روايه انت لي الحلقه 46

9 13٬605
 

روايه انت لي الحلقه 46

روايه انت لي الحلقه 461

روايه انت لي الحلقه 46

روايه انت لي الحلقه 46 , معكم صديقة زاكي الشيف الموهوبة ,leen

رواية انت لي

الحلقة السادسة و الاربعون الجزء 1

عد إلـــــيّ

انقضت فترة العزاء وقد شاركت في التعزية مع بقية أفراد عائلة خالتي, وعندما جاء دوري ووقفت أمام الشقراء لأواسيها لم أستطع مصافحتها بسبب يدي المصابة واكتفيت بعبارة مخنوقة خرجت من فمي ببطء.

والشقراء بدورها ردت بشكل عابر دون أن ترفع نظرها إلي.. لكن الحزن جليا على وجهها.

السيدة ليندا كانت طيبة وقد أحسنت معاملتي وسهرت إلى جانبي في المستشفى ورعتني بكل مودة ولطف… رحمها الله… وغفر خطاياها…

متى سيحين أجلي أنا أيضا؟؟…

أنتظر الموت.. ليأخذني كما أخذ أحبابي… ويخرجني من شقايا الدنايا وما فيها…

كنت أعرف أن وليد موجود في القسم الآخر من قاعة التعازي.. وكنت أعرف أنه أبعد ما يكون عن التفكير بي في هذه الفترة.. لكنني كنت في شوق منجرف لرؤيته ولو لدقيقة واحدة… ولو لنظرة بعيدة عاجلة… أعانق فيها عينيه ولو لآخر مرة في حياتي…

ولخيبة الأمل وتحالف الأقدار ضدي, عدنا إلى المنزل دون أن ألتقي به ولا حتى صدفة..

ومرت الأيام… ونخر الشوق عظامي.. وأتلف الحنين ذهني…

ولم أعد بقادرة على الانتظار يوما آخر.. كيف… وأنا أعرف أن ما يفصلني عنه هي أميال قليلة لا أكثر…؟؟ وأن هو لم يأت إلي… فسأذهب أنا إليه… فقط لألقي نظرة…

“هل أنت مجنونة!؟”

قالت نهلة معترضة على فكرتي وليدة اللحظة.. فقلت:

“نعم مجنونة.. لكني أريد أن أراه بأي شكل يا نهلة..أكاد أختنق.. لا أحد يحس بي هنا”.

قالت:

“تخيلي كم سيكون وضعك حرجا ومدعاة للسخرية عندما تذهبين فجأة إلى المزرعة الآن… هيا رغد.. تخلي عن هذه الفكرة السخيفة… توفيت أم زوجته قبل أيام وأنت تفكرين في هذا؟؟”

قلت:

“سألقي عليه التحية وأعتذر منه وأعود… حتى لو لم يرد علي… المهم أن تكتحل عيناي برؤيته… ويبرد صدري بتقديم الاعتذار…”

فقالت:

“ماذا سيقول عنك يا رغد؟؟ هو في محنة عظيمة وأنت تذهبين لتقديم الاعتذار! سيستحقر موقفك… ليس هذه وقته.. انتظري أسبوعين على الأقل”.

هتفت:

“لا أقوى على الانتظار… ألا تفهمين؟؟ أنتِ لا تشعرين بالنار المضرمة في صدري…”

أشاحت نهلة بوجهها عني وقالت:

“لقد حذرتك… افعلي ما تشائين”.

وغادرت المكان…

خرجت بعد ذلك إلى الحديقة…طلبا لبعض الهواء النقي… والتقيت بحسام صدفة وهو مقبل نحو المنزل… فلمعت الفكرة في بالي كمصباح قوي أعشى عيني عن رؤية ما هو أعمق من ذلك…

“مرحبا حسام”.

حييته فرد مبتسما:

“مرحبا رغد.. ماذا تفعلين هنا؟؟ تدربين رجلك على المشي؟؟”

قلت وآمالي تتعلق به:

“حسام.. هلا أسديت إلي معروفا؟”

قال وعلى وجهه الاستغراب:

“بكل سرور!”

فقلت بلهفة:

“أريدك أن.. أن تصطحبني في مشوار..”

فسأل:

“إلى أين؟”

ازدردت ريقي وقلت:

“إلى… مزرعة أروى”.

سأل متعجبا:

“مزرعة أروى؟؟”

“نعم.. أرجوك”.

ففكر قليلا ثم سأل:

“لماذا؟؟”

ترددت في الإجابة.. عرفت أنني لو قلت من أجل مقابلة وليد فإنه لن يوافق.. فقلت:

“سأتفقد أحوالهم.. وألقي التحية”.

وبدا مبررا معقولا بعد عدة أيام على وفاة السيدة ليندا.. وسألني إن كنت قد أعلمت خالتي بهذا فأقنعته بأن الأمر لا يستدعي… وبعد تردد قصير وافق على اصطحابي, وخرجنا مباشرة…

حين بلغنا المزرعة لم يكن وليد موجودا وأخبرنا العجوز والذي كان يجلس كعادته قرب باب المنزل بأن وليد قد ذهب في مشوار وسيعود قريبا.. ودعانا للدخول لكننا آثرنا البقاء في الخارج وانتظاره.. وذهب العجوز لاستدعاء الشقراء فعلاني التوتر.. أنا لم آت من أجلها كما أنها لا تنتظر مني زيارتها.. لكني وضعت نفسي في هذا الموقف وعلي التصرف الآن..

أبدى حسام إعجابه بالمزرعة وراح يتحدث عن انبهاره بما يرى غير أنني لم أكن مركزة السمع معه.. بل في انتظار لحظة ظهور الشقراء..

وأخيرا ظهرت…

ملفوفة في السواد الحزين, كما هي حالي.. وكأن عدوى اليُتم والبؤس قد انتقلت مني إليها…

وقد اعتدت في الماضي رؤيتها ملونة بشتى ألوان قوس قزح.. مثل سرب من الفراشات أو إكليل من الزهور…

عندما اقتربت زممت شفتي ترددا ثم ألقيت عليها التحية وسألتها عن أحوالها.. وأنا متأكدة من أنها تدرك أنني لم أكن لأقلق على أحوالها أو أترث لها.. ولا بد أنها تدرك أن سبب حضوري هو… وليد…

ساعد وجود حسام في تلطيف الجو.. وتشتيت الكآبة وصرف أذهاننا إلى الحديث عن المزرعة وشؤونها..

ذهبت الشقراء لإعداد القهوة فوجدتها فرصة للاسترخاء من عناء الموقف المصطنع.. وبقي حسام والعجوز يتحدثان أحاديث عادية… أما أنا فعيناي ظلتا ترقبان البوابة إلى أن رأيت أخيرا سيارة تقف عندها ومنها يخرج مجموعة من الرجال… يقودهم الرجل الطويل العريض.. بهي الطلعة قوي القسمات ثاقب النظرات.. مضرم ناري وحارق جفوني وسالب عقلي وشاغل تفكيري.. حبيبي الجافي.. وليد قلبي..

الأرض لم تكن أرضا والسماء لم تكن سماء… حين عانقت عيناي عينيه.. والتحمت نظراتي بنظراته..

آه.. كيف لي أن أصف لكم؟؟

لحظتها خلا الكون من كل الخلائق… سوانا… لا وجود للأرض ولا السماء… ولا النور ولا الهواء… ولا الجماد ولا الأحياء… فقط… أنا وهو… وعيون أربعة متشابكة متلاحمة… ذائبة في بحور بعضها البعض… أيما ذوبان…

وليد قلبي… آه… كم اشتقت إليك… لو لا إعاقتي… لربما… ركضت إليه بجنون وغطست في حضنه الواسع…

اقترب وليد يتقدم بقية الرجال فوقفنا جميعا… ورأيت الدهشة تنبثق في وجهه وهو يحط ببصره الهابط من العلا علي وعلى حسام..

بادر حسام بإلقاء التحية فرد وليد دون أن يحاول إخفاء عجبه.. ودوى صوته في كهف أذني فتطايرت خفافيش حسي تلتقط وتحتضن ذبذبات صوته وتخبئها في أعماق الكهف… ككنز من الذهب…

بعد التحيات السريعة استأذن وليد وسار مع الرجال إلى قلب المزرعة ولحق العجوز بهم… ولحقت بهم عيناي ركضا… وهوَتا متعثرتين لهفة عند مفترق الطرق…

وبعد قليل عاد وليد فتسابقتا لاحتضانه بسرعة… تكاد الواحدة تفقأ الآخرى… لتنفرد بالحبيب الغائب… وتذوب في أعماق صدره…

وليد كان وجهه محمرا ويعلوه الاستياء فوق التعجب.. انغمست في ترجمة تعبيرات وجهه وطلاسم عينيه… فتهت… وظللت طريقي… وفقدت أي قدرة لي على النطق والتعبير.. وقفت أشبه بشجيرة ظئيلة لا جذع لها تمد أغصانها محاولة تسلق الشجرة الضخمة الواقفة أمامها.. بكل شموخ…

لاحظ حسام صمتي وتوتري فتولى الكلام:

“جئنا نلقي التحية نسأل عن الأخبار”.

ولم يتحدث وليد.. فقال حسام متظاهرا بالمرح:

“ألن تدعونا للجلوس؟”

فتكلم وليد أخيرا قائلا:

“أنتما بمفردكما؟”

فأجاب حسام بعفوية:

“نعم”.

وازداد الاستياء على وجه وليد… ثم قال:

“منذ متى وأنتم هنا؟”

فرد حسام مستغربا:

“منذ دقائق.. ولكن.. هل يزعجكم حضورنا؟”

قال وليد:

“أنا آسف ولكن لدي ما أقوم به الآن.. إنهم في انتظاري”.

مشيرا إلى قلب المزرعة..

كل هذا وعيناي ملتحمتين بوجهه منذ أن وقعتا عليه أول وصوله… لكن..

ماذا يا وليد؟ ألن تتحدث معي.. وتسأل عن أحوالي..؟؟ إنك حتى لا تنظر إلي.. أنا هنا وليد هل تراني؟؟ هل تميزني؟؟ لماذا كل هذا الجفاء؟؟ أرجوك.. التفت إلي لحظة.. دع عيني تخبرانك كم اشتقت إليك.. دعهما تعاتبانك على جفاك.. أو تعتذران لأرضائك.. وليد..إنك حتى.. لم تتحسن الترحيب بنا كأي ضيوف..

انتبهت على صوت حسام يقول:

“لا بأس.. نعتذر على الزيارة المفاجئة.. كانت فكرة رغد”

ولذكر اسمي.. اخيرا تكرم على وليد بنظرة.. لكنها لم تكن أي نظره.. كانت حادة وساخنة جدا لسعتني وكادت تفقدني البصر..

حاولت التحدث فلم تسعفني شجاعتي المنهارة بمرآى الحبيب.. تأتأت ببعض الحروف التي لم أسمعها أنا..

التفت إلى حسام وقال:

“هل نذهب؟”

نذهب..؟؟ وهل أتينا؟؟ هكذا بهذه السرعة؟؟أنا لم أكد أراه.. انتظر.. أنا لدي عشرات بل الآلاف المشاعر لأعبر عنها.. دعني استرد أنفاسي.. دع لساني يسترجع قدرته على النطق.. دعني واقفة قرب وليد أستمد دعمه وأستشعر حنلنه!

قال وليد وهو يشيح بوجهه حنانه!

قال وليد وهو يشيح بوجهه عني:

“سأرافقكما”

فقال حسام معتقدا وليد يقصد مرافقتنا إلى السيارة المركونة في الخارج:

“لا تكلف نفسك.. نعرف الطرق.. شكرا”

فازداد احمرار وجه وليد وقال:

“أعني إلى المنزل”

فضربنا الاستغراب.. ونظرنا أنا وحسام إلى بعضنا البعض!! لماذا يريد وليد مرافقتنا إلى المنزل؟؟ هل هذا يعني.. سيأتي معنا؟؟ هل حقا سيأتي معنا؟؟

“هيا فأنا لا أريد التأخر على ضيوفي”

قال هذا وسار يسبقنا نحو سيارة حسام.. وسرنا خلفه كتلميذين مطيعين.. أبلهين.. حتى ركبنا السيارة والتي بالكاد حشر وليد جسده فيها.. وانطلقنا عائدين إلى منزل خالتي..

كنت أجلس خلف حسام,إذ إن وليد كان قد دفع بمقعده إلى الوراء لأقصى حد ليمد رجليه.. فسيارة حسام صغيرة جدا..

الصمت خيم علينا طوال الطريق.. الذي انقضى وأنا أحاول تهدئة نبضات قلبي وإعادتها إلى معدل سرعتها الطبيعي… ولم يقطع الصمت غير جمل قصيرة عابرة من طرف حسام.. وجملة(خفف السرعة) من لسان وليد.. فقاد حسام السيارة بسرعة عادية على عكس عادته…وطال المشوار.. خصزصا وأننا اضطررنا للتوقف مرتين عند مركزي تفتيش بوليسي…

وفي كلا المرتين يطلب رجال الشرطة رخصة القيادة والبطاقات الشخصية.. ولحسن الحظ أو ربما لحسن العادة كان وليد يحمل صورة بطاقته العائلية والتي تشمل هويتي…

لذلك قال وليد بعدما قادرنا نقطة التفتيش الثانية مخاطبا حسام:

“ماذا لو لم أرافقكما؟”

فقال حسام:

“لم نواجه أي نقاط في طريق الحضور”.

عندما وصلنا إلى المنزل هبط وليد من السيارة أولا وتبعناه…

قال حسام:

“تفضل”.

داعيا إياه للدخول إلى المنزل من باب اللياقة… غير أن وليد قال:

“شكرا, لدي ضيوف كما تعلم سأعود إليهم”.

فقال حسام:

“هل.. أوصلك؟”

فأجاب وليد:

“سأتدبر أمري”.

ثم فجأة أدار وجهه نحوي وقال:

“في المرة القادمة إذا أردت الذهاب إلى أي مكان فاطلبي ذلك من سامر فقط.. مفهوم؟”

هل هو يخاطبيني؟؟

هل يعنيني أنا؟؟

هل ينظر إلي أنا؟؟

كان حسام يوشك على فتح بوابة المنزل ولما سمع هذا استدار ونظر إلى وليد وقال مستاء:

“وهل ستظن أنني سأختطفها مثلا؟ إنها ابنة خالتي كما هي ابنة عمك”.

وبدا أن الجملة قد استفزت وليد فقال غاضبا:

“أنا لم أتحدث معك.. هذا أولا.., أما ثانيا فلا تقارن نفسك بي.. إنني الوصي هنا ومن يقرر مع من أسمح أو لا أسمح لابنة عمي بركوب السيارة”.

شعر حسام بالإهانة فقال حانقا:

“هكذا..؟؟.. من تظن نفسك؟”

فرد وليد:

“لا أظن نفسي بل أنا على يقين ممن أكون… وإذا سمحت.. افتح الباب ودع الفتاة تدخل عوضا عن الوقوف في الشارع هكذا”.

هنا… اجتاحتني شجاعة مفاجئة فتدخلت ناطقة أخيرا:

“وليد أنا…”

وقاطعني وليد فجأة قائلا بفظاظة:

“ادخلي”.

نظرت إليه شاعرة بالانكسار… وليد… كيف تخاطبني هكذا؟؟ وليد هل نسيت من أكون؟؟ لماذا تغيرت إلى هذه الدرجة؟؟ دعني أتحدث..

وأصررت على النطق… أريد أن أفهم وليد لماذا ذهبنا إلى المزرعة وما مقدار لهفتي إليه… وحاجتي للتحدث معه…

“وليد…”

نطقت باسمه فإذا به يقاطعني مكررا بفظاظة أشد وهو يعض على أسنانه ويبث الشرر من عينيه:

“قلت إلى الداخل… هيا”.

انكمشت على نفسي… تقلصت حتى أوشكت على الاختفاء… من رد وليد…

حسام فتح الباب وقال بصوت خافت:

“ادخلي يا رغد”.

فدخلت خطوة, وتوقفت عند فتحة الباب وانقلبت على عقبي ورأيت وليد يولي ظهره إلينا ويسير مبتعدا…

اقترب حسام ووقف أمامي مباشرة حائلا دون رؤية وليد… فتراجعت للوراء ودخلنا إلى الداخل… وأغلق هو البوابة وسار مبتعدا وبقيت عيناي معلقتين على بوابة السور أحملق فيها… نظرت إليه فرأى تعبيرات الأسى المريرة على وجهي.. فأقبل نحوي وأظهر التعاطف قال:

“إنه… لا يكترث بك يا رغد”.

نظرت إليه والعبرة تكاد تختفي… فقال:

“لا أعرف ما الذي يعجبك في رجل كهذا؟ إنك تضيعين مشاعرك هباء”.

صعقت.. وأخذتني الدهشة من كلام حسام.. الذي واصل وهو يرى سحنتي تتغير:

“أتظنين أنني لا أعرف أنك تحبينه؟ أنا أعرف يا رغد”.

وتضاعف ذهولي وحملقت به غير مصدقة لما أسمع…

قال حسام:

“سارة لفتت انتباهي لهذا ذات مرة.. والآن تصرفاتك كلها فاضحة..”

مازلت أحملق فيه بذهول… عاجزة عن التعليق…

تابع هو:

“لكنني لن أقف مكتوف اليدين يا رغد.. سبق وأن وافقت على الزواج مني.. وهي الآن مسألة وقت.. إياك والتلاعب معي… إياك…”

وأشار إلي بسبابته مهددا… ثم استدار وواصل طريقه داخلا إلى المنزل…

*************************

أما وليد فعندما جاء لزيارتي في شقتي… أخبرني عما حصل ووبخني بشدة وأثار معي شجارا حاميا..

“لقد كلفتك أنت وأعني أنت… بأن تهتم بشؤونها في غيابي.. فلماذا تدعها تخرج مع حسام في سيارته مهما كان المشوار؟؟”

قلت مستنكرا:

“يا وليد! أنت تتكلم عن حسام وكأنه شخص غريب… إنه ابن خالتها وثل أخيها ومثلي ومثلك تماما ولطالما كان يصطحبها سابقا في المشاوير إذا اقتضى الأمر.. ليس لها ملجأ غيره وغيرنا ولذلك هي تعتمد عليه…”

غضب أخي كثيرا وقال صارخا:

“كان ذلك في السابق.. في عهد أبي رحمه الله.. لكن أنا لا أسمح لها بالخروج معه.. وفي عهدي أنا يجب عليها أن تلتزم بما أقوله أنا”.

قلت مستاء وساخرا:

“لكنك لم توصيني بألا أسمح لها بالخروج معه.. ولم تذكر أسماء المسموح لهم في توكيلك السامي ذاك”.

فاشتط أخي غضبا وضرب الجدار بيده فجاءت ضربته على لوحة معلقة وأوشك أن يكسرها… وللعلم فإن لشقيقي هذا قبضة فتاكة جربتها أكثر من مرة..

ولا تزال أمامي تجارب أخرى… كما سترون….

أثار غضبه شيئا من الروع في نفسي وإذا به يزمجر:

“أنا لا أمزح هنا يا سامر… أحدثك بمنتهى الجدية والمسؤولية… فلا تستفزني…”

فقلت مدافعا:

“وما أداني أنا أن هذا سيغضبك وإلى هذه الحد؟ لماذا لم تنبهني مسبقا؟”

فقال:

“هي تعرف هذا جيدا وسبق وأن حذرتها.. مرارا وتكرارا… لكنها تضرب بكلامي عرض الحائط.. قل لها… أن تتوقف عن عنادها هذا وإلا…”

وهو يشير بسبابته نحوي مهددا… فهتفت معترضا:

“وإلا ماذا يا وليد؟؟”

ولم يرد وكأنه لا يجرؤ على النطق بما يدور بخلده من شدة فظاظته… فأعدت السؤال:

“وإلا ماذا بعد؟ لماذا كل هذه القسوة والصرامة في معاملتها؟”

رد أخي بحدة:

“أعاملها كيفما يحلو لي”.

فاعترضت مستنكرا:

“كلا… كلا يا أخي ليس كما يحلو لك… أنت قاس وفظ للغاية… وتصب جام غضبك على من لا ذنب لهم في الإساءة إليك… رغد كانت مستميتة لأجل لقائك أو التحدث معك والاعتذار لك على خطأ لم تقترفه هي من أجل تطييب خاطرك, وأنت عاملتها بمنتهى الغلظة والرعونة… معاملة لا يحتملها رجل شديد فكيف بفتاة رقيقة؟؟”

هتف وليد بغضب:

“سامر!”

فقلت مسترسلا:

“نعم يا وليد.. أزل الغشاوة عن عينيك… وميز مع من تتعامل… إنها فتاة حساسة ولا يليق بك أن تعاملها كهذا”.

وعوضا عن أن تثير كلماتي الندم وتأنيب الضمير في نفس شقيقي, إذا بي أراه ينظر إلي والشرر يتطاير من عينيه ويقول:

“وهل ستعلمني كيف أعامل فتاتي؟”

أذهلتني كلمة وليد هذه وحملقت به متفحصا… وقفزت كلمات خالتي أم حسام إلى رأسي…

قلت:

“فتاتك؟؟”

ورأيت تعبيرات وجه أخي تتغير… وكأنه انتبه للتو للكلمة… فقال محاولا تغيير أو تصحيح المعنى:

“الفتاة التي تحت وصايتي أنا”.

وأضاف ليصرف الانتباه عن الكلمة:

“وما دامت تحت وصايتي أنا فأنا من يحدد ويقرر كل شيء يخصها… ولا أسمح لأحد بالتدخل… فهل هذا واضح؟؟”

حيرني أمر أخي… ولم أعرف بم أفسر موقفه من رغد… أهو الحرص عليها أم التسلط عليها أم شيء آخر..؟

قلت:

“حسنا… إنما أريد أن ألتفت انتباهك لما قد غضبك قد أغفلك عنه… أنت لا تدرك حجم المعاناة التي تخلفها مواقفك القاسية في نفسيتها… إنها من البشر وليست قطعة من الحديد… كل تلك الفترة وهي تحاول الاتصال بك لتقدم لك كلمة اعتذار عن شيء لم تقترفه لترضيك أنت بصفتك ولي أمرها وفي مقام الأب وأكثر لديها… وأنت لاه في الخارج لا تكترث لشيء.. وبعد هذا تلومها إن هي حضرت بحثا عنك في المزرعة؟؟ على الأقل.. استمع لما تود قوله ثم افعل ما تشاء… أي قلب تملك أنت؟”

فجأة أمسك وليد بقميصي وأخذ يهزني بقوة ويهتف:

“أنا لا أملك قلبا.. أنتم قتلتموه.. إنكم السبب.. كلكم السبب..”

ودفع بي إلى الجدار… ثم جعل يصرخ في مهددا:

“إياك… ثم إياك… ثم إياك يا سامر… والسماح لهذا بالتكرر… هل فهمت؟”

وأبعد يده عني ثم سار مغادرا الشقة… مخلفا بصمات جمله الأخيرة مطبوعة على طبلتي أذني…

****************************

في اليوم التالي حضر سامر لزيارتي وأخبرني عن زيارة وليد له البارحة وعن شجاره معه بسبب خروجي مع حسام وبين لي مدى الغضب الذي اكتسحه والتهديد الذي رماه به, وطلب مني:

“لا تكرري ذلك ثانية.. إذ أن وليد على ما يبدو ولا يولي حسام ثقة كبيرة, أو لنقل إنه مستاء منه بسبب الشجار العائلي…”

وأنا أعرف بحقيقة الأمر وقلت تلقائيا:

“إنه لا يطيقه منذ زمن”.

فظهر التعجب على سامر وسأل:

“أحقا؟؟ لكن لماذا؟”

فانتبهت إلى أنني تسرعت في جملتي السابقة… وحاولت تدارك الأمر فقلت:

“لأنه… لأنه نعته بألفاظ سيئة… ذكرت لك ذلك..”

وطبعا لم أكن لأشير إلى موضوع عرض حسام الزواج مني ورفض وليد له والشحنات التي نشأت بينهما منذ شهور لهذا السبب…

شي من الغموض اكتسى وجه سامر وسألني:

“أهناك ما لا أعرفه يا رغد؟؟”

فقلت متظاهرة الاستغراب:

“عن ماذا؟؟”

فقال:

“عن حسام… عن وليد… أو عنك؟؟”

فقلت مستمرة في تظاهري:

“لم أفهم قصدك!”

فقال:

“لأن وليد كان غاضبا بمقدار فوق المعقول… لسبب تافه”.

فقلت مؤكدة:

“كما قلت. حسام شتم وليد زعيره بأنه خريج سجون وأهانه بقسوة ولهذا… وليد لا يطيقه”.

وأقنع كلامي هذا سامر وأثناه عن محاولة التعمق أكثر…

قال أخيرا:

“على أية حال يا رغد.. إذا أردت أي شيء فاطلبيه مني أنا فقط”.

فنظرت إليه وفي عيني مزيج من الامتنان والأسى, والندم… وقلت:

“شكرا… ولا أظنني سأحتاج شيئا بعد الآن..”

وطأطأت رأسي بأسى… فبعد وليد… لا شيء يستحق الاهتمام…

لما أحس سامر المرارة في نبرة صوتي حدثني بلطف بالغ وقال:

“تشجعي يا رغد… توفيت والدة زوجته قبل أيام… هذا سبب أكبر من كاف لتبدل أوضاعه..”

لا تحاول مواساتي يا سامر… ما بي أبلغ من حدة المواساة…

“سأفعل… ما يطلبه مني… بلغه هذا… سألتزم بكل ما يريد… فقط… ليصفح عني…”

هل… هل تحبينه… إلى هذا الحد؟؟”

داهمني سامر بسؤاله… أومأت برأسي… نظرت إلى الفراغ… في إجابة أبلغ من الكلام…

*********************************

حدثت مجموعة من أعمال الشغب في المدينة واضطرب الأمن فيها.

وهي منذ شهدت مأساة القصف في عيد الحج الماضي لم تزل عرضة لحوادث صغيرة متفرقة تفقد أهاليها الأمان للعيش فيها.

الكثير من سكانها هجروها واتخذت جماعات من المتمردين المنازل المهجورة بؤرا لإدارة عمليات الشغب. ومؤخرا حظر التجول في الشوارع بعد منتصف الليل وتكثف دوريات الشرطة وتضاعف عدد نقاط التفتيش والمراقبة…

كنت قد مررت أثناء سفري بإحدى مدن المنطقة… ورأيت حالة التخريب الفظيعة التي ألمت بها مؤخرا بعد أعمال شغب مصحوبة بهجوم عدائي تعرضت لها… وأوضاع البلد بشكل عام آخذة في التدهور السريع…

والآن.. أنا جالس في غرفة المعيشة في المنزل الريفي في المزرعة أتابع الأخبار على التلفاز وأشاهد مناظر بشعة لجثث قتلى من المتمردين الذين تمت مداهمتهم وإبادتهم..

ولقطات أخرى لمجموعة من أعضاء منظمة سرية نفذت عملية اغتيال لأحد كبار المسئولين, وتم الكشف عن بعض أعضائها وهاهم يقادون بإذلال إلى مأواهم الأخير… السجن..

مناظر تثير الرهبة في قلبي.. خصوصا بعد تجربتي المريرة خلف القضبان.. لا زال جسدي يقشعر منها وقلبي يضطرب… ومعدتي تشتعل نارا على ذكراها..

شربت آخر رشفة من الحليب البارد الذي أدمنت على شربه في الأونة الأخيرة كلما اشتد ألم معدتي.. وابتلعت معها القرص المخفف للحموضة الذي صار عنصرا رئيسيا من عناصر وجباتي اليومية.. وتنفست باسترخاء..

خضت مؤخرا لعلاج جديد لقرحة معدتي ولكنه لم ينجح… وأوجاعها تراودني من حين لآخر وتقض مضجعي..

فيما أنا مغمض عيني باسترخاء.. سمعت صوتا يقترب من الباب… ففتحت عيني والتفت إلى مصدره فإذا بي أرى أروى تدخل الغرفة…

أنا وهي لم نجتمع اجتماعا خاصا ولم نتحدث إلا أحاديث عادية خلال الأيام الماضية… التي تلت رحيل الخالة ليندا رحمها الله.

وأجواء الكآبة كانت تسيطر بشكل مريع على المزرعة وعلى المنزل وقد غابت سيدته بلا عودة ترجى…

وكان لقائي السابق معها قبل السفر هو أبشع اللقاءات وأفضعها…قالت أروى:

“ماذا تشاهد؟”

فقلت:

“نشرة الأخبار..”

واسترسلت:

“الوضع يزداد اضطرابا في المدينة الصناعية”.

وجلست أروى على أحد المقاعد المجاورة تتابع الأنباء معي…

خيم السكون علينا وأصغينا إلى النشرة باهتمام.. على الأقل بالنسبة لي… وبعد انتهائها.. تركت التلفاز مشغلا وقمت بقصد الخروج..

عندما اقتربت من الباب اختفى صوت التلفاز فألقيت نظرة للوراء ورأيت أروى وقد أوقفته ثم سارت باتجاهي..

“وليد”.

نادتني فاستدرت إليها كليا.. شعرت بأنها ترغب في التحدث معي وبدا أن قواها تخونها..

الحديث عن أي شيء لن يكون لائقا الآن وقبر الخالة رحمها الله لم يبرد بعد. صمِتُ منتظرا ما ستقوله.. ولما طال ترددها قلت:

“خيرا إن شاء الله؟”

وإذا بالدموع تقفز من عينيها فتنكس رأسها وتخفيه خلف يدها..

شعرت بالأسى عليها ومددت يدي وربت على كتفها بحنان.. وما كان منها إلا أن أسندت رأسها إلى صدري وبكت بحرقة..

قلت مواسيا:

“تشجعي يا أروى.. كلنا للموت والبقاء لله الواحد الأحد”.

فقالت بانهيار:

“لا أتخيل حياتي بدونها.. إنني السبب في موتها.. أنا السبب”.

وكانت الخالة قد توفيت بعد عملية جراحية أجريت لها في القلب إثر تعرضها لنوبة جديدة.

فقلت:

“كيف تقولين ذلك؟”

فقالت:

“نعم.. فهي مرضت بعد أن.. أخبرتها عن قرار انفصالنا.. لو لم أخبرها بذلك.. ماتت”.

عضضت على أسناني متأثرا بهذا الكلام.. ثم قلت:

“الموت بيد الله وحده.. ولكل أجله المقدر.. لندعو لها الرحمة والمغفرة”.

قالت أروى:

“رحمك الله يا أمي.. كنت نعم الأمهات وخير النساء.. عشت حياة مريرة وحيدة بعد سجن أبي.. ورحيله.. شقيت في هذه الدنيا وعملت دون راحة أعمالا منهكة يعجز عنها الرجال.. وحين ابتسمت لنا الدنيا.. حين تحسنت أوضاعنا.. آه يا أمي.. أبعدتك الأقدار قبل أن تهنئي.. ما كان أسرع رحيلك يا أماه..”

نحيبها الشجي هيج في ذاكرتي ذكرى والدتي رحمها الله.. إنه ما من مصاب أفجع على قلب البشر من فقد الأحبة..

على الأقل.. أنتِ عشت مع والدتك ولازمتها منذ ولادتك وحتى آخر لحظة في حياتها..

أما أنا.. فقد حرمت من والديّ الحبيبين ثمان سنين وأنا محبوس في أبشع مكان رأيته على الإطلاق.. وهما حيّان يرزقان.. وما إن خرجت إليهما.. حتى داهمهما الموت وأخذهما معا.. وبأشنع طريقة..

لا حول ولا قوة إلا بالله..

وفيما نحن هكذا أقبل العم إلياس.. ألقى علينا نظرة ثم قال مخاطبا إيّاي:

“حضر الضيوف يا بني”.

فقلت:

“حسنا.. أنا قادم”.

وهم مجموعة من تجار الفواكه كنت سأعقد معهم اتفاق عمل.

انصرف العم إلياس.. فالتفت إلى أروى وقلت:

“يريدون شراء محصول العنب والليمون بالكامل.. سنتخلص من عناء بيعه في الأسواق وقد عرضوا سعرا جيدا.. ما رأيك؟”

نظرت أروى إلي نظرة لا مبالاة ثم قالت:

“افعلوا ما تشاءون”.

قلت:

“سنكتب وثيقة رسمية وسنحتاج لتوقيعك بصفتك مالكة المزرعة.. سأجلب لك العقد لمراجعته وتوقيعه”.

قالت:

“أرجوك.. أعفني من هذه الأمور فأنا لست في وضع يسمح بالتفكير في أي شيء”.

وأنا أعلم بهذا ولكن..

“لكن.. العمل يجب أن يستمر.. إن أهملنا المحصول فسنخسره”.

قالت:

“افعلوا ما ترونه مناسبا”.

وكان هناك في خاطري شيء أود ذكره وأعاق الظرف الحالي لساني.. لكنني هذه اللحظة وجدتها فرصة ملائمة قليلا فقلت:

“و… كذلك بالنسبة للمصنع.. هناك أمور معلقة في انتظاري..”

نظرت أروى إلي نظرة جادة.. فقلت متابعا:

“علي العودة إلى العمل عاجلا.. لا يجب ترك المصنع أطول من هذه المدة”.

فقالت وهي تضغط على صدغيها بيدها اليسرى:

“افعل ما تريد.. أنا باقية مع ذكرى أمي ورائحتها العابقة في جو المنزل..”

عنجما نقلت نبأ وفاة نديم رحمه الله إلى عائلته في العام الماضي.. أتذكر أن أروى أبدت صمودا غريبا في وجه الخبر المفجع.. أما الآن.. فهي منهارة لوفاة والدتها..

لطالما كنت أظنها أكثر صلابة في مواجهة المصائب.. وأرى فيها قوة وقدرة كبيرة على التحمل.. ووضعها هذا جعلني أرجىء إلى أجل غير مسمى موضوعنا السابق.. بشأن مستقبل علاقتنا معا..

فلأترك عني هم أروى… وهم رغد… وأتفرغ لهم العمل فهو أرأف بي منهما…

وبعد لقائي بتجار الفواكه وفيما كنت واقفا في المزرعة أرتب الوثائق فوجئت بضيف غير متوقع يدخل المزرعة!

لقد كان حسام…

حياني فنظرت إلى ما حوله, لأستوثق من عدم حضور رغد برفقته… لكنه كان منفردا… فرددت التحية وكلي حيرة من سبب حضوره… ثم قدته إلى المقاعد المجاورة وجلسنا متواجهين… تفصلنا طاولة صغيرة… فأمكنه قراءة تساؤلاتي مباشرة…

قال موضحا:

“أعرف أنك لم تتوقع زيارتي.. لكنني أود التحدث معك في أمر مهم وإن لم يكن الظرف الحالي مناسبا”.

أقلقني كلامه فسألت باهتمام:

“ماذا هناك؟؟”

فتأتأ قليلا… ثم أجاب:

“إنه.. ليس موضوعا جديدا.. ولكن… أود تذكيرك به وتعجيل تنفيذه”.

وبسرعة تفتح في رأسي موضوع أظن أنه يقصده…

قلت:

“هات من الوسط ولا داع للمقدمات.. أي موضوع تعني”.

اضطرب حسام وتغير لونه.. ثم قال:

“مو… موضوعي أنا ورغد”.

تمالكت نفسي لئلا أنفجر فجأة في وجه الضيف في هذه اللحظة وهذا المكان..

ثم قلت متظاهرا عدم الفهم:

“موضوعك أنت ورغد؟؟”

نظر إلي حسام وقال وهو يزدرد ريقه:

“أعني موضوع.. زواجنا”.

احتقنت الدماء في وجهي وتورمت عيناي غضبا.. وبالتأكيد لاحظ حسام ذلك لأن بعض الخوف اعترى تقاسيم وجهه..

قلت وأنا أضغطط على نفسي كي لا أثور بركانا:

“أي زواج؟؟”

تردد ثم قال:

“هل نسيت؟؟ لقد.. سبق وأن عرضنا الأمر عليك.. أنت تعرف أنني.. أنني أرغب في الزواج من رغد”.

لم أستطع تمالك نفسي أكثر.. هببت واقفا باندفاع كان من القوة بحيث جعل الكرسي ينقلب من خلفي ويرتطم بالأرض..

وقف حسام بدوره واجلا..

قلت:

“هل فقدت صوابك؟ ألا ترى في أي ظرف نحن؟؟”

قال حسام معتذرا ومدافعا:

“لا أقصد هذا أبدا.. لسنا نريد ارتباطا شكليا علنيا.. كل ما نريده هو عقد قران شرعي حتى..”

صرخت غاضبا مقاطعا:

“حتى ماذا؟؟”

ألجم لسان حسام فكررت بعصبية:

“حتى ماذا… أكمل؟؟”

قال باضطراب:

“حتى نستقر.. أنا ورغد.. بما أنها تقيم عندنا وبما أنها موافقة على الزواج مني..”

ضربت على الطاولة بعصبية وقلت:

“ومن قال أنها موافقة على هذا؟؟”

أجاب:

“هي.. أعربت عن قبولها واستعدادها منذ زمن”.

نفثت ما في صدري من نيران ملتهبة… وضربت الطاولة مجددا بقوة أكبر وقلت:

“ومن قال لك… إن الأمر متوقف على قبولها هي؟؟”

قال حسام متراجعا:

“بالطبع أعني بعد موافقتك أنت…فأنت ولي أمرها”.

فقلت بغضب:

“نعم.. أنا ولي أمرها.. وأنا لا أوافق على هذا”.

صمت حسام برهة وسأل بعدها:

“لماذا؟؟”

فزمجرت:

“لا تسأل لماذا… أنا الوصي وأفعل ما أريد”.

تغيرت سحنة حسام من الرجاء إلى النقمة وقال مهاجما:

“لكن.. هذا لا يعطيك الحق في التحكم برغد… ما دامت موافقة”.

استفزتني الجملة فصرخت منذرا:

“حسام!!”

وحسام أطلق العنان لثورته وقال:

“أي نوع من الأوصياء أنت؟؟ ولماذا هذا العناد؟”

صرخت مجددا:

“حسام… يكفي..”

لكنه تابع بعصبيته:

“أخبرني ماهي حججك؟ إذا كان بشأن الدراسة فنحن لن نتزوج الآن وإنما بعد التخرج ولكنني أريد أن أرتبط بها رسميا وأريح مشاعري وقلبي”.

انفجرت… ثرت… انقضضت على كتفيه فجأة وصرخت بقسوة:

“أي مشاعر وأي قلب أيها الــــــ..”

حسام حاول إبعاد يدي عنه وهو يقول:

“إنني أحبها ولن أسمح لك بالوقوف في طريقي”.

وبانفلات تام.. سددت لكمة إلى وجهه ثم دفعت به بعيدا… وأنا أصرخ:

“أرني ماذا ستفعل لإزاحتي أيها العاشق المعتوه”.

كانت ضربتي موجعة جدا… أمسك حسام بفكه متألما وترنح قليلا… ثم صرخ:

“متوحش وستظل متوحش… يا خريج السجون”.

وأوشكت أن أنفلت أكثر وأنقض عليه وأوسعه ضربا… غير أن العم إلياس ظهر فجأة ورأى الاضطراب الحاصل بيننا فتساءل:

“ما الأمر؟؟”

حسام سار إلى الخلف مبتعدا وهو يقول:

“لا ترحم ولا تدع الرحمة تهبط من السماء؟؟… لكنني لن أسمح لك بالتحكم بهذا وإن لزم الأمر سألجأ للقضاء وأخلصها من سطوتك نهائيا… أسمعت؟”

صرخت مهددا:

“أغرب عن وجهي هذه الساعة قبل أن تندم… انصرف فورا…”

قال:

“سأذهب.. لكن سترى ما سأفعل.. سنتزوج رغما عن أنفك وقبضتك وجبروتك..”

هممت بالانقضاض به فأقبل العم إلياس وحال دون إمساكي به..

واحتراما للرجل العجوز وللمكان الذي نحن فيه.. تركته يفلت من قبضتي لكنني هددته:

“ابتعد عنها نهائيا… نهائيا… ماذا وإلا.. فأقسم برب السماء.. أنني سأمحيك من على هذا الكوكب… وقبل أن تصل إلى ما تصبو إليه نفسك.. سيتعين عليك أن تدوس على قبري أولا.. ما من قوة في الأرض ستجبرني على تحقيق هدفك… مطلقا… أيها المراهق الأبله”.

وبعد أن غادر حسام سأني العم عما حصل فاعتذرت عن الإجابة وخرجت من المزرعة غاضبا أبحث عن شيء أنفث فيه غضبي بعيدا عن الأنظار…

 

“ماذا تقولين!!”

ارتسمت الدهشة على وجهي حين

أخبرتني نهلة بأن حسام ذهب شخصيا إلى وليد عصرا وفتح موضوع زواجنا أمامه.. وأن وليد رفض الموضوع ولكم حسام بعنف على وجهه..

قالت:

“هذا ما أخبرني به.. وهناك كدمة مريعة على وجهه وتورم فظيع!”

قلت:

“يا إلهي! ما الذي دفعه إلى هذا الجنون؟ يذهب إليه بنفسه وبمفرده وفي هذه الفترة؟؟ هل فقد صوابه؟؟”

قالت نهلة:

“يحبك يا رغد ولا يطيق صبرا.. وأراد أغتنام فرصة تواجد ابن عمك في المنطقة… ولو لم يكن سامر خطيبك السابق لكان طلب الأمر منه… والآن وصيك الرسمي يهدده بألا يعود لطرح الأمر ثانية وإلا محاه من الوجود… تهديد صريح بالقتل وأمام أحد الشهود”.

قلت حانقة ومهاجمة:

“ماذا تعنين؟؟”

فقالت نهلة:

“أنت أدرى”.

فازداد غضبي وخاطبتها بحدة:

“لا أسمح لك… ابن عمي ليس سفاحا… وإذا كان قد ارتكب جريمة في السابق فإنه…”

وانتبهت لكلامي وأخرست فمي…

فقالت نهلة متحدية:

“فإنه ماذا؟؟”

ولم أجرؤ على الإجابة… فنظرت إلي نهلة بجدية وقالت:

“فإنه قد يفعلها ثانية”.

زمجرت:

“توقفي… أنت لا تعرفين شيئا… كلكم ظالمون…. اتركوا وليد وشأنه وإياكم وإهانته ثانية… لأنتم تهينونني أنا وتجرحونني أنا… ألا تحسون بذلك؟؟”

وتراجعت نهلة عن موقفها لما رأت عصبيتي…. وقالت:

“حسنا يا رغد… ولكن اهدئي”.

فواصلت:

“كيف أهدأ وأنتم كلما جيء بذكر وليد نعتموه بألفاظ قاسية؟ رأفة به وبي… هذا كثير… كثير…”

وفيما أنا في غمرة انفعالي طرق الباب ودخلت سارة تقول مخاطبة إياي:

“ابن عمك هنا ويريدك”.

قفزت واقفة وقفز قلبي معي… ودارت بي الأفكار وأرسلتني إلى البعيد… فقلت بهلع:

“وليد؟؟”

فردت سارة وهي تحرك رأسها حركة طفولية:

“لا! بل سامر”.

وسرعان ما أصبت بخيبة أمل… إلى أين ذهبت أفكارك يا رغد؟؟ يا لك من مسكينة واهمة! طبعا سيكون سامر… ألا زلت تعتقدين بأن وليد سيعود إليك ذات يوم…؟؟

كان الوقت ليلا… وليس من عادة سامر زيارتي في الليل ودون سابق موعد… إلا لأمور طارئة أة ضرورية…

ارتديت حجابي وعباءتي وذهبت لملاقاته في غرفة المجلس كالعادة… وهناك من أول نظرة ألقيتها عليه لاحظت أن هناك ما يقلقه… وعرفت أن للزيارة سبب قاهرا…

بعد التحية والسؤال عن الأحوال… سألته:

“ماذا هناك؟؟”

وفاجأني عندما قال:

“وليد يريد أن ترافقيني الآن إلى الشقة.. إنه هناك وينتظرنا..”

هل سمعتم؟؟ يقول… إن وليد يريد مقابلتي… هل هذا ما قاله؟؟ هل هذا ما يفهم من كلامه؟؟

تسمرت في مكاني مأخوذة بالمفاجأة ونظرت من حولي أتأكد من أنني لا أتخيل!

وليد يريد مقابلتي… أخيرا؟؟

قطع علي حبل شرودي صوت سامر وهو يقول بنبرة قلقة:

“لا يبدو بمزاج جيد… لا أعرف ما الطارىء الذي يشغل باله لكنه طلب أن آخذك إلى الشقة في هذا الوقت…”

عرفت… لقد فهمت… موضوع حسام… لا محالة…

لم أحرك ساكنا… من شدة القلق… إلى أن قال سامر يحثني على الاستعجال:

“هيا يا رغد فالوقت ليس من صالحنا…”

وصلنا إلى الشقة أخيرا… ومع وصولنا وصلت ضربات قلبي إلى أقصى سرعة…

وبدأت أحس بالنبضات في شرايين عنقي… وفيما سامر يستخرج مفتاح الشقة عند الباب حدثني بصوت خافت قائلا:

“أنبهك يا رغد… يبدو أن شياطين رأسه تسيطر عليه..”

أرعبتني جملته فبلعت ريقي وقلت:

“هل.. هو غاضب جدا؟؟”

فأجاب وهو يخفض صوته:

“يشتعل بركانا.. حاولت أن أعرف ما القصة فلم يخبرني ورفضت إحضارك فهددني بأنه إن ذهب بنفسه إلى منزل خالتك فسوف يحرقه بمن فيه.. لا أستبعد هذا… فوجهه ينذر بالشر…”

وضعت يدي اليسرى على عنقي فزعا… ورددت رأسي إلى الوراء… فقال سامر محاولا بعد كل هذا طمأنتي:

“سأكون معك..”

وفتح الباب… لملمت شظايا قوتي وذكرت اسم الله… ودخلت الشقة…

في الداخل وقعت عيناي مباشرة على العينين الملتهبتين.. القادحتين بالشرر… اللتين لم أحظ برؤيتهما منذ أيام… ولم أحظ برعايتهما… منذ أسابيع…

كان وجهه كتلة من الحمم البركانية المتوهجة… عابس التعبيرات… قاطب الحاجبين وأحمر العينين… تلك الحمرة التي تكسو وجه وليد وعينيه عندما يشتط غضبا… وكان يتنفس عبر فمه… وتكاد ألهبة من النار المتأججة تخرج مع زفيره… وكان يقف وسط الشقة وعلى أهبة الهجوم…

يا لطيف…!

أردت أن أبدأ بالتحية… غير أنه لم يكن لها مجال هنا… مع وجه مرعب يقدح شررا… وعندما أغلق سامر الباب خلفه تكلم وليد فجأة:

“من فضلك يا سامر ابق في الخارج قليلا”.

تبادلت النظر مع سامر.. الذي رأى اضطرابي وقرأ توسلاتي.. فقال:

“هل الموضوع سري لهذا الحد؟؟”

فقال وليد بصبر نافذ:

“رجاء ابق في الخارج إلى أن أستدعيك..”

فنظر إلي سامر مجددا ثم قال:

“يمكنني دخول غرفة النوم”.

فزمجر وليد بحدة:

“قلت في الخارج… لو سمحت”.

فلم يتحرك سامر بل أصر:

“سأدخل إلى الغرفة يا وليد”.

هنا هتف وليد بغضب:

“سامر… رجاءً أخرج الآن ولا تضيع الوقت…”

قال سامر:

“يبدو عليك الغضب الشديد يا وليد.. لماذا لا تسترخي قليلا ثم تتحاوران؟؟”

صرخ وليد:

“أنا لست غاضبا…”

واضح جدا! ماذا تريد أكثر من هذا!!؟؟

قال سامر:

“لكن يا أخي…”

فقاطعه وليد بفظاظة:

“انصرف يا سامر أرجوك ولا تغضبني بالفعل..”

ولم يملك سامر من الأمر شيئا… فنظر إلي نظرة عطف وإشفاق… ثم فتح باب الشقة… وقال محذرا:

“إياك أن تقسو عليها… أحذرك…”

وألقى علي نظرة أخيرة وخرج…

بقينا أنا والمذنب المتوهج وليد بمفردنا في الشقة…هو ينفث الأنفاس الغاضبة الحارقة.. وأنا أرتجف هلعا…

وبعد أن التهم عدة أنفاس… قال أخيرا:

“اجلسي يا رغد”.

رفعت بصري إليه ولم أتحرك… كنت مضطربة وقلبي تركض نبضاته بسرعة…

ولا أقوى على السير من فرط توتري… ولما رآني متصلبة في مكاني قال بصوت حاد:

“اجلسي يا رغد هيا”.

فزعت وارتددت للوراء… وحين لاحظ ذلك قال:

“ما بك تنظرين إلي بهذا الذعر؟؟ هل أبدو كالغول المفترس؟؟ أم هل تظنين أنني سألكمك أنت أيضا؟”

خفت.. وأومأت رأسي بـــ (لا).. فأشار إلى المقعد.. فسرت مذعنة… أعرج في خطواتي… إلى أن جلست على طرف المقعد… ووضعت حقيبتي إلى جانبي…

وليد كان مرعبا لحد كبير.. وكنت أسمع صوت الهواء يصطدم بفمه كالإعصار.. وكلما أطلق نفسا قويا جذب نفسا أقوى.. حتى أوشك الهواء على النفاذ من الشقة…

فجأة اقترب خطوة مني فأرجعت ظهري إلى الوراء تلقائيا.. خشية أن تحرقني أنفاسه أو تلسعني نظراته.. توقف وليد على بعد خطوتين مني ثم قال:

“أظنك تعرفين لم أنت هنا”.

رفعت رأسي وأومأت بـــ(لا).. فهتف بسرعة:

“بل تعرفين”.

أفزعني صوته.. فغيرت موقفي وأومأت بــــ(نعم).. وأنا متوقعة أن يكون الموضوع هو موضوع حسام…

قال:

“تعرفين أن ابن خالتك العزيزة… قد أتى إلي خصيصا هذا اليوم ليطلب موافقتي على خطبتكما”.

تصاعدت دفعة من الدماء إلى وجهي… وهويت بأنظاري نحو الأرض حرجا.. ولم أقل شيئا.. فتابع هو:

“أتى بمفرده وبكل شجاعة… بل بكل وقاحة.. بعد الإهانات الفظيعة التي رموني بها في منزلهم.. وبدون اعتبار للظروف التي نمر بها في المزرعة… بلا احترام لي ولا لعائلتي… أتى إلي مطالبا بتحويل مشروع زواجكما المزعوم إلى واقع… بكل بساطة”.

وأيضا لم أقل شيئا… بل لم أجرؤ حتى على التنفس…

قال:

“وحجته.. أنكما متفقان.. ومستعدان للارتباط.. ومنذ زمن.. وأنه يريد أن يريح مشاعره وقلبه!”.

فطأطأت برأسي نحو الأسفل أكثر… أكاد أكسر عنقي من حدة الطأطأة… وأفجر عروق وجهي من غزارة الدماء المتدفقة فيها…

فتابع وليد:

“وربما مشاعرك وقلبك أنت أيضا”.

ذهلت, ورفعت بصري إليه بطرفة عين, ثم غضضته من جديد في حرج شديد…

ولم أرفعه ثانية إلى أن سمعت صوت اصطفاق كفي وليد ببعضهما البعض.. نظرت إليه فشاهدت حشدا من ألسنة النار تغادر عينيه مقبلة إلي…

قال:

“ماهو رأيك؟”

ولم أتكلم فردد السؤال بغلظة:

“ما هو رأيك؟ أجيبيني؟؟”

فأطلقت لساني بتلعثم:

“في ماذا؟”

فقال بعصبية:

“في هذا الأمر قطعا”.

فلم أجبه لكنني حملقت فيه… فاقترب مني أكثر وسأل بعصبية وجفاف بالغين:

“لا تحملقي بي هكذا بل أخبريني ما هو رأيك الآن يا رغد؟؟ تكلمي”.

فقلت مفزوعة من صوته:

“لا أعرف”.

فقال:

“لا تعرفين؟؟ كيف لا تعرفين؟؟ أخبريني ماهو رأيك الصريح؟”

أجبت في خوف:

“كما ترى أنت”.

قطب حاجبيه أقصاهما وقال:

“كما أرى أنا؟؟”

فكررت:

“كما تريد أنت… أنت ولي أمري وما تطلبه سأنفذه”.

وليد فجأة ضرب مسند المقعد المجاور ورأيت سحابة من الغبار تطير مفزوعة منه…

ثم قال:

“قولي يا رغد.. ما هو رأيك أنت؟؟ وهل اتفقت معه على أن يأتي لتقديم عرضه في المزرعة؟”

فرددت نافية:

“لا.. كلا لم أتفق معه.. لقد أتاك من تلقاء نفسه.. لم أعرف إلا من نهلة قبل حضوري إلى هنا مباشرة”.

ونظر إلي بتشكك فأكدت:

“لم أتفق معه على أي شيء صدقني”.

فسأل:

“ولا على الزواج؟”

فصمت.. وكرر هو سؤاله بحدة:

“ولا على الزواج يا رغد؟؟ هل سبق وأن اتفقتما على ذلك؟؟ أجيبي..؟؟”

في الواقع.. كان هذا ما حصل قبل شهور.. قبل انتقالي للعيش في المنزل الكبير.. والتحاقي بالجامعة…

قلت معترفة:

“أجل”

وما كدت أنطق بالكلمة إلا ويدا وليد تطبقان فجأة على كتفي وتهزاني.. وإذا به يصرخ في وجهي:

“كيف تجرئين على فعل ذلك؟؟ من سمح لك باتخاذ قرار في موضوع كبير كهذا دون إذني أنا؟؟ كيف تتفقين معه على الزواج دون علمي؟”

فقلت مدافعة ومفزوعة في آن واحد:

“أنت تعلم بذلك.. لقد عرضت عليك خالتي الموضوع من قبل.. تعرف كل شيء”.

فقال وهو يهزني:

“وأنتتعرفين أنني رفضت الموضوع مسبقا.. وحذرتك من إعادة طرحه أو التفكير به مجددا.. ألن أحذرك يا رغد؟؟ ألم أحذرك؟؟”

أجبت:

“بلى.. لكن…”

فهتف:

“لكن ماذا؟؟ أكملي”.

ابتلعت ريقي وأرغمني الخوف من صوته على النطق فقلت:

“لكنك.. أنت لم ترفض الموضوع بل رفضت توقيته.. وحسام… حسام هو الذي أعاد فتحه الآن.. هو من رغب في تعجيله”.

صرخ وليد:

“وأنت متفقة معه أليس كذلك؟؟”

قلت مدافعة:

“ليس كذلك.. قلت لك إنني لم أعلم عن زيارته لك إلا من نهلة قبل حضوري”.

فضغط وليد على كتفي وقال:

“لكنك موافقة ألست كذلك؟؟”

وشعرت بالألم من قوة قبضته.. والفزع من نظراته المهددة…

قلت:

“سأفعل ما تطلبه مني أنت”.

فزاد ضغطه على كتفي وهتف:

“موافقة على ذلك؟ أجيبيني؟؟ أترغبين بالزواج من ابن خالتك المخبول هذا؟؟ أجيبيني؟؟”

أطلقت صيحة ألم وقلت والدموع تقفز من عيني فجأة:

“آه.. أنت تؤلمني..”

وليد دفع بكتفي نحو المسند فجأة وابتعد سائرا نحو الباب..

أنا أخفيت وجهي خلف يدي المصابة وأخذت أذرف شحنة الدموع المخزنة في عيني.. وتأوهت من قسوة وليد.. قسوة لم أعهدها ولم أكن أنتظرها منه.. بعد كل ذلك العطف والحنان اللذين غمرني بهما طوال سنين… وبعد كل الفراق والجفاء والمقاطعة التي فرضها علي منذ أسابيع…

عندما أفرغت كل دموعي أزحت يدي عن عيني… وشاهدته يدور حول نفسه تارة ويسير يمينا وشمالا تارة أخرى… وهالة من اللهيب الأحمر تحيط به…

وحين رآني أنظر إليه صرخ فجأة:

“ألم أحذرك من مغبة فتح هذا الموضوع يا رغد؟؟ ألم أفعل؟؟”

ولم يمنحني فرصة للرد بل تابع مزلزلا:

“لكنكم تستخفون بي.. وترونني مجرما حقيرا خريج سجون… لست أهلا لتولي الوصاية على فتاة يتيمة.. ولا أؤتمن عليها…”

أردت أن أنطق (كلا) لكن وليد لم يعطني المجال وواصل:

“سأريكم.. ما الذي يستطيع المجرمون فعله.. سترون أن كلمتي أنا.. هي النافذة.. وأنه ما من قوة في الأرض سترغمني على الموافقة على هذا الزواج مهما كانت..”

واقترب مني مجددا… ورمقني بنظرات التهديد الشديدة.. وقال:

“ستحققين أمنيتك بالزواج منه فقط بعدما أموت يا رغد.. هل تفهمين؟؟”

وعندما لم ير مني أي ردة فعل تصور أنني لم أفهمه أو لم أعر كلامه اهتماما…

رواية انت لي

الحلقة السادسة و الاربعون الجزء 2

فأطبق على كتفي كالصقر المنقض على فريسته… بمنتهى الخشونة وراح يصرخ:

“أكلمك يا رغد… أصغي إلي جيدا.. واحفظي كلامي بالحرف الواحد… أنا المسئول عنك هنا.. وأنا من يقرر كل شيء يتعلق بك… صغيرا كان أم كبيرا… شئت أم أبيت… تركك أبي تحت عهدتي أنا.. وليس تحت عهدة خالتك وعائلتها.. وإن أبقيتك هناك كل هذا الوقت فهذا لأنني أنا أريد إبقائك.. وليس لتتصرفي كما يحلو لك.. أنت وابن خالتك المراهق الأبله… ومتى ما شئت أنا…سآتي وآخذك.. وخالتك.. وزوجها.. وأبناؤها.. كلهم لا يملكون الحق في تسير أمورك.. وحسام بالذات.. وبالذات حسام.. واسمعيني جيدا.. هذا الفتى بالذات.. سيكون آخر آخر آخر شخص على وجه الأرض.. سأسمح له بالاقتراب منك.. ولن يكون ذلك إلا بعد موتي.. أفهمت ذلك يا رغد؟؟ أفهمت ذلك؟؟”

كل هذا الصواريخ في وجهي.. والضغط العنيف على كتفي.. والأعاصير النارية المنطلقة من عينيك وتريد مني ألا أفهم؟

صحت بخوف وأنا أحاول استعطافه والنجاة من بطش يديه:

“نعم… فهمت..”

فضغط على كتفي بخشونة أشد وقال:

“فهمت جيدا؟؟ أنا لن أعيد كلامي في المرة المقبلة إن تكرر الأمر.. ولن أكتفي بلكم وجهه.. بل سأهشم عظامه كلها.. وأطحن رأسه… أوعيت هذا؟؟”

قلت:

“فهممت.. فهمت.. أرجوك… يكفي”.

وواصل عصر كتفي بقبضتيه وهو يجبرني على النظر في عينيه ويخترقني بنظرته الثاقبة النهددة ويقول:

“لا تضطريني لتصرف لا تحمد عقباه يا رغد… أحذرك… أحذرك… ما أنا فيه يكفيني… التزمي بكلامي وإلا..”

أطلقت إجابتي مع زفرة ألم:

“حاضر… فهمت… سأفعل ما تأمرني به… هذا موجع… أرجوك أتركني…”

وانخرطت في البكاء من الألم… فأطلق سراح كتفي وابتعد…

جعلت أمسد كتفي الأيمن بيدي اليسرى لأخفف الألم… ولم أرفع رأسي مجددا… حل سكون مخيف بضع دقائق.. ثم سمعت صوت باب الشقة ينفتح فرفعت رأسي ونظرت إلى وليد فشاهدته يغادر…

وقفت بسرعة وسألت:

“إلى أين تذهب؟؟”

لكنه أغلق الباب ولم يجبني… أسرعت أسير بعكازي إلى الباب وأردت فتحه فإذا بي أسمع صوت قفله يدار..

ضربت الباب وهتفت بفزع:

“وليد إلى أين تذهب؟ افتح الباب”.

فسمعته يقول من خلف الباب:

“سأرسل إليك سامر”.

فقلت:

“لا تتركني وحدي.. أرجوك افتح”.

ولكنه لم يفتح ولم أعد أسمع صوته…

بقيت واقفة عند الباب في انتظار عودة وليد أو سامر.. ومرت بضع دقائق ولم يظهر أي منهما..

انتابني الذعر.. وعدت إلى المقعد واستخرجت هاتفي من حقيبتي واتصلت بوليد فلم يجبني.. واتصلت بسامر فوجدت الخط مشغولا..

انتظرت دقيقة ثم أعدت الاتصال بسامر فرد علي وأخبرني بأنه في صالون الحلاقة أسفل المبنى وسيصعد بعد عشر دقائق…

“لكنني وحدي في الشقة… ذهب وليد وتركني أرجوك تعال الآن”.

قال سامر:

“لم يذهب. أخبرته أن يبقى وينتظرني. سيأتيك الآن”.

وأنهيت المكالمة ونظرت نحو الباب في انتظار عودة وليد… ولكنه لم يعد. أخذ القلق والخوف يتفاقمان في صدري… وإن هي إلا دقائق حتى عاودت الاتصال بسامر وأخبرته بأن وليد لم يعد ورجوته أن يوافيني في الحال.

فقال إنه قادم… وأقبلت نحو الباب في انتظاره… وعندما اقتربت نمه خيل إلي أنني سمعت صوتا من خلفه ففزعت… أصغيت بسكون… فتكرر الصوت وأجفل قلبي…

“سامر؟؟”

ناديت بحنجرة مخنوقة… ولم أسمع ردا… لكنني أحسست بحركة ما… وكأن أحدهم يقف خلف الباب مباشرة أو يستند إليه… سألت:

“وليد؟”

فسمعت صوته يرد:

“نعم هنا”.

لقد كان وليد قلبي يقف خلف الباب… مستندا إليه…

عندما سمعت صوته حلت الطمأنينة في قلبي… فألقيت بثقل جسمي على الباب… وخيل إلي… أنني أحسست بالحرارة تتخلله منبعثة من جسم وليد…

يفصل بيني وبينه باب خشبي… وعشرات المشاكل ومئات الشحنات… والمشاعر المتضاربة والمواقف الملاطمة… والكلمات القاسية… والمعاملة الجافة… التي أثخن قلبي وجسدي بخدوشها قبل قليل…

تلمست كتفي… فألفيت الألم قد انقشع… وتلمست الباب فوجدته دافئا وحنونا… وألصقت أذني به… فتوهمت أنني أسمع نبضات قلب وليد… تناديني…

أفقت من أوهامي على صوت خشن زاجر… أصدره وليد…

“أقول لك انتظرني ها هنا فتذهب إلى الحلاق؟؟”

ثم أتى رد بصوت سامر:

“لم أتوقع أن تنهيا الحوار بهذه السرعة كما وأنني لم أشأ الوقوف هكذا كالبواب”.

فقال وليد متضايقا:

“قلت لك إنني لن أطيل الكلام وكما ترى فالوقت ليل ولا يزال أمامك مشوار إعادتها… تعرف أن التجول محظور آخر الليل هناك..”

ثم سمعت صوت المفتاح يدخل في ثقبه فابتعدت بسرعة…

كان سامر هو من فتح الباب فدخل ولم أر أحدا من خلفه… استدار للوراء ثم التفت إلي وأغلق الباب من بعده وسألني:

“هل أنت بخير؟؟”

أجبته:

“نعم”.

فاقترب وهو يحملق في عيني ويرى أثر الدموع ثم سأل:

“ماذا قال لك؟؟”

فطأطأت برأسي ولم أجبه. فألح علي بالسؤال غير أنني اعتذرت عن الإجابة….

قال:

“إذن الموضوع سري بينكما؟”

ألقيت نظرت سريعة عليه ثم نظرت إلى الأرض لأبعد عيني عن عينيه… خشية أن يكتشف شيئا…

سأل برجاء:

“ألن تخبريني؟”

فلم أرد…

كيف أخبرك وبم؟؟! سيضرب هذا على وترك الحساس المؤلم… أأقول إن حسام عرض على وليد الزواج مني…؟؟

احترم سامر موقفي وقال متراجعا:

“كما تشائين. إنما أردت المؤلزرة. فإذا ما أساء إليك أخي بأي شكل فأخبريني حتى أوقفه عند حده”.

فشددت على قبضتي ولم أتفوه بشيء…

بعد ذلك… أعادني سامر إلى منزل خالتي… ولأن المسافة بين المدينتين التجارية والصناعية طويلة نسبيا, فقد وصلنا في ساعة متأخرة من الليل…

أما وليد فكان قد اختفى فور ظهور سامر عند باب الشقة… ولا أعرف إن كان قد عاد إلى مزرعة الشقراء أم أنه بات في شقة أخيه تلك الليلة…

وجدت خالتي ونهلة في انتظاري وعيونهما ملأى بالتساؤلات… أخبرتهما بأنه لا شيء يستحق القلق وذهبت إلى غرفتي فتبعتنب نهلة… والتي سهرت في انتظار عودتي على نار هادئة لتعرف ما حصل…

“لا شيء”.

تعجبت من قولي وسألت:

“لا شيء؟؟ كل هذا الوقت وتقولين لا شيء؟؟”

أجبت:

“تعرفين… الوقت ضاع في قطع المسافة من هنا إلى شقة سامر… ذهابا وإيابا”.

سألتني بصبر نافذ:

“المهم ماذا حدث وفيم تكلمتما؟ وهل تصالح معك..؟؟”

أجبت بإعياء:

“أسكتي يا نهلة أنا متعبة ولا طاقة لي بالحديث”.

وألقيت بثقل جسمي على السرير… ومددت أطرافي… لكن نهلة لم تعتقني:

“أرجوك يا رغد أخبريني بما حصل الفضول يخنقني؟؟”

قلت أخيرا وأنا أنظر إلى السقف وأتنفس الصعداء باسترخاء بعد كل ذلك التوتر…:

“تشاجر معي.. فجر صواريخ فتاكة في وجهي.. وهددني بأن..”

قالت نهلة بلهفة:

“بأن ماذا…؟ أكملي!؟”

فوجهت بصري نحوها وقلت:

“بأن يهشم عظام حسام إن عاود طرح موضوع الزواج ثانية…”

حملقت بي نهلة بدهشة… ثم قالت مستنتجة:

“هكذا إذن..”

ثم أضافت:

“تهديد صريح آخر…”

حينها قلت بجدية وصراحة:

“إنه ينوي شرا.. أخبري حسام بأن يبتعد عني وأن يلغي الفكرة نهائيا من رأسه لينجو بنفسه…”

غضبت نهلة من كلامي الصريح الجارح.. وقالت وهي تستدير مغادرة:

“أخبريه أنت بذلك.. أنا لن أجرح أخي بهذه القسوة.. أنت عديمة الإحساس”.

*************************

رفض كل من أخي ورغد إطلاعي على موضوع الحوار الذي دار بينهما… لكني لم أسكت على الدموع التي رأيت آثارها في وجه رغد ليلتها…

“حسنا… أنا لن أطلب منك إخباري بتفاصيل الموضوع وسأنسى أنني من جلبها وأعادها في قلب الليل وأن الحديث دار في شقتي أنا… لكنني لن أتغلضى عن جرحك لها وجعلها تبكي يا وليد”.

نفثت كلامي بانفعال أمام أخي, الجالس بصمت يشرب الماء البارد… ويبتلع قطع الجليد الصغيرة السابحة في الكأس.

تجاهل أخي كلامي فغضبت وقلت:

“أكلمك يا وليد ألا تسمع؟”

نظر أخي إلي من خلال زجاج الكأس الشفاف الذي يحمله في يده وأجاب:

“اسمع”.

فقلت:

“إذن أخبرني.. لماذا جعلتها تبكي؟ لماذا تعاملها بخشونة؟”

أجاب أخي:

“ليس من شأنك يا سامر وأرجوك… أنا متعب كفاية… دعني أسترخي”.

فقلت مستنكرا:

“ليس شأني؟؟ كيف تقول هذا؟ إنها ليست ابنة عمك وحدك…”

وكأن الجملة أثارت أخي فقال بحدة:

“الأمر لا يعنيك يا سامر فرجاء لا تتدخل”.

فقلت غاضبا:

“بل يعنيني… أنا لا أتحمل رؤية رغد تبكي أو تتألم… ولا أسمح لك بأن تسبب لها هذا”.

وقف أخي فجأة… وألقى بالكأس بعنف نحو الأرض فتكسر…

ثم صرخ غاضبا:

“أما زلت تفكر بها؟؟…سامر … أيها الأحمق… إنها لا تكترث بك”.

جفلت ولم أستطع التعقيب.

اقترب أخي مني حتى صار أمام وجهي مباشرة وإذا به يسألني:

“ألا زلت تحبها؟؟”

ففارت الدماء في وجهي… لم أكن أتوقع منه هذا السؤال وهكذا مباشرة… أخي أمسك بذراعي بقوة وقال:

“لقد رأيت ما تخفيه في خزانتك… يا لك من بائس… تخلص منها تماما… إنها لا تفكر بك.. ولن تعود إليك… لا تتعب نفسك… انسها نهائيا”.

وطعن كلام أخي على جرح قلبي مباشرة… فأبعدت يده عني فعاد وأمسك بي وأعاقني عن الحركة وقال:

“أخرجها من رأسك نهائيا يا سامر… ولا تدافع عنها فهي خائنة وتستحق العقاب”.

عند هذا لم أتمالك نفسي ودفعت بأخي بقوة حتى ارتطم بالجدلر.

وأوليته ظهري قاصدا الخروج من المكان غير أنه أمسك بي فجأة وجذبني في اتجاهه ولوى ذراعي…

وهو يقول:

“أجب على سؤالي أولا”.

حاولت الفكاك منه ولكنه كان يطبق علي ويعيق حركتي كلما أردت التملص.

هتفت:

“اتركني وليد”.

رفست بطنه بركبتي حتى أبعده عني. وبصراحة رفستي لم تكن قوية… لكن أخي أطلق صرخة ألم واندفع مبتعدا عني… وأمسك ببطنه وراح يتلوى. ثم إذا به يجثو على الأرض بالضبط فوق شظايا الكأس المكسور دون أن ينتبه لها… ويحني رأسه إلى الأرض ويتقيأ الماء الذي شربه قبل قليل… ممزوجا بالدم…

هلعت لمنظر أخي… وأقبلت إليه قلقا ومددت يدي نحوه, غير أنه أبعدها بفظاظة وأخذ يتلوى… وأخيرا نهض وسار نحو الباب.

“إلى أين؟؟”

فالوقت كان قد تجاوز الواحدة ليلا… ويفترض به المبيت عندي… ووضعه لا يسمح بالمغادرة…

تبعته وحاولت استيقافه إلا أنه صدني وغادر الشقة…

وقبل غروب الشمس التالية اتصل بي وأخبرني بأنه في طريقه إلى المطار…

مسافرا إلى الجنوب.

سافر أخي إلى المدينة الساحلية… وغاب عنا بضعة أسابيع…

جاء سفره مفاجئا ودون سابق تخطيط وتهيئة… وتوقعت أن أواجه موقفا صعبا مع رغد لدى إبلاغها عن هذا… فكتمت النبأ عمدا في البداية…

وفي الآونة الأخيرة لاحظت أن رغد لحد ما قد هدأت… أعني أنها لم تعد تثور وتغضب بسرعة… بل بدت مستسلمة لما نقوله لها بدون جدال… صحيح أن حالتها هذه لم ترضني لكنها على الأقل أفضل من التهيج الشديد الذي سبقها, وكذلك أبدت تجاوبا جيدا مع برنامج العلاج في المستشفى وحضرت المواعيد التالية بلا اعتراض…

والأهم…أنها توقفت عن الاتصال بهاتف وليد وعن السؤال عنه… اعتقدت أن مادرا بينهما تلك الليلة قد أراحها بشكل ما… وأن اعتقادها أن وليد في الجوار هدأ نفسيتها…

وخشيت إن أنا كشفت لها حقيقة سفره الآن أن تتقلب بها الأحوال, فواصلت كتم النبأ إلى أن حل هذا اليوم… والذي قرر فيه الطبيب أخيرا نزع جبيرة يدها…

بعد أن نزعت الجبيرة… وحركت رغد يدها… رأيت ابتسامة تشع على وجهها ولأول مرة مذ قدمت إلى المدينة الصناعية.. وبمجرد أن غادرنا عيادة الطبيب قالت لي:

“سأتصل بوليد وأخبره بأنني أستطيع تحريك يدي كالسابق, لا بد وأنه سيفرح للخبر!”

واستخرجت هاتفها واتصلت به ولم يرد, فحمدت الله في داخلي… لكنها سرعان ما فكرت بالاتصال بالمزرعة والسؤال عنه… حينها لم أجد مناصا من إطلاعها على الحقيقة…

ساعتها تجهم وجه رغد واختفت تماما آثار الابتسامة التي عبرت على وجهها قبل قليل… أحسست بالندم على تسببي بقتل بهجتها القصيرة… ولكي أشجعها ادعيت أن وليد قد أعرب لي عن عزمه اصطحابنا معه في المرة المقبلة… ولم يكن هناك جدوى من ادعائي.

ومضت الأيام والأسابيع وهي على حالها من الكآبة وفقدان الاهتمام بأي شيء.. حتى أنها نحلت أكثر مما هي نحيلة وانطوت على نفسها أكثر مما هي منطوية وما عدت أطيق رؤيتها بهذه الحال…

الشيء الوحيد على الأقل.. الذي صرفت إليه بعض الاهتمام… كان الرسم, ولكي أشجعها على الانشغال به وطرح الأحزان جانبا جلبت لها عدة الرسم كاملة, ووعدتها كذلك بشراء حاسوب محمول مع ملحقاته وكتبه… عما قريب…

أما وليد فكما فاجأني بسفره فاجأني بعودته ذلك اليوم…

صدمت للوهلة الأولى عندما دخلت شقتي ورأيته جالسا يشاهد التلفاز… وقد كان وجهه شاحبا هزيلا ملتحيا, وقد خسر جسمه عدة أرطال.

ولا لم يبد أنه قد حلق شعره أو ذقنه منذ لقائي الأخير به قبل أربع أسابيع…

وقف ليحييني ويصافحني, فحييته وسألته:

“ماذا حل بجسدك؟؟!”

فابتسم ورد:

“القرحة حرمتنا من الطعام…”

فسألت:

“هل تراجع طبيبا؟”

فأجاب:

“لا وقت لذلك, العمل مضغوطا جدا وبالكاد نتنفس”.

وتبادلنا حديثا قصيرا عرفت فيه أنه عائد من أجل شؤون عمل تتطلب توقيع زوجته شخصيا على بعض الوثائق الهامة…

“ولكن.. ألست موكلا للتصرف بكل شيء… توكيلا شاملا ورسميا”.

فأجاب:

“بلى, لكن هناك بعض الاستثناءات الضرورية”.

أطرقت برأسي برهة, وراودني سؤال طارىء لم يسبق لي أن طرحته على أخي:

“متى ستتزوجان؟”

ألقى علي أخي نظرة لا مبالاة, ثم أدار وجهه بعيدا عني… واستخرج من أحد جيوبه قرصا دوائيا ووضعه في فمه. ثم جذب نفسا عميقا ثم قال:

“إنني أريد على الأقل.. أن تسير أمور المصنع كما يجب. أروى لا تفكر في حجم الخسائر التي ستلم بثروتها إن هي بقيت عالقة في الشمال وأملاكها مزروعة في الجنوب.

لولا السيد أسامة المنذر بعد الله لفاتها الكثير.. ليس جميع موظفي المصنع والشركة بأمانة المنذر… يجب أن يبقي صاحب الأملاك عينه مفتوحة على ثرواته… يجب أن تعود إلى الجنوب”.

فهمت حرص أخي على أموال زوجته, وتفانيه في العمل لأجلها, وقلت:

“البركة فيك يا أخي”.

فنظر إلي وأوشك أن يقول شيئا لكنه تراجع والتزم بالصمت.

ثم عاد وقال:

“أنا لا أريد العيش وحيدا هناك… أريد عائلتي من حولي… المنزل كبير وكئيب…”

فانتهزت الفرصة وسألت:

“ماذا عن عودتنا أنا ورغد؟”

وكأن السؤال أوجعه أو صب خل الليمون الحامض على معدته فإذا بي أرى وجهه يتألم ويده ترتفع إلى موضع معدته وفمه يطلق آهة مريرة…

قلت قلقا:

“أأنت بخير؟”

وما كان من وليد إلا أن وقف واستدار باتجاه الباب… قال أخيرا وهو ينصرف:

“ليس بعد… دعهم ينزعون جبيرة رجلها أولا… أراك لاحقا”.

عندما وصل إلى الباب توقف واستدار إلي وقال:

“لا تخبرها عن حضوري”.

ذات نهار… وفيما أنا حبيسة في غرفتي لا أفعل شيئا غير محاولة تذكر ملامح وجوه أحبابي البعيدين… ورسمها على الورق… أمي… أبي… دانة… ووليد… وليد قلبي الحبيب الغائب… طرق الباب…

“رغد هل أنت مستيقضة؟”

وكان صوت حسام. أجبته بنعم, فأخبرني بأن لديه ما يعطيني إياه…

طبعا كنا أنا وهو نتحاشى الجلوس أو التحدث معا قدر الإمكان… بعد الذي حصل…

أغلقت كراستي وقمت وارتديت حجابي وقتحت الباب فرأيته يحمل صندوقا ورقيا كبيرا وثقيلا على ما بدا…

سأل:

“أين أضعه؟؟”

قلت مستغربة:

“ما هذا؟”

فأجاب مستغربا:

“أليست أغراضك داخل الصندوق؟”

سألت متعجبة:

“أغراضي أنا؟”

فقال:

“بعث به ابن عمك…”

وتذكرت الحاسوب المحمول الذي وعد سامر بشرائه لي بعد نزع جبيرة يدي…

واستنتجت أن يكون هذا هو…

قال حسام:

“أين أضعه؟ فهو ثقيل ولن تستطيعي تحريكه”.

قلت وأنا أشير إلى الطاولة الصغيرة عند الزواية:

“هناك من فضلك”.

وسرت خلفه وأنا أقول:

“لا بد أنه الحاسوب المحمول…”

وضع حسام الصندوق على مكتبه وهو يسأل:

“حاسوب؟ عظيم!من أي شركة؟”

وأخذ يطالع جوانب الصندوق بحثا عن أي معلوملت ولم نجد شيئا قلت:

“افتح لنرى”.

وبادر حسام بفتح الصندوق, ودهشنا حين وجدنا محتواه مجموعة من الكتب والمجلات الكراسية… وأدوات الرسم…!

استخرجت الكتب وإذا بها نسخا عن بعض كتبي الدراسية!!

أخذت أقلبها متعجبة وقلت:

“هذه… كتبي الدراسية!!”

وعدت أتأمل المجموعة وأستخرجها واحدا بعد الآخر… وأسترجع ذكريات الدراسة… وأنا أقول:

“أنا لم أطلب هذا من سامر! كيف عرف بأسمائها؟؟”

وسمعت حسام يجيب:

“وليد من بعث بها”.

التفت إليه غير مستوعبة:

وليد!؟… وليد؟؟

اسم عادي.. أسمعه عشرات المرات في اليوم.. بيني وبين نفسي.. أو بين وجهي وصورته في المرآة… أو بين قلمي وكراستي ورسماتي… أو حتى من لسان أي شخص من حولي… وليد… هو الاسم الذي يلفظه قلبي مع كل نبضة ويزفره صدري مع كل نفس.. اسم معتادة حواسي على استقباله كل حين… لكن العجب كل العجب… أن يقشعر جسدي فجأة.. حالما لفظ هذه المرة..

فجأة… إذا بي أحس بطوفان هائل من الدماء يصعد إلى وجهي ويجتاح قسماته… ويوشك على تدمير ملامحه وطمس معالمه…

تقول وليد؟؟!! وليد؟؟؟

سألت… وأنا بين تصديق وتكذيب أذني… فهي لكثرة ما تاقت للسماع عنه أو منه, صارت تتوهمه صحوة أو غفوة:

“وليد!!”

حسام قال… وهو يتأمل التحولات التي طرأت على تعبيراتي:

“نعم..”

قلت متلعثمة… وأنا أشير إلى الصندوق:

“تــــ… تعني… أن… إن هذا من عند… وليد؟؟”

رد:

“أجل…”

وأعدت التحديق في محتويات الصندوق… واستخراجها وتلمسها… وكأنني أبحث عن بقايا بصمات وليد عليها…

آه يا وليد… تبعث إلي بكتبي الدراسية وأدوات رسمي… لا زلت تهتم بي… نعم أنت كذلك… أنت كذلك…

ولو لم يكن حسام إلى جانبي ساعتها لأكببت على الصندوق وما حوى مصافحة ومعانقة…

التفت إلى حسام وسألته:

“ولكن… كيف بعثها؟؟ بالبريد؟”

فنظر حسام إلي نظرة هادفة ثم قال:

“أحضرها بنفسه”.

عفوا؟؟

ماذا تقول؟؟!

حملقت في حسام مطالبة بأن يعيد الجواب… فأنا اليوم صماء ولا أسمع…

“أحضرها… بماذا؟؟ بالــــــ… بالبريد؟؟”

ونظرت إليه منتظرة أن يقول نعم, لأنني لن أصدق غير ذلك, لكنه قال:

“بنفسه”.

ملأت الدهشة عيني ورددت:

“بنفسه؟؟”

فأومأ نعم… فسألت بسرعة:

“ماذا تعني؟؟ وليد… وليد جاء… إلى هنا؟؟”

فأومأ بنعم… شهقت ورفعت يدي إلى صدري تلقائيا… ربما لأهدىء من الاضطراب المفاجىء الذي اعتراه…

“لكن… آه… كيف؟؟ وليد مسافر… إنه… إنه…”

فقال حسام:

“إنه من جلبها وقد استلمتها من يده مباشرة”.

هتفت وأنا مذهولة:

“متى؟؟!!”

أجاب:

“الآن”.

قلت وعيناي ينفتحان أوسعهما:

“الآن!!”

قال وهو يرى انفعالي:

“نعم. اتصل بوالدي قبل قليل وقال إنه سيمر لإيصال شيء لك”.

انتفض جسمي.. وقلت مرتبكة:

“هل.. تعني.. أنه.. كان هنا؟؟ كان هنا؟؟”

حسام نظر إلي نظرة حادة ثم أجاب:

“تركته واقفا مع أبي في الفناء.. وأتيت أسلمك الصندوق”.

ارتج دماغي إثر ذلك.. ترنحت في وقفتي كما لو كنت أقف على كرة متدحرجة…

وليد هنا؟؟ هنا؟؟

حسام رأى التعبيرات القوية على وجهي.. ورآني وأنا أندفع فجأة مهرولة نحو الباب… وأسير بسرعة… بسرعة… بكل ما أوتيت على ضعفي من قوة… بسرعة… قبل أن يرحل وليد…

سمعت حسام يلحق بي ويناديني.. لكنني تجاهلته وسرت عرجاء واطئة على رجلي المصابة ورافعة ثقلها مرة… ومستندة إلى عكازي مرة أخرى.. متجاهلة الألم الذي اشتعل في رجلي كصعقة الكهرباء… فقط لأدرك وليد قبل أن يرحل…

وأخيرا وصلت إلى الباب الرئيسي للمنزل.. وما إن فتحته حتى رأيت عمي أبا حسام مقبلا نحوه…

قلت بلهفة:

“أين وليد؟؟”

استدار للوراء ينظر إلى من كان يقف بجواره قبل قليل… نظرت إلى بوابة السور الخارجي فرأيت وليد يفتح البوابة الخارجية على وشك الخروج…

هتفت بأعلى صوتي:

“وليد…”

خشيت أن يكون صوتي قد خرج هزيلا بالكاد لامس الهواء قرب فمي.. لكنه وصل إليه.. رأيته يتوقف ويستدير…

خرجت عبر الباب وهبطت العتبات بسرعة متجاهلة ألم رجلي… وهرولت وأنا أعرج حافية.. أدوس على الرمل والحصى… وبقايا أوراق وأغصان الأشجار العالقة في الممر… قاطعة المسافة الطويلة بين البوابتين… حتى صرت قريبة منه… للحد الذي… لو تخطيته… لانصهرت من وهج حرارته…

كان الوقت ظهرا.. والشمس حارة.. وقوية السطوع.. تعشي العين عن الرؤية.. وحاربتها حتى أرسل نظراتي إلى وليد…

نعم… إنه وليد… بدمه وجسمه… بطوله وعرضه… بكيانه وهيئته… والهالة من اللهب الأحمر المتوهج… التي تحيط به…

كان يضع نظارة شمسية تخفي عن شوقي أي نظرة انتظرت أن أصافحها في عينيه.. بعد فراق طويل قاس…

وكان شعره طويلا بعض الشيء ومبعثر… لاعبه النسيم الصيفي الحار لحظة هبوبه…

وليد بقي واقفا في مكانه.. لم يتحرك.. ولم يظهر أي حركة تشير إلى أنه يكترث لظهوري…

وقفت أسترد أنفاسي التي نهبت مذ علمت بوجوده.. وأحاول خرق نظارت السوداء ورؤية ما تخفيه عدستاها خلفهما…

لم أر شيئا..

اقتربت منه أكثر.. صرت أمامه.. تفصلني عنه بضعة أمتار…

وقفت صامتة لا أعرف ماذا أقول.. من أين أبدأ وأين أنتهي؟؟دعوني… فقط أتأمل وليد… وأملأ قلبي من الإحساس الجميل الذي ينتابني بقربه…

ماذا حل به؟ لماذا لا أستطيع التحدث؟؟ هيا يا لساني انطلق.. أما اكتفيت حرمانا؟؟ أرجوك… قل شيئا…!

“وليد..”

نطقت باسمه وعيناي توشكان على التهامه.. وأذناي على أهبة الاستعداد لخطف أي كلمة تصدر من لسانه قبل مغادرة فمه…

“وليد… أأأ.. لم أعلم أنك هنا”.

لم يرد..

قلت:

“كنت.. أعتقد أنك… مسافر”.

لم يرد..

قلت:

“متى عدت؟”

أجاب أخيرا:

“قبل أيام”.

قبل أيام؟؟ أنت هنا منذ أيام… وأنا لا أعرف؟؟

قلت:

“لم…يخبرني سامر عن عودتك…!!”

ثم أضفت:

“حمد لله على سلامتك”.

رد مقتضبا:

“سلمك الله”.

انتظرت منه أن يخبرني عن أي مبرر لعدم إحاطتي علما بعودته… أو بمجيئه إلى منزل خالتي الآن… ولما لم أر منه المبادرة لشيء سألت:

“و… كيف هي أحوالك؟”

فنطق مجيبا ببرود:

“بخير”.

ولم يسألني عن حالي أنا…

سمعت صوت باب المنزل فالتفت إليه ورأيت حسام وأباه يقفان هناك… يراقبانني عن بعد..

وعندما عدت بنظري إلى وليد رأيته وقد مد يده إلى قبضة البوابة يوشك على فتحها.

قلت:

“هل أنت مستعجل؟ هل ستذهب الآن؟؟”

قال:

“مررت لجلب الكتب قبل سفري”.

توقف قلبي عن النبض وانحشرت أنفاسي في صدري…

قلت مذهولة:

“ستسافر؟؟”

قال:

“نعم”.

قلت:

“متى؟”

أجاب:

“غدا”.

صعقني الخبر… ستسافر يا وليد؟؟ هكذا.. دون أي اعتبار لي؟؟ دون أن تخبرني لا عن حضورك ولا عن سفرك.. دون أن تفكر بالمرور علي ولو لإلقاء تحية عابرة؟؟

نفضت يدي من الرمال التي علقت بهما, ثم مددتها إلى السور المحيط بالأشجار والمجاور لي واستندت عليه محاولة الوقوف لكن قواي المنهارة بسبب وليد لم تسعفني..

اقترب وليد مني أكثر.. ورأيته ينحني ويمد يد العون لي..

نظرت إليه بتدقيق.. لم تمكنني النظارة من رؤيتة ما كنت أبحث عنه…

مددت إليه يدي اليمنى… والتي كانت مجبرة فيما مضى… وطليقة الآن…

وأحسست به يتردد قبل أن يقرب يده يريد الأمساك بها ليساعدني على النهوض.. غير أنني تجاوزت يده ومددت يدي أكثر نحو وجهه.. وانتزعت نظارته…

الآن.. يمكنني أن أسبح في بحر عينيه.. الآن.. أستطيع أن أغوص في أعماقه وأبحث عن نبضاته.. عن الحنان الذي يغلفني به.. عن الرعاية التي يحيطني بها.. عن العطف الذي يغمرني به..

لكن.. للذهول.. لم أقرأ شيئا من هذا في عينيه..

كانتا باردتين برود الرياح المثلجة في القطب الجنوبي.. جامدتين جمود الجبال الجليدية… خاليتين من أي دفء.. أي شوق.. أي اهتمام.. وأي معنى..

ارتجف فكي الأسفل من برودة وليد… التي أوشكت أن تصير صيف ذلك النهار شتاء قاسيا… اهتز قلبي… وارتعدت يدي فأوقعت النظارة أرضا..

كان حسام قد وصل يتبعه أبوه.. يسألاني إن كنت بخير..

وليد سحب يده التي كانت ممدودة إلي.. ومدها إلى النظارة يريد التقاطها…

فحركت يدي وأمسكت بيده أريد أن أشعر بأي ذرة دافئة فيه..

وليد أراد أن يسحب يده فأحسست به يستل خنجرا كان قد طعنه في صدري..

لم أقو على ذلك.. فاضت الدموع في عيني وهتفت وأنا أجذب يده وأنهض معتمدة عليها وأقول منهارة أمامه:

“لا تفعل هذا بي يا وليد… أنا لا أتحمل..”

وزفرت زفرات باكية بألم وأنا متشبثة بذراعه وهو واقف كشجرة جامدة… لم يحرك ساكنا…

سلطت النظر على عينيه… والآن.. أرى فيهما الكثير.. الكثير..

إنهما عينا وليد قلبي اللتان ما فتئتا تحيطاني بالرعاية منذ طفولتي…

ورأيت الحمرة تعلوه وزخات من العرق تسيل على صدغيه.. أهذا بسبب الشمس الحارقة؟؟ أم بسبب النار المضرمة في صدري أنا..؟؟

قلت وأنا متعلقة بذراعه:

“خذني معك…”

علت الدهشة وجه وليد فقلت:

“أريد العودة معك.. إلى بيتنا”.

وليد نظر إلي من خلفي ثم عاد إلي وأراد تخليص ذراعه من يدي..

فما كان مني إلا أن شددت الضغط عليها أكثر وقلت:

“خذني معك أرجوك”.

وليد قال:

“إلى أين؟”

قلت مندفعة:

“لا يهم. سأذهب معك إلى أي مكان”.

وليد أزاح يدي عن ذراعه.. ورأيت عينيه تلقيان نظرة عليها وشعرت بيده تشد بلطف عليها… ثم تركها ورجع خطوة للوراء.. وقال:

“يجب أن أذهب الآن.. زوجتي تنتظرني”.

واستدار موليا ظهره إلي وببساطة اختفى عن ناظري.. مثل السراب…

زوجتي تنتظرني… زوجتي تنتظرني… زوجتي تنتظرني…

لفت الجملة برأسي حتى أصبت بالدوار وترنحت وجثوت فجأة على الأرض…

رأيت حسام يظهر أمامي منجنيا على الأرض وهو يقول:

“هل أنت بخير؟؟”

أغمضت عيني فأنا لم أقو على تحمل سطوع الشمس المعشية… وحالما فتحتهما لم أجد غير حسام قريبا مني…

بحثت يمنة ويسرة…

هل كنت أحلم؟؟

هل كان وليد هنا؟؟

لا لم يكن..

كان وهما.. خيالا.. تهيؤا رسمه قلبي الشغوف به وعيني الملتهفة للقائه..

نظرت إلى البوابة… إلى الحيز الذي توهمت أن وليد كان يشغله قبل قليل… تمنيت لو أن طيفه بقي عالقا هناك… أردت أن أنهض وأعانق جزيئات الهواء التي لامست جسده… لكنني عجزت عن الانهيار بجذعي على السرور…

سمعت صوت حسام يناديني… وأحسست بيديه تمسكان بي… نظرت إليه فإذا بي أراه يحملق بي وعطف… ويقول:

“لا بأس عليك… هلمي بنا إلى الداخل”.

وساعدني على النهوض… وفيما أنا أنهض لمحت نظارة شمسية سوداء ملقاة على الأرض بالقرب مني…

التفت إلى حسام وسألت بضياع:

“هل كان وليد هنا؟؟”

ولم يقل حسام شيئا… فانحنيت والتقطت النظارة وتأملتها وهتفت:

“لقد كان وليد هنا… لقد تركني ورحل… رحل مع الشقراء… لماذا فعل هذا بي؟؟ لماذا تركني؟؟”

حسام جذب النظارة من يدي وألقى بها على العشب وقال:

“تخلصي من هذا يا رغد… إنه لا يستحق”.

أطلقت صيحة من أعماق قلبي وهتفت:

“كلا… كلا… وليد لن يرحل بدوني… لن يرحل بدوني… لن يرحل بدوني…”

عرض التعليقات (9)