام الى لمعة عينيها قائلاً :

– مالك يا حبيبتى . أنا قولت حاجة ضيقتك

هزت رأيها نفياً وتلك اللمعة تتزايد فى عينيها .. وضع يده على ظهرها وهو يقول :

– لأ فى حاجة مضايقاكى .. كده تخبى عنى .. مش اتفقنا نكون صرحا مع بعض

نظرت اليه بأسى .. فقال متظاهراً بالغضب :

– على فكرة لو ما قولتليش مالك هزعل منك بجد .. لانك كده بتعملى فرق بينا .. مش قولنا اننا خلاص بقينا واحد يا “أسماء” .. ولا نسيتى كلامنا

قالت وعبراتها تتساقط :

– لأ منستش

ربت على ظهرها بحنان وهو يقول :

– طيب قوليلى مالك .. ايه اللى ضايقك

مسحت عبراتها وهى تنظر الى يديها قائله :

– افتكرت حاجة ضايقتنى

– ايه هى ؟

تساقطت عبراتها وجسدها ينتفض بخفوت .. أحاطها “على” بذراعه وهمس فى أذنها بحنان :

– حبيبتى اتكلمى معايا .. قوليلى مالك

نظرت اليه بأعين دامعه قائله :

– كان فى حاجة نفسى أقولهالك من زمان يا “على” .. بس “آيات” قالتلى ما أقولش .. وان دى حاجة مش ذنبى .. وانى أستر على نفسى .. بس أنا مش قادرة أخبى عليك ..

مس بحب أخبى حاجه عنك

تجمدت الدماء فى عروقه وهو ينظر اليها وقد غارت عيناه .. اضطرب تنفسه وهو يسألها بخفوت :

– فى ايه يا “أسماء” .. ايه اللى كنتى مخبياه عليا

أجهشت فى البكاء وهى تنظر اليه قائله :

– فاكر لما قولتلى انك مبتعملش حاجة غلط مع أى بنت عشان ربنا يحافظلك على البنت اللى هتكون مراتك

نظر اليها دون أن يرد فأكملت باكية :

– من يوميها وأنا عايزه أقولك .. بس شوية أخاف وشوية أتردد .. خايفة من ردفعلك .. بس بجد مش قادرة أخبى عليك .. حسه انى محتجالك أوى تساعدنى انى أنسى .. محتجالك

تقولى كلام يخفف عنى

جف حلقه .. ولكنه تحدث بهدوء حازم قائلاً :

– اتكلمى يا “أسماء”

أطرقت برأسها وأغمضت عينيها للحظات .. ثم .. قصت عليها ما صدر من “هانى” من تحرشات .. وما قاسته وعانت منه فى بيت جدها من خالتها واتهاماتها وطعنها فى عرضها

.. انتهت من حديثها .. صمتت .. لا تجرؤ على النظر الى وجهه .. أخذت تفرك كفيها بعصبيه .. وهى تنظر أرضاً .. تعلم أنها لربما أخطأت بالحديث معه .. واخباره بكل

شئ .. لكنها لم تستطع أن تخفى عنه .. وأن تكتم بداخلها تلك الذكرى التى تؤرق مضجعها .. طال صمته .. بدأت فى بكاء مكتوم .. ارتعشت يديها وهى تخشى أن تسمع منه

الآن كلمة تنهى كل أحلامها .. وتحطم قلبها .. استغفرت الله فى سرها .. الى أن وجدته فجأة يجذبها الى صدره لافاً ذراعيه حولها .. أجهشت فى البكاء بصوت مرتفع

وكأنها تخرج شئ حبيس بداخلها لم تعد تقوى على بقاءه .. كانت أمها تستمع الى حديثها جون أن تظهر واضحة للعيان .. أخذت تبكى بخفوت وهى تستشعر الجرم التى شاركت

فيه .. ومدى ما أوقعت على ابنتها من ظلم ومعاناة .. همس “على” قائلاً :

– عيطى .. خرجى كل اللى جواكى لحد ما تحسى انك مرتاحه خالص

لم تتوقف عن البكاء الا حينما شعرت بأنها أفرغت كل ما بداخلها من ألم وقهر .. رفعت رأسها تنظر اليها .. مسح عبراتها بحنان وهو يقول :

– قومى اتوضى وصلى ركتين هتحسى انك أحسن

تأملت تعبريات وجهة الحانية وهى تقول بصوت مبحوح :

– يعني مش زعلان منى

هز رأسه نفياً .. قالت بأسى :

– بس انت كدة ربنا محافظش على مراتك زى ما كنت عايز .. انت كان المفروض تتجوز واحدة أحسن منى

رأت الحزن فى عينيه وهو يقول هامساً :

– مش يمكن دى غلطة ربنا عاقبنى عليها

نظرت اليه بعدم فهم قائله :

– مش فاهمة تقصد ايه

غير الموضوع على الفور .. وتنهد قائلاً :

– قومى اتوضى وصلى زى ما قولتلك .. هستناكى

أومأت برأسها وتوجهت الى الحمام .. قام “على” ونادى “مديحة” التى كفكت دمعها بسرعة وتوجهت اليه تحاول رسم البسمة على شفتيها .. سألها “على” بحزم قائلاً :

– ممكن أعرف عنوان أخت حضرتك

اضطرب والدة “أسماء” وقالت :

– “على” هتعمل ايه ؟

قال بحزم :

– عايز أعرفه

قالت برجاء :

– “على” اهدى بس .. أصلاً باباها لما عرف بهدل الدنيا وراح ضربه

قال بنفس الحزم :

– عايز العنوان لو سمحتى

بلعت ريقها بصعوبة وقالت :

– لا مش هديهولك يا “على” .. بلاش مشاكل .. الموضوع خلاص انتهى

لم يتوقف “على” لسماع المزيد .. بل فتح الباب وغادر .. جريت أمها خلفه تنادى عليه .. دون جدوى .. اتصل بـ “مدحت” وطلب منه العنوان .. يبدو أن “مدحت” كان له

رأى آخر غير “مديحة” .. اعطاه العنوان ثم قال :

– متأذيش نفسك .. أدبه بس من غير ما تأذى نفسك يا “على” .. عيل تييييييييييييييت زى ده ميستهلش انك تضيع نفسك عشانه

توجه “على” الى العنوان .. صعد وسأل عن “هانى” ليخبرهأخيه الأصغر بأنه غير موجود .. لكنه على وصول .. جلس “على” أمام البوابة ينتظر قدومه .. رآى شاب قادم فى

اتجاه البناية .. صفف شعره بطرقة غريبة وارتدى فى صدرة سلسلة فضية .. وفى يديه بعض الاكسسوارات الغريبة .. أراد الشاب المرور لكن “على” كان يسد البوابة بجسده

.. سأله قائلاً :

– انت “هانى” ؟

قال “هانى” بلا مبالاة :

– أيوة

لم يكد ينتهى من فلظ الكلمة حتى قام “على” من مكانه ليلكمه فى أنفه تماماً .. تقهقر “هانى” عدة خطوات الى الخلف حتى كاد أن يسقط من قوة اللكمة .. وضع يده على

أنفه ليجدها قد تلونت باللون الأحمر .. صاح من الألم ثم نظر الى “على” بدهشة وقال :

– انت اتجننت يا واد انت

وقبل أن يفيق من دهشته توجه الى “على” وهو يزمجر بغضب ليعقبه بلكمة أخرى فى وجهه .. ثم يجذبه من ملابسها ليسدد ركلة فى منتصف بطنه .. شهق “هانى” من قوتها ومن

الألم الذى صرخت به بطنه .. لم يكن “على” مفتول العضلات لكن الغضب منحه قوة خارقه .. تجمهر بعض الناس .. اقترب رجل فى محاولة لفض الشباك .. لكن احدى النساء

صاحت بإحتقار :

– سيبه خليه يربيه .. ده عيل تيييييييييييت مسبش بنت فى الحته الا لما ضايقها ولقح عليها بكلامه .. أحسن خليه يتربى مادام أهله معرفوش يربوه

لم يشعر “على” بنفسه وهو يضربه بقوة ويركله بقدمه غيظاً وغضباً .. الى أحد تدخل أحد الرجال وأبعد على عنه قائلاً :

– خلاص يا ابنى سيبه هيموت فى ايدك .. ده كلب ميسواش

أخذ “على” يلهث بشدة .. عدل من وضع ملابسه .. ثم توجه الى “هانى” الملقى على الأرض ووجه غارقاً فى دمائه .. جذبه من ملابسه وأوقفه ثم صعد به الى البناية تحت

نظرات الجيران الشامته .. شهقت أمه بقوة وضربت على صدرها وهى ترى ملابسه الممزقة والدماء المنفجرة من وجهه .. صاحت قائله :

– “هانى” مين عمل فيك كدة

قبل أن يتمكن من الرد .. صاح به “على” بغضب :

– قول لأمك على اللى عملته فى بنت خلتك يا تيييييييييييت

نظرت أمه بدهشة الى “على” ثم الى “هانى” الذى أخذ يبكى من الألم ومن الوضع الذى وصل اليه .. صاح به “على” وهو يدفعه ليلصقه بالجدار :

– اتكلم يله .. قولها على اللى حصل

شهت أمه وهو تهتف بـ “على” :

– اوعى سيب ابنى .. امشى اطلع بره

جذبه “على” من ملابسه وهم بأن يسدد احدى اللكمات الى وجهه .. لكن “هانى” صاح بألم :

– خلاص متضربش .. كفاية .. خلاص هقولها

هتف “على” بصرامة وعيناه تشعان غضباً :

– انطق قولها على اللى حصل

نظر الى أمه بخجل وأخبرها عن أفعاله المشينة .. أخبرها بأن “أسماء” لم تكذب عندما تهمته بمضايقتها وبالتسلل الى غرفتها .. نظرت اليه والدته بمزيج من الدهشة

والحسرة والغضب .. نظر اليها “على” وهو يلهث ثم قال :

– آدى ابنك اللى نصفيته على بنت أختك .. طلع عيل تييييييييييييييت

ثم التفت وغادر البيت .. ظلت أمه تنظر اليه الى أن تحولت نظراتها الى الغضب والإحتقار وهتفت به :

– بأه بعد أخرة صبرى فيك تعمل كده فى بنت أختى .. مش كفاية أرفك اللى بسمعه وكل شوية تطلعلى واحدة تشتكى منك ومن عمايلك السودة .. هى حصلت تعمل كده فى بنت أختى

يا تييييييييييييييت

نظر اليها “هانى” بخجل الى والدته والى أخيه الذى ينظر اليه بإحتقار وتقزز .. انقلب أخيراً السحر على الساحر وظهرت حقيقته واضحة للعيان .. هدد “أسماء” وأراد

فضحها .. فكانت الفضيحة من نصيبة هـو

*************************************

بعد أقل من شهريــن على تلك الأحداث .. تم زفاف “على” و “أسماء” .. فى حضور أهلهما وأصدقائهما .. فكانت تلك هى الزيجة الثالثة فى محيط تلك الأسر التى اقتربت

من بعضها حتى صارت كالأسرة الواحدة الكبيرة .. فتبادلت فيها الأنساب وتوطدت العلاقات وصاروا كالبنيان الواحد ..

فى نفس الفترة تحدد موعد زفاف “آدم” و “آيات” بعدما وجدا شقة مناسبة لإستئجارها وانتهيا من فرشها فرشاً متواضعاً .. اختاراها قريبة من القرية حتى يستطيعا بسهولة

الذهاب والعودة من عملهما ..

تم الزفاف فى قريــة الماســـة .. ذلك المكان الذى جمعهما من جديد بعدما ظن كل منهما أنه لن يرى الآخر مرة أخرى .. كانت “آيات” فى أبهى صورها .. لا تفارقها

بسمتها .. دخل “آدم” الغرفة التى تزينت فيها ليتأمل عروسه الجميلة .. اقترب منها واداها باقة ورد صغيرة .. أخذتها منه وعيناها لا تفارق تلك العينان التى سرقتا

قلبها .. اقترب منها مقبلاً جبينها .. نظر الى فستانها عارى الأكمام مبتسماً وهو يقول :

– وناويه حضرتك تعملى ايه فى الحاجات اللى باينه دى

ضحكت بخفوت ثم ساعدتها “إيمان” على ارتداء كاب أبيض حريرى واسع أغلقته من الأمام لتخفى ما أظهره فستان عرسها من مفاتن .. أسدل “آدم” جزء من طرحة فستانها ليغطى

به وجهها الذى زينته برقه .. ليخفى جمالها وسحرها عن الأعين المتلصصة .. فذاك الجمال وتلك المفاتن من حقه هو فقط .. ذهبا الى قاعتا الفرح .. فساعدتا “سمر” على

خلع الكاب وعلى ضبط الطرحة .. ليبدأ الاحتفال بالعرس السعيد

دخلت “آيات” بيتها الجديد مع زوجها الحبيب وهى تدعو الله أن يديم فرحها ويبارك فى زواجها .. وقف “آدم” أمامها مبتسماً .. ابتسمت له فى رقه ونعوده .. وضع يده

على جبينها ودعا قائلاً :

– اللهم إني أسألك خيرها وخير ما جبلتها عليه وأعوذ بك من شرها ومن شر ما جبلتها عليه

عملاً بقول النبي صلى الله عليه وسلم ” إذا تزوج أحدكم امرأة أو اشترى خادما فليقل اللهم إني أسألك خيرها وخير ما جبلتها عليه وأعوذ بك من شرها ومن شر ما جبلتها

عليه ”

اتسعت ابتسامته وهو ينظر اليها بحب قائلاً :

– مبروك يا حبيبتى .. اخيراً بقيتي فى بيتى

بدلا ملابسهما واستعدا لصلاة ركعتين يؤمها “آدم” فيهما .. اتسعت ابتسامتها وهى تبادله نظراته المحبه الشغوف .. حمد الله فى نفسه ان يسر له أمر زواجه .. وأن

سخر له “كريم” الذى ساعده وقدم له تلك السُلفه التى أعانته على اتمام تجهيز بيتهما ..شعر بكرم الله عليه .. فحمده كثيراً .. نظر الى زوجته فى سعاده .. تهيأت

له وأقبل عليها .. لكـــن .. وعلى الرغم من نسيانها لذلك الأمر لفترة طويلة .. قذف الشيطان فى نفسها تلك الذكريات المريرة .. والأفعال القبيحة التى آتاها “آدم”

قبل توبته .. انزوت مبتعده عنه .. والأسى على محياها و الألم فى عينيها .. لم تستطع النظر اليه .. أو التبرير .. نظر اليها متأملاً .. متخوفاً .. قلقاً .. الى

أن تمتم بخفوت :

– أنا كنت شاكك .. ودلوقتى اتأكدت .. انتى لسه مسمحتنيش يا “آيات”

اغمضت عينيها دون أن تجد كلمات تقولها .. وكأن الكلمات هربت منها .. نهض عنها وخرج من الغرفة .. جلست تبكى وتستغفر .. الى أن أفاقت لنفسها .. حدثت نفسها ..

ماذا تفعلين يا “آيات” .. كيف تسمحين لوساوس الشيطان أن تتلاعب بكِ .. ألا تعليمين أن ابليس يضع عرشه على الماء ويقدم كل شيطان تقريراً عما عمله فى يومه من

شر وأذى .. وأكثر تلك الشياطين قرباً من ابليس هو ذاك الذى يستطيع أن يفرق بين الرجل وزوجته .. هذا الشيطان يحبه ابليس كثيراً ويمجده ويعظمه على صنيعه .. فلا

شئ من الأفعال الشنيعة والمريعة أحب الى ابليس من أن يتخاصم زوجان ويفترقا .. ويسمحان للشيطان بأن ينفث سمومه فى أذنيهما وقلبيهما .. فيستسلمان لوساوسه .. ويهدمان

بيتهما بأيديهما .. لامت نفسها بشدة .. استغفرى ربك يا “آيات” .. واستعيذى به من الشيطان الرجيم .. ذاك الشيطان الذى بدأ عمله سريعاً فى الإيقاع بينك وبين زوجك

ومن أول ليلة فى زواجكما .. واعلمى يا “آيات” أن تلك لن تكون الأخيرة .. بل هى البداية .. فعليكِ دائماً أن تحصنى نفسك حتى تصدى ذاك الماكر عن الوسوسه فى أذنيكِ

.. ستصديه بإيمانك وبإستعانتك بالله عز وجل .. لن تسمحى لوساوسه بأن تؤثر على حياتك الزوجية .. كلما ذكرك بمساوئ زوجك ستتذكرين أنتِ محاسنه .. كلما ذكرك بتلك

اللحظة التى أغضبكِ فيها زوجك ستتذكرين أنتِ اللحظات الكثيرة التى رسم فيها البسمة على شفتيكِ .. كلما ذكركِ بذنوبه ستتذكرين أنتٍ توبته .. كلما ذكركِ بجفاءه

ستتذكرين أنتِ حبه وحنانه

نهضت “آيات” ودخلت الى الحمام تغسل وجهها .. ثم عادت الى غرفة النوم وتزينت ببعض المساحيق الخفيفة .. خرجت تبحث عن “آدم” .. وجدته فى غرفة المعيشة واقفاً يصلى

.. وقفت خلفه .. تنظر اليه .. رأته وهو يهوى ساجداً .. لحظات وبدأ جسده فى الإنتفاض .. بكى “آدم” فى سجوده وهو يسأل الله أن يغفر له ذنبه .. دعاه ألا يكون نفور

زوجته منه الآن من شؤم المعصية التى ارتكبها .. علم فى قراره نفسه أن من تعجل الشئ قبل أوانه عوقب بحرمانه .. لكنه أحسن الظن بالله أن يرفع عنه تلك العقوبة

.. وأن يصرف النفور من نفسه زوجته وحبيبته .. انتهى من صلاته وشعر بسكينه بداخله .. مسح وجهه بكفيه ..ثم نهض والتفت ليجد “آيات” واقفه خلفه وهى تنظر اليه بحزن

.. اقترب منها وحاول رسم بسمة على ثغره .. يعلم ما تشعر به .. هو المخطئ .. هو السبب .. لذلك لا يستطيع لومها .. ابتسمت له .. بعذوبه .. ورقه .. ونظرت اليه

بحب .. اختفى الحزن من عينها .. وأقبلت نحوه تلقى بنفسها بين ذراعيه .. سكن للحظة ثم لفها بذراعيه يضمها اليه بشدة وهو يستنشق عبير شعرها الذى يلامس وجهه ..

رفعت رأسها ونظرت اليه وقال :

– مش عايزين الشيطان يدخل بينا .. ماشى

نظر اليها متأملاً .. ابتسم وهو ينظر اليها بحنان جارف .. يحتويها بنظراته قائلاً :

– ماشى

قالت بحزم وهى تنظر فى عمق عينيه :

– أنا سمحتك يا “آدم” .. خلاص هنقفل الصفحة دى ونرميها ورا ضهرنا .. مش هنتكلم فيها تانى .. متخليش الشيطان يشكك فى انى سامحتك .. ماشى ؟

اتسعت ابتسامته ومسح على شعرها بحنان قائلاً :

– ماشى

همست :

– بحبك

همس :

– بحبك

لأول مرة يردد كلاهما “بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا” .. عملاً بقول النبي صلى الله عليه وسلم “لو أن أحدكم إذا أراد أن يأتي أهله قال

: “بسم الله ، اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا” ، فإذا قدر بينهما ولد لم يضره الشيطان أبداً” .. أشعره الحلال بقبح ونجاسة الحرام .. واستقزار الفعل

والمفعول به .. مر على ذهنه حديث النبي صلى الله عليه وسلم “وَفِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ” .. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ، أَيَأْتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ

وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ؟ .. قَالَ: “أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ أَكَانَ عَلَيْهِ فِيهَا وِزْرٌ؟ فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلاَلِ

كَانَ لَهُ أَجْرٌ” .. فهذه الطاهرة زوجته وحلاله وكلما أتاها أخذ أجراً .. ابتسم يقبل جبينها .. الآن فقط .. شعر بأن الله راضى عنه .. لأن من علامات رضى الله

عن العبد أن يوفقه لفعل الخيرات .. واجتناب المحرمات .. ” رَّضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ ” .. نامت ملء جفونها فى أحضان

زوجها الذى أحطاها بذراعيه فى حنان.

**************************************

فى أحد الأيام .. شعر “آدم” بشئ ناعم يلامس وجنته وبهمسات رقيقه :

– “آدم” .. “آدم”

فتح عينيه ببطء ليطالع وجه “آيات” المبتسم .. همست بعذوبه :

– حبيبى قوم اتأخرت على الشغل

تمطع فى فراشه ثم نظر اليها مبتسماً وهو يفتح عينيه بصعوبه .. نهض من فراشه وتوجه الى الحمام بينما توجهت “آيات” الى المطبخ لتعد مائدة الفطور .. خرج يجفف شعره

ونظر اليها مقبلاً اياها قائلاً :

– صباح الخير

ابتسمت فى وجهه :

– صباح النور

التفا معاً حول مائدة الطعام .. فتمتم كلاهما :

– بسم الله

قالت “آيات” وهى تضع احدى اللقيمات فى فمها :

– بفكر ما أروحش الغشل النهاردة

نظر اليها “آدم” قائلاً :

– براحتك .. أصلاً الفترة دى مفيش ضغط كبير فى الشغل

أومأت برأسها وقالت بمرح :

– أهاا ما أنا عارفه عشان كده قولت أدلع ومروحش الشغل

ضحك قائلاً :

– ماشى يا ستى ادلعى براحتك

انتهيا من طعامهما فردد كل منهما :

– الحمد لله الذى أطعمنى هذا و رزقنيه من غير حول منى ولا قوة

انتهى “آدم” من ارتداء ملابسه بينما كانت “آيات” تنظف حذاءه .. توجه الى الباب وارتدى حذاؤه فقبلته مودعه وابتسامه حانيه على ثغرها وقالت :

– خلى بالك من نفسك

توجهت “آيات” الى المطبخ لتنظيف الاوانى المتكدسة من تحضير الفطور .. انتهت من عملها فى جلى الصحون وبدأ فى الإعداد لطعام الغداء بينما كانت ترتب المنزل وتنظفه

.. قبل قدوم “آدم” بنصف ساعة توجهت الى غرفتها لتنتقى شيئاً آخر ترتديه .. زينت وجهها بنعومة وأسدلت شعرها فوق كتفيها .. أعدت المائدة ونظمتها وأضافت بعض اللمسات

الرقيقة .. عاد “آدم” من عمله لتستقبله ببشاشه .. بدا عليه الإرهاق فعاونته على تبديل ملابسه وهى تسمعه كلماتها الرقيقه الحانيه التىتخفف عنه تعب النهار من

أجلها .. التف معاً حول مائدة الطعام .. أشاد “آدم” بطعامها فاتسعت ابتسامتها .. قال “آدم” :

– على فكرة فى حاجة أنا عملته وواثق انها هتفرحك

تركت ملعقتها ونظرت اليه قائله بلهفة :

– ايه هى

اسند مرفقيه فوق الطاولة ونظر اليها بمرح قائلاً :

– أنا وعدتك لما الظروف تتحسن نطلع رحلة شهر عسل مش كده

قالت على الفور :

– يا حبيبى أنا مش عايزة حاجه .. وبعدين مش محتاجين رحلة شهر عسل ولا حاجة ده احنا عايشين فى العين السخنة .. الناس بتيجي هنا لشهر العسل

اتسعت ابتاسمته وهو يقول بتحدى :

– بس المكان اللى احنا هنروحه لو عرفتيه مستحيل تقولى كده

نظرت اليه بإستغراب قائله :

– ايه هو طيب

تأملها قائلاً :

– هنعمل عمره سوا

اتسعت عيناها وهتفت بسعادة :

– بتتكلم بجد .. بجد يا “آدم”

أومأ برأسه فهبت واقفه تحتضنه وهى تقول :

– ياه كان نفسى أوى أعمل عمره تانى .. بجد ربنا يباركلك يا “آدم” .. أنا فرحانه أوى .. دى ألى رحلة بجد

جلست مرة أخرى على مقعدها فقال “آدم” ببشاشه :

– ان شاء الله هقولك المعاد بس عامة حضرى نفسك من دلوقتى .. وان شاء الله ماما طالعة معانا هى كمان كان نفسها تعمل عمره من زمان

أخذت تتذكر المرة الأولى والوحيدة التى ذهبت فيها الى العمرة مع والدها الحبيب رحمه الله .. وكيف كانت سعادتها لزيارة تلك البقعة المباركة .. وكم تمنت من يومها

العودة الى ذاك المكان مرة أخرى .. انتهيا من تناول طعامها .. همت بأن تنهض لتحمل الأطباق الى المطبخ .. لكن “آدم” اوقفها وأمسك بيدها .. وأخذ ينظر الى أصابعها

والتى علق بها بعض الطعام .. ثــم .. قربها الى فهمه وهو ينظر اليها وأخذ يلعق صابعاً تلو الآخر تحت أنظارها وقد اتسعت ابتسامتها وضحكت بخفوت .. عملاً بقول

النبي صلى الله عليه وسلم “إذا أكل أحدكم طعاماً فلا يمسح يده حتى يلعقها أو يُلعقها”

انتهت من جلى الأوانى لتجلس مع زوجها فى حجرة المعيشة يقرآن فى أحد التفسيرات .. فمنذ زواجهما اتفقا على أن يقرآها كل يوم آيه واحده بتفسيرها .. سيأخذان وقتاً

طويلاً لنهاية سورة واحدة .. لكنهما اتفقنا على أن قليل متصل خير من كثير منقطع .. كانت “آيات” تستمع فى استكانه الى قراءة “آدم” من كتابة التفسير وشرحه للمعنى

.. تدبرا الآية ولسان حالها يقول : سبحان الله .. سُمع المنادى فى المسجد القريب يؤذن للصلاة فنهض “آدم” وتوضأ وشيعته بابتسامتها ثم ارتدت اسدالها لتؤدى فريضتها

.

تعالت ضحكاتهما وهما جالسان معاً على الأريكة يشاهدان أحد المقاطع المضحكة .. نظر “آدم” اليها يتأمل ضحكته وبسمتها التى لا تفارق محياها كلما كان فى البيت ..

قربها منه وقبل جبينها .. نظرت اليه .. لتروى لها عيناه الشغوفتان ما يحدثه به قلبه من أحاديث خاصة !

أنهت “آيات” عملها المنزلى وتوجهت الى غرفة النوم لتجد “آدم” جالساً فى الفراش يجمع كفيه الى بعضهما البعض ويقرأ فيهما كما كان يفعل النبي صلى الله عليه وسلم

.. فعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ كُلَّ لَيْلَةٍ جَمَعَ كَفَّيْهِ ثُمَّ نَفَثَ فِيهِمَا

فَقَرَأَ فِيهِمَا قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ثُمَّ يَمْسَحُ بِهِمَا مَا اسْتَطَاعَ مِنْ

جَسَدِهِ يَبْدَأُ بِهِمَا عَلَى رَأْسِهِ وَوَجْهِهِ وَمَا أَقْبَلَ مِنْ جَسَدِهِ يَفْعَلُ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ” .. جلست على الفراش بجواره وهى تعدل

من وضع الغطاء .. انتهى “آدم” من القراءة فى كفيه وأخذ يمسح على رأسه ووجهه وجسده .. ثــم التفت الى “آيات” يمسح بديها رأسها ووجها وجسدها .. ابتسمت له وقبلته

قائله :

– تصبح على خير يا حبيبى

– تصبحى على خير يا حبيبى متنسيش تقولى الأذكار

وضعت “آيات” رأسها على الوسادة وأخذت تمتم بشفتيها وتردد أذكار النوم .. ضبط “آدم” هاتفه على ميعاد صلاة الفجر ثم وضع رأسه على وسادته ونام ملء جفونه .

تركت والدة “آدم” العروسين لينعمان ببعض الوقت بمفردهما قبل أن تنتقل للعيش معهما بعد اصرار “آدم” و”آيات” على ذلك .. وأمضت وقتها مع والدة “سمر” التى باتت

تعيش بمفردها هى الأخرى .. تقاربت المرآتان وكانت كل منهما للأخرى سلوى وأنيساً

************************************

حمد “آدم” ربه أن رزقه هذه العمرة وكذلك فعلت والدته و”آيات” وهم جالسون معاً على متن الطائرة المتوجهة الى المدينة .. نظرت “آيات” من النافذة فى لهفة تعد الدقائق

التى تفصلها عن أحب الاماكن اللى قلبها .. حطت الطائرة فى مطار المدينة ثم توجها الى الفندق لوضع حاجياتهما .. ثــم .. توجها الى زيارة قبــر النبى صلى الله

عليه وسلم .. صلوا ركعتين تحية للمسجد فى الروضة الشريفة .. ثم توجها الى قبر النبي صلى الله عليه وسلم .. وقف “آدم” أما القبر وقد جف حلقه .. وأطرق برأسه يستشعر

عظمة هذا القبر الذى يسكنه خير البشر وأكملهم .. يقف الآن أمام قبر ذلك القائد العظيم والنبى الكريم .. ذلك الحبيب أمامه .. ذلك النور أمامه .. ذلك الذى تتفطر

قداه من قيام الليل أمامه .. ذلك الكريم المعطاء أمامه .. فسالت دموع “آدم” فرحاً وهيبة .. كم أنت عظيماً يا رسول الله .. كم عانيت لأصبح أنا الآن مسلماً ..

كم قاسيت فى سبيل تبليغ رسالتك .. كم تألمت وعُذبت وشُجت وجنتاك وكُسرت رُباعيتك وشُج رأسك وسالت الدماء منك لأصير أنا مسلماً .. كم ضحيت فى سبيل الدعوة لا

لشئ سوى لنشر تلك الرسالة التى ائتمنك الله عليها .. كم كنت تتألم لموت أحدهم على غير الإسلام .. كم أحبك يا رسول الله .. يا شفيعي يوم العرض .. لم يراك أحداً

الا وأحبك .. لم سعرفك أحد الا وأحبك .. لم يسمع عنك أحداً الا وأحبك .. حتى الصخر والشجر أحبوك .. لم أحارب فى أُحد .. لم أجرح فى بدر .. ما هاجرت فى يوم ..

ولم أكن من الأنصار .. ولكن يا نبى الله أحبك .. حبك فى قلبى ألهبه .. أبعدتنى ذنوبى لكن ها أنا جئت اليك أخيراً .. أتلمس الهدى والنور والتقى .. أهتدى بهديك

وأسير فى دربك .. أنقذتنى من كل خبيث وأنرت لى الطريق الى رب العالمين .. وكنت مثال للصادق الأمين .. كم أتلهف شوقاً لرؤياك .. والنظر الى وجهك الطليق .. والهناء

بالشرب من كفك الطاهرة .. جسدى بجسدك .. عرضى بعرضك .. أفديك بقلبى وروحى وبكل ما أملك .. ومن غير للشفاعة يملك !

سلم على الرسول الكريم ثم تقدم قليلاً ليسلم على أبى بكر رضى الله عنه .. وتقدم أكثر ليسلم على عمر رضى الله عنه .. ثم توجهوا الى البقيع للسلام على أصحاب البقيع

وهو يدعو لهم بالمغفرة والرحمة .. كانت سعادة والدة “آدم” غامرة وبكت تأثراً فكم تمنت تلك الرحلة منذ أمد بعيد وها هو الله قد رزقها اياها

لم يستطع “آدم” تمالك عبراته التى تساقطت وهو يرى الكعبة لأول مرة .. وكذلك والدته .. خفق قلبهما كما لم يخفق من قبل .. شعر “آدم” بهيبة هذا البيت .. وبرهبة

كلما اقترب منه .. كان كالفراشة التى تنجذب الى الضوء رغماً عنها .. لا يحيد عينيه عن الكعبة وكأنه يريد حفر كل تفاصيلها بداخله .. لمس الحجر الاسود .. عندما

تذكر أن فى ذلك حط لخطاياه بكى بشدة .. دار فى الطواف ودموعه تغرق وجهه .. أيا رب كم أنت رحيم .. أذنب وأذنب وأنت تغفر وتغفر .. كم أنت كريم .. كم أنت حليم

.. شعر وكأن قلبه يُغسل .. وكأن ماء بارد صُب عليه من السماء ليغسل قلبه وينقيه .. لم يشعر بقلبه نظيفاً كما يشعر الآن فى تلك اللحظة .. لم يشعر بقلبه مرهفاً

ورقيقاً كما يشعر الآن فى تلك اللحظة .. لم يبكى من خشية الله كما بكى فى تلك اللحظة .. ظل يستغفر ويستغفر .. حاول أن يدعو .. ظل يشرد بخياله .. يفكر ما الذى

يريده من الله عز وجل ليسأله اياه ؟ .. فكر وفكر .. لم يجد سوى .. الجنــة .. تلك آخر آماله ونهاية مبتغاه .. لا يريد سواها .. وبصحبته كل من أحب .. أخذ يدعو

أن يكرمه الله بدخولها .. باستنشاق عبيرها .. بالجلوس تحت ظلال أشجارها .. وحوله كل من أحب .. وكل من رافق .. وكل من عرف .. وتوسعت أمانيه ليسأل الله الجنــة

لكل من قال بقلبه ولسانه .. أشهد أن لا اله الا الله وأن محمداً رسول الله

.. تمت بحمــد الله …

عرض التعليقات (19)