روايه انت لي الحلقه 28 و 29

5 12٬770
 

روايه انت لي الحلقه 28 و 29

روايه انت لي الحلقه 28

روايه انت لي الحلقه 28 و 29

روايه انت لي الحلقه 28 و 29 , معكم صديقة زاكي الشيف الموهوبة ,leen
رواية انت ليالحلقة الثامنة و العشرون

” تتزوجيني ؟؟ ”

أروى حملقت بي لبرهة ، ثم ابتسمت و نظرت إلى الأرض بخجل !

العرق صار يتصبب مني و ملابسي تحترق من حرارة جسدي.. أما لساني فانعقد تماما !

أي جنون هذا ؟؟

ظللنا واقفين فترة هكذا ، أنا لا أجرؤ على قول شيء و لا الانصراف ، و هي لا ترفع عينيها عن الأرض…

نفحات الهواء الباردة أخذت تصافح جسدي و تطفئ اشتعاله.. و هبّت على الوشاح الذي تلفه أروى حول رأسها فتطايرت أطرافه.. كاشفة عن خصلات ذهبية ملساء انطلقت تتراقص مع النسيم ..

غضضتُ بصري بسرعة ، و استدرت جانبا و قلت :

” أنا آسف ”

” لم ؟؟ ”

قالتها بتعجب ، فكساني تعجبها تعجبا !

أعدت النظر نحوها فوجدتها واقفة في مكانها و قد ضبطت الوشاح حول رأسها بإحكام…

و لا تزال تبتسم بخجل !

تشجعت حينها و قلت :

” ألا تمانعين من الزواج من رجل مثلي ؟ ”

قالت دون أن تنظر إلي :

” مثلك .. يعني ماذا ؟؟ ”

قلت :

” فقير.. مشرد.. خريج سجون.. عاطل ! ”

قالت :

” لكنك .. رجل نبيل يا وليد ”

ثم ألقت علي ّ نظرة خجولة … و انصرفت مسرعة !

في صباح اليوم التالي ، كنا أنا و العم إلياس ننظم أغصان بعض الأشجار…و كان الموضوع يلعب برأسي منذ الأمس… و كنت أحاول التقاط أي خيط من الكلام لفتحه أمام العجوز ..

و ربما هو لاحظ ارتباكي إلا أنه لم يعلّق..

قلت :

” أليس لديكم أقارب آخرون يا عمي ؟ ”

قال :

” هنا ؟ لا يوجد . إنني و أختي كما تعلم من خارج البلدة و لا أهل لنا هنا . نديم رحمه الله كان يقطن المدينة الساحلية هو و عائلته قبل استقراره هنا في هذه المدينة قبل زمن طويل .. و هو الآخر لم يكن لديه أقارب كثر ”

و المدينة الساحلية هي مدينتي الأم

قلت :

” و ماذا عنك ؟ ألم يكن لديك زوجة و أبناء ؟ ”

قال :

” زوجة رحمها الله. لم أرزق الأبناء بقضاء من الله. الحمد لله ”

ثم أضاف :

” لذلك أحب ابنة أختي حبا جما .. و أسأل الله أن يرزقها زوجا صالحا أطمئن إلى تركها معه بعد فنائي ”

قلت بسرعة :

” أطال الله في عمرك عمّاه ”

قال :

” فقط إلى أن أزوّجها و أرتاح ”

و غمز إلي بنظرة ذات معنى !

احمر وجهي خجلا.. فصمت ، أما هو.. فنظر بعيدا مفكرا و قال :

” أنا قلق عليها و على مستقبلها .. إنها فتاة بلا سند.. أريد أن أزوجها بسرعة لرجل جدير بالثقة.. أأتمنه عليها.. ”

و نظر نحوي…. يقصدني !

قلت متلعثما :

” أأ أحقا لا تمانع من زواجها من.. من .. ”

أتم العم الجملة :

” منك يا وليد ؟ مطلقا.. فأنت رجل خلوق و مهذّب . بارك الله فيك ”

قلت مترددا :

” لكنني .. كما تعرف ”

قاطعني :

” لا يهم ، فهاهي المزرعة أمامك اعمل بها عملا شريفا نظيفا و إن كان بسيطا.. و إن كنت تود العمل في مكان آخر فاسع يا بني و الله يرزقك ”

طمأنني قوله كثيرا .. تماما كما كانت كلمات نديم رحمه الله تبعث في نفسي الطمأنينة في سني السجن …

قلت أخيرا :

” لكنني.. خرجت من السجن ”

قال :

” نديم كان في السجن أيضا ، و لم أر في حياتي من هو أشرف منه و لا أحسن خلقا ”

ابتسمت .. للتقدير و الاحترام اللذين يكنهما هذا الرجل لي.. و اللذين رفعا من معنوياتي المحطمة بعد كلمات دانة الجارحة …

العم ابتسم أيضا و قال و هو يصافح يدي :

” أ نقول على بركة الله ؟؟ ”

 

~ ~ ~ ~ ~ ~

 

” ماذا عنّي أنا ؟؟ تتركيني وحدي ؟؟ ”

سألتُ دانة التي تقف أمام المرآة تجرّب ارتداء فستان السهرة الجديد ، الذي اشترته لارتدائه في الحفلة البسيطة … يوم الغد

لم تكن تعيريني أي اهتمام.. و خلال الأيام الماضية عوملت معاملة جافة من قبلها و قبل سامر .. بتهمة الخيانة !

” دانة أحدّثك ! ألا تسمعين ؟؟ ”

” ماذا تريدين يا رغد ؟ ”

” لا أريد البقاء وحدي هنا ”

” سامر معك ”

قلت باستياء :

” لا أريد البقاء مع سامر بمفردنا ”

الآن التفتت إلي و قالت :

” إنه خطيبك .. فإن كنت لا تثقين به فهذه مشكلتك ! ”

شعرت بضعف شديد و قلة حيلة .. فوليد ، الشخص الذي كان يقف إلى جانبي و يتولى الدفاع عني قد اختفى.. و لابد لي من الرضوخ لقدري أخيرا…

خرجت من غرفتها و ذهبت إلى غرفتي، و من هناك اتصلت بوالدي ّ و طلبت منهما أن يعودا بأي وسيلة.. لأنني وحيدة و تعيسة جدا..

و يا ليتني لم أفعل …

بعد ذلك ، جاء سامر إلى غرفتي يحمل علبة هدّية ما …

كان يبتسم .. اقترب مني و حاول التحدث معي بلطف و كرر الاعتذار عما بدر منه تلك الليلة ، إلا أنني صددته بجفاء.

” وفر هداياك يا سامر .. فأنا لن أقتنع بفكرة الزواج بهذا الشكل مطلقا..”

غضب سامر و تحوّل لطفه إلى خشونة و نعومة حديثه إلى قسوة..

قال :

” حين يعود والداي سيتم كل شيء ”

قلت :

” حين يعود والداي سينتهي كل شيء ”

سامر فقد السيطرة على أعصابه و زمجر بعنف :

” كل هذا من أجل وليد ؟؟ ”

ونظرت إليه نظرة تحد ٍ لم يستطع تجاهلها..

أطبق علي بقسوة و قال :

” و إن تخليت ِ عني ، لن أسمح له بأخذك مطلقا .. أتفهمين ؟؟ ”

” بل سأطلب منه أن يأتي لأخذي فأنا لن أعيش معك بمفردي ”

” رغد لا تثيري جنوني.. لا تجعليني أؤذيك .. إنني أحبك .. أتفهمين معنى أحبك ؟ ”

هتفت :

” لكني أحب وليد .. ألم تفهم بعد ؟؟ ”

سامر دفع بي نحو السرير ، و تناول علبة الهدية و رطمها بالجدار بقوة …

قال :

” ماذا تحبين فيه ؟ أخبريني ؟؟ ماذا رأيت منه جعل رأسك يدور هكذا ؟؟ ”

ثم أقبل نحوي و هزني بعنف و هو يقول :

” أ تحبّين رجلا قاتلا ؟ مجرما ؟ سفاحا ؟؟ ”

صرخت بفزع :

” ما الذي تقوله ؟؟ ”

قال مندفعا :

” ألا تعلمين ؟؟ إنها الحقيقة أيتها المغفلة .. كنت ِ تظنين أنه سافر ليدرس في الخارج ..طوال تلك السنين .. أتعلمين أين كان وقتها ؟؟ أتعلمين ؟؟ ”

كان الشرر يتطاير من عيني سامر .. المرة الأولى في حياتي التي أرى فيها عينيه بهذا الشكل … أصابني الروع من نظراته و كلماته ..

أتم جملته :

” لقد كان في السجن ”

صعقت ، و لم أصدّق … هززت رأسي تكذيبا ، إلا أن سامر هزني و قال بحدة :

” نعم في السجن .. ثمان سنوات قضاها مرميا في السجن مع المجرمين و القتلة.. ألا تصدقين ؟ اسألي والدي ّ .. أو اسأليه هو.. في السجن يا رغد.. السجن.. و قد أخفينا الأمر عنكما أنت و دانة لصغر سنكما ”

صرخت غير مصدقة ..

” كلا .. كلا .. أنت تكذب ! ”

قال بحدّة :

” تأكدّي بنفسك.. و لسوف تندمين على صرف مشاعرك على قاتل متوحّش ”

دفعت سامر بعيدا عني و ركضت مسرعة نحو غرفة دانة ، التي كانت لا تزال أمام المرآة …

” دانة ”

هتفت بقوة أجبرتها على الالتفات إلي بشيء من الدهشة و الخوف …

قلت :

” وليد .. وليد… ”

فزعت دانة ، قالت :

” ما به ؟؟”

قلت :

” كان في السجن ؟؟ ”

دانة تحملق بي في دهشة و عدم استيعاب .. صرخت ُ :

” وليد كان في السجن ؟؟ أخبريني ؟؟ ”

ظهر سامر من خلفي فنظرت إليه دانة

قال :

” أخبريها فهي لا تصدقني ”

دانة جالت ببصرها بيننا ثم قالت :

” أجل… لثمان سنين .. ”

صرخت :

” لا ! ”

قالت :

” بلى ، و بجريمة قتل ”

” مستحيل ! ”

لم أشأ أن أسمع .. أن أفهم .. أن أصدق .. أن أدرك ..

دارت بي الدنيا و تراقصت الأرض و تمايلت الجدران.. و أظلمت الأنوار.. و لم أشعر بنفسي إلا و سامر يمسكني بسرعة و يجلسني أرضا …

بدأت الأنوار تضاء.. و بدأت أسمع نداءاتهما و أرى أعينهما القلقة حولي.. و أحس بأيديهما الممسكة بي …

” رغد حبيبتي تماسكي ”

” رغد ماذا جرى لك ؟؟ ”

” ابقي مسترخية ”

” اسم الله يحفظك ”

حينما وعيت تماما وجدت نفسي ممدة على الأرضة و رأسي في حضن سامر و يدي بين يدي دانة … و كنت أشعر ببلل الدموع الجارية على وجنتي…

قال سامر :

” أ أنت بخير ؟ ”

أغمضت عيني بمرارة و تركت المجال لدموعي لتتدفق كيفما شاءت…

قالت دانة :

” رغد … ”

فتحت عيني و حاولت أن أتكلم، و عجزت إلا عن إصدار أنات متلاحقة… لا معنى لها و لا تفسير..

ساعدني الاثنان على النهوض و التوجه إلى غرفتي حيث استلقيت على سريري.. و جلس الاثنان قربي.. سامر يمسح على رأسي و دانة تشد على يدي…

قالت :

” لا بأس عليك.. كانت صدمة بالنسبة لي أنا أيضا ”

تحشرج صوتي في حنجرتي ثم انطلق ناطقا :

” لماذا أخفيتم عني ؟؟ ”

دانة نظرت إلى سامر.. كأنها تنقل السؤال إليه..

نظرت إلى سامر فرأيت وجهه متجهما حزينا…

” لماذا ؟ ”

سامر حار في أمره .. و بعثر أنظاره فيما حولي ثم قال :

” كنتما صغيرتين .. ثم .. لم نشأ تقليب المواجع بعد خروجه .. ”

” لا أصدق .. لا أصدٌق.. لا يمكن.. ”

و انفجرت في بكاء أبكى دانة.. و كاد يبكي سامر أيضا..

قلت مخاطبة دانة :

” لماذا فعل ذلك ؟؟ ”

و أيضا أحالت السؤال إلى سامر ..

قلت مخاطبة سامر :

” لماذا ؟؟ ”

هذه المرّة سامر دقق النظر إلي .. نظرات عميقة غريبة ، ثم قال :

” ألا تعرفين ؟؟ ”

” أنا ؟؟ ”

سامر قال :

” لا نعرف الحقيقة بالضبط، لكن … ”

” لكن ماذا ؟؟ ”

تردد سامر ثم قال :

” إنه يخفي سرا .. ”

صمت ثوان ثم قال :

” سر على ما يبدو .. له علاقة بـ … ”

و تراجع عن إتمام جملته..

” بماذا ؟؟ ”

سألت ، فظل ينظر إلي بتمعن .. و كأنه يشير إلي !

” بي أنا ؟؟!! ”

و لم ينف كلامي ، فسألته دانة باستغراب :

” و ما علاقة رغد بالأمر ؟؟ ”

سامر تردد و من ثم قال بنبرة غير الواثق من كلامه :

” لا أدري .. القضية غامضة .. و حزام الزي المدرسي الذي كانت رغد ترتديه ذلك اليوم – وهي نائمة في سيارة وليد – .. وجد للغرابة في مسرح الجريمة قرب القتيل مباشرة ! ”

ما إن أتم سامر جملته .. حتى تهدّم في رأسي سد الذكريات فجأة .. و تدفقت شلالات الذكرى المفزعة .. و انتفضت و شهقت ثم هتفت بغتة :

” عمّار !!؟؟ ”

الاثنان نظرا إلي بتعجب ..

جلست فجأة و وضعت يدي الاثنتين على صدري فاتحة عيني و فاغرة في ّ بذهول ما بعده ذهول …

” رغد ؟؟ ”

ناداني سامر ، فالتفت إليه .. ثم إلى دانة .. ثم إلى سامر فدانة بشكل تثير الشكوك ..

عاد سامر يقول :

” رغد ..؟؟ ”

صرخت :

” لا ”

” رغد .. هل رأيت شيئا ؟؟ ”

صرخت بفزع :

” لا ”

قال :

” أتذكرين شيئا ؟؟ ”

” لا .. لا كلا .. ”

و جذبت دانة نحوي و وضعت رأسي في حضنها و لففت ذراعي ّ حولها و أنا أصرخ بجنون :

” كلا .. كلا .. وليد.. وليد .. ”

حتى غشي علي …

~ ~ ~ ~ ~ ~ ~

في نفس اليوم ، و الذي عادت فيه السيدة ليندا من المستشفى ، عقدنا قراننا أنا و أروى ..

العائلة كانت سعيدة و مبتهجة … و قد صنعت أروى كعكتين لذيذتين و عشاء مميزا، احتفالا بالمناسبة..

لم يشاركنا الحفلة الصغيرة سوى سيدة واحدة هي صديقة للسيدة ليندا ، و ابناها اللذين شهدا على العقد..

بالنسبة لي ، كان حدثا غريبا و أشبه بالوهم..نعم الوهم..لقد كنت هناك ، لكنني لم أكن.. و انتظرت أن أصحو من هذا الحلم الغريب.. إلا أنني لم أصح ُ ..

بعد تناولنا العشاء.. أوحت إلينا السيدة ليندا بأن نخرج للتجوّل في المزرعة.. أنا كنت أتتصبب عرقا و في غاية الخجل.. و لا أجرؤ على النظر نحو أروى.. و لا أعرف كيف هي حالتها و تعبيراتها!

خرجنا معا إلى المزرعة، و سرنا صامتين لا يلتفت أحدنا إلى الآخر..

قطعنا شوطا طويلا في السير.. و كان الجو باردا فسمعت صوت كفّي أروى يحتكان ببعضهما.. و هنا التفت و نظرت إليها لأول مرّة مذ فارقتها البارحة ..

قلت بتلعثم :

” أتشعرين بالبرد؟؟ ”

أروى ابتسمت و نظرت للأسفل و قالت :

” قليلا ”

” أتودين أن .. نعود ؟ ”

رفعت نظرها إلي و قالت :

” لا.. ”

هربت أنا بنظري إلى الأشجار و أنا أتنحنح و ألمس عنقي بيدي.. و أشعر بالحر !

حقيقة أنا لا أعرف ما أقول و لا كيف أتصرّف !

و لا حتى كيف أفكّر ! و اسمعوا ما قلت :

” هذه الأغصان بحاجة إلى ترتيب ! ”

و أنا أشير إلى الشجرة التي كنت أنظر إليها..

أروى قالت :

” نعم ”

” سوف أقوم بتنظيمها غدا ”

” نعم ”

لا أزال أحدق في الشجرة.. كأنني أفتش عن المفردات بين أوراقها !

كيف يجب أن يتصرّف رجل عقد قرانه من فتاة قبل قليل ؟؟

أنا لا أعرف بالضبط، فهي تجربتي الأولى، و لكن بالتأكيد.. ليس التحديق في أغصان الأشجار و أوراقها !

” وليد ”

نادتني أروى.. فاقشعر جسدي خجلا ، التفت إليها بحرج .. و أنا أمسح قطيرات العرق المتجمعة على جبيني :

” نعم ؟ ”

قال بخجل :

” هل أنت .. سعيد بارتباطنا ؟؟ ”

تسارع نبض قلبي.. توترت كثيرا إلا أنني قلت أخيرا :

” نعم، و .. أتمنى أن تكوني أنت سعيدة ! ”

ابتسمت هي مومئة إيجابا..

ثم قالت و هي تعبث بأصابعها بارتباك :

” أنا.. معجبة بك ”

أنا سكنت تماما عن أي حركة أو كلام.. تماما كسيارة نفذ وقودها كليا ! صامت جامد في مكاني بينما الأشجار تتحرك و الأوراق تتمايل !

الآن رفعت أروى بصرها إلي بابتسامة خجولة لتستشف ردة فعلي…

تسللت من بين شفتي هذه الكلمة :

” معجبة بي .. أنا ؟؟ ”

ضحكت أروى ضحكة خفيفة و هي تقول :

” نعم أنت ! ”

قلت متأتئا متلعثما :

” أأ لكن .. أنا.. شخص بسيط أعني.. إنني .. خريج سجون و .. ”

لم أتم ، فقد نفذت الحروف التي كانت مخزنة على لساني فجأة !

أروى قالت :

” أعرف، و لا يهمني ذلك .. ”

تبادلنا الآن نظرات عميقة .. أمددتني بطاقة أحلت عقدة لساني ..

قلت :

” أروى .. ألا يهمك أن تعرفي .. لم دخلت السجن ؟؟ ”

أروى هزّت رأسها سلبا..

لكنني قلت :

” يجب أن تعرفي… ”

ثم قلت :

” دخلت السجن لأنني … … قتلت حيوانا ”

دهشت أروى و ارتفع حاجباها الأشقرين للأعلى :

” ماذا ؟؟ ”

قلت ، و قد تبدّلت تعبيرات وجهي من الخجل و التوتر ، إلى الجدية و الغضب :

” نعم حيوان.. حيوان بشري.. قذر.. كان يجب أن يموت … ”

~ ~ ~ ~ ~

لا أزال مضطجعة على سريري أذرف الدموع الحزينة المريرة… و أعيد في رأسي تقليب الذكريات… و قد مضت ساعات و أنا على هذه الحال

كلما دخل سامر أو دانة هتفت :

” دعوني وحدي … دعوني وحدي … ”

فالصاعقة لم تكن بالشيء الهيّن …

أعوذ بذاكرتي للوراء.. ذكريات مغبرة غير واضحة ، لا أستطيع سبر غورها و كشف غموضها و فهم أسرارها…

مبهمة الملامح .. لا تتضح لي صورتها كما ينبغي … فأبعدها بسرعة و أجبر رأسي على التفكير بشؤون أخرى …

مساء الغد.. ستغادر دانة مع عريسها بعيدا.. و أظل أنا و سامر.. في الشقة وحدنا.. و مئات من الشحنات المتنافرة تتضارب فيما بيننا…

تموت الفكرة في رأسي .. تحت أقدام أفكار أقوى .. في وجه إعصار الذكريات التعيسة المشؤومة التي عشتها قبل تسع سنين …

أتخيل نفسي و أنا في تلك السيارة .. أصرخ .. و أصرخ .. و أهتف و استنجد و أستغيث … و ما من معين..

ما من شيء .. إلا صفعات متتالية على وجهي.. و كف تمتد إلى وجهي و تكتم أنفي و فمي مانعة إياي من الاستغاثة.. و يد تربط أطرافي الأربعة بذلك الحزام الطويل… ثم ترميني عند المدوسة .. تحت المقعد..

بح صوتي من الصراخ … كنت وحيدة .. لا أحد من أهلي حولي.. و لا من الناس … في طريق بري مخيف موحش …بعيدا عن أدنى معاني الأمان و الطمأنينة

و أسمعه يقول :

” سيأتي وليد إليك فاخرسي ”

أحاول أن أتحرر من القيد.. أحاول الركل و الرفس.. و العض.. و كل شيء .. دون جدوى.. فقد كنت أضعف و أوهن من أن أتغلب على ذلك الوحش القذر…

حينما ظهر وليد أخيرا .. فتح لي الباب ..

قفزت من السيارة راكضة مسرعة نحو وليد.. تعلقّت بعنقه.. أردت أن أحتمي داخل صدره.. أردته أن يبعدني بسرعة عن ذلك المكان.. أن يطير بي عاليا .. إلى حيث لا تصلني يد مؤذ و لا نظراته…

وليد…

آه وليد…

وليد…

أخذت أبكي بقوّة.. بكل ما أوتي جسدي المنهك المصعوق من قوة ..

سمعتني دانة فوافتني إلى الغرفة قلقة .. اقتربت مني و هي تراني في حالة انهيار لا مثيل لها.. أبكي دما لا دموعا …

” رغد.. أرجوك يكفي ! إلى متى ستظلين هكذا ؟؟ لم لا تنامين فقد انتصف الليل ”

” لماذا لم تخبروني بالحقيقة ؟ لماذا كذبتم علي ؟ أعيدوا وليد إلي .. أريد وليد .. أريد وليد ”

دانة أمسكت بوجهي في حيرة و اضطراب ، و قالت :

” رغد ! ما الذي تهذين به ؟ أ عاودتك الحمى من جديد ؟؟ ”

قلت و أنا أنظر إليها بعمق و تشتت في آن معا في تخبط و ضياع و تيه :

” لم أعتقد أنه مات .. رأيته يهوي أرضا.. لم أفهم ما حصل .. لكن وليد ضربه بسببي أنا .. أنا .. أنا ”

و انهرت باكية بحدة على صدرها …

دانة كانت تحاول إبعادي عنها ليتسنى لها النظر إلى وجهي ، و قراءة ما ارتسم عليه، إلا أنني كنت أدفن رأسي في صدرها بإصرار…

” رغد .. ما الذي تقولينه ؟؟ ”

صرّحت :

” لم أفهم ذلك .. لم أع ِ شيئا.. لا أذكر ماذا فعل بي .. لكنه ضربني كثيرا .. و ربطني بالحزام .. ”

” عمّ تتحدثين يا رغد بالله عليك أفصحي ما تقولين ؟؟ ”

رفعت رأسي أخيرا و نظرت إليها و انفجرت قائلة :

” عمار .. الحقير .. الجبان .. اللعين .. القذر .. اختطفني و حبسني في السيارة.. وليد جاء لإنقاذي و ضربه بالصخرة .. أفهمت الآن؟؟ أفهمت ؟؟ أفهمت ؟؟ ”

لم أزد على ما قلت حرفا واحدا، إذ أنني انهرت كليا .. كما انهارت دانة الجالسة قربي.. و عندما طلبت مني سرد الأحداث ، قلت :

” لا أريد أن أتذكر شيئا.. لا أريد أن أتذكر..، وليد .. أريد وليد.. أريد العودة إلى وليد”

~ ~ ~ ~ ~

الآن.. و في هذا الصباح الجميل .. و تحت أشعة هذه الشمس الجديدة ، أشعر بأنني شخص آخر .. رجل ولد من جديد…

ابتداء من هذا اليوم، دخلت عالما جديدا.. و ودعت عالمي الماضي .. للأبد

أنا اليوم ، وليد .. المزارع البسيط الذي يعمل مع خطيبته و عائلتها في مزرعة صغيرة .. في مدينة بعيدة عن مدينته و أصله و أهله ..

الحياة الماضية قد انتهت ، لا رغد و لا حب و لا جنون.. لا ألم و لا عذاب و لا معاناة.. و لا حرب…

الليلة ، ستدخل رغد عالم المتزوجين، و تصبح زوجة لأخي ، و أقطع آخر خيط أمل في استعادتها ذات يوم..

الذكرى الحزينة أجبرتها على مغادرة رأسي ،، فأنا لا أريد لدمعة واحدة أن تسيل من عيني على ما فات.. و لأعش حياتي الجديدة كما قدّر الله لها أن تكون …

تخرج أروى من المنزل.. مقبلة نحوي ، تحمل صينية تحوي طعاما…

كنت أقف في الساحة أتنفس الصعداء و أشم رائحة الزهور الفواحة …

إنه مكان يستحق أن يضحي المرء بأي شيء من أجل العيش فيه …

” صباح الخير .. وليد ”

تبتسم لي و يتورد خداها خجلا.. فيجعلها كلوحة طبيعية بديعة من صنع الإله..

أدقق النظر إليها .. فاكتشف أنها آية في الجمال.. جمال لم ألحظه مسبقا و لم أكن لأعره اهتماما ..

ملونة مثل الزهور.. و خصلات شعرها الذهبي تتراقص مع تيارات الهواء.. لامعة مثل أشعة الشمس..

سبحان الله ..

أحقا ..هذه الحسناء هي زوجة مستقبلي ؟

تقبل إلي و تقول :

” أعددت فطورا خاصا بنا ”

ابتسم ، و أقول :

” شكرا .. ”

ثم نجلس على البساط المفروش في الساحة، و ننعم بفطور شهي لذيذ.. فمخطوبتي هذه ماهرة جدا في الطهو !

ميزة أخرى تجعلني أشعر بالزهو …

إضافة إلى كونها طيبة القلب مثل والديها و خالها..

و أكرر في نفسي :

” الحمد لله ”

لقد لعبت الأقدار دورها الدرامي معي.. و حين ألقت بي في السجن لثمان سنين ، عرّفتني على رجل عظيم، أصبحت في نهاية المطاف زوجا لابنته !

أظن أن على المرء أن يشكر الله في جميع الأحوال و لا يتذمّر من شيء ، فهو لا يعلم ما الحكمة من وراء بعض الأحداث التي يفرضها عليه القدر …

سبحان الله

أكثر ما شدّني في الأمر ، هو أنها اعترفت لي البارحة بإعجابها بي !

برغم كل عيوبي و مساوئي، و رغم جهلها بالكثير عن ماضي و أصلي .. إلا أنها ببساطة قالت :

” أنا معجبة بك ! ”

اعتقد أن لهذه الجملة تأثيرها الخاص … و خصوصا على رجل يسمعها للمرة الأولى في حياته من لسان فتاة !

تحدّثنا عن أمور كثيرة… فوجدتها حلوة المعشر و راقية الأسلوب، و اكتشفت أنها أنهت دراستها الثانوية و درست في أحد المعاهد المحلية أيضا …

قلت :

” كان حلمي أن أدرس في الجامعة ! ”

” أي مجال ؟؟ ”

” الإدارة و الاقتصاد ، كنت أطمح لامتهان إدارة الأعمال .. تخيّلت نفسي رجل أعمال مرموق ! ”

و ضحكت ُ بسخرية من نفسي …

قالت :

” و هل تخلّيت عن هذا الحلم ؟؟ ”

قلت بأسف :

” بل هو من تخلّى عنّي .. ”

ابتسمت أروى و قالت :

” إذن فطارده ! و أثبت له جدارتك ! ”

” كيف ؟؟ ”

قالت :

” لم لا تلتحق بمعهد إداري محلي ؟ أتعرف.. زوج السيدة التي كانت معنا البارحة يدير أحد المعاهد و قد ييسر أمورك بتوصية من أمي ! ”

بدت لكي فكرة وهمية … كالبخار.. إلا أن أروى تحدثت بجد أكبر و جعلتني انظر للفكرة بعين الاعتبار.. و أنميها في رأسي…

~ ~ ~ ~ ~

أتتني دانة و أنا لا أزال على سريري و قالت :

” أحضر سامر الفطور… ألن تشاركينا ؟؟ ”

لم أجب عليها، فانسحبت من الغرفة..

بعد قليل ، طرق الباب مجددا و دخل سامر هذه المرة ، و أغلق الباب من بعده ..

أقبل نحوي حتى صار جواري مباشرة ، و قال بصوت حنون أجش :

” رغد … هل ستبقين حبيسة الغرفة هكذا ؟؟ ”

و لم أجبه …

جلس سامر على السرير و مد يده نحو رأسي، و أخذ يمسح على شعري بحنان…

” رغد .. بالله عليك .. ”

لكنني لم أتفاعل معه ..

أدار وجهي نحو وجهه و أجبرني على النظر إليه …

نظراتنا كانت عميقة ذات معنى …

” رغد .. أنا أتعذب برؤيتك هكذا … أرجوك .. كفى ”

و لم أجب ..

قال :

” أ تحبينه لهذا الحد ؟؟ ”

لما سمعت جملته هذه لم أتمالك نفسي.. و بدأت بالبكاء …

سامر أخذ يمسح الدموع الفائضة من محجري… بلطف و عطف .. ثم قال :

” أنا .. لا أرضى عليك بالحزن .. لا أقبل أن أكون سبب تعاسة أحب مخلوقة إلى قلبي … ”

اعترى نظراتي الآن بعض الاهتمام ..

تابع هو حديثه :

” رغد .. سوف .. اتصل به الآن ، و اطلب منه الحضور .. لأخذك معه ”

ذهلت ، و فتحت جفوني لأقصى حد .. غير مصدقة لما التقطته أذناي …

قال :

” لا تقلقي.. فأنا لن أجبرك على الزواج مني.. و بمجرد عودة والدي ّ .. سأطلق سراحك … ”

شهقت …

نطقت :

” سامر .. !! ”

سامر ابتسم ابتسامة واهنة حزينة .. ثم قرب رأسي من شفتيه، و قبّل جبيني قبلة دافئة طويلة …

بعد ذلك قال :

” سأتصل به في الحال..، هيا.. فدانة تنتظرك على المائدة .. ”

و قام و غادر الغرفة …

 

~ ~ ~ ~ ~ ~

ما كدت أنتهي من وجبة فطوري اللذيذة الطويلة ، حتى أقبلت السيدة ليندا تستدعيني …

” وليد يا بني ، اتصال لك .. ”

تبادلت و أروى نظرة سريعة ، ثم وقفت و الاضطراب يعتريني…

قلت :

” من ؟؟ ”

” شقيقك ”

و زاد اضطرابي …

أسرعت إلى الهاتف و التقطت السماعة و تحدثت بقلق :

” نعم ؟ هنا وليد ”

” مرحبا يا وليد.. كيف أنت ؟ ”

” بخير .. ”

و صمت قليلا.. كنت متوجسا من سماع شيء سيئ ، فقد كان اتصالنا الأخير قبل ليلة فقط …

” ما الأمر سامر ؟؟ ”

” لا تقلق ! إنني فقط أريد أن أؤكد عليك الحضور الليلة .. ”

فكرت في نفسي .. و من قال إنني أود الحضور ؟؟؟ لم يكن ينقصني إلا أن أشهد يوم تزف فيه رغد.. حبيبتي الغالية.. معشوقة قلبي الصغيرة إلى أخي .. و أنا واقف أتفرج و أبار ك؟؟

” آسف، لن يمكنني الحضور ”

” لماذا ؟؟ ”

” لدي ارتباطات أخرى.. كما أنني متعب و لا طاقة لي بالسفر..”

” و دانة ؟؟ ألا تريد رؤيتها قبل رحيلها ؟؟ ”

لم أجد الجواب المناسب…

ثم قلت :

” إنها لن تتشرف بوجودي على أية حال ”

” سأجعلها تحدّثك بنفسها ”

ثم ناول الهاتف إلى دانة .. فسمعت صوتها يحييني و يسأل عن أحوالي ، ثم تقول :

” تعال يا وليد.. يجب أن تحضر عرسي ”

” آسف ..لا أريد إحراجك أمام زوجك و أهله.. بانتسابك إلى رجل مجرم و خريج سجون ”

هنا بدأت دانة بالبكاء و هي تقول :

” أرجوك وليد.. سامحني..”

لم أعقّب .. قالت :

” سأكون أتعس عروس ما لم تحضر .. من أجلي ”

” ستكونين أسعد بدون حضوري ”

عادت تبكي ثم قالت :

” حسنا ، ليس من أجلي .. بل من أجل رغد ”

و شعرت برغبة مفاجئة في التقيؤ .. أ أحضر من أجل زف حبيبتي إلى عريسها ؟؟

إنني إن حضرت سأرتكب جريمة ثانية ، لا محالة …

زمجرت :

” لن أحضر ”

” و لا من أجلها ؟؟ ”

” و لا من أجل أي كان … ”

” لكنها تريدك أن تحضر .. وليد .. أرجوك ”

” يكفي يا دانة .. ”

” وليد.. رغد مريضة ”

هنا.. تفجر قلبي نابضا بعنف و توترت معدتي و تصلبت عضلاتي و اندفعت أنفاسي بقوة و هتفت :

” ما بها رغد ؟؟ ”

إلا أن دانة لم تجب .. بل أجهشت بكاء..

و يظهر أن سامر تناول السماعة من يدها

كنت أهتف :

” دانة اخبريني ما بها رغد ؟؟ تكلمي ؟؟ ”

جاءني صوت سامر قائلا :

” لا تقلق ، إنها متوترة بعض الشيء ”

هتفت بقوة :

” سامر اصدقني القول .. ما بها رغد ؟؟ ”

” لا تخشى شيئا يا وليد.. ”

” إياكما أن يكون أحدكما قد أذاها في شيء أو أجبرها على شيء ؟؟ ”

” لا ، شقيقك ليس وغدا ليجبر فتاة على الزواج منه، و هي كارهة ”

كأن كتلة كبيرة من الثلج وقعت فوق رأسي.. أفقدتني السيطرة على لساني و على أطرافي بل و عيني كذلك…

كأنه أغشى علي … كأني فقدت الوعي و الإدراك .. كأنني سبحت في فضاء رحيب من الوهم و الخيال …

إنني فعلا على وشك إفراغ كل ما ابتلعته على الفطور خارجا من معدتي… و من فمي …

و الشيء الذي خرج من فمي كان صوتا مبحوحا ضعيفا مخنوقا سائلا :

” ألن .. تتزوجا الليلة ؟ ”

سامر لم يجب مباشرة ، ثم قال :

” إلا إذا عادت العروس و غيّرت رأيها قبل المساء … ”

بعدما أنهيت المكالمة تهالكت على معقد قريب.. و أغمضت عيني ..

كنت أريد فقط أن أتنفس .. كان صدري يتحرك بقوة ، تماما كقوة اندفاع الدم خارجا من قلبي …

رغد لن تتزوج الليلة …

رغد لا تزال طليقة ..

رغد لا تزال بين يدي …

و شعرت بشيء يلامس يدي …

فتحت عيني و لساني يكاد يصرخ :

” رغد ! ”

فوقعت عيناي على أروى .. واقفة أمامي مباشرة تلامس يدي .. و تقول بابتسامة ممزوجة ببعض القلق :

” ما الأمر وليد ؟؟ ”

كدت أضحك !

نعم إنني أريد الآن أن أضحك لسخرية القدر مني !

بل بدأت بالضحك فعلا …

و أروى ضحكت لضحكي .. و هي تجهل ما حقائق الأمور …

قالت :

” ما يضحكك وليد ؟ أضحكني معك ؟؟ ”

حدّقت بها فرأيت ما لم أتمنى أن أراه …

قلت :

” أختي دانة ستتزوّج الليلة .. ”

اتسعت ابتسامتها و قالت :

” صحيح ؟ أين ؟ مبروك ! ”

هززت رأسي ساخرا من حالي المضحك ، و قلت :

” حفلة صغيرة جدا ، في الشقة التي يسكنون فيها.. و هي تريد مني الحضور ”

اتسعت ابتسامتها أكثر و قالت مبتهجة :

” عظيم ! رائع ! أيمكنني الذهاب معك ؟؟ ”

رواية انت لي

الحلقة التاسعة و العشرون

 

أعد الدقائق واحدة تلو الأخرى ، في انتظار وصول وليد…

رغم أنها مجرد أيام، تلك التي فصلت بيننا مذ لقائنا الأخير ، إلا أنني أشعر بها كالشهور …لا بل كالسنين … نعم كالسنين التي قضيتها محرومة من رؤيته ، و معتقدة بأنه سافر يدرس.. بينما كان …

كلما جالت هذه الخاطرة برأسي طردتها مسرعة ، و أجبرت نفسي على الفرح .. فهو سيصل اليوم في أية لحظة…

سامر تحاشى الحديث معي منذ الصباح، إنه فقط مهتم بالإعدادات للحفلة البسيطة ، و قد قام هو و دانة بترتيب مائدة في الصالة ، لاستقبال الرجال ، و أخرى في غرفة المجلس ، لاستقبال السيدات .

حاولت مساعدتهم إلا أنني كنت متعبة من آثار الصدمة التي تلقيتها مؤخرا و لم تسعفني قواي البدنية على فعل شيء أكثر من المراقبة عن كثب..

بعد تأدية صلاة العشاء ، أتتني دانة لتتحدث معي الحديث الأخير… قبل فراقنا..

ابتداء من هذه الليلة ، سوف لن يكون لدي أخت ٌ أتشاجر معها ! من سيعلّق على مظهري كلما ارتديت شيئا جديدا، من سيوبّخني كلما أخطأت ! من سيغار مني و أغار منه؟؟

من سيعلمني أشياء أجهلها و يفتح عيني على الحياة… دانة كانت بالنسبة لي .. الباب إلى الحياة ، فأنا لم أعرف من هذه الدنيا شيئا إلا عن طريقها…

و رغم أن الفرق بين عمرينا هو سنتان و نصف ، إلا أنني أشعر بنفسي صغيرة جدا أمامها .. و أحسها أختي الكبرى و معلّمتي الحبيبة …

لذا ، عندما دخلت الغرفة و أنا لا أزال مرتدية حجاب الصلاة و قالت :

” سأتخلص منك أخيرا ! ”

انفجرنا ضحكا ، ثم بكاء … شديدا جدا .. جعل سامر يقف عند الباب مذهولا حائرا !

” لمن ستتركينني دانة ؟ سأبقى وحيدة منعزلة عن العالم من بعدك ! ”

” هنيئا لك ! ستنفردين برعاية أبي و تدليله ! أنت مثل القطة رغد ! مهما كبرت تظلين تعشقين الدلال ! كان الله في عون الرجل الذي ستتزوجينه ! ”

الآن صارت تشير إليه بالمجهول ! لم تذكر اسم سامر .. فهي إذن اقتنعت أخيرا بأن سامر لم يعد لي …

نظرت أنا نحو سامر فوجدت وجهه المشوه غارقا في الحزن … و كرهت نفسي…

كرهت قدري.. و ظروفي التي انتهت بي و به إلى هذه الحال…

أعدت نظري إلى دانة .. نظرة استغاثة.. استنجاد.. أريد من ينقذني من هذا كله.. فوجدت على وجهها ابتسامة خفيفة ، و سمعتها تهمس :

” على كل ٍ ، هو يحب تدليلك كثيرا ! ”

ابتسمت ُ ، و ضممتها إلي ، و أنا أشعر بأنها المرة الأولى التي تفهمني فيها…

رباه ! كيف تغيّرت بهذا الشكل بين ليلة و ضحاها ؟؟

هل يعني أنها موافقة على و راضية عن انفصالي عن سامر ، و ارتباطي بوليد؟؟ هل تدرك هي أنني أحب وليد و وليد فقط؟؟

وليد قلبي …

آه كم أنا متلهفة لرؤيتك …

عد بسرعة .. اظهر فورا .. فقد أضناني الشوق و الحرمان …

قمت بعد ذلك و لبست فستانا أهداني إياه سامر من أجل الحفلة ، و ووضعت بعض الحلي ، و التي أيضا أهداني إياها سامر… و ارتديت حذاء عالي الكعب جدا ، كالعادة ، و بصراحة .. أهداني إياه سامر أيضا !

إلا أنني لم أضع أيا من المساحيق على وجهي ، فأنا أريد مقابلة وليد قلبي وجها لوجه …

بدوت مسرورة ، أحوم حولهما كالفراشة … و عندما حضر الضيوف أحسنت استقبالهم و قدت النساء إلى المجلس … كانت أم نوار و أخواته، في غاية الأناقة و الجمال.. يرتدين ملابس مبهرة و حلي كثيرة .. و قد تلوّنت وجوههن بالماكياج المتقن جدا !

شعرت ببعض الخجل من نفسي لكوني بلا ألوان ! مع ذلك ، أبدو جميلة فلا تلتفتوا لهذا الأمر !

حضرت العروس بعد ذلك ، في قمة الأناقة و الروعة .. و أخذنا نلتقط العديد من الصور التذكارية ، و سأظهر جميلة رغم كل شيء !

مر الوقت .. و مع انقضاء كل ساعة ينقضي خيط أمل في حضور وليد.. لماذا لم يحضر بعد ؟؟ أحقا سيأتي أم أنه …

ذهبت إلى المطبخ لجلب المزيد من العصائر فإذا بي أصادف سامر هناك ، يحمل أطباق الجلي …

قلت :

” ألم يحضر وليد ؟؟ ”

سامر تظاهر بالابتسام و قال :

” ليس بعد ”

قلت :

” هل أنت واثق من حضوره ؟ هل قال أنه آت ٍ بالفعل ؟؟ ”

” قال إن لديه ارتباطات و مشاغل أخرى ، لكنه سيحاول الحضور … ”

نظرت إلى الساعة المعلقة على جدار المطبخ بيأس…

قال سامر :

” لا يزال الوقت مبكرا … لا تقلقي… ”

ثم غادر المطبخ …

~ ~ ~ ~ ~ ~

اعتقد إن من حقّي أن آخذ هذه المساحة بين السطور .. لأصف لكم مشاعري المجروحة …

إذا كان هناك رجل تعيس في الدنيا فهو أنا.. كيف لا و أنا أرى مخطوبتي.. محبوبتي رغد.. تعد الدقائق بلهفة في انتظار عودة وليد.. حبيب قلبها الغالي..

أصبت بجنون ما بعده جنون ، حين اعترفت لي و بلسانها أنها تحبه هو.. و أنه السبب في قرارها الانفصال عني ، بعد خطوبة استمرت أربع سنوات أو يزيد…

أربع سنوات من الشوق و اللهفة.. و الحب و الهيام.. في انتظار الليلة التي تجمعنا أنا و هي.. عريسين في عش الزوجية.. ثم يأتي وليد.. و في غضون شهور أو ربما أيام .. يسرق قلبها مني !

رغد لم تقل لي في السابق : ( أنا أحبك ) ، و لكنها لم تقل : ( أنا لا أحبك ) ..

بل كانت الأمور فيما بيننا تجري على خير ما يرام .. حتى أخبرني وليد نفسه ذات ليلة بأنها ترغب في تأجيل زواجنا…

الشيء الذي لا أعرفه حتى هذه اللحظة ، ما إذا كان وليد يعرف بحبها له أو يبادلها الشعور ذاته ، أم لا …

أنا أعرف أنه يحبها و يهتم بها كأخت.. أو ابنة عم .. أما كحبيبة.. كزوجة .. فهذا ما لا أعرفه و لن أحتمل صدمة معرفته ، إن كان يحبها بالطريقة التي أحبها أنا بها..

أتذكر أنها في اليوم الذي عرض عليها ارتباطنا قبل سنين قالت : ( لننتظر وليد أولا )

و لأنه كان من المفترض ألا يعود إلا بعد أكثر من عشر سنين من ذلك الوقت، فإننا عقدنا قراننا بموافقة الجميع…

و أنا أنظر إليها هذه اللحظة و هي تراقب الساعة ، أشعر بأن خلايا قلبي تتمزّق خلية خلية ، بل … و أنويتها تنشطر .. و ذراتها تتبعثر حول المجرّة بأكملها …

لماذا فعلت ِ هذا بي يا رغد ؟؟

إن كنت تجهلين ، فأنا أحبك حبا لا يمكن لأي رجل في الدنيا أن يحمل في قلبه حبا مثله..

حبا يجعلني أدوس على مشاعري و أحرق أحاسيسي رغما عنها ، لأجعلك تحيين الحياة التي تريدينها مع الشخص الذي تختارينه..

و ليته كان أنا…

و إن اكتشفت أن وليد لا يكترث لك ، فإنني لن أقف صامتا ، و أدعك تبعثرين مشاعرَ أنا الأولى بها من أي رجل على وجه المعمورة ، بل سآخذك معي.. و أحيطك بكل ما أودع الله قلوب البشر من حب و مودة ، و أحملك إلى السحاب .. و إن شئت ِ .. أتحوّل إلى وليد .. أو إلى أي رجل آخر تريدين أن تصبي مشاعرك في قلبه … فقط.. اقبلي بي…

غادرت المطبخ على عجل ، لئلا أدع الفرصة لرغد لرؤية العبرة المتلألئة في محجري…

نعم ، سأبكي لتضحكي أنت … و سأحزن لتفرحي أنت .. و سأنكسر لتنجبري أنت .. و سأموت … لتحيي أنت… يا حبيبة لم يعرف الفؤاد قبلها حبيبة .. و لا بعدها حبيبة .. و لا مثلها حبيبة… و سيفنى الفؤاد ، و تبقى هي الحبيبة .. و هي الحبيبة .. و هي الحبيبة …

عندما وصل وليد، كانت الساعة تشير إلى الحادية عشر و خمس و أربعين دقيقة، أي قبل ربع ساعة من ولادة يوم جديد.. خال من رغد …

قرع الجرس ، فأقبلت نحو الباب و سألت عن الطارق ، فأجاب :

” أنا وليد ”

جمّدت مشاعري تحت طبقة من الجليد ، لا تقل سماكة عن الطبقات التي تغطي المحيط المتجمّد الجنوبي… و فتحت الباب ..

تلك الطبقة انصهرت شيئا فشيئا ، لا بل دفعة واحدة حين وقعت عيناي على الشخصين الواقفين خلفه ، وليد ، و الفتاة الشقراء !

” مرحبا ، سامر … ”

بصعوبة استطعت رد التحية و دعوتهما للدخول …

وليد كان يرى الدهشة الجلية على وجهي مجردة من أي مداراة مفتعلة !

قال ، و هو يشير إلى الفتاة الواقفة إلى جانبه تبتسم بهدوء :

” أروى نديم ، تعرفها ”

قلت :

” أأ .. أجل … ”

قال :

” خطيبتي ”

و من القطب الجنوبي ، إلى أفريقيا الاستوائية !

اعتقد أنكم تستطيعون تصوّر الموقف خيرا من أي وصف أنقله لكم !

” خـ … ــطيبتك !! ”

” نعم ، ارتبطنا البارحة ”

نظرت إلى الفتاة غير مصدّق ، أطلب منها تأكيدا على الكلام ، ابتسمت هي و نظرت نحو وليد ..

وليد قال :

” أ لن تبارك لنا ؟؟ ”

” أأ … نعم …طبعا … لكنني تفاجأت ، تفضلا على العموم ، مبروك لكما .. ”

و قدتهما أولا إلى المجلس ، حيث النسوة…

طرقت الباب و أنا أنادي أختي دانة… ، فتحت هذه الأخيرة لي الباب و خرجت من فتحته الضيقة ، و حالما أغلقته انتبهت لوليد …

” وليد ! ”

أشرق وجهها و تفجرت الأسارير عليه .. ثم فتحت ذراعيها و أطبقت عليه معانقة إياه عناقا حميما…

” نعم .. كنت أعلم بأنك ستأتي و لن تخذلني ، فأنت لم تخذلني ليلة خطوبتي.. أنا سعيدة جدا.. ”

وليد قال :

” مبروك عزيزتي… أتم الله سعادتك و بارك لك زواجك .. ”

بعد ذلك ، رفعت رأسها لتنظر إليه ، ثم دفنته في صدره و هي تقول :

” سامحني… لم أكن أعلم .. سامحني يا أخي الحبيب .. أنا فخورة بك.. و أتباهى أمام جميع المخلوقات .. بأن لي أخا مثلك.. سامحني .. ”

وليد ربت على ظهر دانة بحنان ، و إن كانت الدهشة و الحيرة تعلوان وجهه ، و قال مواسيا :

” لا بأس عزيزتي .. لا تبكي و إلا أفسدت ِ زينتك ، و غير المغرور رأيه بك ! ”

رفعت دانة رأسها و انفجرت ضحكا ، و وكزته بمرفقها و هي تقول :

” لم تتغير ! سوف أطلب من نوّار أن يضربك قبل خروجنا ! ”

قلت أنا :

” احذري ! و إلا خرج عريسك بعاهة مستديمة ! ”

و ضحكنا بانفعال نحن الثلاثة…

التفت وليد للوراء حتى ظهرت خطيبته الجديدة ، و التي كانت تقف على بعد خطوات …

قال :

” اقتربي أروى ”

اقتربت الفتاة و هي تنظر نحو العروس ، و تحييها ..

” مبروك دانة ! كم أنت جميلة ! ”

دانة حملقت في الفتاة قليلا ثم قالت محدثة وليد :

” هل حضرت عائلة المزارع ؟؟ ”

وليد قال :

” أروى فقط.. ”

فتعجبت دانة ، فوضّح :

” خطيبتي ”

طغى الذهول على وجهها ربما أكثر مني ، قالت باستغراب شديد :

” خطيبتك !! ”

قال وليد :

” نعم ، عقدنا قراننا البارحة… باركي لنا ”

الاضطراب تملّك دانة ، و حارت في أمرها و لزمت الصمت لوهلة ، إلا أنها أخيرا تحدّثت :

” فاجأتماني …بشدّة ! … مبروك على كل حال ”

و كان واضحا لنا، أو على الأقل واضحا لي استياؤها من المفاجأة…

قلت :

” فلتتفضل الآنسة … ”

دانة التفتت إلى أروى و قالت :

” تفضلي ”

و فتحت الباب لتسمح لها بالدخول … و قالت مخاطبة إيّاي :

” رغد في غرفتها .. ذهبت لاستبدال فيلم الكاميرا … ”

و كان القلق جليا على ملامحها …

قال وليد :

” جيد ! أ أستطيع رؤيتها ؟؟ ”

تبادلنا أنا و دانة النظرات ذات المعنى .. و قالت هي :

” نعم ، سأدخل لأقدّم أروى للجميع ”

و دخلت الغرفة و أغلقت الباب تاركة إياي في المأزق بمفردي !

وليد التفت إلي و قال :

” أريد إلقاء التحية عليها.. إن أمكن ”

أنا يا من كنت أدرك أنها تنتظره بلهفة منذ ساعات… و أنها ستطير فرحا متى ما رأته .. لم أملك من الأمر شيئا ..

قلت باستسلام :

” أجل ، تفضل … ”

و قدت ُ بنفسي ، حبيب خطيبتي إلى غرفتها لكي تقابله …

طرقت ُ الباب و قلت :

” رغد .. وليد معي ”

قاصدا أن أنبهها لحضوره ، لكي ترتدي حجابها..

إلا أنني ما كدت ُ أتم الجملة ، حتى انفتح الباب باندفاع سريع ، و ظهرت من خلفه رغد على حالها .. و هتفت بقوة :

” وليد ! ”

أي رجل في هذا العالم ، يحمل ذرة حب واحدة لخطيبته ، أو حتى ذرة شعور بالملكية و الغيرة ، فإنه في لحظة كهذه سيرفع كفيه و يصفع وجهي الشخصين الماثلين أمامه في مشهد حميم كهذا … إلا أنني أنا … سامر العاشق المسلوب الحبيبة .. المغطّي لمشاعره بطبقة من الجليد .. وقفت ساكنا بلا حراك و بلا أي ردّة فعل .. أراقب خطيبتي و هي ترتمي في حضن أخي بقوة .. و تهتف بانفعال :

” وليد .. لماذا لم تخبرني .. لماذا .. لماذا .. ”

 

~ ~ ~ ~ ~

 

و إن كنت أتظاهر بالبرود و الصمود ، إلا أن ما بداخلي كان يشتعل كالحمم…

و إن كنت أتظاهر بأنني فقط أود إلقاء التحية ، فإن حقيقة ما بداخلي هي أنني متلهف لرؤية صغيرتي الحبيبة و الإحساس بوجودها قريبة مني …

لقد كنت أسير خطوة خطوة.. و مع كل خطوة أفقد مقدارا من قوتي كما يفقد قلبي السيطرة على خفقاته ، فتأتي هذه الأخيرة عشوائية غير منظمة .. تسبق الواحدة منها الأخرى…

و حين فتح الباب.. كنت ُ قد أحرقت آخر عصب من جسدي من شدة التوتر.. لدرجة أنني لم أعد أحس بشيء..

أي شيء ..

لم أع ِ إلا و قذيفة ملتهبة قوية تضرب صدري .. تكاد تكسر ضلوعي و تخترق قلبي…

بل إنها اخترقته ..

فرغد لم تكن تقف أمامي بل .. كانت تجلس في قلبي متربعة على عرش الحكم.. تزيد و تنقص ضرباته قدر ما تشاء .. تعبث بأعصابه كيفما تشاء.. تسيّر أحاسيسه حسبما تريد…

و لأنني كنت مذهولا و فاقدا للسيطرة على حركاتي تماما ، فقد بقيت ُ ساكنا.. دون أي ردّة فعل …

كان صدري مثل البحر .. غاصت صغيرتي في أعماقه و قطعته طولا و عرضا .. و خرجت منه مبللة بالدموع و هي تنظر إلي و تهتف :

” لماذا لم تخبرني ؟؟ لماذا يا وليد ؟ لم أخفيت عنّي كل هذه السنين ؟؟ ”

شيء ما بدأ يتحرّك في دماغي المغلق .. و يفتح أبواب الوعي و الإدراك لما يدور من حولي …

بدأت أنتبه لما تقوله صغيرتي .. و بدأت أحس بأظافرها المغروسة في لوحي كتفي ّ كالمسامير … و بدأت أرى اللآليء المتناثرة من محجريها … أغلى ما في كوني …

لا شعوريا رفعت يدي إلى وجهها أردم سيل العبر …

” لا تبكي صغيرتي أرجوك .. ”

فأنا أتحمّل أي شيء في هذه الدنيا ، إلا أن أرى دموع غاليتي تتبعثر سدى…

إنني أشعر بحرارة شديدة أجهل مصدرها الحقيقي …

أهو داخلي ؟ أم حضن صغيرتي ؟ أم الشرر المتطاير من عيني ّ أخي، اللتين تحملقان بنا بحدّة..

رغد أزاحت يديها عني ، و ابتعدت خطوة.. و ذلك أثار توترا في المسافة التي بيننا.. تماما كالتوتر الذي يولّده ابتعاد قطعة حديد صغيرة عن مغناطيس !

قالت :

” لقد اكتشفت ذلك الآن فقط .. لماذا لم تخبرني بأنك .. بأنك .. كنت في السجن ؟؟ ”

و إن كانت مشاعري قبل قليل مخدّرة من تأثير قرب رغد ، فإنها استيقظت كلها دفعة واحدة فجأة.. و تهيّجت .. فصرت أشعر بكل شيء ، حتى بحرارة البراكين الخامدة في اليابان !

نقلت نظري من رغد ، إلى سامر ، إلى رغد ، إلى سامر … و حين استقرّت عيناي عليه، رأيت قنبلة متوهجة ، على وشك الانفجار…

لطفك يا رب … !

قلت ُ أخيرا :

” أنت من أخبرها ؟؟ ”

سامر لم يجب بكلمة ، بل بإيماءة و تنهيدة قوية نفثها صدره .. و شعرت أيضا بحرارتها…

أعدت ُ النظر إلى رغد.. فاسترسلت في سؤالي :

” لماذا لم تخبرني؟؟ ”

أخبرك ؟؟ بأي شيء يا رغد ؟؟ أ لم تري الطريقة التي عاملتني بها دانة ، بل و الناس أجمعون؟

أتراك تنظرين إلي ّ الآن مثلهم ؟؟

لا يا رغد .. أرجوك لا ..

قلت بلا حول و لا قوة :

” ما حصل..، لكن… أرجو ألا يغيّر ذلك أي شيء ؟؟ ”

و انتظرت إجابتها بقلق…

قالت :

” بل يغيّر كل شيء … ”

و أذهلتني هذه الإجابة بوضوحها و غموضها المقترنين في آن واحد…

قالت:

” وليد … وليد أنا … ”

و لم تتم ، إذ أن دانة ظهرت في الصورة الآن مقبلة نحو غرفة رغد.. و تكسوها علامات القلق…

جالت بمقلتيها بيننا نحن الثلاثة و استقرت على سامر…

شعرت أنا بأن هناك شيء يدور في الخفاء أجهله …

سألت :

” ما الأمر ؟؟ ”

لم يجب أي منهم بادىء ذي بدء إلا أن دانة قالت أخيرا، مديرة دفة الحديث لمنعطف آخر:

” رغد ! الكاميرا ! سنستدعي نوّار الآن ! ”

ثم التفتت نحو سامر :

” إنه منتصف الليل ! هيا استدعه ! ”

و يبدو أن ترتيباتهم كانت على هذا النحو ، أن يدخل العريس إلى تلك الغرفة لالتقاط بعض الصور مع العروس و مع قريباته قبل المغادرة .

سامر نطق أخيرا :

” سأستدعيه… أخبريهن ”

و رغد تحرّكت الآن من أمامي متجهة نحو المنضدة و من فوقها تناولت الكاميرا و أقبلت نحو دانة و مدّت الكاميرا إليها ، فقالت دانة:

” أعطها لسامر الآن .. ”

التفتت رغد نحو سامر .. و قدّمتها إليه…

سامر نظر إلى رغد نظرة عميقة.. جعلتها تطأطىء رأسها أرضا …

أخذ سامر الكاميرا منها.. و قال ..

” سنلتقط له معنا بعض الصور ثم نعيدها إليكن .. ”

قال ذلك و وجه خطاه نحو الصالة…

هممت ُ أنا باللحاق به… إلا أنني توقفت ، و التفت إلى رغد … و قلت :

” كيف قدمك الآن ؟ ”

رغد و التي كانت لا تزال مطأطئة برأسها رفعته أخيرا و نظرت إلي مبتسمة و قالت :

” طاب الجرح… ”

قلت :

” الحمد لله ”

ثم أوليتها ظهري منصرفا إلى حيث انصرف أخي …

~ ~ ~ ~ ~ ~

كنت ُ مجنونة، لكنني لم أتمالك نفسي بعدما رأيت وليد يقف أمامي… بطوله و عرضه و شحمه.. جسده و أطرافه… و عينيه و أنفه المعقوف أيضا …

كأن سنينا قد انقضت مذ رأيته آخر مرة ، ينصرف من هذه الشقة جريحا مكسور الخاطر …

اندفعت إليه بجنون… و أي جنون !

ظللت أراقبه و هو يولّي .. حتى اختفى عن ناظري.. و بقيت محدّقة في الموضع الذي كان كتفاه العريضان يظهران عنده قبل اختفائه، و كأنني لازلت أبصر الكتفين أمامي !

” رغد ! ”

نادتني دانة ، فحررت أنظاري من ذلك الموضع و التفت إليها… و رأيتها تحدّق بي و علامات غريبة على وجهها…

أنا ابتسمت .. لقد قرّت عيني برؤية وليد قلبي.. و لأنه هنا …، فقط لأنه هنا ، فإن هذا يعطيني أكبر سبب في الحياة لأبتسم !

لا أعرف لم كانت نظرة دانة غريبة.. ممزوجة بالأسى و القلق.. قلت :

” ما بك ؟ ”

” لا … لا شيء ”

” سأغسل وجهي و أوافيكن… ”

و أسرعت قاصدة الحمّام … طائرة كالحمامة !

بعد ذلك ، ذهبت إلى غرفة المجلس…مرتدية حجابي ، إذ أنني سأبقى لأتفرج على العريسين و لمياء – شقيقة نوار – تلتقط الصور لهما..

جميعهن كن يجلسن في أماكنهن كما تركتهن قبل قليل، نظرن إلي ّ جميعا حالما دخلت.. فابتسمت في وجوههن…

فجأة لمحت وجها غريبا في غير موقعه !

وجه أروى الحسناء !

دُهشت و علاني التعجب ! وقفت هي مبتسمة و قائلة :

” مرحبا رغد ! كيف حالك ؟ و كيف صحتك ؟؟ ”

” أروى ! ”

” مفاجأة أليس كذلك ؟؟ ”

اقتربت منها و صافحتها و الدهشة تتملكني…و نظرت في أوجه الأخريات بحثا عن وجه أم أروى … أو حتى وجه العجوز !

قلت :

” أهلا بك ِ ! أحضرت ِ بمفردك ؟؟ ”

ابتسمت و قالت :

” مع وليد ”

مع من ؟؟ مع وليد ؟؟ ماذا تقصد هذه الفتاة ؟؟

” مع وليد ؟؟ ”

ازدادت ابتسامتها اتساعا و حمرة وجنتيها حمرة و بريق عينيها بريقا … و التفتت نحو دانة ثم نحوي و قالت :

” ألم تخبرك ِ دانة ؟؟ ”

التفت نحو دانة و أنا في غاية الدهشة و القلق.. و رميتها بنظرات متسائلة حائرة..

دانة أيضا نظرت إلي بنفس القلق.. ثم قالت :

” إنها … إنها و وليد… ”

و لم تتم…

نظرت إلى أروى ، فسمعتها تقول متمة جملة دانة ، تلك الجملة التي قضت علي و أرسلتني للهلاك فورا :

” ارتبطنا .. البارحة ”

عفوا ؟؟ عفوا ؟؟ فأنا ما عدت أسمع جيدا من هول ما سمعت أذناي مؤخرا ! ماذا تقول هذه الفتاة ؟؟

” ماذا ؟؟ ”

و رأيتها تبتسم و تقول :

” مفاجأة ! أ ليس كذلك ؟؟ ”

نظرت إلى دانة لتسعفني …

دانة أنقذيني مما تهذي به هذه … ما الذي تقوله فلغتها غريبة.. و شكلها غريب.. و وجودها في هذا المكان غريب أيضا…

دانة نظرت إلي بحزن ، لا … بل بشفقة ، ثم أرسلت أنظارها إلى الأرض…

غير صحيح !

غير ممكن .. مستحيل … لا لن أصدّق …

” أنت و .. وليد ماذا ؟؟ ار… تبطـ.. ـتما ؟؟ ”

” نعم ، البارحة .. و جئت ُ معه كي أبارك للعريسين زواجهما..”

خطوة إلى الوراء، ثم خطوة أخرى.. يقترب الباب مني، ثم ينفتح.. ثم أرى نفسي أخرج عبره.. ثم أرى الجدران تتمايل.. و السقف يهوي.. و الأرض تقترب مني.. و الدنيا تظلم.. تظلم.. تظلم..و يختفي كل شيء…

” سامر .. تعال بسرعة”

هتاف شخص ٌ ما.. يدوي في رأسي.. أيدي أشخاص ما تمسك بي.. أذرع أشخاص ما تحملني.. و تضعني فوق شيء ما.. مريح و واسع..

أكفف تضرب وجهي.. أصوات تناديني.. صياح.. دموع.. لا ليست دموع.. إنها قطرات من الماء ترش على وجهي.. أفتح عيني.. فأرى الصورة غير واضحة.. كل شيء مما حولي يتمايل و يتداخل ببعضه البعض.. الوجوه، الأيدي.. السقف.. الجدران.. أغمض عيني بشدة.. أحرّك يدي و أضعها فوق عيني ّ .. لا أتحمل النور المتسلل عبر جفنيّ .. أشعر بدوار.. سأتقيأ.. ابتعدوا.. ابتعدوا…

 

~ ~ ~ ~ ~

 

عندما استردّت رغد وعيها كاملا، كان ذلك بعد بضع دقائق من حضورنا إلى الممر و رؤيتنا لها مرمية على الأرض…

كنا قد سمعنا صوت ارتطام ، شيء ما بالأرض أو الجدران ، ثم سمعنا صوت دانة تهتف :

” سامر ..تعال بسرعة”

قفزنا نحن الاثنان، أنا و سامر هو يهرول و أنا أهرول خلفه تلقائيا حتى وصلنا إلى هناك..

دانة كانت ترفع رأس رغد على رجلها و تضرب وجهها محاولة إيقاظها.. و رغد كانت مغشي عليها…

أسرعنا إليها ، و مددت أنا يدي و انتشلتها عن الأرض بسرعة و نقلتها إلى سريرها و جميعنا نهتف

” رغد.. أفيقي… ”

صرخت :

” ماذا حدث لها ؟؟ ”

دانة أسرعت نحو دورة المياه، و عادت بمنديل مبلل عصرته فوق وجه رغد، و التي كانت تفتح عينيها و تغمضهما مرارا…

استردت رغد وعيها و أخذت تجول ببصرها فيما حولها.. و تنظر إلينا واحدا عقب الآخر…

قال سامر :

” سلامتك حبيبتي… هل تأذيت ؟؟ ”

قالت دانة :

” أأنت على ما يرام رغد ؟؟ ”

قلت أنا :

” ما ذا حدث صغيرتي ؟؟ ”

نظرت رغد إلي نظرة غريبة.. ثم جلست و صاحت :

” سأتقيأ ”

 

بعدما هدأت من نوبة التقيؤ ، وضعت رأسها على صدر سامر و طوقته بذراعيها و أخذت تبكي …

سامر أخذ يمسح على رأسها المغطى بالحجاب… و يتمتم :

” يكفي حبيبتي، اهدئي أرجوك.. فداك أي شيء…”

قلت :

” صغيرتي ؟؟ ”

رغد غمرت وجهها في صدر سامر… مبللة ملابسه بالدموع..

” صغيرتي ..؟؟ ”

” دعوني وحدي.. دعوني وحدي .. ”

و أجهشت بكاء شديدا…

لم أعزم الحراك و لم استطعه، إلا أن دانة قالت لي :

” لنخرج وليد ”

قلت بقلق :

” ماذا حدث يا دانة ؟؟ ”

قالت :

” قلت لك… إنها مريضة! هذه المرة الثالثة التي يغشى عليها فيها منذ الأمس… ”

صعقني هذا النبأ..

قلت مخاطبا رغد:

” رغد هل أنت بخير..؟؟ ”

لم تلتف إلي ، بل غاصت برأسها أكثر و أكثر في صدر سامر و قالت :

” دعوني وحدي… دعوني وحدي..”

يد دانة الآن أمسكت بيدي ، و حثّتني على السير إلى الخارج، ثم أغلقت الباب…

حاولت التحدث معها إلا أنها اعترضت حديثي قائلة :

” سوف أعود لأطمئن ضيفاتي.. وليد استدع نوّار … ”

و انصرفت…

بقيت واقفا عند باب غرفة رغد غير قادر على التزحزح خطوة واحدة.. ماذا حل ّ بصغيرتي ؟؟ و لماذا تتشبث بسامر بهذا الشكل ؟؟ هل صحتها في خطر؟ هل عدلت عن فك ارتباطها به ؟ ماذا يحدث من حولي..؟؟

لحظات و إذا بي أرى دانة تظهر من جديد

” وليد أ لم تتحرك بعد ! هيا استدعه ”

” حسنا.. ”

و عدت إلى صالة الرجال، و رأيتهم أيضا متوترين يتساءلون عما حدث، طمأنتهم و استدعيت العريس و قدته إلى مجلس النساء.. حيث قامت والدته أو إحدى شقيقاته بالتقاط الصور التذكارية لهن مع العريسين…

أروى كانت بالداخل أيضا..

عدت إلى بقية الضيوف و أنا مشغول البال .. بالكاد ابتسم ابتسامة مفتعلة في وجه من ينظر إلي…

فيما بعد، جاء نوّار و قال :

” سننطلق إلى الفندق الآن..”

و كان من المفروض أن يسير موكب العريسين إلى أحد الفنادق الراقية، حيث سيقضي العريسان ليلتهما قبل السفر يوم الغد مع بقية أفراد عائلة العريس إلى البلدة المجاورة و من ثم يستقلون طائرة راحلين إلى الخارج…

سامر كان من المفترض أن يقود هذا الموكب..

ذهبت إلى غرفة رغد.. و طرقت الباب..

” سامر.. العريسان يودان الذهاب الآن..”

فتح الباب، و خرج سامر.. ينظر إلي بنظرة ريب ..

قلت:

” كيف رغد؟؟ ”

قال بجمود :

” أفضل قليلا”

أردت ُ أن أدخل للاطمئنان عليها، لكن سامر كان يقف سادا الباب.. حائلا دون تقدّمي و تحرجت من استئذانه بالدخول..

قلت :

” إنهما يودان الانصراف الآن… ”

سامر نظر إلي ّ بحيرة .. ثم قال :

” أتستطيع مرافقتهما ؟؟ ”

” أنا ؟؟ ”

” نعم يا وليد، فرغد لن تتمكن من الذهاب معنا و علي البقاء معها ”

فزعت، و قلت:

” أهي بحالة سيئة؟ ”

” لا، لكنها لن ترافقنا ، بالتالي سأبقى هنا ”

” إنني أجهل الطريق.. ”

” اطلب من أحد أخوته مرافقتكم…”

لم تبد لي فكرة حسنة، قلت معترضا:

” اذهب أنت يا سامر، و أنا باق هنا مع رغد و أروى…”

أقبلت دانة الآن، و سألت عن حال رغد، ثم دخلت إلى غرفتها…

 

” أنا تعيسة جدا ”

كان هذا جوابي على سؤال دانة التي أتتني بقلق لتطمئن علي..

دانة جلست إلى جواري على السرير و أخذت تواسيني.. إلا أن شيئا لا يمكنه مواساتي في الصاعقة التي أحلّت بي…

” أرجوك يا رغد.. كفى عزيزتي.. ألن تودّعينني ؟ إنني راحلة عنك للأبد ! ”

و جاءت جملتها قاصمة لظهري…

” لا ! لا تذهبي و تتركيني ! سأكون وحيدة ! أريد أمي .. أريد أمي…”

و بكيت بتهيج..

” يكفي يا رغد ستجعلينني أبكي و أنا عروس في ليلة زفافي التعسة ! ”

انتبهت لنفسي أخيرا.. كيف سمحت لنفسي بإتعاس أختي العروس في أهم ليالي عمرها؟ ألا يكفي أنها حرمت من حفل الزفاف الضخم الذي كانت تعد له منذ شهور… و خسرت كل ملابسها و حليها و أغراض زفافها.. و احترق فستان العرس تحت أنقاب المدينة المدمّرة !؟

طردت بسرعة الدموع المتطفلة على وجهي، و أظهرت ابتسامة مفتعلة لا أساس لها من الصحة و قلت :

” عزيزتي سأفتقدك ! ألف مبروك دانة ”

تعانقنا عناقا طويلا.. عناق الفراق.. فبعد أكثر من 15 عاما من الملازمة المستمرة 30 يوما في الشهر، نفترق..و دموعنا مختلطة مع القبل…

قدم سامر.. و قال :

” هيا دانة .. ”

صافحتها و قبلتها للمرة الأخيرة… ثم جاء دور سامر، و من ثمّ الرجل الضخم الذي كان يقف في الخارج عند الباب مباشرة…

لم استطع أن ألقي عليه و لا نظرة واحدة.. لم أشأ أن أنهار من جديد.. اضطجعت على سريري، و سحبت الغطاء حتى أخفيت وجهي أسفل منه…

سمعت سامر يقول :

” سآخذهما للفندق و أعود مباشرة.. وليد و خطيبته سيبقيان معك ”

و لم تهز في ّ هذه الجملة شعرة واحدة ، بل أغمضت عيني و أنا أقول :

” سأنام..”

أحسست بالجميع يغادرون الغرفة و يغلقون الباب، ثم اختفت الأصوات و الحركات.. لقد غادر جميع الضيوف.. و في الشقة لم يبق إلا أنا.. و وليد.. و الأجنبية الدخيلة…

دخلت في نوم عميق أشبه بالغيبوبة.. إلا أنني في لحظة ما..أحسست بدخول شخص ما إلى الغرفة.. و اقترابه مني.. ثم شعرت بيد تمتد إلى لحافي فتضبطه فوقي، ثم تمسح على رأسي من فوق حجابي الذي لم أنزعه، ثم توهمت سماع همس في أذني …

” أحلام سعيدة يا حبيبتي”

و ابتعد المجهول.. و سمعت صوت انغلاق الباب..

فتحت عيني الآن فوجدت الغرفة غارقة في السكون و الظلام.. هل كان ذلك وهما؟؟ هل كان تهيؤا ؟؟ حلما؟؟

لست أكيدة..

و إن كان حقيقة ، فالشيء الذي سأكون أكيدة منه ، هو أن الشخص كان سامر…

 

~ ~ ~ ~ ~ ~

 

استخدمت غرفتي السابقة بينما جعلت أروى تستعمل غرفة العروس، للمبيت تلك الليلة…

لقد كنت شديد القلق على صغيرتي .. و لم أنم كما يجب..

كنا قد قررنا البقاء ليومين قبل معاودة الرحيل، و كان هذان اليومان من أسوأ أيام حياتي !

رغد كانت مريضة جدا و ملازمة للفراش، و سامر كان يمنعني من الدخول إلى غرفتها أغلب المرات، و في المرات القليلة التي سمح لي بإلقاء نظرة، كنت أرى رغد شاحبة جدا و مكتئبة للغاية ، ترفض الحديث معي و تطلب منا تركها بمفردها

ضاق صدري للحالة التي كانت عليها و سألت سامر:

” ماذا حدث لها ؟ هل حدث شيء تخفونه عني؟ لم هي كئيبة هكذا؟؟ هل آذاها أحد بشيء ؟؟ ”

قال سامر :

” إنها كئيبة لفراق دانة ، فكما تعرف كانت تلازمها كالظل… ”

” لكن ليس لهذا الحد.. أنا أشعر بأن في الأمر سر ما.. ”

نظر إلي شقيقي نظرة ارتياب و قال :

” أي سر؟؟ ”

قلت :

” ليتني أعرف… ”

كنا خلال هذين اليومين نتناول وجباتنا أنا و أروى في المطاعم، و في الليلة الأخيرة، عندما عدنا من المطعم ، وجدنا رغد و سامر في غرفة المائدة يتناولان العشاء…

فرحت كثيرا، فهي علامة جيدة مشيرة إلى تحسّن الصغيرة..

قلت :

” صغيرتي.. حمدا لله على سلامتك، أتشعرين بتحسّن ؟؟ ”

رغد نظرت نحوي بجمود ، ثم نحو أروى ، ثم وقفت ، و غادرت الغرفة ذاهبة إلى غرفة نومها…

وقف سامر الآن و نظر إلي بعصبية :

” أ هذا جيّد؟ ما كدت أصدق أنها قبلت أخيرا تناول وجبة.. ”

قلت ُ بانزعاج :

” هذه حال لا يصبر عليها، لسوف آخذها إلى الطبيب.. ”

و سرت ُ مسرعا نحو غرفتها ، فأقبل شقيقي من بعدي مسرعا :

” هيه أنت.. إلي أين ؟؟ ”

التفت ُ إليه و قلت :

“سآخذ الفتاة للمستشفى ”

قال بغيظ :

” من تظن نفسك؟ ألا تراني أمامك؟؟ خطيبتك هي تلك و ليست هذه ”

قلت مزمجرا :

” قبل أن تكون خطيبتك هي ابنة عمّي ، و إن كنت نسيت فأذكرك بأنها ستنفصل عنك، و لتعلم إن كنت جاهلا بأن أمورها كلها تهمني و أنا مسؤول عنها كليا ، مثل والدي تماما ”

و هممت بمد

عرض التعليقات (5)