طائرة الموت للكاتبة بنوتة أسمرة

32 4٬336
 

طائرة الموت للكاتبة : بنوتة أسمرة

طائرة الموت للكاتبة : بنوتة أسمرة

طائرة الموت للكاتبة : بنوتة أسمرة

طائرة الموت للكاتبة : بنوتة أسمرة , معكم صديقة زاكي الشيف الموهوبة ,

على السادة الركاب فى الرحلة 333 التوجه الى البوابة 5 .. شكراً

نهض ركاب الرحلة من أماكنهم على مقاعد الإنتظار فى ردهة مطار القاهرة متجهين الى احدى الدول العربية .. صعد ركاب الطائرة واتخذ كل منهم مقعده .. مرت دقائق الانتظار بتؤدة قبل أن تتحرك الطائرة معلنة بدء رحلتها الجوية والتى ستستغرق عدة ساعات .. ساد الهدوء وكل منهم اختار طريقه تناسبه لتمضية وقته .. فتلك وضعت فى أذنيها سماعات الموبايل تستمع الى ما حفظت على ذاكرته من أغانى حب وهيام

وذاك أخذ يتطلع الى شاشة التلفاز مبتسماً لتلك المشاهد الكرتونية المضحكة

وذاك أخرج من حقيبته كتاباً وارتدى عويناته يقرأ سطوره بنهم

وتلك التفتت تنظر من الشباك سابحه فى خيالاتها وأحلامها

وذاك جعد جبينه مستغرقاً فى التفكير

أما ذاك الرجل الوقور فأخذ يمسك مصحفاً صغيراً تنهل منه عيناه طالبه الأجر والثواب

كان الوضع هادئاً .. المضيفه تأتى وتذهب .. تسأل وتجيب .. وتلبى النداء .. وفجــــأة .. شعر الجميع بهزة غريبة تجتاح الطائرة .. نظر الجميع الى بعضهم فى خوف .. بينما تحاول المضيفة بث الطمأنينة فيهم .. ما كادوا يعودون الى حالتهم الطبيعيه حتى حدث الارتجاج مرة أخرى .. لكن هذه المرة بعنف أكثر .. ثم .. مالت الطائرة الى الأمام بإنحراف شديد .. وتعالى صوت الكابتن منذراً بخلل كبير أصاب الطائرة .. و .. هوت الطائرة من ذاك الارتفاع الشاهق .. تنظر اليهم فترى أن العامل المشترك على وجوههم هو الفزع والهلع .. لكن فى ضمير كل منهم .. كان يدور حديث خاص جداً .. خاص بصاحبه فحسب !

فذلك الرجل الجالس برفقة زوجته وقد أخذت تشد على يديه بقوة تتعلق به باكية .. دار فى خياله ما فعله منذ ساعات من خيانة تلك الزوجة خيانة يندى لها الجبين .. وقع أسيراً لاغراء تلك الفاتنة التى تعمل سكرتيرة فى مكتبة .. وقع فريسة بين أنيابها وأسلم نفسه للشيطان يفعل به ما شاء متعللاً بإنشغال زوجته عنه واهتمامها بالأولاد .. فكيف يلاقى ربه وهو ملوث بالنجاسات ! .. سقطت دمعة من عينه وهو يتمنى العودة الى الوراء للتكفير عن تلك المعصية

تنظر فى المقعد خلفه لترى ذلك الرجل الوسيم بحلته الأنيقه ورائحته الذكية وشكله المهندم .. لكنك ترئ البؤس على وجهه .. ها هو ضميره يحدثه بتلك العمليات المشبوهة التى تشارك فيها الشركة التى يعمل بها .. وعلى الرغم من حنقه وضيقه .. الا أنه لم يستطع ترك العمل حتى لا يفقد تلك الألوف التى تُدس فى يده فى بداية كل شهر .. فأين سيجد وظيفة بهذا الراتب فى ظل هذا الكساد الاقتصادى الذى تمر به البلاد ؟ .. فرت دمعة من عينه وهو يتمنى العودة الى الوراء لتطهير ماله من ذاك المال الحرام الذى يتغذى عليه ويستنشقه ويتمرغ به .. حتى اختنق بشؤم معصيته .. فنُزعت البركة من ماله والسكينة من قلبه

وتنظر فى ذلك المقعد على اليمين لترى تلك الفاتنة التى تمر أمام عينيها صوراً لها مع ذاك الشاب الوسيم .. مفتول العضلات ساحر النظرات .. الذى أحبته وهامت به .. والذى كان شعاره فى الحياة .. كل شئ مباح بإسم الحب .. فأسلمته كل شئ وهى من كانت طاهرة الذيل عفيفة الحال .. لكن تغير الحال وأصبحت العفة رجعية وأصبحت الفضيلة منسية ! .. فباعت دينها ونفسها وعرضها .. ولم تكتفى بل استمرت فى الخطيئة تتلوى بحممها .. فرت دمعة من عينيها وتمنت العودة الى الوراء والتطهير من ذاك المستنقع وذاك الداء

وهناك فى بداية مدخل الطائرة ترى تلك المضيفة التى جلست تنظر الى الأرض فى أسى .. وفى ضميرها صوت يعنفها على تركها لزوجها الذى رفض عملها وسفرها الدائم .. عملها الذى تسبب فى اهمالها مسؤلياتها وبيتها وزوجها .. فخيرها بينه وبين العمل .. أطلقت عليه النعوت من عدم تحضر وجمود .. وصاحت ونادت بحرية المرأة وحقها فى العمل ومساواتها بالرجل وأخذت تطلق تلك الشعارات الرنانه التى سمعتها من تلك الأبواق التى تنفث سمها فى كل وقت وحين .. فتركت ذاك الزوج وذاك البيت الذى تتمناه الكثيرات راكعات وساجدات أن يرزقهن الله العفاف .. تركت حلم فطر الله عليه الإناث من أجل عمل الشاى للناس !

فى كبينة الطائرة .. أمسك الكابتن المقود بقوة .. هو يحاول بعزم طاقته أن يتحكم فى الطائرة التى تهوى وتقترب من الأرض شيئاً فشيئاً .. رأى الموت أمامه فصاح ضميره .. كيف تمكنت من ترك لحمك تنهشه الكلاب .. تلك الأرملة التى قدمت لبابك تسأل المساعدة لسد رمق أبناء أخيك الراحل .. فما كان منك الا أن نهرتها وعنفتها وطردتها .. وأنت تعلم أن فى الخارج كلاب مسعورة تنهش فى كل تنوره !

أما كان من برك بأخيك أن تضم أطفاله الصغار من مختلف الأعمار تحت جناحيك كعم وأب بديل .. تقدم لهم المساعدة فتظفر بمجاورة النبي بالجنه .. فذاك جزاء كافل اليتيم !

أغمض الجميع أعينهم مرددين الشهادة .. مطلقين صيحات الخوف والبكاء .. أخذ ذاك الرجل الوقور فى دس مصحفه فى جيبه .. ورفع يديه الى السماء .. وبكل يقين فى اجابة الدعاء .. أقسم على الله أن ينجيهم من هذا البلاء .. فرُب أشعث أغبر لو أقسم على الله لأبره .. لم يتوقف عن الدعاء الى رب الأرض والسماء .. عله يجيب هذا النداء .. الذى خرج من قلب تقى .. ولسان لا يفتر عن الذكر والدعاء .. وعين لا ترى الحرام .. وأذن لا تسمع مزمار الشيطان .. وقدم لا تسير الى المنكرات

وما هى الا لحظات حتى لامست عجلات الطائرة ممر الهبوط .. فارتجت الطائرة بعنف .. وتأرجحت وتلجلجت .. وأطلقت صيحات وزمجرات وأنين .. الى أن سكن زئير المحرك .. فارتسمت البسمة على الوجوه مختلطة بدموع وحبور

رفع الزوج كفيه الى السماء يشكر الله النجاة .. ويعده ألا يعصاه .. التفت الى زوجته يقبل رأسها ويطلب عفوها .. بكت وقالت : علام تطلبى عفوى يا زوجى الحبيب .. فأجاب : على كل ما اصابك منى من ضيق

هبط ذاك الوسيم المهندم من الطائرة ليتحدث فى هاتفه ويعطى قراراً حازماً .. بألا يعود الى عمله .. فى ذلك المكان البغيض .. فبركة القرش الحلال أفضل من ملايين الحرام

أما الفاتنة .. فألقت بهاتفها تحت أقدامها .. وداست على كل ما فيه من صور وذكريات .. لذاك الفعل المشين .. وتضرعت الى رب الأرباب .. بأن يفتح لتوبتها الأبواب

أسرعت المضيفة بالعودة الى بيتها .. والارتماء فى أحضان زوجها .. قالت والعبرات تغرق وجهها : عملى الذى أفخر به .. هو أن أكون ملكة متوجة على عرش بيتى

دخل الكابتن تلك البناية القديمة .. التى تنبعث من جدارنها رائحة العفونة .. فُتح الباب فتهافت عليه الصغار .. قدم لهم ما لذ وطاب .. ومسح على الرؤوس .. فطابت النفوس

فأيا قــارئ تلك السطــور .. أتحتــاج الى طائـــرة المـــوت لتتــوب ! .. ولتقلــع عـن الذنـــوب .. فلربمــا المـــرة القادمــة .. لن تجـد بين ركــاب الطائـــرة .. ذاك الرجــل الوقــور .. بدعائــه المنثــور .. فتهــوى الطائــرة .. وتتمــزق الأجســاد .. وتنفجــر الدمــاء .. وتتناثــر الأشــلاء .. لتحــوم حولهــا الصقور .. فتدفــن فى القبــور .. وتقف بين يـدى الله .. ليكشــف المستــور !

عرض التعليقات (32)