مزرعة الدموع للكاتبة بنوتة اسمرة الجزء السابع و العشرون والأخير

30 5٬630
 

مزرعة الدموع للكاتبة بنوتة اسمرة الجزء السابع و العشرون والأخير

مزرعة الدموع للكاتبة بنوتة اسمرة الجزء السابع و العشرون والأخير

مزرعة الدموع للكاتبة بنوتة اسمرة الجزء السابع و العشرون والأخير

مزرعة الدموع للكاتبة بنوتة اسمرة الجزء السابع و العشرون والأخير , معكم صديقة زاكي الشيف الموهوبة ,كريمة جزائرية

البارت 39

– أيوة ملكى .. بس مبروحوش كتير .. روحته كام مرة بس

راقبت وجهه لترى عليه تعبيرات غريبة كمن يتذكر شيئاً يضايقه .. ثم هذ رأسه وكأنه يحاول نفض تلك الذكرى من رأسه .. استأذنت لتذهب الى الحمام .. دخلت الى الحمام وهى ترتعش .. وقفت أمام المرآه تنظر الى وجهها المضطرب .. ونظراتها الشاردة المتوترة .. بيته .. ملكه .. هو صاحب البيت .. البيت الذى زنت فيه زوجة الغفير مع رجل .. ظنت أن “عمر” ليس له علاقة بالبيت وما حدث فيه .. لكنه صاحب البيت .. ومالكه .. لماذا يشترى رجلاً مثله مثل هذا البيت الموجود على أطراف القرية والذى لا يحتوى إلا على فراش ودولاب وبضع الأوانى البسيطة .. ماذا يفعل رجلاً مثله فى هذا البيت الذى قال انه زاره مرات .. لم يذهب اليه الا لسبب واحد .. لكى يلتقى فيه بعشيقته بعيداً عن أعين زوجها .. وبعيداً عن أعين الخدم .. لكم تمنت أن يكون برئياً .. لكم حاولت تناسى تلك الحادثة وتجاهلها وكأنها شيئاً لم يكن .. لكنه أثبت لها .. أنه هو نفسه الرجل الذى زنى بزوجة الغفير فى هذا البيت المحترق .. نظرت الى نفسها فى المرآه لتقسط من عينيهــا دمعــة حزينــة .. يعقبها شلالاً من الدمـــوع الصامتـــة

شعرت “ياسمين” وكأن الدنيا قد توقفت من حولها ولا يوجد سوى تلك الحقيقة المره .. وقفت تنظر فى المرآه وهى متألمه مجروحه حائرة لا تدرى ماذا تفعل .. وكيف تتصرف .. أتواجهه .. أتسامحه .. أتبتعد عنه .. لا تدرى ماذا ستفعل .. ليست واثقه من أى شئ .. الشئ الوحيد الذى تثق به .. هو أن زوجها الجالس فى الخارج أجرم فى حقه نفسه وفى حقها وفى حق ربه بجريمة بشعة للغايه .. كفكفت دموعها وغسلت وجهها وعادت الى الطاوله .. تفرس فيها “عمر” .. ثم قال بإهتمام :

– مالك يا “ياسمين”

قالت بصوت مبحوح :

– مفيش

قال بحزم :

– لأ فى .. انتى كنتى بتعيطى صح ؟

لم تستطع التأكيد أو الانكار .. صمتت .. أمسك يدها بين يديه الاثنين واقترب منها قائلاً :

– حبيبتى ادعيله ربنا يرحمه هو وماما

نظرت اليه .. ليتك تعلم سبب دموعى يا “عمر” .. ليس أبي سببها .. بل أنت .. أنت من قهرنى وجرحنى .. قالت “ياسمين” وقد بدا عليها الضيق :

– معلش ممكن نمشى .. عايزة أروح

ركبا السيارة .. وظلت صامته طوال الطريق .. و”عمر” لم يحاول مضايقتها بالحديث .. لكنه ظل يلتفت اليها .. ويتفرس فيها وفى تعبيرات وجهها الحزين .. وصلا الى البيت صعدا معاّ .. توقفا أمام باب غرفتها .. اقترب منها “عمر” وقبل جبينها ثم قال :

– تصبحى على خير يا حبيبتى .. لو مجالكيش نوم واحتجتى تتكلمى أنا سهران فى المكتب

دخلت “ياسمين” غرفتها وألقت بنفسها على الفراش بملابسها وانفجرت فى بكاء صامت .. بكاء يبكى فيه قلبها قبل عينيها ..لم تدرى كم جلست تبكى .. لكنها لم تتوقف الا عندما لم يعد لديها القدرة على البكاء .. قامت بتثاقل وتوضأت وصلت .. بكت كثيراً فى سجودها وهى تتضرع الى الله عز وجل أن ينير لها طريقها .. ويلهمها حسن التصرف .. أنهت صلاتها وجلست على فراشها تفكر .. هى الآن تشعر بأن “عمر” بالفعل مذنب بهذا الجرم .. وأنه أخطأ مع تلك المرأة .. وترى “ياسمين” الآن انه ليس لديها الا طريقين اثنين لا ثالث لهما .. ويجب عليها أن تختار أحدهما .. الطريق الأول هو أن تواجهه ثم تنفصل عنه وتبتعد عنه تماماً .. الطريق الثاني أن تخفى ما عرفته .. وتسامحه .. وتغفر له ما فعل .. لكن السؤال الآن .. هل حبها له كافى لأن يغفر تلك الغلطة .. هل حبها له كافى لأن ترمى هذا الأمر خلف ظهرها وألا تفكر فيه مرة أخرى .. هل حبها له كافى لأن تساعده على التغيير للأفضل وتأخذ بيده وتجعله يسير معها فى طريقها .. أم أن حبها له أضعف من أن يتحمل تلك الغلطة التى سبقت معرفته بها .. وقلبها لن يستطيع أن يغفر له أبداً .. هى تعلم أن الحب كلمة لها معانى كثيرة .. من بين تلك المعانى .. التسامح .. وغفران الزلات .. وكلما كان الحب أكبر .. كلما كان التسامح أكبر .. وكلما كان الاحتواء أعمق .. فهل حبها بالفعل كبير ؟ وقوى .. ؟ .. حتى يقف فى وجه تلك العاصفه التى تحاصره من جميع الجهات .. ؟

مكثت فى غرفتها الى بعد الظهر .. كانت تحاول أن تتحاشي الاجتماع به .. خرجت من غرفتها ومرت بجوار باب غرفته المغلق فأسرعت السير حتى نزلت الدرج .. ليس من المعقول أن يظل “عمر” نائماً لهذا الوقت فليس هذا من عادته .. لكنها لا تجد أثراً له فى المنزل .. ذهبت الى الخادمة فى المطبخ وسألتها عنه فقالت انها لا تعرف مكانه .. حضرت له الفطار فى الصبح ولم يطلب منها شيئاً آخر .. على قدر ما كنت تشعر بالراحه لعدم رؤياه حتى لا تتذكر ألمها منه .. على قدر ما كانت تشعر بالقلق عليه .. غلبها قلقها .. اتصلت به .. رد عليها قائلاً :

– صباح الخير يا حبيبة قلبي

– السلام عليكم .. صباح النور

– وعليكم السلام

– انت فين .. صحيت لقيتك مش موجود

أتاها صوته الدافئ :

– وحشتك ؟

خفق قلبها .. وصمتت .. فقالت :

– مستخسره حتى تقوليهالى

لم ترد .. فاكمل :

– اما أنا فمش بستخسر فيكي حاجه ..وحشتيني .. وبتوحشيني على طول .. ولولا الشغل اللى فى ايدى كنت طرت لحد عندك

أغمضت عينيها وقد آلمتها كلماته .. آلمها حبه الكبير لها .. وهى لا تستطيع أن تبادله حباً بحب .. أرادت أن تسأله ان كان فى مكتبه أم خارج المزرعة .. لكنها وجدت نفسها تسأله سؤال آخر تماما :

– “عمر” .. انت بتحبنى بجد ؟

لم تمسع صوتاً .. بل انقطع الخط .. تركت الهاتف من يدها .. وأنبت نفسها على سؤالها .. تمنت أن يكون الخط قد انقطع قبل أن يستمع الى سؤالها .. والذى لا تعلم لماذا سألته أصلاً .. جلست تقرأ احدى المجلات عندما سمعت صوت الباب يُفتح وقفت لتجد “عمر” يدخل ويقف أمامها .. قالت بإستغراب :

– “عمر”

كانت نظراته تحمل كل معانى الحب والشوق واللهفة .. قال :

– جيت عشان أرد أرد على سؤالك

تبادلا النظرات لبرهه ثم جذبها الى حضنه .. استسلمت فترة لأحضانه .. ثم .. شعرت بالخجل .. حاولت ابعاده عنها .. رفع رأسه ونظر اليها مبتسماً .. قال بصوت حانى :

– عرفتى اجابة سوالك ؟

احمرت وجنتاها وأخفضت بصرها .. حاول رفع وجهها بكفه .. فوقع نظرها على الحرق .. فشعرت بغصه فى حلقها .. سألته بصوت مضطرب قليلاً :

– من ايه الحرق ده

نظر “عمر” اليها يتفرس فيها قائلاً :

– دى تانى مرة تسأليني عنه

“ياسمين” وهى تحاول أن يبدو صوتها طبيعياً :

– فضول مش أكتر

قال “عمر” بحزم :

– مش هقولك

نظرت اليه قائله :

– ليه ؟

صمت .. طال صمته .. بدا عليه الضيق .. وأخيراً قال :

– لأنك بعيده عنى بما فيه الكفايه .. ولو عرفتى هتبعدى أكتر

ارتجف قلبها لكلماته التى تؤكد ما عرفته .. أومأت برأسها وحاولت رسم بسمه على شفتيها قائله :

– يلا عشان متتأخرش على شغلك .. وأنا هستناك على الغدا

سألها بإهتمام :

– فطرتى

– لأ لسه

قال بحزم :

– حالاً .. تفطرى حالاً

– حاضر

ابتسم قائلاً :

– قوليها تانى

– ايه هى ؟

– حاضر

ابتسمت قائله :

– حاضر

– مش هتأخر عليكي .. لو احتجتى حاجة كلميني

ابتسمت له حتى انصرف .. ثم اختفت الابتسامه من شفتيها لتحل محلها عبره فى عينيها.

************************

جلست “سماح” مع “أيمن” فى شرفة منزلهما .. بدا على “سماح” التفكير .. قالت لـ “أيمن” :

– “أيمن” عايزة أسألك سؤال

– خير

بدا عليها وكأنها تحاول تخير كلماتها بعنايه .. ثم سألته :

– هو الحرق اللي فى ايد “عمر” .. قديم ولا جديد

التفت اليها ورفع حاجبه قائلاً :

– نعم ؟ .. وانتى ايه دخلك بالموضوع ده

اضطربت قليلاً ثم قالت :

– عادى يعني .. فضول .. “ياسمين” كانت عايزة تعرف

نظر الى عينيها بحزم قائلاً :

– مراته عايزة تعرف يبقى تسأله .. لكن انتى متسأليش سؤال زى ده عن واحد صحبى

قالت تحاول تلطيف الجو :

– ده سؤال عادى يا “أيمن” يعني مش سؤال شخصى

قال بحزم :

– لأ مش عادى .. متسأليش اى حاجه عن أى راجل .. حتى لو كان صحبي .. انت ايه دخلك بالحرق الى فى ايده .. وكمان بتسأليني أنا

ابتسمت قائله :

– هو انت بتغير ؟

نظر اليها بعتاب قائلاً :

– يعني مش عارفه ان أنا بغير .. بغير من مجرد كلامك عن راجل تانى .. وسؤالك عن حاجه تخصه

ضحكت قائله :

– خلاص يا عم مكنش سؤال ده

اقترب منها قائلاً :

– بقولك ايه ما تيجي نعمل شهر عسل تانى

ضحكت قائله :

– واللى فى بطنى ده أشفطه يعني ولا أعمل ايه فيه

– لأ خليه .. بس أصلى بصراحة غرت شوية .. يعني “عمر” فى شهر العسل و “كرم” فى شهر العسل .. وأنا مليش نفس يعني

ابتسمت قائلاً :

– لأ ازاى .. خليك هنا ثوانى هروح أستعد لشهر العسل وأجيلك

*********************

فى المساء دخلت “ياسمين” الى غرفتها .. استأذنت من “عمر” لتنام مبكره عن كل يوم .. فى الحقيقة لم ترغب فى النوم .. بل كانت ترغب فى الإنفراد بنفسها .. والتفكير .. لم تصل حتى الآن الى قرار .. لا تعرف ماذا تختار .. لا تعرف سوى شئ وحد .. أنها كل يوم تزداد قرباً منه وتعلقاً به .. فإن كانت ستأخذ قرار الإنفصال عليها ان تأخذه الآن .. لأن كل يوم يمر عليها معه .. بل كل لحظه .. تربطها به أكثر .. سقطت عبره من عينيها .. لم تكن تلك العبرة حزينه كباقى العبرات .. بل عبرة شوق .. شوق لزوجها الذى لا يفصلها عنه سوى جدار .. لكم تتمنى ان تلقى بنفسها بين أحضانه .. وتخبره بكل ما يحزنها .. كان حنوناً للغاية .. وهذا جعلها متعطشه للمزيد من هذا الحنان .. دعت ربها أن يكون قد تاب بالفعل .. تمنت أن تشعر بذلك .. بتوبته .. وبصدقها .. ويعزمه على عدم تكرار ما فعل .. عندها ربما تتمكن من مسامحته .. ربما تتمكن من نسيان ما حدث .. تنهدت ونهضت لتغير ملابسها .. كانت شاردة .. تعاملت مع سوسته العباءة بعنف حتى كسرتها .. زفرت فى ضيق .. حاولت فتحها فلم تستطع كانت قوية للغاية .. نظرت للقطعة المقطوعة فى يدها بضيق .. خرجت ونزلت الدرج لتقابل “عمر” وهو صاعد الى غرفته .. قال لها :

– انتى لسه منمتيش

قالت بإرتباك :

– أيوة .. هنام دلوقتى

سألها بعتاب :

– طالما كنتى سهرانه مجبتيش أعدتى معايا ليه

صمتت لم تجد ما تقول .. قال بضيق :

– براحتك .. تصبحى على خير

صعد الى غرفته .. نزلت وذهبت الى المطبخ للبحث عن الخادمة .. لم تجدها .. نظرت الى باب غرفتها المغلق .. تُرى هل نامت أم لا .. كادت أن تطرق عليها الباب لكنها أشفقت عليها أن توقظها بعد يوم متعب من أجل سوسته العباءة .. صعدت فى ضيق الى غرفتها وظلت تحاول فتحها دون جدوى .. حاولت البحث عن مقص فلم تجد .. خرجت لتنزل للبحث عن مقص .. لم يكن أمامها حل الا قص العباءة .. قابلت “عمر” مرة أخرى وهو يدخل غرفته ويحمل كوب من الشاى .. قال بإستغراب :

– مالك فى ايه ؟

قالت بإضطراب :

– مفيش

همت بأن تنزل الدرج لكنها التفتت اليه لتقول :

– مفيش عندك مقص ؟

قال بإستغراب :

– اه عندى .. عايزاه ليه

قالت بنفاذ صبر :

– عايزاه وخلاص

ابتسم وقال :

– مش هجيهولك الا اذا قولتيلى عايزاه ليه

قالت بضيق :

– قولتلك عايزاه وخلاص

– كنت بهرج معاكى .. لا مفيش مقص

زفرت بضيق .. نظر اليها .. حزمت امرها وقالت بسرعة وكأنها تخشى أن تتراجع :

– “عمر” ممكن تفتحلى السوسته

لمعت عيناه بخبث .. فقالت بتوتر :

– اتكسرت وبقالى ساعة مش عارفه اغير هدومى .. نزلت لقيت الست اللى بتشتغل هنا نايمة وصعبت عليا أصحيها

قال بهدوء :

– وأنا روحت فين ؟

دخل غرفته وضع كوب الشاى ثم خرج والتف حولها .. التفتت تنظر اليه وقالت بجديه :

– افتحها فتحه صغيره وأنا هكملها

ضحك قائلاً :

– ماشى حاضر

رفع يده فالتفتت مرة أخرى تنظر اليه محذره :

– حته صغيره

كتم ضحكته بصعوبه وهتف :

– اللى يسمع كده يقول انك جايبه واحد من الشارع يفتحلك السوسته .. صبرنى يارب

طال انتظارها .. قالت :

– ها خلصت

– لأ لسه .. انتى قفلتيها ازاى .. قفلتيها على القماش .. وكمان قطعتيها

قالت بنفاذ صبر وهى تحاول ان تبتعد :

– خلاص مش مشكلة هقصها

لم يسمح لها بالابتعاد وقال :

– استنى هحاول تانى

أثناء محاولته .. وقع نظره على السلسله فى عنقها .. لمسها بيده وأخرجها .. التفتت تنظر اليه .. ابتسم عندما رآى القلب معلق فى نهاية السلسله .. نظر اليها بحب قائلاً :

– لبساها من يوم ما اديتهالك ؟

أومأت برسها قايله :

– أيوة

ظل ممسكاً بالقلب وهو ينظر اليها .. شعرت بالتوتر حاولت أن تبتعد .. لكنه كان يطبق على السلسلة بقوة .. نظرت اليه .. غاصت فى بحر عيناه اللاتان تحتويانها فى صمت .. اقترب منها أكثر .. ولدهشتها لم تعترض ..شجعه هدوئها على الاستمرار .. لاحت لها صورة أفزعتها .. صورة زوجها فى احضان امرأة أخرى .. وألقى الشيطان بأسئله مقزز فى عقلها .. تُرى هل كان يقبل تلك المرأة بالطريقة التى يقبلها بها .. هل كان شغوفاً بتلك المرأة مثلما تراه شغوفاً بها الآن .. كم استمرت علاقتهما .. هل كان يحبها أم هى مجرد رغبة عابرة .. فتحت عينيها لعل تلك الصورة تختفى .. لكن هيهات .. فالصورة لم تكن فى عينيها .. بل فى عقلها .. شعرت بالقشعريرة تسرى فى جسدها وهى تتخيل زوجها فى أحضان اخرى .. أخرى متزوجه تخون زوجها معه .. انتفضت .. وانزوت بنفسها تحاول أن تبتعد عن يده .. انتفض قلبه لانتفاضتها.. نظر اليها نظر دهشة ممزوجة بالألم والغضب .. ثم قال :

– للدرجة دى مش طيقانى ؟

نظرت اليه بألم قائله :

– أنا أسفه .. بس أنا محتاجه شوية وقت وهبقى كويسه

ابتعد عنها وقال فى غضب :

– قولى انك مش قادرة تنسيه .. مش قادرة تنسي مصطفى

شعرت بكلماته وكأنها خنجر يطعن قلبها المكلوم .. التفت ونزلت الدرج بسرعة .. وتوجه الى مكتبه ثم سمعت صوت الباب يغلق بقوة .. عادت الى غرفتها وجلست على فراشها .. كانت حزينه حائرة متألمة .. ترغب فى مسامحته .. لكن الأمر شاق عليها .. كيف تمنع عقلها من التفكير فيما فعل .. مضت أكثر من ساعة جالسه مستغرقة فى التفكير .. أكثر ما آلمها هو أنه غضب منها .. تعلم جيداً انها لا يجب أن تنام وزوجها غاضب عليها .. لأن من تفعل ذلك تظل الملائكة تلعنها حتى الصباح .. ارتجفت لقساوة تلك الكلمات التى تعرفها جيداً .. فتحت باب الغرفة وخرجت تبحث عنه .. لم يكن ما يحركها هو خوفها من لعن الملائكة فقط .. بل حبها له .. وحزنها لأنها أغضبته .. نظرت الى باب غرفته المفتوح .. وكوب الشاى الذى برد .. علمت أنه فى المكتب لم يخرج .. نزلت ببطء .. طرقت باب المكتب بهدوء .. لم تسمع صوتاً يدعوها للدخول .. وقفت .. ترددت .. لكنها أخيراً عزمت أمرها وفتحت الباب .. أطلت برأسها لتجد “عمر” جالساً على احدى الأرائك وبيده ألبوم صور .. رفع رأسه ليلقى عليها نظرة لا مباليه وكأن وجودها لا يعنيه ثم عاد ليقلب صفحات الألبوم .. دخلت “ياسمين” وأغلقت الباب خلفها .. جلست على الأريكة التى يجلس عليها لكنها تركت بينهما مسافة .. لم تعرف ماذا تقول .. هرب منها الكلام .. كانت تشعر بأحاسيس كثيره متناقضة .. كان مازالت يطالع الألبوم فى يده .. قالت دون ان تنظر اليه :

– أنا مبفكرش أبداً فى “مصطفى”

نظر اليها بغضب وحده .. نظرت اليه وأكملت :

– أنا أصلا مكنتش بحبه يا “عمر” .. عمرى ما حبيته أبداً

رقت نظراته قليلاً فأكملت :

– أنا مكنتش أعرفه قبل الخطوبة .. هو شافنى واتقدملى .. كانت أول مرة أشوفه يوم ما اتقدملى .. واتخطبنا على طول .. واتجوزنا على طول

ترك الألبوم من يده واعتدل فى جلسته .. ساد الصمت لفترة .. ثم قطعه قائلاً :

– يعني عمرك ما حسيتى بحاجه ناحيته

هزت رأسها بقوة قائله :

– لأ

تفرس فيها قائلاً :

– ولا مرة ؟

قالت بثقه :

– ولا مرة

أكملت قائله :

– لما بفتكره مش بفتكره على انه جوزى خالص .. بفتكره على انه واحد غريب .. عمرى ما قدرت أفهمه .. ولا عايزة أفهمه

أومأ برأسه وقد فهم ما قالت .. قال بهدوء :

– أنا اسف على الله قولته

قالت بأسى :

– وأنا اسفة على اللى عملته

نظر اليها بصمت فأكملت قائله :

– “عمر” .. أنا كنت طول عمرى فى حالى .. عمر ما كان ليا علاقات بحد .. حتى صحابي أيام الكلية كانوا معدودين على الصوابع .. لانى مش برضى أصاحب أى حد .. مبصحبش غير البنت اللى بثق فيها وبحس انها شبهى .. ومفيش منهم غير “سماح” هى اللى علاقتنا متقطعتش من أيام الجامعة ..

نظرت اليه بألم وحيرة قائله :

– يعني اللى عايزة أفهمهولك .. انى معنديش خبرة فى أى حاجه .. وحسه ان فى حاجات كتير أول مرة أتعرضلها .. ومش قادرة أحكم على مشاعرى صح .. حتى أفكارى حساها مشوشة

اقترب منها وجذبها الى حضنه .. ثم قال :

– أنا آسف انى اتسرعت

رفعت رأسها لتنظر الى عينيه قائله :

– لأ انت متسرعتش .. ده حقك .. بس أنا محتاجه وقت أطول .. فى حاجات كتير جوايا محتاجه أظبطها الأول

أمسك كفيها بيده وقال :

– طيب ليه ما تتكلميش معايا فى الحاجات اللى جواكى دى .. ونظبطها سوا

ابتسمت قائله :

– اوعدك .. انى هحاول أعمل اللى انت بتقوله .. وانى فعلا أقولك على كل اللى جوايا .. أنا بس محتاجة وقت

تبللت عيناها بالدموع ونظرت اليه برجاء قائله بصوت أوشك على البكاء :

– المهم بس انت متزعلش منى .. أنا مش عايزاك تزعل منى يا “عمر” .. انا عارفه انى تعباك معايا .. بس حاول تفهمنى ومتزعلش منى

أمسك وجهها وقبل جبينها قائلاً بجديه :

– طيب ممكن تبطلى عياط .. مش عايز أشوف دموع فى عنيكي أبداً .. وأنا مش زعلان منك .. ومش ممكن أزعل منك .. الحاجة الوحيدة اللى تزعلنى منك هى بعدك عنى .. لكن طالما انتى معايا خلاص .. هصبر لحد ما انتى اللى تقوليلي أنا عايزاك يا “عمر” .. أنا نفسي أبقى مراتك بجد يا “عمر” .. أنا بحبك يا “عمر”

ابتسمت له .. وقالت وهى تنظر الى عينيه ساهمه :

– انت حنين أوى على فكرة

ابتسم لها .. فأكملت :

– وطيب أوى .. ومريح أوى .. وراجل أوى .. وشهم أوى ..

اقترب برأسه منها حتى أسند رأسه على جبينها قائلاً :

– طيب اسكتى بأه بدل ما تشوفيني مجنون أوى

تلاقت أعينهما وابتسامتهما .. اعتدلت فى جلستها قائله :

– بما انها جلسه مصارحه فأحب أسألك سؤال

أجاب مبتسماً :

– اسألي

قالت بهدوء :

– يعني انا عارفه انك كنت خاطب قبل كده

صمتت لتراقب تعبيرات وجهه الساكنه .. ثم أكملت :

– يعني اللى سمعته انها كانت مختلفة عنى .. حتى ماما “كريمه” قالتلى كده

أومأ برأسه دون أن يتكلم .. فأكملت :

– ليه ؟

– ايه اللى ليه ؟

– ليه اخترتها ؟

صمت وبدا عليه التفكير .. ثم نظر اليها قائلاً :

– اخترتها لانى كنت فاكر انى ممكن أغيرها .. بس هى كانت بعيده أوى أوى عنى .. بعيده بعد صعب انى أقربه .. خطوبتى ليها كانت من اكتر الحاجات اللى ندمت عليها فى حياتي

تفرست “ياسمين” فى وجهه تراقب تعبيراته وقالت :

– فى حاجات كتير ندمت عليها ؟

بدا ليه التفكر ثم قال :

– مش كتير أوى .. بس أى انسان عنده غلطات قاتله أكيد بيندم عليها

شعرت بالألم يغزو قلبها .. اقتربت منه .. اندهش عندما وجدها تمسك يده بيدها .. نظر اليها فقالت بحنان :

– المهم اننا نندم فعلاً على الغلطة دى ونستغفر ربنا كتير عشان يغفرهالنا .. ومنكررش أبداً الغلطة دى تانى مهما حصل

قال بهدوء :

– صح كلامك مظبوط

سألته بلهفه:

– يعني انت ندمت على الغلطات دى

أومأ برأسه :

– أيوة ندمت

ابتسمت .. شعرت بالراحة تسرى فى كيانها .. قالت له بحماس وبأعين دامعه :

– ان شاء الله ربنا هيغفرلك .. اللى بيتوب صح ربنا بيغفرله ويمسح الذنب ده من صحيفته يوم القيامه

رق قلبه وهو يرى دموعها المتساقطه .. مسحها بأصابعه ونظر اليها بحنان جارف وقال بصوت مرتجف :

– انتى حبيبتى بجد .. أنا بحبك أوى .. عمرى ما تخيلت ان واحده تعيط ادامى من خوفها عليا بسبب ذنوبى .. انتى حنينه أوى يا “ياسمين” .. أنا بحبك أوى

***************************************

استيقظت “ياسمين” من نومها على صوت جرس الهاتف الذى تضبطه على صلاة الفجر .. نهضت لتجد نفسها فى غرفتها ومدثرة بغطائها .. كيف صعدت الى هنا .. ابتسمت وهى تتخيل نفسها محموله على ذراعى “عمر” .. وقريبه من قلبه .. نهضت من فراشها وتوضات .. ذهبت الى غرفته وطرقت الباب .. وقت طويلاً .. أخيراً فتح الباب وهو ناعس العينين قائلاً بمرح :

– فى واحدة محترمة تخبط على باب أوضة جوزها الساعة 4 الفجر

ضحكت وقالت :

– أه عشان تصحيه يصلى الفجر

ابتسم وهو يفتح عينيه بصعوبه قائلاً :

– ماشى هعديها المرة دى ..

نظر الى ما كانت ترتديه ثم قال بخبث :

– هو انتى لسه مفتحتيش السوسته

ابتسمت بخجل قائله :

– لأ ولا لاقيه مقص

قال وكأنه يفكر :

– مممممم طيب وهنعمل ايه فى المشكلة دى

– عادى بكرة هسأل الست اللى بتشتغل هنا على مقص

نظر اليها قائلاً :

– طيب تعالى أحاول تانى

قالت بسرعة :

– لأ

ضحك بشدة قائلاً :

– يا بنتى هحاول أفتحتلك السوسته .. مش هحاول حاجه تانيه

قالت بخجل :

– لأ هتصرف أنا

قال بعند :

– طيب محدش فتحهالك غيري

اقترب منها ولفها .. دقيقه وكانت المشكلة قد حُلت .. أنزل السوسته ببطء فالتفتت بسرعة قائله :

– خلاص كفاية .. هكمل أنا

– حسابك كام يعني ؟

اتسعت ابتسامته ونظر وعيناه تلمعان من البهجه .. قالت دون أن تنظر اليه :

– متنساش تصلى قبل ما تنام .. تصبح على خير

تابعها بنظره قائله :

– وانتى من اهل الخير يا حبيبتى

دخلت وأغلقت الباب و ابتسمت بسعادة وقد أيقنت أنها أصبحت تحب زوجهــا بشــدة .. بـل تعشقه بجنــون ..

************************

فى الصباح سمعت طرقات على باب غرفتها .. نهضت وفتحت الباب لتجد الخادمة تخبرها بأن “عمر” ينتظرها فى الأسفل لتفطر معه

دخلت الحمام وأخذت دشاً .. احتارت فيما ترتدى .. هل ترتدى عباءة كما هى عادتها .. أم .. اختارت فستان طويل .. مثل الدريل .. بنصف كم .. لم تربط شعرها للخلف هذه المرة بل تركته حراً .. كان لديها شعر أسود اللون فاحماً .. ذو مظهر صحى جذاب .. به موجات تعطيه انسيابيه رائعه .. وضعت أيضاً حكلاً .. وبرفيوم تحبه .. نظرت الى نفسها فى المرآه .. ثم نزلت .. دخلت غرفة الطعام وهى تشعر بالخجل من التغيير الذى أحدثته فى نفسها .. نظر “عمر” اليها متأملا لا يرفع عيناه عنها حتى جلست قائله :

– صباح الخير

ابتسم وقال :

– صباح النور .. هو احنا ملنا حلوين أوى النهاردة كده

ابتسمت بخجل و قالت :

– يلا عشان نفطر عشان متتأخرش على شغلك

اقترب منها هامساً :

– انا مستعد ألغى الشغل خالص على فكرة

ضحكت .. سعد “عمر” للغاية من التغيير فى مظهرها أولا .. ومن ابتسامتها العذبة التى ظلت محتفظة بها طيلة جلوسها .. فى المساء انشغلت “ياسمين” بسقى الزرع فى الشرفة فى حجرة المعيشة .. اقترب منها “عمر” قائلاً :

– انا طالع انام .. هتسهرى

التفتت قائله :

– لأ .. هسقى الزرع ده بس وأطلع انام

قبل خدها قائلاً :

– تصبحى على خير

هم بالانصراف ثم التفت قائلاً :

– متنسيش تصحينى الفجر

ابتسمت له .. صعد الى غرفته .. بعدما أنهت “ياسمين” عملها صعدت هى الأخرى الى غرفتها .. اقتربت من فراشها لتجد على وسادتها ورقة وزهرة ياسمين .. أمسكت الزهرة واستنشقت عبيرها المنعش .. وفتحت الورقة والابتسامه على ثغرها .. لتجد “عمر” كاتبً فيها :

كـم هي صعبـة تلـك الليالـي

التي أحـاول أن أصـل فيها إليــكِ

أصل إلى شرايينــك

إلى قلبــك

كـم هي شـاقـة تلـك الليالـي

كـم هي صعبـة تلـك اللحظـات

التي أبحـث فيهـا عن صـدركِ ليضـم رأسـي

خفق قلبها واضطربت نبضاته .. أشعرتها تلك الكلمات كم هى قاسيه على حبيبها .. على زوجها .. ارتجفت أصابعها التى تمسك بالورقة .. قراتها مرة أخرى وقد تأثرت بها بشدة .. تركت الورقة والزهرة وتوجهت الى غرفته .. طرقت الباب .. لحظات قليله وفتحه .. نظر اليها .. وعلامات التأثر على وجهها .. قالت بصوت مضطرب :

– أنا اسفة

لم يتكلم بل أخذها بين أحضانه يضمها الى صدره

طال عناقهما الصامت .. رفع رأسه أخيراً ونظر الى عينيها قائلاً :

– “ياسمين” أنا عايزك تنامى معايا فى الأوضه .. مش هلمسك .. بس أحس انك جمبي

شعرت بخفقات قلبها التى تسارعت .. صمتت .. قال وهو يتراجع عما قال :

– خلاص مفيش مشكلة أنا بس كنت …….

قاطعته بصوت هامس :

– ماشى

نظر اليها بشك قائلاً :

– عشان انا طلبت ؟ .. يعني هتعملى كده عشان تسمعى كلامى وخلاص

قالت بخجل :

– لأ مش عشان أسمع كلامك وخلاص

ابتسم قائلاً :

– متأكده

ابتسمت فى خجل وأومأت برأسها

أمسكها من يدها وأدخلها غرفته وأغلق الباب .. اقتربا من السرير فشعرت بالتوتر والإضطراب .. شعر “عمر” بما يعتمل بداخلها .. قبل رأسها قائلاً :

– تصبحى على خير

دخل فراشه ونام على طرفه وأعطاها ظهره وتدثر بالغطاء .. وقفت مكانها طويلاً .. دون ان تتحرك .. لم يتحدث .. بل أرهف سمعه لمعرفة ما تفعل .. دون ان يحاول الالتفات اليها .. ببطء وتردد ..وبعد فترة طويلة .. ازاحت الغطاء عن طرف الفراش وهى تنظر اليه بخوف وتوتر .. ثم نامت على طرفه الآخر ومعظم جسمها الى الخارج .. وتدثرت وحاولت أن تهدئ من تنفسها السريع وضربات قلبها المضطربه .. ابتسم “عمر” ولم يحاول التحرك من مكانه .. قرب كفه من أنفه ليشم عطرها الذى علق بيده .. أغمض عينيه وهو يسرح بخياله فى زوجته النائمة بجواره.

البارت 40

نظر اليها “عمر” نظره صارمة باردة خاليه من أى شعور وقال بصوت هادر :

– احنا لازم نتطلق يا “ياسمين”

صدمت عندما سمعت تلك الكلمة التى فكرت فيها مراراً .. لكن عندما خرجت من فمه علمت كم هى كلمة مريرة .. تجمعت الدموع فى عينيها وهى تنظر اليه بحسرة وألــم .

*******************

( فلاش باك قبل يومين )

دخل فراشه ونام على طرفه وأعطاها ظهره وتدثر بالغطاء .. وقفت مكانها طويلاً .. دون ان تتحرك .. لم يتحدث .. بل أرهف سمعه لمعرفة ما تفعل .. دون ان يحاول الالتفات اليها .. ببطء وتردد ..وبعد فترة طويلة .. ازاحت الغطاء عن طرف الفراش وهى تنظر اليه بخوف وتوتر .. ثم نامت على طرفه الآخر ومعظم جسمها الى الخارج .. وتدثرت وحاولت أن تهدئ من تنفسها السريع وضربات قلبها المضطربه .. ابتسم “عمر” ولم يحاول التحرك من مكانه .. قرب كفه من أنفه ليشم عطرها الذى علق بيده .. أغمض عينيه وهو يسرح بخياله فى زوجته النائمة بجواره.

أخيراً هدء اضطراب “ياسمين” واستسلمت للنوم العميق .. استيقظت من نومها وفتحت عيناها لتفاجأ بـ “عمر” النائم بجوارها سانداً رأسه بيده ابتسم قائلاً :

– صباح الخير يا حبيبى

ابتسمت بخجل قائله :

– صباح النور

نظر فى عينيها قائلاً :

– انتى على طول بتنامى هاديه كده ؟ .. لا بتتقلبي ولا بتتحركى من مكانك

حاولت الجلوس فتركها تجلس ثم قالت :

– ايوة انا مابتقلبش كتير

جلس بجوارها قائلاً :

– نمتى كويس ؟

أومأت برأسها .. فقال :

– أنا من بعد ما صلينا الفجر منمتش تانى فضلت صاحى جمبك .. اعملى حسابك معدتش هسمحلك تنامى بعيد عنى أبداً .. النهاردة هننقل هدومك وحاجتك هنا فى الأوضة بتاعتنا

ابتسمت له .. نهض الاثنان وذهبت الى غرفتها .. تقابل الاثنان على طاولة الطعام .. جاءه اتصال من “كريمه” قائله :

– اعمل حسابك اننا منتظرينكوا النهاردة .. “علاء” جه من السفر .. وعمتك زعلانه منك جداً عشان مستقبلتوش

قال “عمر” بنفاذ صبر :

– هى عمتو مش عارفه ان أنا عريس ولا ايه

قالت “كريمه” بهدوء :

– ما هنا بيتكوا برده يا “عمر” وانتوا ليكوا فى الفيلا جناح خاص بيكوا يعني أكنكوا عايشين لوحدكوا برده .. ومتنساش انك اتجوزت من غير ما هى تكون موجودة .. معلش يا حبيبى تعالى بس طيب خاطرها بكلمتين ولو عايزين تسافروا تانى سافروا ..بس بعد الحفلة اللى هنعملهالكوا ان شاء الله

– امتى الحفلة دى

– بعد 10 أيام بالظبط ان شاء الله

– ماشى خلاص هتكلم مع “ياسمين” وان شاء الله هكلمك أأكد عليكي يا ماما

أنهى “عمر” مكالمته والتفت الى “ياسمين” قائلاً :

– ماما عيزانا ننزل القاهرة عشان عمتو وكمان ابن عمتو جه من السفر .. ده غير الحفلة اللى قولتلك انها عايزه تعملهالنا .. ايه رأيك ؟

قالت “ياسمين” :

– مفيش مشكلة .. نسافر النهاردة لو تحب

ابتسم قائلاً :

– حابب كمان أوريكى المكان اللى هنعيش فيه .. وبعدين ممكن بعد الحفلة نسافر أى مكان انتى تختاريه .. قولتى ايه

ابتسمت قائله :

– تمام .. اتفقنا

أنهيا طعامهما وأخذها “عمر” الى المنصورة .. لشراء ملابس جديدة وبعض الأغراض لها .. رغم اعتراضها لكنه أصر توقف بسيارته أمام احد المولات قائلاً :

– مش عايزك تعملى فرق بينى وبينك دلوقتى انتى مراتى وملزمة منى .. بلاش الحساسية الزايدة دى يا “ياسمين” لو سمحتى

قالت بحرج :

– مش حساسية ولا حاجه بس أنا عندى لبس كتير

– وايه المشكلة .. وبعدين انتى عروسة .. ولازم تلبسي جديد

قالت بحرج وضيق :

– المفروض انا اللى أشترى لنفسي .. وبعدين أنا عندى هدوم كتير بتاعة جهازى سيباها فى القاهرة لما نروح هناك ….

ققاطعها “عمر” بغضب مكبوت :

– الهدوم دى تولعى فيها ترميها تتبرعى بيها .. لكن مش عايزك تلبسيها أبداً

نظرت اليه وقد فهمت سبب غضبه .. غيرته .. فقالت :

– خلاص مفيش مشكلة هتبرع بيهم

قال وقد هدأ قليلا :

– طيب يلا عشان نخلص بسرعة ونرجع نجهز الشنط عشان منسافرش متأخر

****************************

ركبت “ياسمين” فى السيارة وانتظرت “عمر” الذى يحضر الشنط من البيت .. التفتت فوجدته وقد أحضر شيئاً يبدو كفستان طويل مغلف .. ركب بجوارها فقالت له :

– ايه اللى انتى حطيته فى الشنطة دة ؟

ابتسم وقال :

– فستان فرحك

قالت بدهشة :

– بس يا “عمر” الفستان مكشوف خالص مستحيل ألبسه أدام حد ولا حتى هعرف ألبسه أدام ستات

نظر فى عينيها واقترب منها قائلاً :

– مش هتلبسيه أدام حد .. هتلبسيه ليا أنا

ابتسم كل منهما للآخر وانطلق فى طريقه الى القاهرة .. ذكرته “ياسمين” قائله :

– متنساش تقول دعاء السفر

صمت “عمر” قليلا ثم نظر اليها قائلاً :

– انتى حفظاه

– أيوة

– طيب قوليه وأنا هقوله وراكى

وصلا الى القاهرة بعد ثلاث ساعات .. عبر “عمر” بسيارته بوابة الفيلا .. شعرت “ياسمين” بالإنبهار .. نعم كانت تعلم مدى ثراء زوجها وأهله .. لكن الأمر فاق تصورها .. شعرت بالإضطراب والرهبة .. ألقت نظرة على زوجها الذى يقود بهدوء لا يدرى شيئاً عما يدور بداخلها .. نزلت من السيارة لتلقى نظرة على الفيلا من الخارج وعلى الحديقة المحيطة بها .. قطبت جبينها وهى تشعر بمشاعر كثيرة مختلطه .. أمسك “عمر” بيدها وتفرس فيها قائلاً :

– فى حاجة ضايقتك

قالت بسرعة :

– لا أبداُ

– امال مكشرة ليه

حاولت الابتسام :

– لأ مش مكشرة ولا حاجه .. يمكن بس تعبت شوية من السفر

قال بحنان :

– متقلقيش هنسلم عليهم ونطلع أوضتنا ترتاحى شويه

دخلا الفيلا .. فإزداد انبهارها واضطرابها .. كانت رائعة التصميم .. شعرت بضآلتها وسط كل هذا الترف .. وهذا الشعور ضايقها للغاية .. حاولت ازالة تعبير الضيق من وجهها .. استقبلتهما “كريمه” بالترحاب قائله :

– حمدالله على السلامة نورتوا القاهرة

عانقتها “ياسمين” .. كم تحب هذه المرأة الطيبة .. كانت تشعر معها بالراحة وكأنها تعرفها منذ زمن .. قالت “ياسمين” :

– الله يسلمك يا ماما .. أخبار حضرتك ايه

– بخير يا حبيبتى الحمد لله .. يلا يا “عمر” خد مراتك تغيروا هدومكوا وترتاحوا شوية على ما باباك وعملتك ييجوا ونجهز السفرة

صعدت “ياسمين” مع “عمر” وهى تنظر الى كل ما حولها برهبة .. أمسك “عمر” بيدها فإطمئنت قليلاً .. التفت اليها قائلاً بحنان :

– الجناح بتاعنا ده محدش هيدخله غيرنا يعني تقدرى تعتبريه مملكتك الصغيرة .. مملكتى أنا وانتى وبس

أدخلها “عمر” وتركها تتفحص ما حولها بعينيها ثم سألها قائلاً:

– ها عجبك

أومأت برأسها قائله :

– طبعا عجبنى

خطرت فى بالها سؤال فقالت :

– انت جهزت كل دة امتى

صمت قليلاً وبدا متردداً ثم قال :

– أنا كنت مجهز كل حاجه من زمان .. يعنى ….

صمت .. ففهمت .. جهزه من أجل خطيبته الأولى .. شعرت ببعض الضيق ..لاحظ “عمر” ذلك فقال بسرعة :

– لو تحبي نغير كل الأثاث وكل الديكور معنديش مشكلة .. أحنا جوازنا جه بسرعة وملحقتش آجى هنا وأغيرلك كل حاجه

قالت له بصوت خافت :

– انت اللى اخترت الديكور والعفش ولا اخترتوه سوا ؟

قال بسرعة :

– لأ أنا اللى اخترته .. حتى هى مشافتوش

شعرت بالارتياح فإبتسمت له قائله :

– خلاص طالما ذوقك مفيش مشكلة

– متأكدة

– أيوة متأكدة

أخذت “ياسمين” دشاً وارتدت ملابسها .. واستعدت مع “عمر” للنزول للأسفل .. نزلا ليجدا مدام “ثريا” قد وصلت بصحبة ابنها “علاء” و ابنتها “ايناس” .. كان الترحيب بها بارداً جافاً .. وهى أيضاً لم تظهر الحماس فى السلام عليهم .. لكنها فوجئت بإيناس تندفع اتجاه “عمر” قائلاً :

– “عمر” حبيبى وحشتنى أوى

أشاحت “ياسمين” بوجهها وهى ترى تلك المرأة مقبلة الى أحضان زوجها .. لكنها دهشت عندما سمعت “عمر” يقول :

– ميصحش كده يا “ايناس”

التفتت “ياسمين” لتجده ممسكاً بذراعيها يبعدها عنه

وقفت “ايناس” قائله بغيظ :

– ما طول عمرنا بنسلم على بعض كده

قال بحزم :

– معدش ينفع

ألقت “ايناس” نظرة حقد على “ياسمين” فتجاهلتها “ياسمين” تماما

جلس الجميع الى طاولة الطعام .. ضايقها جلوس “علاء” فى مواجهتها .. وذلك بسبب تفرسه فيها .. وشعرت بالحرج من أن تطلب من “عمر” تغيير مكان جلوسها .. فالجميع يراقب حركاتها وسكناتها .. لم تستطع تناول شئ أمام نظرات هذا الرجل المتفصحه .. لم تشترك معهم فى الحديث لكنها كانت تجيب اذا ما وجه اليها “نور” أو “كريمه” سؤالاً .. قال “علاء” فجأة :

– انت مكلتيش حاجه من ساعة ما أعدتى .. عماله بس تلعبى بالمعلقة فى طبقك

شعرت بالضيق من كلماته التى تشى بمراقبته لها كما كانت تشعر .. شعر “عمر” كذلك بالضيق .. أكمل “علاء” موجهاً كلامه اليها :

– على فكرة احنا زمايل مهنة واحدة .. أنا كمان دكتور بيطرى .. بس مليش فى شغل الفيلد زيك

لم تتكلم .. ولم تنظر اليه .. قالت “ايناس” بخبث وحقد وهى ترمقها بنظرات غير مريحه :

– شتان ما بينك وبين “نانسى” يا “ياسمين” .. انتى مشوفتيش “نانسي” قبل كده صح ؟ .. كانت مزه وزى القمر

نظر اليها “عمر” بصرامة .. شعرت “ياسمين” بالتوتر والضيق .. قال “عمر” بحزم :

– ايه لزمة الكلام ده يا “ايناس” ؟

قالت ببرود :

– عادى يا “عمر”

قال بغضب :

– لأ مش عادى .. السيرة دى مش عايزها تتفتح تانى

شعرت “ياسمين” بمزيج من الغضب والحرج .. وما زاد الطين بله .. أن “علاء” نظر اليها بجرأة وقال :

– هو “عمر” اختياره المره دى مختلف .. بس بصراحه دخلتى مزاجى

هنا هب “عمر” واقفاً وأزاح الكرسي بعنف .. كان “علاء” لا يترك فرصة إلا ويستفز فيها “عمر” .. بسبب شعوره تجاهه بالغيره منذ الصغر .. وكان قد فعل بالمثل مع “نانسي” التى أعجبها اطراءه .. أما “ياسمين” فرد فعلها كان مختلفاً .. ظهر على وجهها علامات الغضب والضيق .. التفت “عمر” الى “علاء” قائلاً :

– لما تبقى تعرف تتكلم بإحترام مع مراتى هبقى أعد معاك على سفرة واحدة

وأمسك “ياسمين” من يدها وجذبها وصعدا الى غرفتهما .. قال “علاء” بغرور :

– ماله ده حد جه جمبه

قال “نور” بغضب :

– انت مش شايف ان اللى انت عملته ده ميصحش يا “علاء” .. يعني ايه تقولها دخلتى مزاجى .. وانت عارف ابن خالك غيور أد ايه

قالت “علاء” بحنق :

– هو اللى معقد زيادة عن اللزوم .. أنا قولت كلمة عادية ومكنش قصدى بيها حاجه

نهضت “كريمة” وذهب المطبخ لتطلب من الخدم ارسال الطعام الى “عمر” و “ياسمين” بالأعلى .. نظرت “ياسمين” الى “عمر” الغاضب .. اقتربت منه وحاولت امتصاص غضبه قائله :

– متضايقش نفسك يا “عمر”

نظر اليها وجذبها من يدها وأجلسها بجواره على الأريكة وقبل جبينها قائلاً :

– انا اللى آسف انى عرضتك لكلامه ده .. وانتى أعدتك أدامه على السفرة .. معلش غلطة ومش هتتكرر

اقتربت أكثر من زوجها وابتسمت وقالت :

– عارف .. أنا بحب غيرتك دى أوى

التفت اليها وقد اختفت علامات الغضب من وجهه لتحل محلها نظرات حب وشغف فى عينيه وقال :

– يعني غيرتى دى مش بتضايقك ولا بتخنقك

قالت مؤكدة :

– بالعكس .. أنا أحب ان جوزى يبقى غيور عليا كدة

أوشك على تقبيلها عندما سمع طرقات على الباب .. وجد الخادمة وقد أحضرت الطعام .. التفت الى “ياسمين” قائلاً :

– حماتك مهنش عليها ننام جعنيين

قالت بمرح :

– ماما “كريمه” دى مفيش زيها

سألها بإهتمام :

– يعني حبيتيها

قالت بحماس :

– جداً .. بجد حبيتها أوى .. بحس انها طيبة أوى وحنينه .. بحس فيها كتير من ماما الله يرحمها

– الله يرحمها .. يعني مش مضايقه اننا هنعيش معاها هنا

قالت “ياسمين” بثقه :

– لأ طبعا .. انت بتعمل كده عشان تبر أهلك ودى حاجه تفرحنى جدا .. وكمان أنا وماما “كريمه” متفاهمين مع بعض جدا وان شاء الله مش هتحصل بينا أى مشاكل .. وأكيد ست زيها أنا هتعلم منها كتير

نظر اليها بتقدير واعجاب وقبل جبينها .. تناولا طعامهما ودخلت الحمام لتجهز نفسها للنوم .. احتارت فيما ترتدى .. وفى النهاية اختارت بيجاما وردية اللون .. خرجت لتتبعها نظرات “عمر” النائم على فراشه .. حاولت تجنب نظراته واقتربت من الفراش ووقفت أمامه متوترة .. فضحك “عمر” قائلاً بخبث :

– هناك كنتى بتنامى جمبى بمزاجك .. أما هنا فهتنامى جمبي اجبارى

أزاحت “ياسمين” الغطاء ونامت على الطرف كالعادة و أعطته ظهرها .. اقترب منها وقبل وجنتها وهمس فى أذنها :

– ده آخر يوم هسيبك فيه .. سمعانى .. اعملى حسابك على كده

نظرت اليه وأمأت رأسها فى خجل .. فقبلها مرة أخرى على جبينها قائلاً :

– تصبحى على خير يا حبيبتى

– وانت من أهل الخير

ظنت بأنه سينام على الطرف الآخر .. لكنها كانت مخطئة .. نام بجوارها لاففاً ذراعيه حولها على رغم من خجلها لهذا الوضع إلا أنها كانت سعيدة للغاية .. فهاهى نائمــة فى حضن حبيبهــا .. زوجهــا .. كانت تستمع الى أنفاسه المنتظمة والابتسامه على ثغرها .. لم تنم من فورها .. بل بقت مستيقظة لفترة مستمتعه بقربها منه .. وبحضنة الدافئ .. حتى غلبها النعاس

استيقظت على آذان الفجر .. والتفتت الى “عمر” توقظه بهدوء :

– “عمر” اصحى .. الفجر أذن

قال وهو يغالب النعاس :

– سبيني النهاردة يا “ياسمين” مش هقدر أقوم

التفتت اليه وأزاحت الغطاء وقالت بعند :

– لأ مش هسيبك .. قوم يلا بلاش كسل

فتح عينيه بصعوبة قائلاً :

– هصليه لما أصحى

قالت بحزم :

– لما تصحى هيبقى اسمه صبح مش فجر

قام متكاسلاً ثم نظر اليها وقال :

– ده انتى لحوحه

قامت وقالت مبتسمه :

– يلا الصلاة

توضأ الاثنان وصليا معاً .. أنهى “عمر” صلاته وعاد الى فراشه .. أما “ياسمين” فأحضرت مصحفها وجلست على سجادة الصلاة تقرأ وردها .. نداها “عمر” :

– “ياسمين”

قطعت القراءة قائله :

– أيوة يا “عمر”

– بتعملى ايه

– بقرا فى المصحف

– طيب تعالى اقرى هنا

قامت ودخلت الى الفراش وجلست تقرأ فى مصحفها .. ظل “عمر” ينظر اليها وهى تقرأ بشفتيها .. قاطعها قائلاً :

– انتى متعودة تقرى كل يوم ؟

التفتت قائله :

– أيوة بقرأ وردى .. بحدد كل يوم جزء وبقراه قبل ما أنام أو بعد ما أصلى الفجر

عادت لتكمل القراءه .. ظل ينظر اليها .. قاطعها مرة أخرى قائلاً :

– ممكن تقرى بصوت عالى

نظرت اليه واستغربت طلبه .. لكنها فعلت وقرأت بصوت شجى للغاية .. بل تكن قرائتها عذبه فقط بل كانت مجودة أيضاً .. فأضافت القراءة الصحيحة للحروف الى صوتها المزيد من العذوبه .. اقترب “عمر” منها وأسند رأسه الى ذراعها ونظر معها الى المصحف وهو يستمع اليها حتى انتهت .. نظر اليها قائلاً :

– انتى بتقرى قران حلو أوى .. وصوتك كمان حلو أوى

ابتسمت لاطراؤه .. فسألها بإهتمام :

– انتى ازاى بتقرى كده .. يعني الحروف بتطلع منك بطريقة جميلة

– أيوة أنا كنت بروح المسجد من وأنا صغيرة واتعلمت التجويد وعشان كده بعرف أقرا فى المصحف صح

نظر اليها فى اعجاب قائلاً :

– سهل ولا صعب ؟ يعني اقصد سهل انك تشرحيه لحد ولا لازم حد متخصص يشرحه

قالت بحماس :

– أكيد الأفضل ان حد متخصص يشرحه .. بس أنا عارفه كل الأحكام ودرستها

صمتت تراقب وجهه ثم قالت :

– تحب أشرحهالك

ابتسم وقال :

– تقدرى تخليني أقرا زيك

قالت بحماس :

– ايوة طبعا اقدر .. ايه رايك كل يوم اشرحلك حاجة ونطبقها سوا

قال بحماس مماثل :

– اتفقنا

تبادلا الابتسام .. تركت مصحفها .. وقال هامساً :

– أنا سايبك النهاردة بالعافية على فكرة

رفعت رأسها لتنظر اليه .. فقال :

– بكرة عايز أشوفك بالفستان الأبيض .. اتفقنا

قالت هامسه :

– اتفقنا

************************

فى الصباح استيقظت “ياسمين” متأخره على غير عادتها .. لم تجد “عمر” بجوارها .. نهضت وأخذت دشاً وارتدت ملابسها وحجابها ونزلت كانت تبدو الفيلا فارغة .. وقفت فى منتصف الردهة الواسعة بالأسفل وهى تنظر الى ما حولها برهبه .. مازلت لا تستطيع استيعاب أن هذا المكان هو منزلها وبيتها .. شعرت بالتوتر والاضطراب .. حتى أنها لا تتذكر مكان غرفة الطعام أو غرفة المعيشة .. كانت تبدو كالضائعة .. أتاها صوت “كريمه” من خلفها قائلاً:

– أنا كمان أول مرة آجى فيها الفيلا دى كنت حسه زيك كده

التفتت “ياسمين” لتبتسم لها .. فأكملت “كريمه” :

– تعالى معايا المطبخ لو ده مش هيضايقك .. أنا كمان لسه مفطرتش تعالى نفطر سوا وأقولك بعض أسرارى المطبخيه

ابتسمت “ياسمين” وتبعتها .. كانت تبدو كإمرأة بسيطة .. تعاملت فى المطبخ و كأنها تدخله آلاف المرات .. لم تكن تراها كإمرأة من طبقة ارستقراطية .. كما قالت من قبل تشعر بأنها أقرب الى والدتها .. لاحظت “كريمه” نظراتها فقالت لها :

– على فكرة فى حاجه متعرفيهاش عنى .. والحاجه دى هى اللى مخليه “ثريا” مبتحبنيش .. يعني عشان لو لاحظتى أى خلاف بينا تكونى فاهمة السبب .. وأنا من جهتى بحاول على أد ما أقدر محتكش بيها او أعمل حاجه تضايقها

جلست بجوارها على الطاولة وقالت :

– أنا زيك يا “ياسمين” من أسرة بسيطة .. مش مولوده وفى بقى معلقة دهب يعني

شعرت “ياسمين” بالدهشة من هذا التصريح فأكملت “كريمه” :

– بس انا كانت ظروفى أصعب منك شوية .. أنا كنت عايشة فى القرية اللى فيها المزرعة .. ومكنش ليا غير أب مات وسبنى فى الدنيا دى لوحدى .. اشتغلت فى بيت المزرعة …

صمت قليلاً ثم قالت :

– كنت بشتغل خدامه

اتسعت عينا “ياسمين” من الدهشة .. فلم تتخيل أن تلك المرأة الجميلة والأنيقة التى تجلس بجوارها كانت خادمة فى بيت المزرعة .. اكملت “كريمه” :

– كنت بشتغل عند جد “عمر” وجدته .. ومن هنا اتعرفت على “نور” جوزى .. ماتعرفيش ايه اللى حصل .. بس هو النصيب انه اختارنى دون عن أى بنت تانية .. حبينا بعض جداً .. واتجوزنا .. ومش هقولك على المشاكل اللى واجهتنا فى الأول من معاملة أهله السيئة .. بس بعد ولادة “عمر” كل شئ اتغير وحمايا اللى هو جد “عمر” حبه جداً ورضى أخيرا عنه وعنى وعن ابنه .. وكمان حماتى قلبها رق

صمتت قليلاً ثم اكملت :

– مفيش الا “ثريا” هى اللى مكنتش متقبله جوازى من أخوها .. وعشان كدة كانت بتحارب جوازك من “عمر” .. انتى صحيح وضعك أحسن منى بكتير .. بس هى دايماً بتحب المظاهر .. وعشان كدة مش قادرة تفهم انك زوجة ممتازة لـ “عمر” .. وانه اختار صح

سعدت “ياسمين” للغاية لهذا الإطراء الذى سمعته من أم زوجها .. أكملت “كريمه” :

– أنا عارفه انك حسه دلوقتى انك غريبه بس متقلقيش بكرة تتعودى على عيشتنا وتحسى انه بيتك

ابتسمت “ياسمين” وقالت بتأثر :

– بجد حضرتك طيبة أوى .. حسه انك فهمانى وحسه بيا .. وده من أول يوم اتكلمنا فيه مع بعض لما حضرتك جتيلى المكتب .. من يومها وأنا حسه بكده

قالت “كريمه” مبتسمه :

– وأنا كمان من اليوم ده وأنا حبيتك أوى .. معرفش يمكن عشان شوفت نفسي فيكي

صمت برهه ثم قالت بتردد :

– بصراحة الحاجة الوحيدة اللى كانت مضايقانى هى موضوع جوازك الأولانى .. يعني أى أم تتمنى ان ابنها يتجوز بنوته مسبقلهاش الجواز .. بس تمسك “عمر” بيكي و اعجابي بشخصيتك .. خلونى اتغاضى عن الأمر ده

صمتت “ياسمين” .. بدا عليها التفكير .. فقالت “كريمه” :

– اوعى يكون كلامى ضايقك .. أنا بس حسيت اننا قربنا من بعض فحبيت أفتحلك قلبي ونتكلم بصراحة

نظرت “ياسمين” اليها قائله بشئ من الخجل :

– لأ مضايقتش وأنا حبه ان أنا وحضرتك العلاقة بينا تكون كويسة كدة .. وأنا حسه فعلاً ان حضرتك طيبة وحنينة ومعوضانى عن ماما الله يرحمها .. بس فى حاجه بس أحب أقولهالك عشان أطمنك شوية

– خير يا حبيبتى

قالت بتوتر :

– يعني بخصوص جوازى الأولانى .. يعني .. أنا متجوزتش .. يعني هو ملمسنيش

نظرت اليها “كريمة” بدهشة ثم قالت :

– ازاى .. “عمر” قال انكوا اتجوزتوا شهر تقريباً

– أيوة .. هو أعد معايا خمس أيام بس وبعدين سافر .. وأنا كنت … يعني.. المعاد مكنش مناسب ليا

اتسعت ابتسامة “كريمة” ووقفت تأخذها فى حضنها وقالت بحماس :

– حبيبتى .. متتصوريش أنا فرحت ازاى بكلامك ده .. وفرحت أكتر عشان “عمر”

ابتسمت “ياسمين” للسعادة البادية على وجه “كريمه” وحمدت الله أن وفق بينها وبين أم زوجها .. جلست المرأتان مرة أخرى وتناولا الفطار معاً وهما منسجمتان فى الحديث .. حتى قالت “ياسمين” :

– ممكن أسأل حضرتك سؤال يا ماما

-اسألى يا حبيبتى

– هو الحرق اللى فى ايد “عمر” ده قديم ولا جديد

قالت “كريمه” وهى شارده :

– لأ جديد من يوم ما سافر المزرعة آخر مرة .. سألته عليه بس كان رده غريب أوى

قالت “ياسمين” بإهتمام :

– رد قال ايه ؟

ردت “كريمه” بإستغراب :

– رد وقالى انه عقاب من ربنا

لاح الحزن على وجه “ياسمين” فأكملت “كريمه” :

– معرفش كان يقصد ايه .. وساعتها انشغلنا بالأحداث اللى حصلت فى المزرعة ومسألتوش تانى

نظرت “كريمه” الى “ياسمين” التى شردت وقالت بإهتمام :

– ليه فى حاجه ؟

قالت “ياسمين” بسرعة :

– لا أبداً أنا بسأل بس .. فضول مش أكتر

تنهدت “ياسمين” وهى تحاول طرد الأفكار السوداء من رأسها .

****************************

كانت “ياسمين” تتمشى فى الحديثة أثناء انشغال “عمر” فى الحديث مع والده فى المكتب عندما اقترب منها “علاء” .. فجفلت لرؤيته همت بمغادرة المكان لكنه أوقفها قائلاً :

– ايه راحه فين .. خليكي نتكلم شوية

قالت دون أن تنظر اليه :

– عن اذنك

همت بأن تنصرف فإعترض طريقها مرة أخرى قائلاً :

– شكلك خايفه من “عمر” .. معلش هو ابن خالى كده معقد وبيعقدها على الناس اللى حواليه

شعرت “ياسمين” بالغضب لتحدثه بهذه الطريقة عن “عمر” فقالت له :

– لأ جوزى مش معقد ولو سمحت عديني

أفسح لها الطريق وقال بلهجة ساخرة :

– اتفضلى

مشت فى طريقها بسرعة فالتقت بـ “عمر” الذى أقبل اتجاهها وقفت أمامه .. ألقى نظرة على “علاء” الذى يغادر .. ثم عليها وقال :

– فى حاجه يا “ياسمين”

قالت بتوتر :

– لأ مفيش حاجه

ألقى على “علاء” نظرة أخرى ثم قال :

– حد ضايقك

نظرت لها قائله :

– لأ محدش ضايقني يا “عمر” .. متقلقش

تنهد “عمر” وقال بضيق :

– “ياسمين” .. لو “علاء” حاول يكلمك مترديش عليه .. هو كدة طول عمره يشوف ايه اللى بيضايقني ويعمله .. وهو عارف انى بغير عليكي وعشان كده بيتعمد يستظرف ويستخف دمه

ابتسمت ونظرت له بحب قائله :

– متقلقش مش هديله فرصة يتكلم معايا

كانت تشعر بالسعادة كلما لمست غيرة “عمر” عليها .. اقترب ونظر اليها بشغف هامساً :

– متبصليش كده وإلا أنا مش مسؤل عن اللى هيحصل

اتسعت ابتسامتها فاقترب أكثر وقال :

– مشتاق أوى أشوفك بالفستان الأبيض .. أكيد هتطلعى فيه زى القمر

لمعت عيناها فعانقتها عيناه قائلاً :

– هتلبسيه امتى

قالت بخجل وهى تتحاشا النظر اليه :

– النهارده بالليل

– ماشى .. هحاول أصبر الكام ساعه دول

جاءت “كريمه” فابتعدت “ياسمين” عن “عمر” قليلاً .. وجهت حديثها اليهما قائله :

– يلا بينا عشان نعد مع بعض ونتكلم فى تفاصيل الحفلة

بعد الغداء صعدت “ياسمين” الى غرفتها لتغير ملابسها .. فتحت دولابها ونظرت الى فستان العرس بسعادة .. ذلك الفستان الذى تنوى ارتدائه تلك الليلة .. ارتدت ملابسها وحجابها كم تمنت رحيل “علاء” لتسطيع الجلوس معهم بدون حجاب .. أثناء اتمامها على ملابسها وجدت “عمر” يدخل الغرفة فالتفتت اليه قائله بمرح :

– جيت أغير هدومى ونازلة لماما “كريمه” فى المطبخ قالتلى هتعلمنى طريقه أكله انت بتحبها

بدا “عمر” واجماً .. فاختفت ابتسامتها واقتربت منها قائله :

– فى حاجه يا “عمر”

قطب جبينه قائلاً :

– انتى سألتى ماما عن الحرق اللى فى ايدي ؟

اختلج قلبها وقالت بصوت خافت :

– أيوة

– ليه ؟ .. ليه مصرة تسألى عن سبب الحرق

بلعت ريقها وقالت :

– هى ماما قالتلك ايه

– قالتلى الحرق اللى فى ايدك من ايه .. قولتلها اشمعنى ايه اللى فكرك بيه دلوقتى .. قالتلى “ياسمين” سألتنى عنه النهارده

كانت “ياسمين” تهرب من تلك المواجهه .. بل لا تريدها على الإطلاق .. لم تكن تريد لزوجها أن يعلم بما عرفته عنه .. حتى يظل متأكداً من أن صورته لم تتغير فى عينيها .. لكن ها هى المواجهه حانت ولا مفر .. كانت تلك الذكرى تؤلمها .. ولا تعرف كيف تتخير كلماتها .. سألها “عمر” :

– انتى ليه مهتمة بموضوع الحرق يا “ياسمين”

أخذت نفس “عميق” وتحاشت النظر الى عينيه ووجه وقالت :

– أنا عرفت كل حاجه عن البيت المحروق وعن علاقتك بصفية مرات الغفير

ساد الصمت طويلاً بينهما .. كانت تتحاشى النظر الى وجهه .. لكن الصمت طال .. فرفعت نظرها اليه لترتطم بتعبيرات وجهه المتجمده .. سألها بصوت رخيم :

– عرفتي ايه بالظبط ؟

شعرت بغصة فى حلقها وبنار فى قلبها .. قطبت جبينها وقالت بصوت لا يكاد يسمع :

– عرفت انك كنت على علاقه بيها وجوزها عرف وحرق البيت وانت وهى جواه .. وان الراجل اللى انقذكوا اديته فلوس عشان يتستر عليكوا ..

نظرت اليه مرة أخرى .. مازال وجهه خالى من أى تعبير .. سألها بهدوء :

– عرفتى منين كل ده

– الراجل جالى قبل كتبت الكتاب بيوم وقالى الكلام ده .. وأنا اتاكدت ان اسمك واسمها موجود فى ملفات المستشفى فى يوم الحادثة

قال ببرود :

– عشان كده قولتيلى يوم كتب الكتاب انك مش عايزانى

أومأت برأسها ايجاباً .. ساد الصمت مرة أخرى .. رفعت رأسها تنظر اليه قائله بصوت مرتجف :

– أنا سامحتك يا “عمر” .. وبحاول أنسى اللى انت عملته .. لانى حسه انك اتغيرت .. وانك بقيت انسان كويس .. أنا سامحتك

صمت .. لم يتحدث .. لم يتحرك .. اقتربت منه لتلمس ذراعه قائله :

-“عمر”

ولدهشتها نفض ذراعه ليبعده عن يدها .. وأخيراً ظهرت تغيرت تعبريات وجهه المتجمدة .. ولكن لدهشتها تحولت الى غضب هادر .. لم ترى عينيه تشعان بهذا الغضب من قبل .. قال بصوت هادر :

– يعني طول الوقت ده وانتى عايشه معايا وفاكرة انى واحد سافل

نظرت الى غضبه بدهشة وحيرة .. فأكمل بغضب :

– عايشة معايا فى بيت واحد وانتى فاكرة انى كنت على علاقة بواحدة متجوزة .. ومش كده وبس .. جوزها بيشتغل عندى .. وكمان دفعت رشوى عشان أتستر على علاقتى بيها

اقترب منها وامسك بذراعها بقوة حتى ألمتها قائلاً :

– مش كده يا “ياسمين” .. هى دى الصورة اللى انتى راسماها ليا .. ان أنا واحد منحط وحقير بالشكل ده .. هه ردى

كانت قبضة يده تؤلمها بشدة قالت بألم :

– “عمر” دراعى

انتبه لقبضته فترك ذراعها .. فركت ذراعها بيدها وهى تنظر اليه نظرة حيرة ودهشة .. كانت مازالت نظراته غاضبة نارية .. صاحت قائله :

– انا عارفه كويس اللى حصل يا “عمر” وأنا اتاكدت بنفسى من سجلات المستشفى .. ومن كلامك انت شخصياً .. من اجاباتك على كل اللى بيسألك عن الحرق ده .. وانا قولتلك انى سمحتك .. فمفيش داعى تكدب عليا وتفهمنى انك برئ

بدا وكأن غضبه تضاعف وازداد احمرار وجهه غضباً قال بصرامة وحزم :

– اللى حصل كالتالى عايزة تصدقى صدقى مش عايزة انتى حره .. الست دى فعلا كان بتخون جوزها بس مش معايا .. مع مهندس كان شغال فى المزرعة قبل “أيمن” .. واستمرت علاقتهم حتى بعد ما مشى من المزرعة وكانوا بيتقابلوا فى البيت القديم

هتفت بغضب :

– البيت اللى هو ملكك

– أيوة ملكى .. وهو معنى انه ملكى يبأه أنا اللى كنت معاها فيه

رفعت حاجبيها وقالت بصرامة :

– ايه اللى يخلى واحد زيك يشترى بيت قديم زى ده .. بيت مهجور .. ومبهدل .. ومفيش فيه اى حاجه تصلح ان الواحد يعيش فيه .. ايه اللى يخليك تشتريه

قال بصرمة ببرود :

– عشان أمى

نظرت اليه بدهشة فأكمل قائلاً :

– ده بيت أمى القديم اللى كانت عايشة فيه مع أهلها .. لما اهلها ماتوا باعت البيت وجت عاشت فى بيت المزرعة واشتغلت فيه .. كان البيت ده بيمثل ليها ذكريات جميلة مع اهلها وكان نفسها تحتفظ بيه بس مكانش صحابه الجداد راضيين يبيعوه لحد من 6 شهور جالى صاحب البيت وباعهولى واشتريته عشانها

نظرت اليه “ياسمين” بأعين متحجرة وشلت الصدمة لسانها

أكمل بقسوة وبصوت هادر :

– مش انا اللى كنت معاها فى البيت يا مدام .. انا كنت راجع من عند “أيمن” من المنصورة وشوفت النار قايده فى البيت .. وقفت العربية على الطريق وجريت نحية البيت لقيتها جوه ومش عارفه تخرج .. بعد ما الراجل اللى كان معاها سبها وهرب .. دخلت أحاول اخرجها بس كانت ايدي متجبسه وقتها معرفتش أشيلها وهى كانت خايفة تخرج فى النار لان النار كانت محاوطه البيت كله .. لحد ما الراجل اللى جالك .. شفنا وجه يساعدنا .. وهى لما عرفت ان الراجل شاف جوزها انهارت وعرفت انه عرف بخيانتها وانه هو اللى حرق البيت .. اول ما سمعتها بتقول كده ادام الراجل طلعت فلوس واديتهاله عشان يتستر عليها هيا مش عليا انا

شعرت وكأن قلبها قد توقف عن الخفقان .. أكمل بنفس القسوة :

– ولما روحنا المستشفى حكتلى على كل حاجة وعن علاقتها بالبشمهندس “محمد” .. خرجت من المستشفى فى نفس اليوم وروحت لـ “محمد” بيته .. واتخانقت معاه .. واترجانى انى اتستر عليه عشان مراته وولاده لان مراته لو عرفت والخبر وصلها أكيد هتطلق منه.. وعيط أدامى وأقسملى انها غلطة ومش هتتكرر وان هى اللى أغوته وخلانى أقسمله انى متكلمش فى الموضوع مع حد .. وعشان كده مجبتش سيره لحد

تجمعت الدموع فى عينيها وهى تشعر بدوار بسبب صدمتها مما تسمع .. فأكمل بغضب مكتوم :

– بعد ما صفية طلعت من المستشفى خافت ترجع لاهلها عشان جوزها ميعرفش انها لسه عايشه ويرجع يقتلها .. اديتلها فلوس وقولتلها تسافر اى بلد تانية تعيش فيها

قالت بصوت مرتجف مضطرب مبحوح وبأعين حائرة :

– ليه قولتلى انى لو عرفت سبب الحرق هبعد عنك وليه قولت لمامتك انه عقاب ربنا

زفر بقوة ثم قال بغضب :

– لانى كنت عارف انها مش مظبوطه .. وكانت تصرفاتها مش عجبانى ومع ذلك سكت وسبتها .. لو كنت من الاول مشتها هى وجوزها مكنتش قدرت توصل ل “محمد” ومكنتش علاقتها بيه استمرت لحد دلوقتى .. ومكنش حصل ده كله

ألجمها بكلامه .. لم تستطع أن تتحدث .. نظرت اليه واقتربت منه .. لكنه ابتعد عنها ورجع الى الخلف وفى عينيه نظرة قاسية وقال :

– من أول يوم جواز قولتلك لازم نبقى صرحا مع بعض .. واللي مضايق من التانى فى حاجه يقولها

نظرت الى الأرض وقطبت جبينها وقد شعرت بحجم ذنبها .. فأكمل قائلاً :

– لكن انتى عمرك ما كنتى صريحه معايا .. وعمرك ما وثقتى فيا .. وعمرك ما عرفتيني صح

ثم قال :

– وعمرك ما حبتيني

نظرت اليه فى ألم …. نظر اليها “عمر” نظره صارمة باردة خاليه من أى شعور وقال بصوت هادر :

– احنا لازم نتطلق يا “ياسمين”

صدمت عندما سمعت تلك الكلمة التى فكرت فيها مراراً .. لكن عندما خرجت من فمه علمت كم هى كلمة مريرة .. تجمعت الدموع مرة أخرى فى عينيها وهى تنظر اليه بحسرة وألــم .

تجمدت فى مكانها وأخذت العبرات تتساقط من عينيها .. بدت نظراته وقد لانت للحظة .. لكنه عاد ونظر بصرامه وقال :

– هنستنى لحد ما الحفلة تخلص ونرجع المزرعة وبعدين ننفصل

قال ذلك وتركها وحدها فى الغرفة تكاد قدماها تحملانها بصعوبة من هول الصدمة.

Part 41

((الأخيـــــر ))

نزلت “ياسمين” بعد ساعة .. تبحث عن “عمر” .. لم تجد له أثراً فى الفيلا .. فقالت لها “كريمه”:

– قالى انه هيخرج وهيرجع متأخر ما أستناهوش على العشا .. هو ما قالكيش رايح فين ؟

قالت “ياسمين” بسرعة :

– أصل هو خرج من الأوضة قبل ما نتكلم مع بعض .. أنا كنت طالعه أغير هدومى

خرجت “ياسمين” لتتمشى فى الحديقة .. اختلت بنفسها على أحد المقاعد وتركت لعبراتها العنان .. كانت تشعر بندم كبير بداخلها .. ندمت لأنها ظلمته .. وندمت لانها لم تثق به .. وندمت لانها لم تواجهه من البداية بما تعرف .. ندمت لأنها تركت شكوكها ووساوسها تتلاعب بها وتتحكم بها .. ندمت لأنه أشعرها بأنها لا تحبه .. أجهشت فى بكاء صامت .. كيف يقول بأنها لا تحبه .. هل فعلاً لا تحبه .. بل تعشقه بجنون .. أخرجت هاتفها من جيبها ومسحت عبراتها بظهر يدها واتصلت به .. لم يرد .. أعادت اتصالها عشرات المرت .. ونفس النتيجة لم يرد .. شعرت بأنها قد أضاعته من يدها .. أخذت تتساءل هل سيطلقها فعلاً .. هل كرهها .. هل سيهون عليه فراقها .. ألن يسامحها يوماً .. كيف ستحتمل العيش بدونه .. لن تستطع التحمل .. حل المساء .. ظلت ساهرة فى غرفتها .. واقفة فى الشرفة .. تنتظر حضوره .. حتى رأت سيارته تقف أمام الباب .. انتظرته ان يصعد الى الغرفة لكنه لم يصعد .. طال وقت انتظارها .. حتى فتح باب الغرفة أخيراً وجدها واقفه أمام باب الشرفة فى انتظاره .. غلق الباب وفتح الدولاب يبحث عن بيجامه يرتديها .. اقتربت منه قائله :

– “عمر”

لم يجب .. دخل الحمام .. جلست على طرف فراشها تنتظر خروجه .. خرج وتوجه الى الفراش وحمل أحد المخدات و أحد الأغطية وفرشه على الأرض بجوار السرير ونام عليه وأولاها ظهره .. فهمت بأن الخطب جلل .. صعدت الى الفراش وتدثرت بالغطاء وظلت تنظر الى زوجها النائم بجوارها على الأرض والذى يوليها ظهره .. تساقطت العبرات من عينيها وبللت وسادتها .. لكم تشتاق الى حضنه الدافئ الذى اعتادت عليه فى اليومين الماضيين .. كيف ستنام دون أن يقبلها ويعانقها كما يفعل كل يوم .. ظلت العبرات تبلل وسادتها فى صمت وعيونها معلقة به .. تقلبت فى فراشها وكأنها تنام على جمر .. جلست وهى تنظر اليه فى أسى .. حتى غلبها النعاس .

استيقظت على آذان الفجر .. نظرت الى مكان زوجها النائم توجهت اليه ونادته بهدوء :

– “عمر” .. “عمر” .. اصحى

استيقظ ونظر اليها فقالت مبتسمه :

– يلا عشان تصلى الفجر

نهض وتوضأ وعاد ليجدها فى انتظاره لتصلى معه جماعة مثل كل يوم .. صلى بها .. حاولت التحدث معه :

– “عمر” .. ممكن نتكلم

قال بخشونه :

– لأ

ثم توجه الى مكان نومه ونام .. ونامت هى وعيونها معلقه به .. فى الصباح استيقظت على صوت غلق الدولاب .. وجدته وقد ارتدى ملابسه .. اعتدلت بسرعة فى فراشها قائله :

– “عمر”

لم يجيبها توجه الى باب الغرفة فأسرعت ونهضت من فراشها وأمسكت ذراعه قائله بأسى :

– استنى .. “عمر” .. أنا آسفة .. أنا آسفة أوى .. أنا عارفه انى ظلمتك أوى .. “عمر” مش هقدر أعيش بعيد عنك

لم ينظر اليها .. فأكملت بألم وبصوت مرتجف وعينين دامعتين :

– لو انت عايز تطلقنى عشان تعاقبنى .. أنا موافقة يا “عمر “.. عاقبنى .. وطلقنى ..

تساقطت عبراتها وهى ترجوه :

– بس ردنى تانى يا “عمر” .. عشان خاطرى ردنى تانى

صمت ولم يجب .. بل ولم يلتفت اليها .. وفتح باب الغرفة وخرج .. وقفت لا تدرى ماذا تفعل وعلامات الألم مرسومة على وجهها .. رن جرس هاتفها .. فأتاها صوت “ريهام” قائله :

– حبيبتى يا “ياسمين” .. احنا جايينلكوا النهاردة أنا و “كرم” .. حماتك اتصلت الصبح وعزمتنا على الغدا

قالت “ياسمين” بوجوم :

– لو انتى مكنتيش جيتي النهاردة كنت انا هجيلك لانك وحشانى اوى اوى

– مش اكتر منى يا “ياسمين” .. احنا قولنا نسيبكوا ترتاحوا اليومين اللى فاتوا .. بس خلاص كدة لازم أشوفك

– خلاص يا حبيبتى منتظراكى ان شاء الله

تناول الجميع طعام الافطار معاً .. وقالت “كريمه” :

– على فكرة “ثريا” كمان هتيجيى النهاردة .. وكمان “ايناس” و “علاء”

تضايقت “ياسمين” عندما سمعت بإسمها .. وتذكرت ما قالته المرة الماضية عن الفرق بينها وبين خطيبة “عمر” القديمة .. وعندما قالت انها حب “عمر” فى الطفولة والمراهقة .. شعرت بنيران الغيرة تشتغل فى قلبها .. نظرت الى زوجها الجالس بجوارها دون أن يعيرها أدنى اهتمام .. كانت حزينه واجمه فسألها “نور” :

– مالك يا “ياسمين” فى حاجه مضايقاكى

قالت بسرعة :

– لا يا عمو .. يمكن بس متأثره شوية انى هشوف “ريهام” لانها وحشتنى أوى

ابتسمت “كريمه” قائله :

– ربنا يخليكوا لبعض

*****************************

جلست “نادين” فى حديقة فيلتها تحتسى كوباً من الشاى .. التفتت فرأت “نانسي” وهى توقف سيرتها وتنزل منها فنادتها قائلاً :

– “نانسي” تعالى شوية

جاءت “نانسي” وقالت :

– خير

– تعالى اعدى

– لا قولى اللى عايزاه بسرعة عشان عايزة أنام

صاحت “نادين” بغضب :

– طبعا رجعه الضهر من بره وطول الليل سهرانه كالعادة

قالت بتأفف :

– أوف انتى ناديتيلى عشان تسمعينى المحاضرة دى .. فكك .. أنا مصدعة وعايزة أنام

التفتت لترحل فقالت “نادين” :

– عرفتى ان “عمر” هنا هو مراته

التفتت الى أمها بحده قائله :

– انتى عايزة تحرقي دمى يعني

ابتسمت أمها بتشفى وقالت :

– عرفت الفلاحه تخطفه منك وتتجوزه

قالت “نانسي” بحده :

– عرفتى منين انهم هنا

– “جيهان” ما انتى عارفه انها صاحبة “ثريا” عرفت منها

ثم قالت بسخرية :

– لأ وايه .. حاجه كدة لوكل .. تصورى مرضتش تخلى “عمر” يسلم على “ايناس”

– ازاى يعني

– الهانم بتغير باين .. ولا ده عبط متعرفيش

رفعت “نانسي” حاجبها بخبث وقالت بحقد :

– بتغير .. جميل

التفتت لتدخل الفيلا فقالت “نادين” بحده :

– انت لحد امتى هتفضلى سارحه مع اللى اسمه ” عماد” ده .. يا بنتى طول ما انتى مدوقاه العسل ومقدماله كل حاجه على طبق من فضه عمره ما هيفكر يتجوزك

صاحت “نانسي” بغضب :

– ملكيش دعوة بيا حياتى وأنا حرة فيها .. متركزيش معايا .. ركزى مع جوزك النسوانجى أحسن

تركتها لتدخل الفيلا .. وملامح “نادين” تختلط فيها الحســرة بالألـــم.

*************************

التف لجميع حول طاولة الطعام .. “نور” .. “كريمة” .. “ثريا” .. “علاء” .. “ايناس” .. “عمر” .. “ياسمين” .. “كرم” .. “ريهام” .. اندمج الجميع فى الضحك والمزاح ماعدا اثنان بدا عليهما الوجود .. “عمر” بدا وكأنه غير مهتم بالحديث الدائر .. أما “ياسمين” فبدت حزينه تتطلع الى “عمر” بين الحين والآخر وتراقب تعبيرات وجهه لتتبين فيما يفكر .. لم يوجه اليها حرفاً واحداً .. كان يمسك الملعقة بيد .. ويده الأخرى وضعها على قدمه .. نظرت الى الجميع لتجدهم مشغولون بالحديث .. و .. مدت يدها ولمست كف يده .. توقف “عمر” عن تناول الطعام ونظر الى يدها التى تمسك بيده .. ثم أبعد يده عنها ووضعها فوق المائدة .. شعرت “ياسمين” بالألم يغزو قلبها .. نهضت واعتذرت من الجميع متعلله بصداع أصابها .. كادت أن تتوجه الى غرفتها لكنها شعرت بالإختناق وارادت السير فى الهواء الطلق .. خرجت من الفيلا وتمشت فى الحديقه .. تبعتها “ريهام” قائله :

– “ياسمين” قومتى ليه

حاولت “ياسمين” الابتسام قائله :

– مفيش حسيت انى مصدعة شوية .. وكمان شبعت

-فى حاجه مضايقاكى

– لا أبداً .. بس لسه مش متعودة على الوضع هنا

عانقتها “ريهام” قائله :

– حبيبتى يا “ياسمين” وحشتينى اوى .. أنتى الحاجة الوحيدة اللى بتصبرنى على فراق ماما وبابا الله يرحمهم

تأثرت “ياسمين” بكلامها وبكت . قالت “ريهام” وهى دامعة العينين :

– أنا كمان وحشونى أوى .. بس ان شاء الله ربنا يجمعنا بيهم فى الجنة .. ربنا يخليكي ليا يا “ياسمين”

قالت لها “ياسمين” بعينين دامعتين :

– ويخليكي ليا يا “ريهام”

انتهى اليوم ورحلت “ريهام” و “كرم” .. وبقيت “ثريا” وأبنائها لاكمال السهرة .. استأذنتهم “ياسمين” وصعدت الى غرفتها .. كانت تشعر بألم حاد فى بطنها .. دخلت الحمام لتخرج متأففه :

– ده وقته

ارتدت ملابسها وصعدت الى الفراش وتدثرت وهى تتلوى من الألم .. شعرت بالحرج من الذهاب الى “كريمه” لتبحث لها عن دواء .. كما أنها لم تكن تقوى على الحركة .. بعد قرابة النصف ساعة .. وجدت “عمر” يفتح باب الغرفة .. أرادت أن تقوم للتحدث معه .. لكنها لم تستطع من الألم ..نظر “عمر” اليها ليجدها مغمضة العينين مقطبة الجبين وتضم الغطاء بقوة الى صدرها ويبدو على ملامحها الألم .. اقترب منها قائلا:

– انتى كويسه ؟

فتحت عينيها وهى لا تصدق أنه اخيراً تحدث معها .. ودت لو قامت تتحدث معه لكنها لم تستطع .. قالت بصعوبة :

– أيوة كويسة

تركها وخرجه .. نظرت الى الباب المغلق بحسرة وألم .. لكم تشتاق الى وجوده معها والى حديثها معه .. دقائق ووجدته يدخل مرة أخرى حاملاً كوب تتصاعد من هالأخبرة وحبة دواء .. نظرت اليه بإستغراب .. مد يده بالحبة .. فجلست وأخذتها .. ثم أعطاها الكوب قائلاً:

– اشربي ده .. ولو لسه حسه بالألم قوليلى وأنا أجبلك حباية تانية

شعرت بالحرج الشديد أخذت منه الحبة والكوب دون أن تنظر الى وجهه .. تمنت ان يرحل لكنه ظل واقفاً ينظر اليها .. قالت له بحرج وضيق :

– انت عرفت منين الحاجات دى

قال ببرود :

– أنا أبان مؤدب ..بس أنا صايع أوى على فكرة

كان يقصد معنى آخر .. كان يقصد اتهامها له وشكها فيه .. شعرت بالحرج والندم .. أرادت أن تتحدث لكنه أوقفها بيده قائلاً بحزم :

– اشربي ونامى

ثم تركها وخرج ..

بعد عدة ساعات سمعت صوت الباب يفتح .. فتظاهرت بالنوم .. شعرت به وهو يغير ملابسه ثم يقترب منها ويمسح حبات العرق على جبينها بظهر يده ..يلفها بالغطاء جيداً .. ثم .. يحمل مخدته وغطائه ويفرشهم على الأرض وينام

استيقظت على آذان الفجر .. وقامت لتوقظه لكنه لم تجده نائماً .. بل وجدته واقفاً يصلى .. تابعته بعيناها حتى أنهى صلاته وتوجه الى مكانه على الأرض ونام .. شعرت بالحنق والضيق .. نظرت اليه لتجده يغط فى سبات عميق .. كانت تتألم من هذا البعد .. لم تعتد على بعده عنها بهذا الشكل .. قامت على فور وحملت مخدتها وغطائها وفرشتهم على الأرض بجواره .. ونامت وهى تتطلع الى وجهه

فى الصباح شعرت بيده توقظها .. فتحت عينيها فوجدته نيظر اليها بحزم قائلاً :

– ايه اللى منيمك على الأرض هنا

قالت بضعف :

– كده عشان انت نايم هنا

أمرها بحزم :

– الارض ساقعه وانتى تعبانه قومى اطلعى نامى على السرير

امتثلت لأوامره .. وهى تشعر بالحنق والضيق .. قام وغير ملابسه ثم خرج دون ان يتفوه بكلمه .

***********************

بعد عدة أيام كانت “ياسمين” جالسه مع “كريمة” فى الحديقه

قالت “كريمه” :

– “نور” سافر النهاردة الصبح

قالت “ياسمين” :

– هيرجع امتى ؟

– كمان يومين سافر فى شغل مهم .. و”علاء” كمان مش هيكون موجود النهاردة لانه مسافر .. بس ناوية أعمل سهرة حلوة فى الجنينة

شردت “ياسمين” قليلاً ثم قالت :

– يعني مش هيكون فى رجالة موجودة النهاردة

– أيوة .. “عمر” بس

– كويس

– اشمعنى

قالت بثقه :

– عشان أرد القلم

قالت “كريمه” بإستغراب :

– مش فاهمة قلم ايه

ابتسمت “ياسمين” :

– هتعرفى النهاردة

****************************

فى المساء .. أخرجت “ياسمين” أحد الفساتين الذى أصر “عمر” على شراءه يوم أن كانا معاً فى المول لشراء ملابسها .. كان رقيقاً للغاية ومتناسقاً مع بشرتها الخمرية .. ارتدت حذاء ذو كعب وصففت شعرها لأعلى وتركت بعض الشعيرات التى تتساقط على وجهها برقة .. كانت قد تعلمت الكثير من “سماح” عن وضع المكياج فإستعانت بخبرتها وبأدوات الزينة التى تزين التسريحة فى غرفة نومها .. كان مكياجها يتسم بالرقة والبساطة .. كانت راضية تماماً عن شكلها .. لكنها كانت تشعر بالخجل من الظهور بهذا المظهر أمام الجميع وخاصة “عمر” .. لكنها تشجعت ونزلت الدرج بعدما رأتهم من شرفة غرفتها وقد تجمعوا معاً فى الحديقه استعداداً لتمضية الأمسية بها .. خرجت الى الحديقة وقلبها يرتجف .. لكنها حاولت رفع رأسها والسير بإتزان دون أن يبدو عليها التوتر .. أول من لمحتها هى “كريمه” التى هتفت بدهشة :

– “ياسمين” !

ازدادت ضربات قلبها عندما وجدت أنظار الجميع تلتفت اليها .. لمحت نظرات التعالى فى عين “ثريا” وهى تفحصها من رأسها الى أخمص قدميها .. أما “ايناس” فكانت نظراتها تتسم بالحقد والغيرة .. نعم كانت ايناس متحررة فى ملبسها .. وفى وضع الزينة .. لكن “ياسمين” تفوقت عليها بحسن اختيارها لما يناسب لون بشرتها وطبيعة جسدها .. فلم تفعل مثل ايناس وتحاول تغيير لون بشرتها بإضافة المزيد من مستحضرات التجميل والتى جعلتها تبدو كتمثال صب من الشمع فبدت مصطنعه الى حد كبير .. بل زينت ماهى عليه بالفعل .. فبدت أكثر رقة وأكثر شفافية وأكثر جمالاً .. أما نظرات “كريمه” فكانت تتسم بالفرح والاعجاب والحنان .. لكم تعشق تلك المرأة الحنون الطيبة .. جلست ثم .. التفتت لتتطلع الى “عمر” .. خفق قلبها بجنون عندما ارتطمت بنظراته الشغوفة التى تلتهمها بصمت .. كانت عيناه تلتهمان كل جزء فيها.. شعرت بقلبها وكأنه سيقفز من مكانه .. ودت لو نهضت وارتمت بين أحضانه

شعرت بالسعادة تسرى بداخلها وقد أيقنت بأنها أصابت عصفورين بحجر واحد .. تعمد “عمر” طوال السهرة ألا ينظر اليها أبداً .. ظلت تراقبه بطرف خفى .. كان وكأنه يتعمد ألا ينظر اتجاهها .. اقترحت “كريمه” فجأة :

– “عمر” قوم ارقص مع “ياسمين”

توترت “ياسمين” .. لم ترد احراج “كريمه” .. لكنها قالت بخفوت :

– معلش يا ماما بس مش بسمع موسيقى

فقالت “ثريا” بحده :

– ليه بأه ان شاء الله .. رجز من عمل الشيطان

لم تجاريها “ياسمين” .. لأنها شعرت بأن المرأة تبغى شجاراً .. نهض “عمر” ومد يده الى “ياسمين” بصمت .. نظرت اليه أسلمت كفها له ونهضت معه .. سار بها قليلاً فقالت بصوت مضطرب :

– أنا مش بسمع موسيقى يا “عمر”

قال ببرود :

– محدش قال ان أنا هشغل موسيقى

أوقفها أمامه فقالت بدهشة :

– هنرقص من غير موسيقى ازاى

قال ببرود :

– نحاول .. أحسن من الحرب اللى كانت هتحصل من شوية بينك وبين عمتو

أخذ يتحرك بها وكأنهما يرقصان على نغمات الموسيقى .. كان صوت نبضات قلبها عالياً يصم آذانها .. شعرت بالسعادة لقربها منه .. ظلت تنظر اليه .. لكنه بدا بعيداً لا ينظر اليها

نهضت “كريمه” بصحبه “ثريا” الى الداخل .. اقتربت منهما “ايناس” ووضعت يدها على ذراع “عمر” قائله :

– “عمر” تعالى نرقص سوا

شعرت “ياسمين” بالغضب والحنق والضيق ونظرت الى يدها الموضوعه على ذراع زوجها بنظرات نارية .. أبعد “عمر” ذراعه عن يدها قائلاً بهدوء :

– مش هينفع يا “ايناس”

شعرت “ايناس” بالضيق .. وعادت مرة أخرى الى مقعدها وهى تشتعل غضباً

نظرت له “ياسمين” هامسه :

– “عمر”

لم يجبها .. ولم يلتفت اليها

تطلعت اليه بعينين حزينتين قائله :

– طيب أعمل ايه عشان تسامحنى .. قولى أعمل ايه وأنا أعمل

ظل متمسكاً بصمته .. فشعرت بالألم يغزو قلبها .. التفتت لتجد “ايناس” تنظر اليها بشماته .. وقد بدأت “ايناس” تشعر بوجود خلاف بينها وبين “عمر” .. وانتبهت للوجوم البادى على وجه كل منهما .. تلاقت نظرات المرأتين فى تحدى صارخ .. تبادلتا نظرات نارية .. نظرات “ايناس” تقول : لن تملكيه أبداً لن يكون لكِ وحدك .. ونظرات “ياسمين” تقول : هو ملكى بالفعل وهو لى وحدى .. اشتعلت نظرات التحدى بينهما .. وفجـــأة .. لا تعلم “ياسمين” كيف أتتهى الجرأة لتفعل ذلك .. لكنهــا .. نظرت الى “عمر” و قبلته على وجنته برقه .. أمام عيني “ايناس” التى ضاقت من الغضب .. وقامت فى عصبية لتغادر المكان

تلاقت نظراتهما فى صمت .. قال “عمر” بصوت خافت مضطرب :

– ايه اللى انتى عملتيه ده

قالت له بعند وثقه :

– انت بتاعى يا “عمر” .. مش هسمحلك تبعد عنى

قالت له هامسه :

– أنا اسفه .. سامحنى بأه

لم يقطعهما سوى صوت “كريمه” الآتى من الفيلا وهى تنادى على “عمر” .. همس اليها “عمر” بأنفاس متقطعه :

– خليكي هنا .. هشوف ماما عايزة ايه وأرجعلك

ابتسمت له و أومأت برأسها .. نظر اليها بحب .. بدا وكأنه لا يريد مفارقتها .. انتزع نفسه منها وابتعد عنها بصعوبة وذهب داخل الفيلا .. وقفت “ياسمين” تنتظره وقد وضعت يدها على قلبها وارتسمت ابتسامه على ثغرها .. فجأة شعرت بمن يطوقها بذراعه من الخلف ويضع كفه على فمها .. حاولت التخلص منه فلم تستطع .. حاولت الصراخ .. فجاء صراخها مكتوما .. شعرت بأنه يجرها فى اتجاه سور الحديقه التفتت اليه وهى تحاول التخلص منه لتفاجأ بوجه “مصطفى” .. نظر اليها بعينين تشعان كرهاً وقال :

– حياتى قصاد حياتك يا ياسمين .. انتى اللى عملتى كده فى نفسك .. لو مكنتيش هربتى منى مكنش ده كله حصل

حاولت التحرر منه لكنه كان يطبق عليها بقوة .. فجأة صرخ من الألم عندما تمكنت من عض يده التى تكمم فمها حتى سال الدم منها .. أفلتت منه وأخذت تجرى فى اتجاه الفيلا وهى تصرخ :

– “عمر” .. “عمر” الحقنى

جرى “عمر” فى اتجاهها وتلقاها بين ذراعيه باكيه وهى تشير الى اتجاه السور وتقول :

– “مصطفى” .. “مصطفى” هنا

جرى “عمر” فى الاتجاه الذى أشارت منه “ياسمين” .. أسرع “مصطفى” بالجرى وتسلق سور الفيلا وقفز من فوقه الى الجانب الآخر بسرعة .. لم ينتبه الى تلك الدراجة النارية التى أتت فى اتجاهه وتسير بسرعة جنونية .. ارتطمت به لتدفعه بقوة عدة أمتار قبل أن يسقط على الأرض والدماء تنفجر من رأسه التى ارتطمت بالأرض بشدة .. ليقط جثة هامدة.

*******************************

رحلت الشرطة بعدما أخذوا أقوال “ياسمين” التى بدت مضطربة للغاية .. جلست “ياسمين” على احدى الأرائك وهى مازالت لا تستطيع ايقاف رجفة جسدها .. جلس “عمر” بجوارها ولف ذراعيه حولها وقبل رأسها .. قالت “كريمه” بأسى :

– آدى آخرة الظلم .. ضيع حياته على الفاضى .. هيقابل ربنا يقوله ايه دلوقتى

قالت “ثريا” بضيق :

– كان ملنا ومال المشاكل دى .. ما كنا فى حالنا

نظر اليها “عمر” بحده .. وجذب “ياسمين” من يدها واستأذن من الجميع وصعدا الى غرفتهما .. ألقت “ياسمين” بنفسها فى حضنه وطوقت رقبته بذراعيها بشدة .. أحاطتها بذراعيه وطمأنها قائلاً :

– خلاص يا “ياسمين” .. متخفيش

قالت بصوت مرتجف :

– خفت أوى لما شوفته .. ولما كتفنى .. معرفش كان ناوى يموتنى ولا كان ناوى يعمل ايه

قال “عمر” بحنان :

– خلاص انسى متفكريش فى الموضوع ده تانى .. خلاص مات ومعدش هيقدر يأذيكي تانى

جذبها “عمر” قائلاً :

– يلا نامى انتى .. وأنا هروح أشوف الثغرة اللى فى السور اللى عرف يدخل منها .. عشان أأمنها وميحصلش حاجة زى كده تانى

قالت بلهفه :

– لازم تروح دلوقتى

– أيوة معلش .. عشان أبقى مطمن

أومأت برأسها ..خرج .. دخلت الى الفراش وقد شعرت بأنها مرهقة للغاية .. حاولت السهر لتنتظره لكنها لشدة تعبها استسلمت لنوم عميق

***********************

فى اليوم التالى زارتها أختها للإطمئنان عليها .. كانت “ياسمين” أفضل حالاً .. قالت “ريهام” :

– سبحان الله فى ناس كده بتعيش مؤذية وتموت مؤذية

قالت “ياسمين” بخفوت :

– ربنا يرحمه بأه ويغفرله

– الحمد لله ان ربنا حماكى امبارح ونجاكى منه

– الحمد لله

رحلت “ريهام” بعدما اطمئنت على أختها .. جاءت الخادمة لتخبر “ياسمين” أن هناك من يتصل بها على تليفون المنزل .. استغربت بشدة .. فمن يعرفها سيقوم باللإتصال بها على الموبايل مباشرة .. كمان أنها لم تعطى أحداً تليفون المنزل بل هى نفسها لا تعرفه .. أخذت الهاتف من الخادمة .. كانت تقف فى الردهة الواسعة بالأسفل .. قالت بإستغراب :

– السلام عليكم

أتاها صوت انثوى :

– هاى .. انتى “ياسمين”

– أيوة أنا .. مين حضرتك

– أنا “نانسي” .. خطيبة “عمر”

شعرت “ياسمين” بمزيج من الدهشة والغيظ .. فهى ليست خطيبته بل خطيبته السابقة .. قالت “ياسمين” ببرود :

– أفندم .. حضرتك عايزانى فى ايه

قالت “نانسي” بغِل :

– عايزة بس أقولك حاجه يا مدام “ياسمين” .. اذا كنتى فاكره ان “عمر” نسانى تبقى غلطانه .. عمر مستحيل ينسانى انتى متعرفيش ايه اللى حصل بينى وبينه فى بيت المزرعة

صمتت “ياسمين” للحظة ثم قالت بغضب :

– مسمحلكيش تتكلمى عن جوزى بالطريقة دى

حاولت “نانسي” بث سمومها مرة أخرى فقالت :

– حتى لو قولتلك انى عندى دليل على اللى أنا بقوله

قالت “ياسمين” بثقه وبدون تردد :

– أنا واثقة فى جوزى جداً وفى أخلاقه .. وميهمنيش الدليل اللى بتقولى انه معاكى لانى مستحيل أصدقك .. حتى لو “عمر” قالى الكلام ده بنفسه مش هصدقه .. لو سمحتى متتصليش ببيتي تانى .. يا إما هعملك مشاكل انتى مش قدها

قالت ذلك وأنهت المكالمة وهى تشعر بالحنق ووقفت تستعيد هدوءها للحظة .. ثــم .. التفتت لتجد “عمر” فى مواجهتها .. تبادلا نظرة طويلة صامته .. كانت ملامحه خاليه من أى تعبير ولم تستطع فهم نظرته .. قال:

– مين اللى كان بيتكلم

قالت بصوت خافت :

– “نانسي”

– قالتلك ايه

ابتلعت ريقها قائله :

– كانت بتحاول تقنعنى ان فى حاجه حصلت بينكم فى بيت المزرعة

نظر اليها قليلاً .. ولكن بصمت .. ثــم تركها ودخل مكتبه حيث كان ينتظره والده فى الداخل .. اندمجا معاً فى العمل .. وقضت “ياسمين” يومها بصحبة “كريمة” .. كانت “ياسمين” تفكر فى مشكلتها مع “عمر” .. ترى هل سيسامحها يوماً .. هل سيلغى فكرة الطلاق من رأسه أم مازال مصر عليها .. كانت حائرة مشتتة .. لكنها لم تخبر “كريمة” أو أختها أو حتى “سماح” لوجود مشكلة بينها وبين “عمر” .. فى المساء بعد العشاء استأذنت “ياسمين” وقالت أنها متعبة وتريد النوم .. قالت “كريمة” :

– هتنامى بدرى كده .. مش عادتك

قال “نور” بإهتمام :

– تعبانه ولا حاجه يا “ياسمين”

قالت بسرعة :

– لا يا عمو أنا كويسة بس حسه انى عايزة أريح شويه

قالت “كريمه” بحنان :

– طيب يا حبيبتى تصبحى على خير

– تصبحى على خير

قبل أن تغادر ألقت نظرة على “عمر” الجالس فى مكانه والذى بدا عليه الضيق لكنه لم يعيرها أى انتباه .. بعد ساعتين .. صعد “عمر” الى غرفتهما .. لم يجدها بالداخل وسمع صوتاُ فى الحمام .. توجه الى الشرفة وفتحها ووقف فيها .. فجأة شعر بحركة خلفه .. استدار لتتسع عيناه من الدهشة .. أسند ظهره الى السور .. كانت “ياسمين” ترتدى فستان زفافها .. وهى بكامل زينتها .. كانت تبدو كأميرة .. بل كملكة متوجة .. أحسنت وضع زينتها .. فكانت فى أبهى صورة .. وصففت شعرها بفورمه ناسبت شكل وجهها .. كانت غاية فى الأناقه والرقه والجمال .. وقفت على باب الشرفة .. تطلع اليها “عمر” وعيناه تلمعان اعجاباً وانبهاراً .. لكنه بقى صامتاً كما هو … لم يوجه اليها كلمة .. ولم يقترب منها .. أتعبها هذا الصمت الذى طال .. فإقتربت وقفت على بعد خطوتين منه .. قطعت هذا الصمت وهى تتطلع اليه قائله :

– أنا آسفة يا “عمر” .. عارفه انك زعلان منى أوى .. بس أنا آسفة

قطع صمته وقال بهدوء :

– أنا مش زعلان منك يا “ياسمين” .. أنا مجروح منك

نظرت اليه برجاء وقالت :

– انت قولتلى انى مكنتش صريحة معاك وده صح فعلا .. وقولتلى انى مكنتش واثقة فيك وده صح فعلا انا مكنتش بثق فيك زى ما أنا بثق دلوقتى .. بس انت قولتلى انى محبتكش .. انت غلطان يا “عمر” ..

ثم قالت بصوت متهدج :

– انا بحبك أوى يا “عمر” .. ازاى مش حاسس بيا

قال بهدوء وهو مازال بعيداً عنها :

– انا مشفتش منك حاجه تدل على الحب ده يا “ياسمين” .. أنا اللى كنت طول الوقت بقربلك وانتى اللى كنتى بتبعدى

نظرت اليه بألم وقالت :

– آسفة بجد .. اتصرفت غلط .. سامحنى بأه يا “عمر”

اقتربت منه خطوة ونظرت الى فستانها وتطلعت الى عينيه قائله بهمس :

– “عمر” .. أنا أول مرة ألبس فستان فرح .. أنا لابساه عشانك انت .. عشان انا عروستك

قال بدهشة :

– يعنى ملبستيش فستان فرح قبل كده

– لأ

– ليه ؟

– مكنتش حسه انى عايزة ألبسه

لانت ملامحه قليلاً وهو يتطلع اليها .. فعلمت أنها حققت هدفاً .. اقتربت منه أكثر وتطلعت اليه بحب قائله :

– متقنعنيش انك معدتش بتحبني لانى مش ممكن أصدق

إبتسمت له قائله بصوت خافت :

– فاكر لما قولتلى واحنا أعدين عند الشجرة انك كان نفسك تكون الأول فى حياتى

ظهرت علامات الضيق على وجهه وقال :

– انتى ليه جبتى سيرة الموضوع ده دلوقتى

اقتربت من أذنه هامسه :

– انت الأول يا حبيبى

أمسكها من ذراعيها ونظر فى عينيها بدهشة قائلا :

– بتقولى ايه

ابتسمت بفرح وخجل :

– بقولك انت الأول يا “عمر”

بدا وكأنه مصدوم أخذت عيناه تنظران اليها وكأنهما تخترقانها .. قال بصوت مضطرب :

– ازاى

قالت مبتسمه :

– انت السبب

مازالت علامات الدهشة مرسومة على وجهه فأكملت :

– لما خبطنى بالعربية اضطرينا نغير معاد الفرح عشان رجلى كانت فى الجبس والمعاد الجديد مناسبش الأيام اللى كان واخدها أجازة من شغله وبعدين سافر ولما رجع حصلت المشكلة وسبت البيت

كانت عيناه تحتويانها .. لكم تعشق تلك النظر من عيناه .. قال بصوت متهدج وأنفاس متقطعه :

– يعني هو ملمسكيش أبدأ

– لأ أبداً

– ولا مرة

– ولا مرة

همست له :

– أنا بحبك انت يا “عمر”

أسكتها بشفتيه .. ثم أسند جبينه الى جبينها هامساً :

– وأنا بموت فيكِ

ابتسمت هامسه :

– هتفضل تحبنى كده على طول ؟

ابتسم قائلاً :

– لآخر يوم فى عمرى يا عمرى

ابتسمت له بسعادة وهى تتطلع الى عينيه التى لم تفارق عينيها لحظه .. طبع قبلات صغيرة على وجهها وثغرها ولف يده حولها وفتح سوسته الفستان ببط .. و ….

فى صباح اليوم التالى أيقظها “عمر” بطريقته الخاصه .. ثم تركها وفتح الدولاب وأخرج منه علبة قطيفه وعاد الى جوارها .. ألبسها شبكتها ودبلها وألبسته دبلته .. ضحكت قائله :

– أول مرة فى حياتى أشوف عروسة بتلبس شبكتها فى السرير

– الحفلة بعد تلت أيام ان شاء الله .. لو تحبي ألبسهالك تانى فى الحفلة مفيش مشكلة

ابتسمت قائله :

– لأ هتكسف تلبسهالى أدام الناس دى كلها .. وبعدين انت خلاص لبستهالى

لمس السلسلة التى لا تخلعها من رقبتها أبداً وقال :

– أيوة كده خليكي لبساها على طول .. مش عايزك تقلعيها خالص

قالت بدلع :

– حاضر يا حبيبى

عادت عيناه احتوائها مرة أخرى وقال :

– انتى خطر عليا على فكرة

و …… انفصلا عن الدنيا مرة أخرى

**************************

قضيا طيلة اليوم فى غرفتهما حتى أصرت “كريمه” على نزولهما من أجل عمته التى حضرت .. نزل “عمر” و “ياسمين” .. كانت تبدو مختلفة .. فرحة سعيدة .. مبتهجة .. كانا يشبكان أصابعهما ببعضها البعض .. ألقت عليهما “ايناس” نظرة حقد ثم أشاحت بوجهها فى عصبيه .. أيضاً “ثريا” كانت ترمقهما بنظرات غير مريحة .. قالت “ثريا” ساخرة :

– ايه عروستك وخداك مننا ولا ايه

تنهدت “ياسمين” فى ضيق فقال “عمر” :

– ايه لزمته الكلام ده يا عمتو .. ما انا معاكوا اهو

التفتت اليها “ثريا” وقالت بنبرة ساخرة :

– اللى يشوف كدة يقول عروسه جديده

احمرت وجنتاها خجلاً وغضباً فى آن واحد .. قال “عمر” بتحدى :

– هى فعلاً عروسة جديدة

نظرت اليه “ثريا” قائله :

– آه عروسه فرز تانى

كادت “ياسمين” ان تغادر .. لكن “عمر” أوقفها ولف ذراعيه حولها وقربها منه .. ثم نظر الى عمته قائلاً بتحدى :

– يعني ايه فرز تانى

– يعني يا حبيبى كانت متجوزة قبل كده ..

قال “عمر” بحزم :

– لأ مكنتش متجوزة قبل كده

رفعت “ياسمين” نظرها الى “عمر” قائله :

– “عمر” خلاص

حاولت التحرر من بين ذراعيه لكنه أطبق عليها بشدة وقال لعمته :

– الأولانى ده ملمسهاش .. يعني “ياسمين” كانت بكر لما اتجوزتها

نظرت اليه عمته بدهشة وقد ألجم لسانها .. أما “ايناس” فقد شعرت بحقد فوق حقد .. فأكمل “عمر” بصوت هادر :

– يعني مفيش داعى لكلامك وتلميحاتك كل شوية .. هى متفرقش حاجه عن أى بنت تانية بتتجوز لأول مرة .. لأ مش بس كده .. هى أفضل من بنات كتير أوى بتتجوز لأول مرة .. مراتى مش زى أى بنت .. هى بنت غالية أوى وعالية أوى وقيمتها عندى كبيرة أوى .. وأنا معرفتش ان ربنا بيحبنى الا بعد ما رزقنى بيها .. لان الطيبون للطيبات .. ومش عايز الموضوع ده يتفتح تانى أبداً

ابتسمت “كريمه” التى كانت تشفق على “ياسمين” من معاملة “ثريا” .. شعرت “ياسمين” بالسعادة ودمعت عيناها فرحاً وهى ترى زوجها .. يرفع من شأنها أمام أهله .. ويتحدث عنها بتلك الطريقة .. لم تبالى بنظرات أحد وألقت برأسها على صدره .. قبل “عمر” رأسها ومسح على شعرها .. فقامت “ايناس” لتغادر مع “ثريا” التى قالت أن لديها بعض الأعمال الهامة .. وما هى الا حجه بعدما أفلست وألجم لسانها ولم تجد ما تقوله من كلمات

**************************

أتى يوم الحفل .. فى صباح اليوم .. بدا الجميع مهتماً بتفاصيل اعداد الحفل .. كانت “ياسمين” مع “ثريا” و “ريهام” فى غرفة المعيشة يتناقشون حول بعض تفاصيل الحفل .. عندما أتى “عمر” قائلاً :

– “ياسمين” .. فين البدلة بتاعتى ؟

التفتت اليه قائله :

– فى الدولاب يا “عمر”

– لأ .. تعالى شوفيها

قالت بدهشة :

– أنا واثقه انها فى الدولاب

قال بإصرار :

– طيب تعالى شوفيهالى

صعدا معاً الى غرفتهما وكادت أن تتجه الى الدولاب لكنها أوقفها وأطبق ذراعيه حولها قائلاً :

– وحشتيني

ابتسمت قائله :

– كنت بتستدرجنى يعني

ابتسم بخبث ومرح وقال :

– أيوة الله ينور عليكي .. كنت بستدرجك .. ودلوقتى انتى وقعتى أسيرة فى ايدي

ابتسمت بسعاده … و … وبعده فترة طويله .. قالت

-ممكن ننزل بأه ماما “كريمه” على أعصابها من امبارح

ابتسم وقبلها قائلاً :

– ماشى يلا ننزل .. أنا عارف ماما وقت ما بيكون فى حفلة .. طول عمرها دقيقة وبتحب كل حاجة تكون مظبوطه

بعد ساعة خرجا معاً الى غرفتها وهما ينزلان على الدرج أوقفها وثبتها الى الحائط قائلاً :

– بقولك ايه متيجي نهرب من الحفلة دى .. وأخدك ونطلع على المزرعة

قالت بجديه وهى تحاول أن تبتعد عنه :

– “عمر” ماما “كريمه” زمانها على نار .. اتصلت بينا أكتر من مرة يلا انزل

تركها على مضض قائلاً :

– يلا انزلى روحى لماما “كريمه” بتاعتك ابقى خليها تنفعك

قالت “كريمه” وهى تصعد الدرج :

– آه ما شاء الله انتوا الاتنين واقفين تتسايروا مع بعض .. وأنا ملبوخه لوحدى تحت .. يلا يا “عمر” شوف الناس اللى بيظبطوا الترابيزات والزينه بره .. وانتى يا “ياسمين” يلا تعالى معايا عايزاكى

نزلت “ياسمين” معها واندمج كل فى عمله .. فى المساء خرج الحفل بشكل رائع .. حضر جميع أصدقاء ومعارف العائله .. وتعرفت عليهم “ياسمين” .. أحبت البعض وتحفظت تجاه البعض .. وشعرت بسعادة غامرة عندما رفض “عمر” بأدب أن يسلم على النساء فى الحفل بيده .. وأجاب بطريقه مرحه : معلش أصل المدام بتغير

كانت واقفه تتحدث الى احدى السيدات .. عندما اقترب منها “عمر” فابتسمت المرأة وقالت لـ “عمر” :

– ازيك يا “عمر” .. ألف ألف مبروك عروستك عسوله أوى

ابتسم “عمر” قائلاً :

– الله يبارك فى حضرتك

استأذن “عمر” وجذب “ياسمين” من يدها .. قال وهو ينظر ليها بحنان :

– أنا النهارده حاسس بفرحه غير عاديه

ابتسمت قائله :

– اشمعنى النهاردة

قال وهو ينظر اليها بحب :

– عشان ايدي فى ايد مراتى أدام الناس كلها

توقف قائلاً بحنان :

– انا بحبك أوى يا “ياسمين” .. انتى غيرتى فيا حاجات كتير .. غيرتيها للأحسن .. أنا بجد كنت محتاج لوجودك فى حياتى أوى .. أوى

ابتسمت قائله :

– أنا كمان كنت محتاجة وجودك فى حياتى أوى يا “عمر”

نظرا بحب وشوق الى بعضهما البعض وابتسما وكل منهما يشبك أصابعه بأصابع الآخر.. وكأنه لا يريد أن يفارقه أبداً.

*************************

بعد سبعة أشهر …

استيقظت “ياسمين” وأيقظت “عمر” قائله :

– “عمر” الحقنى .. “عمر”

استيقظ فرعاً وقال :

– فى ايه

قالت وهى تتألم :

– بسرعة يا “عمر” شكلى بولد

هب “عمر” واقفاً وأحضر ملابسها سريعا وصراخها يتعالى .. ألبسها بسرعة وقال :

– متخفيش يا حبيبتى متخفيش

قالت وهى تتألم بشدة :

– مش قادرة يا “عمر” .. مش قادرة

حملها وخرج بها مسرعاً وقال :

– قولتلك بلاش نروح المزرعة دلوقتى انتى اللى اصريتي

قالت وهى وسط صرخاتها المتألمه :

– وأنا كنت أعرف يعني انى هولد فى السابع

جرى “بها “عمر” وأدخلها السيارة وانطلق بها الى المستشفى .. تعالت صرخاتها فقالت الطبيبة بعد فحصها :

– لسه شوية

فقال “عمر” وهو ينظر الى زوجته بأسى :

– مينفعش تديها حاجه تخفف الألم شوية

التفتت له قائله ببرود :

– متقلقش كل ده طبيعى وأنا أفضل انها متاخدش حاجه

قالت “ياسمين” بغيظ وهى تصرخ :

– أنا أفضل آخد .. هو أنا اللى هولد ولا انتى

خرجت الطبيبة وهى تعطى تعليماتها للمرضة .. التفتت “ياسمين” الى “عمر” قائله بغضب :

– انت السبب .. انت اللى عملت فيا كده

ضحك قائلاً :

– هو انا غصبتك على حاجه ما كله كان برضاكى يا “ياسمين”

ضحكت الممرضة مرة أخرى .. فنظرت اليها “ياسمين” نظرة قاتله فخرجت فوراً من الغرفة .. اقترب “عمر” منها وجلس بجوارها وأمسك بيدها .. ووضعه يده الأخرى على رأسها وظل يقرأ ما حفظه فى الشهور الماضية من القرآن

بعد نصف ساعة فى غرفة العمليات سمع أصوات الرضيعه .. خرجت الممرضة تعطيها له وهى تلفها .. حملها بين ذراعيه ونظر اليها .. خفق قلبه بشدة واغرورقت عيناه بالدموع .. أمسك كفها الصغير بأصابعها الصغيره الرقيقة وطبع عدة قبلات حانيه عليها .. وأذن فى أذنها .. وقبل جبينها .. ثم التفت الى الممرضة وسألها بلهفه :

– “ياسمين” كويسة

ابتسمت تطمئنه :

– أيوة كويسة شوية وهتخرج

اجتمع الجميع فى المستشفى وحضرت “ريهام” و “كرم” .. و “سماح” و”أيمن” وابنهما الرضيع “مازن” .. و”كريمة” و “نور” .. كانت سعادة الجميع غامرة بتلك الصغيره التى تبادلوا حملها فى سعاده .. اقتربت “ريهام” من “ياسمين” قائله :

– “ياسمين” هى الولادة دى حاجه صعبه

نظرت “ياسمين” الى “سماح” قائله :

-اسألى “سماح”

ضحكت “سماح” وقالت :

– لا بلاش أنا بالذات .. أنا فضحت الدنيا يوم ولادتى

قالت “ريهام” بقلق :

– انتوا هتقلقونى ليه بأه

وضعت “سماح” يدهل على بطن “ريهام” المنتفخة قليلا وقالت :

– انتى لسه بدرى عليكي .. متقلقيش نفسك من دلوقتى

هتفت “ريهام” :

– ده انا هموت من القلق .. وانتوا بترعبونى اكتر

قالت “ياسمين” ضاحكة وهى تغمز لـ “سماح” :

– لأ متخافيش .. ده زى شكت الدبوس بالظبط

كتمت “سماح” ضحكتها وقالت :

– آه صح .. شكت دبوس

وقف الأصدقاء الثلاثة معاً فى الخارج .. قال “كرم” الذى يحمل الصغيرة :

– دى صغيره أوى يا “عمر” .. ده أنا حتى خايف أشيلها

ضحك “عمر” قائلاً :

– معلش بكرة تكبر يا “كرم”

ابتسم “أيمن” قائلاً :

– يلا عقبالك انت كمان .. ربنا يرزقك ببنوته زيها

هتف “كرم” :

– لا أنا مش عايز بنات .. كفايه عليا واحدة فى البيت .. اذا كان واحدة ومطلعة عيني .. مش هقدر انا على اتنين حريم فى البيت .. أنا عايز ولد عشان نبقى اغلبيه ساحقه و “ريهام” تحس انها أقليه

ضحك “أيمن” و “عمر” الذى قال :

– أغلبيه ايه واقليه ايه يا ابنى هو برلمان

قال “كرم” بمرح :

– ما انتوا متعرفوش اللى بيحصل فى صاحبكوا .. أنا قولت من الأول مالى ومال الجواز

قالت له “ريهام” الواقفه خلفه :

– بتقول حاجه يا “كرم”

التفت اليها بسرعة قائلاً :

– كنت بقول ل “عمر” و “أيمن” .. ما أحلى الجواااااز .. نعيم نعيم نعيم

رفعت حاجبها قائله :

– آه .. ماشى

رحل الجميع الى بيت المزرعة .. وعاد “أيمن” و “سماح” وابنهما الى بيتهم

قالت “سماح” ل “أيمن” :

– كويس ان “مازن” نام فى العربية .. والا كان هيتعبنى فى نومه

قال “أيمن” بهدوء :

-شششش بس ليصحى أنا مصدقت انه نام عشان أعرف استفرد بأمه اللى أنا مش عارف أطولها من ساعة ما شرف

ضحكت “سماح” قائله :

– معلش هو فى الأول كدة .. وبعد كده نومه هيتزبط ويبطل عياط

نظر اليها “أيمن” وقبلها وهمس لها :

– طيب سبيه نايم بأه وتعالى قبل ما يصحى والليلة تبوظ

ابتسمت له فعانقها وضمها الى صدره.

دخل “كرم” و “ريهام” الى احدى الغرف ببيت المزرعة .. وقفت “ريهام” تغير ملابسها فاقترب منها “كرم” التفتت اليه قائله :

– مخصماك على فكرة

ابتسم قائلاً :

– ليه يا حبيبتى

قالت بدلع :

– عشان اللى قولته لصحابك فى المستشفى .. ماشى يا “كرم” مكنتش أعرف انك ندمان على جوازك منى بالشكل ده

لفها اليه ونظر فى عينيها قائلاً :

– انتى مجنونة .. أنا اندم انى اتجوزتك .. ده انتى حب حياتى .. ده انتى كل حاجة حلوة فى حياتى يا “ريهام”

ابتسمت قائله :

– بجد يا “كرم”

– بجد يا حبيبة قلب “كرم” “ريهام”

ابتسمت له وتلاقت أعينها فى سعادة .

جلس “عمر” بجوار “ياسمين” على السرير وابتسم وهو يراها ترضع الصغيره وقال :

– مش قادرة أصدق .. القمر دى تبقى بنتى

ابتسمت “ياسمين” قائله :

– أموره أوى صح .. وصغنونه أوى

أمسك “عمر” أصابعها الصغيره ولفهم على اصبعه وقبلها .. التفت الى “ياسمين” وقبل رأسها قائلاً :

– ربنا يخليكوا ليا انتوا الاتنين وتفضلوا منورين حياتى على طول

نظرت اليه “ياسمين” قائله :

– هنسميها ايه .. أنا احترت .. لسه مااستقرناش على اسم

قال “عمر” :

– لأ أنا خلاص اخترت اسمها

– ايه هو ؟

نظر اليها بشك قائلاً :

– خايف ميعجبكيش

ابتسمت وقالت :

– طالما انت اللى اخترته يا “عمر” أكيد هيعجبنى

نظر فى عينيها قائلاً :

– نفسي أسميها “عائشة”

نظرت اليه :

– اشمعنى “عائشة”

نظر الى الصغيرة وهو يمسح وجهها بأصابعه وقال :

– على اسم أم المؤمنين عائشة .. لما قرأت عنها حبيتها أوى .. وحبيت انى أسمى بنتي بإسمها

ثم نظر الى “ياسمين” وقال :

– عجبك ؟

انحن لتطبع قبلة على وجنته وقالت :

– طبعاً عجبنى

نظر “عمر” اليها قائلاً :

– انت عمرى يا “ياسمين” .. سامعه .. انتى عمرى .. بحبك أوى

قالت بحنان :

– وأنا كمان بحبك أوى يا أحن “عمر” فى الدنيا

ابتست ونظرت الى زوجها وابنتها بسعادة .. لم تنسى أن تحمد الله على ما رزقها .. وعلى ما عوضها به عن كل ما قاست فى حياتها فكان جزاء صبرها تلك السعادة التى بين يديها .. ودعت لوالديها بالرحمة والمغفرة .. نظر “عمر” الى ابنته الصغيره والى زوجته .. وقبل جبين كل منهما ولف ذراعيه حولهما وهو يعاهد الله عز وجل على أن يحافظ على تلك الأمانة التى ائتمنه عليها .. تبادلا نظرات صامته تشى بحب كل منهما للآخر وتمسك كل منهما بالآخر .. ورغبة كل منهما فى اسعاد الآخر .. والتقت العيون لتمضى عهداً بالحب والمودة والرحمة والتسامح والمشاركة .. طــوال العمــــر .

… تمت بحمد الله …

عرض التعليقات (30)