قطة في عرين الأسدبقلمي : بنوتة أسمرة الحلقة الثامنة

10 3٬490
 

قطة في عرين الأسد بقلمي : بنوتة أسمرة الحلقة الثامنة

قطة في عرين الأسد بقلمي : بنوتة أسمرة الحلقة الثامنة

قطة في عرين الأسد بقلمي : بنوتة أسمرة الحلقة الثامنة

قطة في عرين الأسد بقلمي : بنوتة أسمرة الحلقة الثامنة, معكم صديقة زاكي الشيف الموهوبة ,

الفصل الحادى والعشرون من رواية قطة فى عرين الأسد

مفكرتيش هعمل ايه لو كان جرالك حاجه .. مفكرتيش فيا

تطلعت اليه “مريم” ترقب تعبيرات وجهه الخائفه المتألمه ونظرات عينيه المصوبه تجاهها والتى تتأمل وجهها فى لهفة ونبرة صوته المضطربه وقطرات الماء التى تتصبب من وجهه .. فجأة وجدت نفسها بين ذراعيه يضمها اليه بشدة كما لو كان يخشى أن تفلت منه .. شعرت بدقات قلبه المتسارعه وبأنفاسه المتلاحقه .. سمعته يتمتم بصوت خافت :

– الحمد لله .. الحمد لله

حاولت “مريم” التحرر من بين ذراعيه لكن “مراد” كان يطبق عليها بشدة ويداه تتشبثان بها بإحكام .. شعرت “مريم” بمشاعر كثيرة متضاربة .. لكنها أسكتت كل تلك المشاعر وسمحت لشعور واحد فقط أن يطفو ويسيطر على كل كيانها .. شعور الأمان الذى شعرت به وهى بين ذراعيه .. أغمضت عينيها لتنعم بهذا الشعور الذى لطالما افتقدته

طال عناقهما وكأن الوقت قد توقف وخلى العالم الا منهما .. لم يشعران إلا بالأمان الذى يشعر به كل منهما فى حضن الآخر .. لم يقطع عليهما تلك اللحظة الا صوت حراس المرفأ القادمون بإتجاه الحريق وأصواتهم تتعالى :

– هاتوا طفاية الحريق بسرعة

– حد يتصل بالمطافى يا شباب

شعرت “مريم” بالفزع عندما سمعت تلك الأصوات التى تعالت فجأة بالصياح .. نظر “مراد” الى الخلف حيث الرجال مقبلون فى اتجاههم ثم نظر اليها قائلاً بحنان :

– متخفيش

شعرت “مريم” بالإضطراب وبالحرج الشديد ابتعدت عنه وابتعد عنها .. التفت “مراد” يتحدث الى الرجال وهو يطبق على ذراع “مريم” بيده :

– اللانش بتاع واحد صاحبى أنا هكلمه حالا

التفت الى “مريم” وأعطاها مفاتيح السيارة قائلاً :

– اعدى فى العربية انتى وهى واقفلوها عليكوا كويس

أومأت برأسها وتوجهت الى “سهى” التى تجلس على أرض المرفأ تبكى .. وجذبتها من ذراعها وتوجهت بها الى السيارة تحت أنظار “مراد” الذى أخذ يساعد الرجال فى اطفال الحريق حتى لا يمتد الى اللانشات المجاورة له

أغلقت “مريم” السيارة من الداخل كما أمرها “مراد” ثم التفتت الى “سهى” التى جلست بجوارها فى المقعد الخلفى وقالت :

– انتى كويسة ؟

قالت “سهى” والدموع تتساقط من عينيها :

– ياريتك كنتى سبتيني أموت

هتفت “مريم” بحده :

– حياتك مش ملكك عشان تنهيها وقت ما تحبي .. حياتك دى ملك لربنا .. ربنا حرم علينا اننا ننهى حياتنا بإيدينا .. ربنا بيقول فى سورة النساء : “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً” .. انتى بتهربى من ايه لايه يا “سهى” .. انتى فاكره بعد ما تموتى خلاص كده هترتاحى ؟ .. لا يا “سهى” فى حياة تانية بعد الموت .. حياة أبديه .. هتتحاسبي فيها عن كل اللى عملتيه فى الدنيا .. النبي صلى الله عليم وسلم قال : “مَن تردى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى فيه خالداً مخلداً فيها أبداً ، ومَن تحسَّى سمّاً فقتل نفسه فسمُّه في يده يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً ، ومَن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يجأ بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً” .. وقال كمان : ” مَن قتل نفسه بشيء في الدنيا عذب به يوم القيامة ”

صمتت “مريم” قليلاً ثم قالت :

– ليه تموتى على ذنب كبير زى ده .. انتى مش عارفه ان من مات على شئ بُعث عليه يوم القيامة ؟

قالت “سهى” وهى تبكى :

– ازاى أعيش بعد اللى حصل ده يا “مريم” أنا اتفضحت خلاص وحياتى ضاعت

قالت “مريم” :

– أنا مش هقولك ازاى عملتى كده .. وازاى رخصتى نفسك كده .. وازاى سبتى واحد يضحك عليكي كده .. بس هقولك حاجة قولتهالك قبل كدة يا “سهى” انتى بعيد عن ربنا .. قربي منه ومش هتخسرى .. قربي منه يا “سهى” لان سعادتك فى القرب منه مش فى البعد عنه

قالت “سهى” ودموع الندم تغرق وجهها :

– أعمل ايه يا “مريم” قوليلى أعمل ايه

قالت “مريم” :

– استغفرى ربنا وتوبي يا “سهى” وعاهديه انك مش هتغلطى تانى أبداً مهما حصل .. لو توبتى بجد هتحسي ان نارك بردت شويه .. عارفه ان اللى حصل مش سهل .. بس انتى غلطتى يا “سهى” والغلط له تمن .. وغلطتك كبيرة وعشان كدة تمنها غالى .. بس اخلصى التوبة وخليكي مع ربنا .. وهو مش هيضيعك لو كنتى فعلاً معاه بقلبك وبكل جوارحك .. ربنا كبير ورحيم .. بس لازم تكونى صادقة فى توبتك .. وصادقة فى لجوئك له .. وصادقة فى ندمك وفى دموعك وفى دعائك

انتفضت “مريم” وهى تسمع طرقات على الزجاج خلفها .. التفتت لتجد “مراد” فتحت الباب فأعطاها غطائين واحد لها وواحد لـ “سهى” .. قال لها وهو يلقى نظرة على “سهى” :

– الأمور تمام ؟

أومأت برأسها فقال برقه وهو يتطلع الى عينيها بنظرة جعلت وجنتيها تحمران خجلاً وتهرب بعينيها :

– اقفلى الباب زى ما كان

أغلقت باب السيارة من الداخل .. وتابعته بعيناها الى أن اختفى عن أنظارها .. أفاقت من شرودها على “سهى” تقول :

– تفتكرى لو استغفرت ربنا هيسامحنى .. تفتكرى ممكن يسامحنى على كل الحاجات الغلط اللى عملتها .. انا غلطت كتير أوى يا “مريم”

قالت “مريم” بحنان :

– ربنا كبير أوى يا “سهى” وبيسامح ويغفر .. تعرفى ان ربنا بيتجلى فى السماء الدنيا وبينادى فى الثلث الأخير من الليل ويقول : “من يدعوني فأستجيب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له” .. متخيله ده .. متخيله ان ربنا سبحانه وتعالى هو اللى بيسأل مين عايز يستغفرنى عشان أغفرله ! .. ومحددش عن أى ذنب بيستغرفه .. يعني الكلام عام وشامل أى حد بيستغفر مهما كان الذنب اللى أذنبه

لفت “مريم” أحد الأغطيه حول “سهى” والغطاء الآخر حولها .. كانت أسنانها تصطك ببعضها من شدة البرد وهى الجالسه فى السيارة .. أخذت تفكر رغماً عنها فى “مراد” الواقف فى هذا البرد وملابسه مبتله تماماً .. حاولت أن تبحث عنه بعينيها لكنها لم تكن تراه من مكان جلوسها فى السيارة .. فجأة وجدت “سهى” تقول بخوف :

– “سامر”

تتبعت “مريم” نظرات “سهى” التى كانت مصوبة على “سامر” الذى أوقف سيارته على مقربه من سيارة “مراد” وأسرع الخطى الى داخل المرفأ.

اقترب “سامر” من “مراد” قائلاً فى لوعة :

– ايه اللى حصل يا “مراد”

نظر “سامر” مصدوماً الى اللانش المحترق والذى خمدت ناره بمساعدة “مراد” و الحرس .. فهتف فى الحرس بغضب :

– مين اللى عمل كده .. ازاى يبقى اللانش فى حراتكوا ويحصل كده .. اتصلولى حالاً بالمدير بتاعكوا .. أنا هوديكوا كلكوا فى ستين داهية

قال “مراد” بحزم :

– “سامر” ملوش داعى الكلام ده

جذبه “مراد” من ذراعه ليبتعد عن أسماع الرجال فقال “سامر” بغضب :

– أنا هوديهم كلهم فى ستين داهية

قال “مراد” بصرامة :

– “سهى” هى اللى حرقت اللانش

نظر “سامر” الى “مراد” بدهشة وقال :

– “سهى”

قال “مراد” بحده :

– أيوة ولعت فى اللانش وهى جواه

نظر اليه “سامر” مصدوماً وقد ألجم لسانه .. فقال “مراد” بعنف :

– أنا عارف ان تصرفاتك مش صح بس متخيلتش انها توصل للجواز العرفى

قال “سامر” ببرود :

– دى حياتى وأنا حر فيها

قال “مراد” بحده :

– اتفضل انهى الموضوع مع الحرس .. مش معقول هتعملها مشاكل ويحبسوها

أخذ “سامر” ينظر الى لانشه المحترق بغيظ شديد وهو يقول :

– استفادت ايه دلوقتى لما حرقته .. غبية

عاد “مراد” الى السيارة وركب خلف المقود .. وانطلق بسيارته .. سألته “مريم” :

– ايه اللى حصل

نظر اليها فى مرآة السيارة قائلاً :

– قولت لـ “سامر” انها هى اللى حرقته وكانت عايزه تنتحر .. وهو هيحل المشكلة مع الأمن

كانت “سهى” قد هدأت تماماً وألقت رأسها للخلف وقد خارت قواها .. مسحت “مريم” على شعرها فى حنان .. التفتت لترى عيني “مراد” مركزتان عليها فى المرآة .. شعرت بالخجل الشديد وهى تتذكر عناقهما منذ قليل .. قال “مراد” :

– على فين ؟

نظرت “مريم” الى “سهى” بشفقه وقالت :

– تحبي نروحك البيت يا “سهى” ؟

قالت “سهى” بضعف :

– أيوة ياريت تروحونى

قالت “مريم” بإهتمام :

– وهتقولى لأهلك ايه وهدومك مبلوله كده

قالت “سهى” بإبتسامه ساخرة حزينه :

– ده لو خدوا بالهم منى أصلاً .. زمانهم دلوقتى فى سابع نومه وفاكرين انى نايمه فى أوضتى

شعرت “مريم” بالأسى عليها .. أوصلها “مراد” الى بيتها .. فقالت لها “مريم” محذره :

– مش عايزة تصرفات مجنونة تانى يا “سهى” فكرى فى كلامنا كويس

قالت “سهى” بضعف :

– متخفيش .. ومعلش تبعتك معايا يا “مريم”

ثم نظرت الى “مراد” قائله :

– آسفه على تعبك يا أستاذ “مراد”

أومأ “مراد” برأسه .. نزلت “سهى” من السيارة ودخلت بيتها .. ونزلت “مريم” لتركب بجوار “مراد” وتركت الغطاء بالخلف .. فجذبه “مراد” ولفه على كتفيها .. شعرت بالحرج وتحاشت النظر اليه .. وصلا الى البيت .. كانت “مريم” تشعر بالتعب والإرهاق .. كان الجميع نيام .. صعدا الى الغرفة فحملت “مريم” ملابسها وهمت بأن تتوجه الى الحمام بالخارج فأوقفها “مراد” قائلاً :

– لا خليكي انتى هنا

حمل ملابسه وخرج من الغرفة .. أخذت دشاً وتوجهت الى الفراش وهى تجد صعوبة فى ابقاء عينيها مفتوحتان .. عاد “مراد” ليجدها تغط فى نوم عميق .. اقترب من الفراش مبتسماً ومسح بيده على شعرها برقه ودثرها جيداً .. ثم توجه الى الأريكه وهو يشعر بألم شديد فى ساقه .. نام على الأريكة وألقى نظره على “مريم” النائمة ثم خلع ساقه الصناعية بعدما اشتد به الألم وأصبح غير محتمل لكنه تركها مكانها تسد فراغ ساقه تحت الغطاء .. وغط فى نوم عميق .. بعد عدة ساعات شعرت “مريم” بشئ يداعب وجنتها فاستيقظت وفتحت عينيها بصعوبة لتجد “مراد” واقفاً بجوارها ويبتسم قائلاً :

– الفجر أذن يا كسلانه

لم تستطع فتح عينيها فأغمضتهما مرة أخرى وعادت للنوم .. وجدته يربت على كفتها برفق قائلاً :

– “مريم” قومى صلى ونامى تانى

استيقظت هذه المرة .. وخرجت من الفراش بتكاسل توضأت وصلت ثم عادت الى النوم مرة أخرى تحت نظرات “مراد” الحانيه

*********************************************

فى الصباح استيقظ “مراد” وهو يشعر بنغزات كالأشواك فى حلقة وظل يعطس كثيراً .. كانت “مريم” مازالت تغط فى النوم .. اقترب منها وأخذ ينظر اليها طويلاً ثم ارتدى ملابسه وتوجه الى الخارج .. جلس على الطاولة مع أمه فى الحديقة قائلاً :

– هما البنات لسه نايمين

قالت “ناهد” :

– أيوة محدش منهم بيصحى بدرى كده .. واضح ان “مريم” كمان لسه نايمة

قال “مراد” وهو يهم بالإنصراف :

– أيوة نايمة .. أنا ماشى يا ماما عايزة حاجه

قالت له بإستنكار :

– مش هتفطر

قال “مراد” :

– هفطر فى الشركة عندى شغل كتير النهاردة

عطس مرتين فنظرت له أمه بتفحص قائله :

– خد حاجة للبرد يا “مراد” شكلك بردت امبارح كان الجو برد

لوح لها قائلاً :

– حاضر .. يلا سلام

توجه “مراد” الى شركة “سامر” وطلب مقابلته فأذت له السكرتيرة بالدخول استقبله “سامر” وعلامات الإرهاق على وجهه قائلاً :

– معرفتش انام طول الليل وجيت هنا المكتب ألهى نفسي بأى حاجه وأول ما كلمتنى الصبح استنيتك ومرضتش أمشى

قال “مراد” وهو يجلس أمامه :

– “سامر” ايه الحكاية بالظبط

قال “سامر” بتبرم :

– مفيش اتجوزت عادى يعني .. دى كل الحكاية

قال “مراد” بإستنكار :

– هو العرفى بأه عادى دلوقتى ؟ .. ده مش جواز أصلاً

قال “سامر” بضيق :

– أنا بعتبره جواز

قال “مراد” بحزم :

– البنت كانت هتموت نفسها امبارح .. ده مأثرش فيك خالص كده ؟

هتف “سامر” بغضب :

– واحدة غبية هعملها ايه يعني .. حد يعمل عملتها السودة دى

تنهد “مراد” قائلاً :

– هى طبعاً غلطانه .. غلطانه انها حاولت الانتحار وغلطانه انها سلمتك نفسها بورقة ملهاش أى قيمة .. بس انت مشترك معاها فى الغلط ده وبتتحمل جزء من المسؤلية .. حاول تراجع نفسك يا “سامر” .. وتصلح الغلط اللى حصل ده

****************************************

استيقظت “مريم” ووجدت الأريكة فارغة حملت هاتفها واتصلت بـ “سهى” :

– صباح الخير ازيك يا “سهى”

قالت “سهى” بصوت مجهد :

– ازيك يا “مريم”

قالت “مريم” بقلق :

– عاملة ايه دلوقتى

تنهدت “سهى” قائله :

– كويسة يا “مريم” .. كويسة متقلقيش نفسك

– طيب يا حبيبتى أنا كنت بطمن عليكي .. مش عايزة حاجة منى ؟

– تسلمى يا “مريم” ربنا يباركلك انتى بجد بنت جدعة أوى ياريتنى صاحبتك من زمان وسمعت كل اللى قولتيهولى

قالت “مريم” :

– الوقت لسه مفاتش يا “سهى” فى ايدك تغيري كل حاجة وتخليها أحسن .. هقوم أفوق كده وأفطر وأرجع أكلمك تانى

– ماشى يا “مريم” هستنى اتصالك

– ماشى يا حبيبتى مع السلامة خلى بالك من نفسك

نهضت “مريم” متكاسله .. بدلت ملابسها ونزلت للأسفل لتجد “سارة” و “نرمين” و “ناهد” فى غرفة المعيشة :

– صباح الخير يا جماعة

– صباح النور

قالت “نرمين” :

– هقول لدادة “أمينة” تحضر الفطار كنا مستنيينك أنا و “سارة”

ابتسمت “مريم” وجلست فالتفتت لها “ناهد” قائله :

– شكلك مرهق

ارتبكت “مريم” قائله :

– يعني شويه

قالت “ناهد” :

– “مراد” برده كان شكله تعبان وهو نازل النهاردة وأعد يعطس كتير

شعرت “مريم” بالحزن لعلمها بأنه مريض .. وأخذت تفكر فى أحداث الأمس ووقوفه بملابس مبتلة فى الهواء الطلق بالتأكيد أصابته نزلة برد .. ودت لو اتصلت به لتطمئن عليه لكنها ما كانت لتجرؤ على فعل ذلك

*******************************************

توجهت “مريم” الى المطبخ حيث كانت دادة “أمينة” واقفة تؤدى عملها .. قالت لها :

– تحبي أساعدك

التفتت “أمينة” ونظرت الى “مريم” مبتسمة وقالت :

– متحرمش منك يا ست “مريم”

جلست “مريم” على الطاولة الصغيرة فى منتصف المطبخ وقالت لها :

– انتى عايشة هنا من زمان يا دادة

قالت “أمينة” بمرح وهى تكمل عملها :

– يوووه من زمان أوى .. من أول ما سي “خيرى” الله يرحمه اشترى الفيلا .. أنا اللى مربية سي “مراد” و “سارة” و “نرمين” .. دول ميقدروش يستغنوا عنى أبداً ولا أنا أقدر استغنى عنهم

ابتسمت “مريم” وقالت :

– ربنا يخليكي ليهم

التفتت “أمينة” اليها قائله :

– حتى لما الظروف داقت بيهم بعد موت سي “خيري” الله يرحمه مرضتش أسيبهم أبداً حتى وقت ما كانوا مش قادرين يدفعولى مرتبي والفيلا دى كانت مرهونه وخسروا كل حاجة

عقدت “مريم” حاجبيها وهى تستمع بإهتمام فأكملت “أمينة” بحماس :

– قولت أبداً لو هشتغل بأكلى وشربي بس مش مهم المهم مبعدش عنهم أبداً مهما اتعرض عليا من فلوس فى بيوت تانية

ابتسمت “مريم” لإخلاص المرأة فأكملت “أمينة” بفخر :

– سي “مراد” هو اللى رجع كل حاجة زى ما كانت .. طبعاً راجل من ضهر راجل .. وقدر يقف على رجله ويرجع الفيلا دى ملكهم وقدر يكبر الشركة لحد ما بقت حاجة كبيرة أوى

ابتسمت “مريم” وهى تلاحظ اعجاب “أمينة” بـ “مراد” الذى ربته وكبرته .. قالت “أمينة” كمن تبوح بسراً :

– بصراحة لما عرفت ان سي “مراد” اتجوز فرحت أوى أوى ده كان مقاطع الجواز ومبيطقش سيرته

ضيقت “مريم” عينيها وهى تحاول استنباط ما ترمى اليه المرأة .. سألتها “مريم” بإهتمام :

– هو “مراد” ومراته الأولانيه اطلقوا من امتى ؟

قالت “أمينة” :

– اطلقوا من ست سنين

شعرت “مريم” بالدهشة ست سنوات ولم يفكر فى الزواج مرة أخرى .. تُرى أكان يحبها الى هذه الدرجة ؟ .. لماذا طلقها اذن ؟ .. كانت تفكر فى اجابات لتلك الأسئلة فى حيرة عندما أخرجتها “أمينة” من حيرتها قائله :

– ربنا يسامحها بأه سابته وراحت اتجوزت واحد تانى .. بس هى الخسرانه عمرها ما هتلاقى حد زى سي “مراد” لا فى أخلاقه ولا فى حنيته .. هى اللى مش وش نعمه

فكرت “مريم” .. اذن فزوجته هى التى تركته .. تُرى لما فعلت ذلك .. لم ترد سؤال “أمينة” أكثر حتى لا تشك فى الأمر .. فهى زوجته وهى أكثر شخص من المفترض أن يعرف كل شئ عنه .. شردت وهى تحاول أن تخمن اجابات الأسئلة التى تدور فى رأسها

*******************************************

عاد “مراد” من الخارج وهو يشعر بأن التعبت قد أخذ منه مبلغه .. ازداد العطس وازدادت ارتاجفة جسده وشعوره بالوهن .. اتقبلته “ناهد” قائله :

– شكلك تعبان أوى

قال “مراد” معانداً :

– لا أنا كويس هاخد حاجة للبرد وأدخل أنام

هاتفت “ناهد” قائله :

– انت لسه مخدتش حاجه للبرد .. بتستهبل يا “مراد” ما أنا قايلالك الصبح

قال “مراد” وهو يصعد الدرج :

– نسيت كنت مشغول هاخد دلوقتى

توقف والتفت الى أمه قائلاً :

– فين “مريم” ؟

قالت “ناهد” وهى تنظر اليه بإمعان :

– فى المطبخ

نظر “مراد” فى اتجاه المطبخ ثم التفت الى أمه وقال بصوت هادئ :

– هى كويسة ؟ يعني مش تعبانه ؟

هزت “ناهد” رأسها نفياً وهى مازالت تنظر اليه الى أن صعد الدرج الى غرفته .. دخلت “ناهد” المطبخ لتجد “مريم” جالسه تتحدث مع “أمينة” فقالت لها :

– “أمينة” لو سمحتي هاتى حاجة للبرد عشان “مراد”

شعرت “مريم” بالقلق وقالت :

– هو تعبان أوى

نظرت اليها “ناهد” قائله :

– أيوة شكله تعبان أوى وكالعادة نسي ياخد الدوا طول اليوم

خفق قلبها قلقاً .. قالت “أمينة” :

– ربنا يشفيه ويعافيه ياخد الدوا ده ويتدفى وهيبقى الصبح زى الفل

اخذت “ناهد” الدواء وصعدت الى غرفة “مراد” أمرته بالنوم على الفراش وأن يتدفى جيداً .. قال “مراد” :

– حاضر

قالت “ناهد” وهى تتحسس جبينه :

– حرارتك عالية أوى يا “مراد” تحب أتصل بـ “أحمد”

قال وهو يعطس :

– لا أنا كويس

قالت “ناهد” بحنق وهى تشير للفراش :

– طيب لو سمحت نام وريح نفسك على ما أعملك شوربه دافيه

توجه “مراد” الى الأريكة وهم بالنوم فوقها فقالت “ناهد” بإستنكار :

– هتنام على الكنبة

نظر اليها نظرة ذات معنى فامتقع وجهها بعدما فهمت ترتيبات النوم الخاصة بهما .. همت بالخروج من الغرفة فوجدت فى وجهها “مريم” التى شعرت بالقلق يراودها وأرادت الإطمئنان على “مراد” .. خرجت “مريم” وأغلقت الباب خلفها وهى ترمقهما بنظراتها .. ابتسم لها “مراد” قائلاً :

– انتى كويسه ؟

نظرت اليه بأسف قائله :

– أنا آسفه على اللى حصل ده .. كل ده بسببي

ظل محتفظاً بإبتسامته وقال وهو يرمقها بحنان :

– فداكى

شعرت بالخجل وتعالت خفقات قلبها وقالت بإرتباك :

– تحب أعملك حاجة

قال “مراد” وهو يرمقهما بنظرات التى لم تبتعد عنها لحظه :

– تعرفى تعملى لمون سخن

ابتسمت قائله :

– أيوة أعرف

ابتسم قائلاً :

– لو مش هتعبك اعمليلي كوباية

أومأت برأسها وتوجهت الى المطبخ .. رأت “ناهد” تعد لـ “مراد” طبق حساء فتوجهت الى الثلاجة واخرجت الليمون وشرعت فى اعداد كوب الليمون الساخن .. نظرت “ناهد” الى ما تفعله وابتسامه صغيره على شفتيها فتعمدت ان تتلكأ فى اعداد الحساء .. صعدت “مريم” الى غرفة “مراد” الذى سمعته يعطس بقوة فشعرت بالحزن لأجله .. أعطته الكوب فاعتدل قليلا فى جلسته وأخذ يرمقها بنظراته .. خجلت من الوقوف امامه فى مرمى نظراته هكذا فإلتفتت لتخرج .. أوقفها قائلاً :

– راحه فين

قالت بإرتباك وهى تتحاشى النظر اليه :

– نازله تحت

صمت قليلاً ثم قال :

– طيب براحتك

نظرت اليه قائله :

– لو عايز حاجه عرفنى

قال “مراد” بتردد :

– يعني لو كنتى فاضية ومكنش يضايقك اعدى نتكلم سوا

جلست “مريم” على الفراش قبالته .. أخذ رشفه من كوبه قائلاً :

– زميلتك عامله ايه دلوقتى

تنهدت “مريم” بأسى وقالت :

– كويسه .. اتكلمت معاها الصبح وكلمتها تانى من شوية

قال”مراد” بحنق :

– مش عارف ازاى فى بنات ساذجين للدرجة دى

قالت “مريم” بحزن :

– نصحتها كتير .. بس هيا كانت بتسمع من غير ما تنفذ .. هى مش وحشة من جوه هى مشكلتها انها جاهلة بأمور دينها .. وأى حد يقولها حاجة بتصدقها

تذكرت “مريم” كيف قصت عليها “سهى” اليوم ما حدث من “خالد” و “سامر” وكل تفاصيل علاقتها بهما .. قال “مراد” :

– أنا اتكلمت مع “سامر” بس واضح ان الموضوع بالنسبه له مكنش أكتر من مجرد نزوه

قالت “مريم” بحده :

– بس حرام عليه هو فهمها ان ده جواز وانه حلال لحد ما يتقدملها ويكتب عليها .. بجد حرام عليه هى صدقته .. غلطانه ومليون غلطانه بس هو كمان مكنش أمين معاها من الأول وأقنعها بحاجة غلط وحرام .. حرام عليه بجد

ثم قالت برجاء :

– مينفعش تتكلم معاه تانى وتحاول تقنعه بموضوع الجواز .. أنا عارفه ان الموضوع مش فى ايدك وانه مش سهل .. بس بطلب منك بس انك تحاول معاه تانى

قال “مراد” بجديه :

– هعمل اللى هقدر عليه بس مش هقدر أوعدك بحاجه

قالت “مريم” بلهفه :

– ان شاء الله كلامك معاه تانى يجيب نتيجة

أخذ “مراد” يتأمل ملامحها بإمعان فأبعدت عينيها عنه .. سألها فجأة :

– كان شكلى ؟

نظرت اليه بدهشة .. ثم ما لبثت أن فهمت الى ما يرمى .. “ماجد” .. فقالت بتوتر :

– ليه بتسأل السؤال ده ؟

قال بهدوء :

– سؤال وخلاص جاوبيني عليه

لم تدر كيف تجيبه .. أنقذتها “ناهد” التى طرقت الباب ففتحت لها “مريم” .. دخلت حاملة طبق الحساء قائله :

– عايزه الطبق ده يخلص كله .. ومش عايزه أسمع كلمة مش عايز دى خالص

ابتسم “مراد” قائلاً :

– مش هفكر أقول مش عايز لانى عارف انك مش هتسمحيلى أقولها أصلاً

انتهى “مراد” من شرب حسائه وأخذ ادويته وخرجت “ناهد” من الغرفة .. هم بالنوم فقالت “مريم” بإستحياء :

– تعالى نام على السرير أحسن

التفت “مراد” ينظر اليها فى ظلام الغرفة التى لا يضيئها سوى نور القمر وقال بحنان :

– لا أنا كده كويس

قالت “مريم” :

– عشان تكون مرتاح أكتر

ابتسم “مراد” قائلاً :

– لو أنا نمت على السرير وانتى على الكنبة مش هكون مرتاح بالعكس

دخلت “مريم” الى الفراش وهى تلقى نظرة عليه كل فترة وأخرى .. الى أن شعرت أنه استسلم للنوم .. أخذت تنظر اليه الى أن نامت هى الأخرى فكان هو آخر ما رأته قبل أن تغمض عيناها .

****************************************

– عايز أعرف كل حاجه عن اللى اسمها “مريم” دى .. من يوم ما اتولدت لحد النهاردة

قال “حامد” هذه العبارة لمحاميه فى مكتبه .. فقال المحامى بثقه :

– متقلقش يا “حامد” بيه .. خلال يومين تلاته بالكتير وهيكون عندك كل المعلومات عنها

قال “حامد” بضيق :

– على آخر الزمن أدخل اقسام الشرطة ومتهم كمان

قال المحامى بسرعة :

– متقلقش يا “حامد” بيه ان شاء الله الموضوع هينتهى بدرى بدرى

قال “حامد”بغل :

– “مراد” التييييييييييييت ده لازم أدفعه تمن اللى عمله

لمس بيده الأسنان الصناعية التى حلت مكان الأسنان التى فقدها بعد ضرب “مراد” له و قال :

– اما وديتك فى ستين داهية يا تييييييييييييت مبقاش أنا “حامد”

*****************************************

فى منتصف النهار .. أصرت والدة “مراد” عليه على البقاء فى البيت وعدم الذهاب الى العمل .. اضطر “مراد” الى تنفيذ رغبتها بعدما احتد النقاش بينهما .. صعد الى غرفته ليستريح جلس على الأريكة يطالع احدى كتبه عندما دخلت “مريم” لإحضار هاتفها فأوقفها قائلاً :

– “مريم”

التفتت اليه فقال بحنان :

– اديني عنوان “مى” صحبتك وأنا أخلى السواق يروح يجيبها .. معلش مش هقدر أخرجك تزوريها النهاردة زى ما وعدتك

قالت “مريم” بسرعة :

– لا مفيش مشكلة أنا مقدرة انك تعبان

قال مصراً :

– طيب اكتبي العنوان فى ورقة وأنا ابعته يجيبها وكلميها عرفيها

ابتسمت “مريم” ودونت عنوانها وأعطته الورقة قائله :

– بجد متشكره أوى .. انت متتصورش هى وحشانى ازاى

تطلع اليها مبتسماً وهو يرقب السعادة فى عينيها .. قالت بخفوت :

– هروح أكلمها عشان تلحق تجهز نفسها

خرجت “مريم” وعينا “مراد” تتابعها .. بعد ساعتين حضرت “مى” الى الفيلا لزيارة صديقتها .. استقبلتها “مريم” قائله :

– “مي” حبيبتى وحشتيني

تعانقتا فى سعادة وكل منهما تنظر الى الأخرى بفرح .. جلستا معاً فى الحديقه بعدما قامت “مريم” بمهمة التعريف بين “مريم” و أهل البيت .. جلست مع “مى” على أحد المقاعد فى الحديقة قالت “مى” :

– ما شاء الله المكان جميل أوى

قالت “مرمي” بأسى :

– خايفة من اليوم اللى هضطر فيه أمشى من هنا .. انا اتعلقت بيهم أوى

التفتت اليها “مى” قائله :

– احكيلى يا “مريم” اليه آخر الأخبار

قصت عليها “مريم” ما فات “مى” من أحداث فهتفت “مى” :

– يعنى خلاص عرف انك كنتى مراة اخوه

قالت “مريم” :

– أيوة عرف .. بس اللى هيجننى ليه قالوله ان أخوه مات وهو صغير .. ليه كذبوا عليه .. وكمان ليه عمتو قالتلى مجبش سيرة لـ “مراد” عن أخوه وانها هى اللى هتتكلم معاه بنفسها .. حاسه ان فى حاجة غامضة

قالت “مى” وهى تفكر بإمعان :

– فعلا حسه ان فى حاجة غامضة

ثم سألتها :

– طيب انتى ليه ما قولتيش لـ “مراد” ان مامة “ماجد” موجودة وانها فى دار المسنين

قالت “مريم” بحيرة :

– مش عارفه يا “مى” خوفت أقوله .. لازم أفهم الأول ايه اللى بيحصل

ثم تنهدت قائله :

– فى حاجات كتير مش قادرة أفهمها

قالت “مى” بإهتمام :

– طبعاً ما قولتيلوش ان مامة “ماجد” دى ………

قاطعتها “مريم” قائله :

– لا طبعاً ما قولتلوش .. خفت من رد فعله .. أصلاً مشوفتيش كان عامل ازاى لما عرف بموضوع “ماجد” وانى كنت مراته وانه كان عايش ومماتش صغير .. عاملنى معاملة صعبة جداً .. فخوفت أقوله على موضوع ماما “زهرة”

تنهدت “مى” قائله :

– وهتعملى ايه دلوقتى

تطلعت “مريم” الى ما أمامها وهى تقول بحيرة :

– مش عارفه .. بجد مش عارفه

*************************************

– تفتكرى لي بابا وعمتو خبوا عليا ان أخويا “ماجد” عايش ؟

وجه “مراد” هذا السؤال لـ “ناهد” التى تجلس على الفراش تتطلع اليه وهى مصدومة مما تسمع وقالت :

– مش عارفه .. أنا بجد اتصدمت .. يعني “ماجد” كان عايش ومكنش ميت من زمان زى ما باباك قالنا

ثم سألته بإهتمام :

– و كان عايش مع مين طول السنين اللى فاتت ؟

قال “مراد” بحيرة :

– سألت “مريم” وقالت متعرفش

ثم قال بإصرار :

– مع انى حاسس انها عارفه حاجه ومخبياها عليا .. بس مسيري هعرفها

قالت “ناهد” وهى مازالت تحت تأثير الصدمة :

– مش قادرة أصدق .. أخوك كان عايش وكمان “مريم” كانت مراته .. مش قادرة أصدق

قال “مراد” بضيق :

– مكنتش مراته .. كانت خطيبته .. كانوا كاتبين كتابهم بس

تطلعت “ناهد” الى “مراد” بخبث وقالت بتحدى :

– وايه الفرق يعني خطيبته ولا مراته ولا حتى مراة واحد غيره انشاله تكون متجوزة عشرة قبل كدة مش هتفرق معانا فى حاجة

نظر اليها “مراد” بحده .. فأكملت قائله بتحدى :

– وأساساً بعد ما انت تطلقها أكيد هتتجوز بسرعة البنت كويسة ومحترمة ومؤدبة وملتزمة يعني أكيد فى حد معاها فى الشغل حاطط عينه عليها خاصة انها هتخرج من الجوازة دى صاغ سليم

ازدادت حدة نظرات “مراد” وقال بغضب :

– ماما انتى عايزه ايه بالظبط

قالت “ناهد” بخبث وهى تنهض لتغادر الغرفة :

– هعوذ ايه يعني .. أما أروح أشوف الغدا

***********************************************

حضر “أحمد” ابن أخت “ناهد” للإطمئنان على صحة “مراد” بعدما علم بمرضه .. قال “مراد” وهو يستقبله فى حجرة الصالون :

– مكنش فى داعى تتعب نفسك يا “أحمد” الموضوع مش مستاهل

ابتسم “أحمد” قائلاً :

– ازاى يعني .. متقولش كدة يا “مراد”

جلسا قبالة بعضهما البعض .. قال “أحمد” :

– بس انت باين عليك انك كويس أمال خالتى بتقول انك تعبان أوى ليه

ابتسم “مراد” قائلاً :

– ما انت عارف ماما يا “أحمد” لو حد فينا عطس تعلن حالة الطوارئ فى البيت

ابتسم “أحمد” قائلاً :

– ربنا يباركلكوا فيها

ثم تنحنح قائلاً :

– بصراحة فى موضوع كنت حابب أتكلم معاك فيه يا “مراد”

قال “مراد” بأهتمام :

– خير يا “أحمد”

قال “أحمد” بحرج :

– بصراحة أنا كنت عايز أكلمك من زمان بس كنت بتردد .. بس قولت خلاص لازم أتكلم لانى خايف تضيع منى

ضيق “مراد” عينيه وهو يحاول أن يعرف مقصد “أحمد” .. تنحنح “أحمد” مرة أخرى قائلاً :

– أنا عايز أطلب منك ايد الآنسه “نرمين”

لم يبدى “مراد” رد فعل فقال “أحمد” بتوتر :

– أنا من زمان وأنا عايز أفاتحك .. بس قولت أستنى لما العيادة بتعتى تجهز عشان أتقدم بقلب جامد

ابتسم “مراد” قائلاً :

– ايه ده العيادة جهزت .. طيب الحمد لله ألف مبروك يا “أحمد” انت تستاهل كل خير

ابتسم “أحمد” وقد استبشر خيراً وقال :

– الله يبارك فيك يا “مراد” .. طيب قولت ايه

قال “مراد” مفكراً :

– ان كان عليا فمعنديش أى اعتراض انت شاب محترم ومؤدب ومن العيلة وأنا مش هلاقى لـ “نرمين” أحسن منك .. بس باقى رأيها ورأى ماما طبعاً

ابتسم “أحمد” قائلاً بحماس :

– ان شاء الله خير انا متفائل

نظر اليه “مراد” قائلاً بإهتمام :

– انت اتكلمت مع “نرمين” فى حاجة

قال “أحمد” بسرعة :

– لا والله أبداً يا “مراد” انت أول حد أتكلم معاه بعد ما فاتحت ماما فى الموضوع .. حتى خالتى ما قولتلهاش حاجة ونبهت على ماما متجبلهاش سيرة الا لما أتكلم معاك الأول

ابتسم “مراد” وهو يقول :

– طول عمرك تعرف الأصول يا “أحمد”

قال “أحمد” مبتسماً :

– ربنا يكرمك يا “مراد” وانتوا طول عمركوا بيت أصول وعشان كدة أنا عارف ومتأكد انى مش هلاقى لنفسي زوجة أحسن من “نرمين” أختك

قال “مراد” بمرح :

– خلاص اتفاقنا يا دكتور .. هتكلم معاهم وان شاء الله خير .. وانت متناش صلاة الإستخارة

*********************************************

طرقت “مريم” باب غرفة المكتب فأذن لها “مراد” بالدخول .. ابتسمت قائله :

– هعطلك عن حاجة

ابتسم لها قائلاً :

– لا أبداً اتفضلى

دخلت “مريم” وهى تحمل حاسوبها وقالت :

– كنت عايزة أوريك الشغل اللى خلصته

توجه “مراد” الى الأريكة وجلس عليها وأخذ منها الحاسوب ووضعه على المنضدة أمامه وقال :

– وريني كده

جلس “مراد” بتفحص التصميمات ثم قال :

– ممتاز طبعاً

قالت له بعتاب :

– يعني أحسن من الزفت اللى كان قبله ؟

رفع نظره اليها وابتسم ابتسامه خفقت لها قلبها بشدة وتطلع اليها قائلاً :

– شغلك دايماً بيعجبنى

نظر مرة أخرى الى الحاسوب وأشار الى نقطة به وقال :

– بس مكان اللوجو هنا مش مرتاحله ممكن نخليه يمين بدل شمال

وقفت “مريم” بجواره لتتمكن من مشاهدة التصميم فأمرها بالجلوس .. جلست بجواره بحرج وقد تركت مسافة بينهما .. قالت “مريم” وهى تشير الى التصميم :

– مفيش مشكلة .. بسيطة .. نخليه يمين

أشار “مراد” الى الخط المكتوب به احدى الجمل وقال :

– ولو ينفع الفونت ده يتغير ويكون أوضح شوية

قالت دون أن تنظر اليه وهى تنظر الى التصميم بإهتمام :

– تمام مفيش مشكلة

كانت عينا “مراد” مسلطتان عليها .. يتأمل ملامح وجهها بعينان تلمعان بنظرات حانيه .. أكملت وهى مازالت تتطلع الى التصميم :

– ممكن أعمل أكتر من نسخة لكذا فونت وتختار اللى شكلها يعجبك أكتر

كانت نظرات “مراد” مازالت مسلطة عليها .. لم يشعر بنفسه الا وهو يرفع يده ليحتضن بين أصابعه احدى الخصلات المتساقطة على وجهها .. التفتت اليه “مريم” لترى تلك النظرة الغريبة فى عينيه .. والتى لم تعتادها منه .. شعرت بقلبها يخفق بجنون .. لمس بأصابعه وجنتها ومررها عليه فى رقه .. انتفضت فجأة وقد تدرجت وجنتاها خجلاً هبت واقفه وقالت وهى تغادر مسرعه :

– ثوانى وراجعه

عبرت الغرفة بخطوات متسارعه وعينا “مراد” ترمقانها بنظرات نارية .. خرجت لتتركه يغلى من الغضب .. أخذ يفكر فى رد فعلها وردود أفعالها السابقة .. أخذ يلعب بأصابعه فى الحاسوب وهو شارداً و غير منتبه بالفعل لما يفعل .. أفاق من شروده عندما وجد أمامه أحد الملفات المكتوب عليها “حبيبى” .. ضاقت عيناه بشدة و فتح الملف ليجد به العديد من الصور المصغرة .. كبرها وأخذ يتطلع اليها .. شعرت بصدمة شديدة تجتاح كيانه .. يالله كأنه ينظر فى المرآة .. رجلاً يشبهه الى حد بعيد يقف بجوار “مريم” محيطاً كتفيها بأحد ذراعيه ويبتسمان معاً للكاميرا .. أخذ يقلب فى الصور وينتقل من صورة لأخرى وشرارة الغضب بداخله تزداد حتى صارت كالبركان الذى على وشك القاء حممه التى تتأجج بداخله .. كان يتطلع الى الصور بحيرة بألم بيأس بلهفه بغضب بضيق بغيرة بحب .. مشاعر كثيرة مختلطة ومتضاربة شعر بها تجاه الاثنان اللذان يقفان معاً فى جميع الصور وعلامات الفرح والبهجة والحب على وجه كل منهما .. توقف عند الصورة التى تجمع “ماجد” بـ “مريم” وكلاهما يرتدى دبلته فى اصبعه اليمنى .. أغلق شاشة الحاسوب بعنف .. تذكرها .. تلك الدبلة التى مازالت تزين أصابعها حتى الآن .. والتى نقلتها “ناهد” من يدها اليمينى الى اليسرى ظناً منها انها لـ “مراد” .. نهض “مراد” وهو يحمل الحاسوبه وخرج ليبحث عن “مريم” حتى وجدها فى غرفته جالسه على الأريكة شاردة .. هبت واقفة بمجرد أن رأته وبلعت ريقها بصعوبة وهى تشعر بالخوف من نظراته التى كانت كالرصاص المصوب تجاهها ..فتح “مراد” الشاشة فظهرت أمامها آخر صورة كان يشاهدها .. نظرت الى الصورة وقلبها يخفق بعنف .. تلك الصورة التى لم تراها منذ أن وطأت قدماها هذا البيت .. ألقى “مراد” الحاسوب على السرير بعنف وهو يقول :

– نسخة منى .. اخويا كان نسخة منى .. عشان كدة كنتى بتبصيلي واحنا فى المركز الصحى فى الصعيد مش كدة ؟؟ .. لانى نسخة منه .. فكرتك بيه مش كده .. الشبه اللى بينا هو اللى خلاكى تعرفى انى أخوه .. عشان كده وافقتى تتجوزيني أنا مش “جمال” مش كدة ؟؟ .. عشان أنا شكل أخويا اللى حبيتيه واتجوزتيه وفقدتيه.. صح يا “مريم”

تطلعت اليه “مريم” باعين دامعة فأكمل يقول بقسوة :

– كنتى بتعوضى شوقك له بيا .. أما بتبصيلي بتشوفى مين يا “مريم” .. “ماجد” ولا “مراد” .. بتشوفيه هو .. صح .. مين اللى سبتى نفسك فى حضنه من يومين ؟ .. “ماجد” مش “مراد” مش كده ؟.. وعشان كدة كنت بصحى ألاقيكي بتبصيلى .. وكانت نظراتك بتكون غريبة ومكنتش قادر اعتها فسر معناها .. كنتى بتبصيله هو لملامحه هو .. مش كده ؟

انهمرت الدموع من عينيها بصمت وتمتمت بصوت خافت جداً لم يستطع سماعه :

– ده فى الأول بس

نظرت اليه بألم فصرخ بعنف و بغضب شديد :

– كنتى طول الوقت ماسكه اللاب وأعدة أدامه وتقوليلى شغل .. كنتى بتشوفى صوركوا سوا مش كدة .. كنتى عايشه معاه طول الوقت .. متعرفيش انك كده تبقى بتخونينى اى ان كان سبب جوازنا انتى كده بتخونيني

صاحت “مريم” والدموع تغرق وجهها :

– لا أنا مخنتكش .. انا مشوفتش صوره ولا مرة من ساعة ما دخلت البيت ده

نظر اليها “مراد” بإحتقار وعدم تصديق .. لم تتحمل تلك النظرة فى عيناه فتوجهت الى الدولاب وأخرجت منه الحقيبة التى تحوى رسائل “ماجد” .. أخرجت الرسائل وأمسكتها ولوحت بها أمامه قائله بحده بصوت مرتجف :

– دى رسايل “ماجد” .. كان كاتبهالى قبل ما يموت .. كان مريض بالكانسر وكان المرض فى مراحله الأخيره .. كتبلى الجوابات دى وقالى أقرأ جواب كل اسبوع فى نفس اليوم ونفس المعاد .. كان عارف انى مليش حد غيره .. أهلى كلهم ماتوا فى حادثة .. ماما و بابا و أختى .. كنت هموت لولا “ماجد” وقف جمبي وساعدنى انى أخرج من محنتى .. وكتبنا كتابنا كان كل حاجة ليا عوضنى عن كل أهلى اللى راحوا منى فجأة .. كان هو الهوا اللى بتنفسه .. كان مالى حياتى كلها مكنش ليا غيره

ثم انهمرت الدموع من عينيها كالشلال تغرق وجهها :

– لما عرفت انه مريض .. كنت هموت .. اتمنيت فعلاً انى أكون مكانه وان المرض ده يجيلى أنا وهو يفضل سليم .. كنت بموت وأنا عارفه انه بيموت أدامى ببطء وانى هخسره زى ما خسرت أهلى كلهم .. هو كان عارف موته هيعمل فيا ايه .. عشان كده كتبلى الجوابات دى تصبرنى لو حصله حاجه .. أنا بقالى أكتر من سنة من يوم ما مات عايشه على جواباته وكلامه المكتوب فيهم .. بفتح الجواب كل اسبوع فى نفس المعاد

ثم قالت بألم :

– بس والله من يوم ما دخلت البيت ده وأنا مقرأتش حرف واحد .. عارف معناه ايه انى مقراش جوابات “ماجد” وانى أمنع نفسي عنها .. بس أنا أجبرت نفسي على كده لانى مش خاينة وبكره الخيانة .. لانى عارفه انى مادمت على ذمتك مش من حقى انى أقرأ جوابات واحد تانى

انتهت من كلامها وساد الصمت الا من صوت شهقاتها الخافته .. بدا وجه “مراد” جامداً وهو ينظر الى الخطابات فى يدها .. والى الخطابات العديدة التى مازالت فى الحقيبة التى تحملها بيدها .. تحدث أخيراً .. بصوت هادئ صارم وتعبريات جامدة كالحجر :

– مكنتش أعرف انى معذبك كده .. وان جوازك منى آلمك بالشكل ده

تلاقت نظراتهما طويلاً .. الى أن قال بصوت مرتجف متقطع :

– بكره جهزى نفسك عشان هنروح للمأذون .. عشان أخلصك من الحبل الملفوف على رقبتك

نظرت اليه مصدومه فأكمل قائلاً بنبرة حازمة لم يستطع اخفاء الألم فيها :

– عشان ترجعى لحبيبك وصوره وجواباته اللى حارمه نفسك منها بسببي

قال ذلك وخرج من الغرفة وهى تتطلع اليه وعلامات الصدمة على وجهها.

***************************************

فى الصباح الباكر .. سمعت طرقاته على الباب دخل بهدوء وقال دون أن ينظر اليها :

– جاهزة ؟

قالت دون أن تنظر اليه وهى تتظاهر بالثبات :

– أيوة

حمل حقيبتها وسبقها الى الأسفل .. كانت تشعر بشعور غريب .. كانت تشعر وكأنها تعيش حلماً ستستيقظ منه بعد قليل .. سارت مسلوبة الإرادة الى السيارة .. بدا جامداً وبدت جامدة .. لم تتح لها الفرصة لتوديع “ناهد” و “سارة” و “نرمين” . فضلت هى ذلك حتى لا يكون الوداع مؤلماً .. سار بسيارته وقد ران بينهما الصمت وحالة غريبة تعترى كل منهما .. نزلا من السيارة وتوجها الى مكتب المأذون وكل منهما يشعر بأنه مسلوب الإرادة وكأن قوة خفية تحركهما .. جلسا متواجهان وهما يستمعان الى كلمات المأذون التى يحاول بها اثنائهما عن هذا القرار .. كان كل منهما يطرق برأسه وينظر الى الأرض .. وتعبيرات جامدة تظهر على وجه كل منهما .. لا تستطيع أن تتبين كيف يشعر أى منهما بالنظر الى وجهه .. حانت اللحظة .. وأخبر المأذون “مراد” أن يلقى بكلمة الطلاق على مسامع “مريم” .. ساد الصمت للحظات .. بدا وكأن لسانه يعصيه .. وقلبه يثنيه .. لكن عقله أرغمهما على طاعته .. قال وهو ينظر أرضاً بصوت مرتجف بنبره متقطعه وكأن روحه تفارق جسده :

– انتى طالق

لحظات مرت ورفع رأسه يلقى عليها نظرة .. بدت جامدة كالتمثال لا حياة فيه ولا روح .. أنهيا معاملات الطلاق وخرجا معاً .. فتح لها باب السيارة وهو يتحاشى النظر اليها .. ركبت وقد بدا عليها التماسك وكأن ما حدث منذ قليل كان حلماً سيفيق كلاهما منه قريباً .. أوصلها الى شقتها .. صعد خلفها حاملاً حقيبتها .. هم بالدخول فوضعت ذراعها أمام الباب تمنعه .. لم يعد يحل له الدخول .. لم يعد يحل له أى شئ .. ولا لها .. وضع الحقيبة فى الخارج .. نظر اليها نظرة أخيرة مودعه ثم هرب مسرعاً من أمامها وكأنه يخفى ما لا يريده أن يظهر للعيان .. أدخلت حقيبتها وأغلقت الباب .. وقفت خلفه تتطلع الى بيتها .. الذى فارقته .. وها هى تعود اليه مرة أخرى .. لكنها شعرت بأنها ليست “مريم” التى فارقت هذا البيت .. لقد عادت “مريم” أخرى .. تغير فيها الكثير .. تطلعت الى البيت مرة أخرى ولأول مرة تشعر فيه بالغربة .. عندئذ تحطم التمثال ليظهر القلب الذى ينبض بداخله .. انهمرت الدموع المحبوسه داخل عينيها وجلست على الأرض خلف الباب المغلق تحتضن قدميها الى صدرها بقوة لتوقف ارتعاشة جسدها .. وكل ذرة فيها تصرخ بألم .

الفصل الثانى والعشرون من رواية قطة فى عرين الأسد

عاد “مراد” الى بيته واجماً صعد الى غرفته وجلس على الأريكة واضعاً رأسه بين كفيه ومغمضاً عينيه .. ظل جالساً فى مكانه طويلاً الى أن فتح عينيه ونظر الى الفراش أمامه .. بدت تعبيرات الألم على وجهه وهو يتذكر محادثتهما بالأمس واكتشافه الشبه الكبير بينه وبين أخيه .. كان الألم يغمره لشعوره بأن “مريم” ترى فيه أخاه ليس أكثر من ذلك .. فهو بديل حى عن زوجها المتوفى .. ربما لو لم تتحرك مشاعره تجاهها لما أهمه ذلك .. لكن مشاعره تحركت من جمودها واتجهت اليها بشوق .. لتتحطم آماله على صخرة ماضيها .. نهض وغادر الغرفة وكأنه لا يطيق المكوث فيها .. بعدما رحلت عنها.

قامت “مريم” من على الأرض أمام الباب ودخلت الحمام وأخذت دشاً ساخناً وقفت كثيراً تحت الماء الساخن المنهمر على جسدها .. ودت لو يستطيع الماء المنهمر غسل روحها كما يغسل جسدها .. تمنت لو كان للماء قوة لإزاحة ما بها من آلام .. انتهت من حمامها ولفت نفسها المنشفة وتوجهت الى حقيبتها بجوار الباب ودفعتها الى الفراش وفتحتها لتخرج ملابسها .. نظرت بأسى الى الدبلة التى تزين يدها اليسرى .. حاولت نزعها من ذلك الإصبع .. لكنها ما كادت تلمس الدبلة حتى انهمرت دموعها .. وجلست على فراشها تبكى بحرقة .

*******************************************

جلس “مراد” فى حديقة الفيلا شارداً ووجهه يشع حزن وأسى .. اقتربت منه والدته قائله :

– “مراد” صباح الخير .. كنت فين انت و “مريم” خبطت عليكوا كتير الصبح محدش رد فتحت الباب لقيتكوا مش موجودين

لم يلتفت “مراد” اليها ولم يبد اى رد فعل .. راقبته “ناهد” بأعين متفحصه وقالت بشك :

– “مراد” انت كويس ؟

صمت ولم يجيب .. وقفت أمامه لتضطره أن ينظر اليها وسألته بلهفة :

– فين “مريم”

صمت .. طال صمته .. ثم تحدث أخيراً قائلا بصوت هادئ :

– مشيت

قالت “ناهد” بإستنكار :

– يعني ايه مشيت ؟

قال “مراد” بصوت حاول أن يوقف ارتعاشته :

– طلقتها

صمتت “ناهد” تحاول استيعاب صدمتها ثم هتفت قائله :

– طلقتها ؟ .. ليه يا “مراد” .. ليه كده يا ابنى

دمعت عيناها وهى تقول :

– ليه يا “مراد” .. ليه تحرم نفسك منها .. أنا عارفه انك بتحبها .. وهى كمان …….

قاطعها “مراد” بحده :

– وهى كمان ايه ؟ .. ماما “ماجد” كان نسخه منى .. عارفه يعني ايه .. يعني لو حسيتي فى أى وقت ان “مريم” حسه بحاجه نحيتي فتأكدى ان ده بس عشان أنا شكل جوزها .. اللى هو أخويا الله يرحمه

هتفت “ناهد” قائله :

– انت غبي يا “مراد” ؟ .. انت مشوفتش كانت قلقانه عليك ازاى لما تعبت .. قلقت عشان انت شبه أخوك ؟ ولا عشان كانت خايفة عليك انت ؟

قال “مراد” بحزم :

– مفيش داعى للكلام ده .. انا اتكلمت معاها واتأكدت انها لسه بتحبه .. وانها لو وافقت تستمر معايا فى يوم من الأيام فده هيكون بس عشان أنا شكل أخويا .. ودى حاجة مستحيل أقبلها أبداً

قالت “ناهد” بأسى :

– وهى فين دلوقتى ؟

قال “مراد” بصوت مرتجف :

– فى بيتها .. وصلتها بعد ما روحنا للمأذون

قالت “ناهد” بحنق وهى تنصرف :

– غلطان يا “مراد” .. غلطان أوى وبكرة تندم انك سيبتها تضيع من ايدك

****************************************

قال الظابط للمحامى “حامد” :

– خلاص القضية شكلها هتتحول للنيابة

قال المحامى بسرعة :

– مفيش قضية ولا حاجة يا حضرة الظابط .. اللى قالته مدام “مريم” ده افتراء على “حامد” بيه وبلاغ الأستاذ “مراد” بلاغ كيدي .. وعملوا فيلم خطف أخته عشان يداروا على البلاغ اللى قدمناه فى أستاذ “مراد” وفى تهجمه على “حامد” بيه فى شركته وضربه والتسبب فى تكسير أسنانه ومعانا تقرير بحالته الصحية بعد الضرب وكل ده قدمناه لحضرتك

قال الظابط :

– جميل بس دول كدة قضيتين مش قضية واحدة وبلاغين مش بلاغ واحد يعنى كل قضة هتمشى فى اتجاه

قال المحامى :

– ان شاء الله هخلى حضرتك تتأكد انه بلاغ كيدي وان مفيش داعى نوصله للنيابة وتبقى قضية .. بعد اذنك

****************************************

توجه “مراد” الى شركته وكأنه يتحرك آلياً .. لم يستطع التركيز فى أى شئ .. ظل عقله منشغلاً بها .. وفى شعوره تجاهها .. تُرى أيستطيع نسيانها كما لو أنها لم تدخل حياته قط .. تُرى أيستطيع تحمل فراقها .. قاطعه عن الإسترسال فى تلك الأفكار دخول “طارق” المكتب وهو يقول :

– “مراد” فى ايه بينك وبين “حامد” بالظبط ؟

قال “مراد” بإستغراب :

– ليه بتسأل

قال “طارق” بإستنكار :

– لانى عرفت انه مقدم فيك بلاغ بيتهمك فيه انك اعتديت عليه فى مكتبه وضربته .. ده تلفيق مش كده ؟

قال “مراد” ببرود :

– لا .. كلامه مظبوط .. ده حصل فعلاً

قالت “طارق” بدهشة :

– ليه عملت كده يا “مراد” .. ليه ضربته ؟

قال “مراد” بضيق :

– موضوع خاص يا “طارق” مش هقدر أحكيه .. وممكن لو سمحت تسيبنى دلوقتى .. بجد تعبان ومش قادر أتكلم فى حاجة

نظر اليه “طارق” بقلق قائلاً :

– مالك يا “مراد” فى ايه ؟ .. فى حاجة حصلت ؟

قال “مراد” وهو يزفر بضيق :

– لا مفيش .. أنا كويسه

قال “طارق” بشك :

– مش باين كده خالص

ثم قال :

– فى ايه قولى يمكن أقدرأحل مشكلتك

قال “مراد” بشرود وهو يمسك قلمه يقلبه بين يديه :

– أنا طلقت مراتى

هتف “طارق” بدهشة :

– ايه بتقول ايه ؟ .. طلقتها ؟ .. ليه ؟

نظر اليه “مراد” ببرود قائلاً :

– ايه اللى ليه .. طلقتها .. أصلاً جوازنا كان مؤقت أنا قولتلك كده من زمان

قال “طارق” وهو يتفحص وجه “مراد” جيداً :

– أيوة فعلاً قولتلى كده .. بس أنا حسيت انك ابتديت تميل ليها

قال “مراد” بعند وهو يمسك قلمه ويتظاهر بالإنشغال فى مطالعة الأوراق التى أمامه :

– لا .. احساسك غلط

صاح به “طارق” :

– حرام عليك يا “مراد” ليه بتعمل كده فى نفسك .. قولتلك متخافش منها .. دى مش ممكن تجرحك

صاح به “مراد” بعنف :

– انت مش فاهم حاجة يا “طارق”

قال “طارق” بحده :

– طيب فهمنى .. فهمنى يا “مراد”

قص عليه “مراد” ما حدث بينهما ليلة أمس .. ران الصمت الى أن قطعه “طارق” قائلاً :

– انت واثق ان مشاعرها نحيتك بس عشان انك شبه أخوك الله يرحمه

قال “مراد” بألم :

– أيوة واثق

ثم قال بتهكم :

– ده غير طبعاً موضوع اعاقتى اللى هى لسه متعرفوش .. وأنا واثق انها لو كانت وافقت تعيش معايا رغم رجلى المبتورة فده بس هيكون عشان أنا شبه “ماجد” وبفكرها بيه .. أنا مش ممكن أستحمل ده أبداً .. لأنى …….

صمت “مراد” ولم يكمل .. فقال “طارق” مكملاً كلامه :

– لأنك بتحبها مش كده ؟

لم يتحدث “مراد” لكن عيناه فضحت كل شئ .. تنهد “طارق” قالاً :

– فكر تانى يا “مراد” .. يمكن تكون هى كمان بتحبك

قال “مراد” بسخريه وفى عينيه نظرة ألم :

– هى فعلا بتحبنى .. بتحب ملامحى اللى بتفكرها بحبيبها .. مش أكتر من كده

نظر “طارق” الى “مراد” بأسى وهو يشعر بالحزن من أجله

*************************************************

نامت “مريم” على فراشها بعدما أرهقها كثرة البكاء .. استيقظت وهى تشعر بالوهن فى جسدها كله .. نظرت حولها لتجد نفسها فى غرفتها .. تمنت لو كان ما مرت به بالأمس مجرد حلم .. لكن هيهات .. توضأت وصلت وجلست تستغفر الله عز وجل

عاد “مراد” الى بيته فى المساء وتوجه الى غرفته دون أن يتحدث مع أحد .. راقبته أمه وهو يصعد الى غرفته بأعين ممتلئة بالحزن والحسرة .. دخل “مراد” غرفته وأغلق الباب .. ظل يتطلع الى كل شئ فيها .. كل شئ يذكره بها .. سريره الذى نامت عليه “مريم” .. وعلى تلك الأريكة كانت تجلس حامله حاسوبها على قدميها .. وتلك الشرفة كانت تقضى فيها الساعات مستندة الى سورها .. توجه الى الدولاب لإحضار ملابسه فتح الدولاب ليجد الرف الذى كان مخصص لـ “مريم” فارغاً الا من الملابس التى اشتراها لها “مراد” .. حمل تلك الملابس بين ذراعيه وتوجه بها الى فراشه يجلس عليه .. أخذ يتحسس ملابسها وكأنه يفرغ بها شوقه الى “مريم” قرب تلك الملابس من وجهه ليتشمم رائحتها .. شعر بالألم فى قلبه .. تُرى ماذا تفعل الآن ؟ .. هل حزنت لفراقه ؟ .. هل هى بخير؟ .. هل تحتاج لشئ ؟ .. هل هى بمأمن فى هذا البيت بمفردها ؟ .. هل تشعر بالوحدة ؟ .. هل تتمنى العودة ؟ .. هل تتطلع الى صور “ماجد” وخطاباته بعدما مزق “مراد” الحبل الذى كان يكتف به يديها ؟

شعر وكأنه سيجن لعدم استطاعته ايجاد اجابات لأى من اسئلته .. شعر بحنين جارف اليها .. أمسك هاتفه وأغمض عينيه .. تمنى لو استطاع الإتصال بها .. وسماع صوتها الذى افتقده .. والإطمئنان عليها .. لكنه لم يستطع .. لم تعد تحل له .. ولا هو يحل لها .

************************************************قالت “سارة” بحزن شديد :

– مش قادرة أصدق ان “مراد” طلق “مريم” وانها خلاص معدتش هتعيش معانا تانى

قالت “نرمين” بحنق :

– مش فاهمة ازاى يعني ده حصل فجأة .. يعني المشكلة بينهم ظهرت فجأة وكبرت فجأة لدرجة انه يطلقها .. وايه دى المشكلة اللى تخلى “مراد” يطلق “مريم”

كانت “ناهد” تستمع الي حديثهما فى صمت .. فقالت “سارة” موجه حديثها اليها :

– ماما .. “مراد” مقالكيش ايه سبب طلاقهم

تنهدت “ناهد” قائله :

– دى حاجة تخصهم يا “سارة”

قالت “نرمين” بحده :

– بس احنا برده من حقنا نعرف .. ليه يحرمنا من “مريم” .. والله عمره ما هيلاقى زيها

قالت “سارة” بحزن :

– يمكن هى اللى سابته يا “نرمين”

قالت “نرمين” بدهشه :

– ليه يعني ايه اللى يخليها تسيب “مراد”

قالت “سارة” فى حيرة :

– مش عارفه .. بس شوفتى “مراد” عامل ازاى .. قافل على نفسه ومبيكلمش حد .. لو هو اللى طلقها بمزاجه ايه اللى يخليه يضايق كده

قالت “نرمين” بتصميم :

– خلاص نكلم “مريم” ونحاول نصلح بينهم

تدخلت “ناهد” قائله :

– ملكوش دعوة باللى بين “مراد” و “مريم” مش عايزة حد يتدخل لو سمحتوا .. انتوا متعرفوش حاجة

********************************************

أمسك “سامر” هاتفه وهو ينظر اليه فى تبرم ثم رد قائلاً :

– أيوة يا “سهى”

قالت “سهى” بلهفة وكأنها لا تصدق أنه أخيراً رد عليها :

– “سامر” أخيراً رديت

قال ببرود :

– كنت مشغول .. خير فى حاجة

قالت برجاء :

– عايزة أتكلم معاك شوية

– اتفضلى سامعك

قالت “سهى” بصوت حزين :

– “سامر” أنا بس عايزة أسألك انت ليه لعبت بيا كده .. ليه عملت كده واقنعتنى ان ده جواز وحلال وانك هتتقدملى لما مشاكلك فى البيت تتحل .. ليه عملت كده ؟

قال “سامر” بنفاذ صبر :

– بصى يا “سهى” انتى كنتى واحدة ساذجة أوى وسهله أوى .. بجد .. وانتى غلطانه زيي زيك لانك كنتى متساهله معايا حتى من قبل ورقة العرفى

قالت “سهى” بأسى :

– بس يا “سامر” انت وعدتنى انك تتجوزنى وقولتلى انك بتحبنى ومش هتسيبنى أبداً

قال “سامر” بضيق :

– الوضع اتغير

– ايه اللى اتغير يا “سامر” ؟ .. طيب انت ليه مش عايز تتجوزنى .. خلاص يعني معدتش بتحبنى

قال “سامر” بهدوء :

– بصراحة ومن الآخر عشان منتعبش بعض .. مش ممكن أتجوزك يا “سهى” .. مش ممكن أثق فيكي أبداً

قالت وهى تحاول أن تتمالك نفسها :

– ليه يا “سامر” ليه متثقش فيا ؟

قال “سامر” :

– لانك خنتى ثقة أهلك فيكي أضمن منين انك بعد الجواز متخنيش ثقتى فيكي يا “سهى” .. أضمن منين انك متكونيش سهلة مع غيري زى ما كنتى سهلة معايا

لم تستطع التحمل ولا التظاهر بالتماسك أكثر فأجهشت فى البكاء وتعالت شهقاتها قائله :

– بس انت عارف انك أول راجل فى حياتى

قال بنبره منخفضه :

– بردة مستحيل أثق فيكي

مرت فترة لا يُسمع فيها الا صوت شهقاتها الى أن قالت بحزم :

– دى مش غلطتك لوحدك .. دى غلطتى أنا كمان .. زى ما انت قولت أنا كنت سهله أوى .. من قبل حتى الورقة اللى كتبناها .. وكان لازم دى تكون نهايتي .. أنا خلاص معدتش هطلب منك حاجه .. أنا هطلب من اللى أكبر منك ومن اللى أقوى منك .. آسفة طلبت الرقم غلط

قالت ذلك ثم أنهت المكالمة .. أغلق “سامر” هاتفه وهو يحاول أن يخمن معنى كلماتها

**********************************

جلس “مراد” فى مكتبه يمسك أحد الكتب بيده لكن عيناه زائغة فى فراغ الغرفة .. أذهله هذا الشعور بالحنين الذى شعر به منذ أن رحلت عن البيت .. طوال الإسبوع وهو يشعر وكأنه فقد جزء من روحه .. جزء من نفسه .. حاول كثيراً أن يعود “مراد” القاسى متحجر القلب كما كان لكن هيهات .. القلب الذى دق من جديد لم تكفى قوته لإخماده واسكاته مرة أخرى .. أكثر ما كان يؤلمه هو رغبته فى الإطمئنان عليها .. لو علم فقط أنها بخير وسعيدة فى حياتها لربما ارتاح قلبه قليلاً وخف عذابه .. لكن عدم معرفته بحالها كاد أن يصيبه بالجنون .. أخذ يفكر فى آخر محادثة بينهما .. وفى كلماتها عن “ماجد” .. وعن الحب الكبير الذى جمعهما .. وعن ذكرياته التى تحملها له فى قلبها .. وعن كونه كان الحضن الدافئ لها بعدما فقدت كل عائلتها .. كان الدعامة التى ارتكذت عليها ومنعتها من الإنهيار .. كان يملء فراغ وحدتها القاتله .. أخذ يقارن بين ما فعله هو وما فعله أخوه .. هو تركها فريسة للوحدة .. طردها من بيته وأرغمها على البقاء فى عزلتها .. حرمها من صحبة أمه وأخواته وهو واثق تمام الثقة أنها أحبتهم حباً خالصاً من قلبها .. تركها فى بيتها بمفردها وهو لا يعلم أتخاف من البقاء بمفردها أم انها اعتادت الوحدة .. اتخاف من النوم بمفردها ليلاً .. أتسيطر عليها هواجس بإقتحام لص لمنزلها .. كيف تقضى طلباتها .. كيف تقضى أوقاتها .. رغماً عنه شعر بالخوف يجتاح كيانه .. خوف عليها ومنها .. أراد أن يهرع اليها ويعانقها ويدخلها سجن ذراعيه قسراً وألا يتركها أبداً .. لكنه تذكر كيف كانت تصر على طلب الطلاق .. كيف أوضحت له مدى عذابها بإبتعادها عن ذكريات حبيبها الراحل .. كيف أنها مرغمة على هذه الزيجة وأنها تود الخلاص منها والعودة لبيتها .. اذن فهى سعيدة .. سعيدة بهذا الطلاق الذى أراحها من حمل أثقل كاهلها .. سعيدة لأنها تخلصت منه ومن كل ما يمت له بصله .. لكن لماذا لم يرى السعادة فى عينيها وهما ذاهبان للمأذون .. لماذا لم ير تلك السعادة بعد أن ألقى على مسامعها كلمة الطلاق .. لماذا لم يرى تلك السعادة على وجهها وملامحها وفى عينها وهو يودعها أمام باب بيتها .. إن كانت سعيدة حقاً لماذا لم يبدو ذلك عليها !!

**********************************************

جلست “مريم” على أريكتها تشاهد التلفاز .. شعرت بألم فى بطنها فتذكرت بأنها لم تتناول شيئاً منذ يومين .. قامت بتكاسل الى المطبخ وفتحت الثلاجة لتجدها فارغة .. تذكرت أن طعامها نفذ ونسيت أن تشترى ما تسد به جوعها .. ذهبت الى غرفتها وارتدت ملابسها بآليه وكأنها آله نفذ منها الوقود وتحتاج اليه فقط لتستمر فى العمل .. بلا أى شعور بالإستمتاع .. ولا بالحياة

أوقف “مراد” سيارته على بعد عدة أمتار من بيتها .. أوقف عمل المحرك ورفع رأسه لينظر الى شرفة بيتها المظلمه .. نظر الى الشباك المجاور للشرفة ليجد النور مضاءاَ .. اذن فهى فى البيت .. تُرى ماذا تفعل الآن .. لا يعلم لماذا جاء هنا .. وماذا يفعل هنا .. وماذا يريد .. كل ما يعلمه هو أنه شعر أنه يجب أن يكون هنا .. حيث هى .. لا يراها لكنه يشعر أنه بالقرب منها .. وهذا الشعور يريح قليلاً قلبه المكلوم .. لم يصدق عينيه وهو يراها تخرج من بوابة البيت .. ظن بأنها هلاوس بصرية من كثرة تفكيره بها .. لكن دقق النظر ليجدها هى .. “مريم” .. ترى أيتخيل أنها فقدت وزنها أم أنها ضعفت بالفعل .. كانت واجمة تنظر يميناً ويساراً لتعبر الطريق ونظرة حزن عميقه فى عينيها .. شعر وهو ينظر اليها بمدى شوقه لرؤيتها .. للحديث معها .. حتى ولو كان شجاراً .. حتى ولو كان صراخاً .. افتقد صوتها افتقد عينيها افتقد ابتسامتها التى قلما رآها .. عبرت الطريق لتتوجه الى السوبر ماركت أمامه .. أدار المحرك ورجع بسيارته الى الخلف ليخفيها خلف سيارة أخرى مرصوصه على جانب الطريق .. راقبها وهى تخرج من السوبر ماركت وهى ترقب الطريق مرة أخرى لعبوره .. ود لو خرج من سيارته وتوجه اليها .. لكن بأى صفة سيتحدث معها .. وماذا سيقول لها .. قبل أن تهم بدخول البوابة أوقفها رجل ما .. ظل “مراد” ينظر اليهما بإمعان محاولاً معرفة ما يحدث .. بالطبع لم يسمع الحوار الدائر بين “مريم” والرجل الذى قال لها :

– لو سمحتى يا آنسه تعرفى فين صيدلية ……

قالت “مريم” بهدوء وهى تشير بيدها لتريه الطريق :

– أيوة حضرتك ادخل الشارع ده وبعدين ادخل أول يمين

قال الرجل لها شاكراً :

– متشكر أوى

شعر “مراد” بالغيرة والغضب بداخله لحديثها مع رجل آخر .. كان من الواضح أنها تصف له طريق شئ ما .. ولم تتحدث الا لثوانى معدودة .. لكنه شعر بالغيرة الشديد لان حتى تلك الثوانى هو محروم منها .. دخلت البيت وأنظاره مثبتته عليها الى ان اختفت

************************************

عاد “مراد” الى بيته فخرجت “ناهد” من غرفة الجلوس تستقبله بعدما سمعت صوت السيارة .. عقدت ذراعيها أمام صدرها وقالت ببرود :

– ان شاله تكون مبسوط ومرتاح

نظر “مراد” اليها شذراً .. فقالت :

– هتتعشى ولا زى كل يوم ؟

قال “مراد” ببرود :

– مليش نفس

قالت “ناهد” بحنق :

– والله .. ليه .. انت مش عملت اللى انت عايزه وارتحت

قال “مراد” بحده :

– عملت اللى هى عايزاه مش اللى أنا عايزه

هتفت “ناهد” غاضبه :

– بص يا “مراد” أنا ليا عينين بشوف بيهم وبحس باللى أدامى ده غير ان ميفهمش الست الا الست .. “مريم” كانت ابتدت تحس بحاجه نحيتك بس باللى انت عملته ده هديت كل حاجه

صمت “مراد” وهو غير مقتنع بكلام أمه فأكملت قائلاً بحزن :

– بالله عليك مش صعبانه عليك .. دى يتيمه ولوحدها .. كانت عملالك ايه يعنى .. كانت مضايقاك فى ايه .. دى يا حبيبتى مكنش حد بيحس بوجودها .. ومكنتش بتضايق حد .. والبنات حبوها أوى وهى كمان كانت بتحبهم أوى .. سايبها تعيش لوحدها ليه .. ما كانت عايشة وسطنا يا “مراد” ..

انهت كلامها والدموع فى عينيها .. شعر “مراد” بقلبه ينزف دماً وقال بصوت مضطرب :

– مكنش ينفع الوضع يستمر كده .. هى برده من حقها تعيش حياتها مع الراجل اللى تختاره .. مش جوازه مفروضه عليها

قالت “ناهد” بحزن :

– طيب لو سمحت خدنى ليها بكرة عايزه أزورها .. موبايلها مقفول من ساعة ما سابت البيت .. غلبت مكالمات ليها ورسايل بس شكلها مش بتفتحه خالص .. وقلبي واجعنى عايزة أطمن عليها

قال “مراد” بصوت خافت :

– متقلقيش هى كويسة

قالت “ناهد” وهى تنظر اليه بتمعن :

– عرفت منين ان هى كويسة ؟

قال “مراد” وهو يتحاشى النظر اليها :

– لسه شايفها من شوية

قالت أمه بدهشة :

– شايفها فين ؟

قال “مراد” بضيق :

– شايفها أدام بيتها

رفعت “ناهد” حاجبيها بدهشة وقالت بتهكم :

– وانت ان شاء الله ايه اللى موديك نحية بيتها ؟ .. صدفة ولا الهوا رماك ؟

نظر اليها “مراد” بحدة ثم توجه الى السلم ليصعد الى غرفته و”ناهد” ترمقه بغيظ

*******************************************

هتف “حامد” بفرحه :

– المعلومات دى أكيده ؟

قال المحامى الخاص به مبتسماً :

– طبعاً أكيده يا “حامد” بيه هو أنا عمرى قولتلك حاجة وطلعت غلط

ضحك “حامد” ملء فمه وهو يقول :

– يعني عايشة لوحدها وملهاش حد لا أب ولا أخ ولا أى حد وكل أهلها فى الصعيد وسايبنها هنا لوحدها وكمان “مراد” طلقها من 10 أيام .. حلو أوى أوى أوى

ابتسم المحامى قائلاً :

– ناوى على ايه يا باشا ؟

قال “حامد” بخبث وابتسامته تملء وجهه :

– ناوى ألعب على المكشوف مادام القطة معدتش فى حماية الأسد

******************************************

– طلبين مدام “مريم” تانى فى القسم

قال محامى “مراد” هذه العباره فأجابه “مراد” على الهاتف بحنق :

– وليه عايزنها تانى هى مش خلاص قدمت شهادتها

قال المحامى :

– محامى “حامد” بيقول انك انت اللى خليتها تشهد وتقول الكلام ده وانها كانت خايفة منك وعشان كده قالته بس هى دلوقتى اطلقت ومعدتش خايفة منك وهتغير أقوالها

قال “مراد” بغضب وضيق :

– وهما لحقوا عرفوا اننا اطلقنا

قال محاميه :

– أكيد طبعاً ما هيصدقوا يمسكوا فى أى حاجة

قال “مراد” بضيق :

– مش عايزها تدخل القسم تانى .. حاول تشوف حل تانى

قال المحامى :

– لو كان فى مكنتش اتاخرت ..بس طلبين يسمعوا شهادتها تانى

زفر “مراد” بضيق وقال :

– طيب أنا هتكلم معاها .. امتى تروحلهم ؟

قال المحامى :

– طلب الاستدعاء خلاص طلع يعني المفروض تروح من بكرة

قال “مراد” :

– طيب خلاص هبلغها

حاول “مراد” الاتصال بها دون جدوى .. كان هاتف “مريم” مغلق .. حمل نفسه الى سيارته وتوجه الى بيتها .. طرق الباب عدة طرقات قبل أن يسمع صوتها من خلف الباب :

– مين ؟

صمت لحظة ثم قال:

– “مراد”

ارتجف قلبها وهى تسمع صوته .. تسمرت مكانها للحظة وهمت بان تفتح الباب .. لكنها تذكرت أنه لم يعد يحل له رؤية شعرها .. أصبح كالغريب تماماً .. ارتدت اسدالها وفتحت الباب .. وقع نظرها على صفحة وجهه .. شعرت بإشتياق شديد لتلك الملامح التى افتقدتها .. ذكرت نفها بأنه رجلاً غريباً عنها لم يعد يحل لها النظر اليه هكذا فأشاحت بوجهها .. تأملها “مراد” للحظة ثم خفض بصره قائلاً :

– انتى كويسه ؟

قالت بصوت منخفض دون أن تنظر اليه :

– الحمد لله

صمت كلاهما .. قالت بإضطراب وهى تتطلع الى أعلى السلم :

– لو سمحت مينفعش وقفتنا كده .. انا عايشه لوحدى

آلمه كلامها الذى ذكره بأنه لم يعد يحل له منها شئ .. أى شئ .. فقال بهدوء :

– أنا جيت بس أعرفك انهم محتاجين شهادتك تانى فى القسم

نظرت اليه “مريم” قائله :

– أنا افتكرت خلاص مش هروح تانى الا لو القضية وصلت للمحكمة

قال “مراد” بأسف :

– أنا كمان كنت فاكر كده .. بس محتاجين يسمعوا أقوالك تانى

أومأت برأسها قائله :

– مفيش مشكلة .. أروح امتى

قال “مراد” :

– بكرة ان شاء الله .. ومتروحيش لوحدك أنا هاجى آخدك

نظرت اليه “مريم” بتحدى قائله :

– شكراً يا أستاذ “مراد” .. أنا هروح لوحدى

رمقها “مراد” بنظرات نارية وهو يسمع منها كلمة “أستاذ” .. فقال بحنق :

– مش هتعرفى الطريق

قالت بعند :

– لا هعرف أنا مش صغيره وبقالى أكتر من 3 سنين عايشة لوحدى

ثم قالت بتحدى :

– يعني أقدر أتصرف كويس ومش محتاجه لحد يساعدنى فى حاجه

تطلع اليها “مراد” وقد ألجمه كلامها فتمتم بحزم وهو يغادر :

– براحتك .. ياريت تروحى على الساعة 10

قالت ببرود :

– هكون هناك فى المعاد

ألقى عليها نظرة ثم توجه منصرفاً .. أغلقت “مريم” الباب لتتحول نظرتها المتحديه الى نظرة حزن .. دخلت غرفتها وجلست على فراشها واجمة .. مازالت تشعر بخفقات قلبها التى تسارعت منذ أن سمعت صوته .. كانت تشعر بالضيق الشديد .. ضيق من نفسها .. أخفت وجهها بين كفيها وهى تسأل نفسها بحده .. ماذا يحدث لكِ يا “مريم” .. لماذا تشعرين بالضيق كلما ابتعد وبالأمان كلما رأيتيه .. هو أخو زوجك .. اخو حبيبك .. أفيقي يا “مريم” .. “مراد” أخو “ماجد” ..

قبل الفجر بعدة ساعات قامت من نومها فزعة .. شعرت شئ ثقيل يجثم على صدرها يخنقها تذكرت كلماتها لـ “سهى” وهى تذكرها بأن الله عز وجل يتجلى فى السماء الدنيا فى الثلث الأخير من الليل ليستجيب لدعاء من يدعوه ويفرج كرب من يلجأ اليه .. تذكرت الآية التى تقول ” أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم ” .. استغفرت ربها ونهضت من فراشها بحماس توضأت ووقفت بين يدى الله تبث له شكواها وتناجيه كانت تردد كثيراً :

– يارب أنا مش عارفه أنا عايزه ايه ولا عارفه ايه اللى يريحنى يارب انت عالم بيا أكتر من نفسي يارب ريحنى

ظلت تبكى كثيراً فى سجودها وجسدها يرتجف بشدة .. انهت صلاة الفجر وهى تشعر بأن قواها قد خارت تماماً نامت على الأرض حيث هى فوق سجادة الصلاة .

***************************************

قال أحد رجال “حسن المنفلوطى” بثقه :

– أيوة طبعا متأكد يا “حسن” بييه .. “خيري السمري” مات ومعندوش الا بنت واحدة .. و”خيري الهواري” مات وعنديه ولدين واحد مات والتانى لساته عايش

ابتسم “حسن” بتشفى وعياه تضيقان خبثاً هو يقول :

– وهيحصل أخوه جريب جوى

ثم التفت الى الرجل قائلاً :

– عايزك تجبلى كل المعلومات عن ابنه .. كل صغيرة وكبيرة لازمن أعرفها .. فاهم

قال الرجل بحماس :

– فاهم يا “حسن” بييه .. هعرفلك كل حاجه عنه .. انت تأمر يا “حسن” بييه المهم انت تبجى راضى عنينا

ابتسم “حسن” وهو يربت على رأس الرجل قائلاً :

– حلاوتك محفوظه متجلجش

**************************************

سمعت جارة “مريم” التى تسكن تحتها طرقات فى الصباح الباكر .. فتحت الباب بحذر لتجد رجلاً لا تعرفه فقالت :

– خير يا ابنى فى حاجة

قال الرجل وهو يلقى نظرة من فوقها على البيت من الداخل :

– هى مش مدام “مريم” ساكنه هنا

قالت المرأة وهى تنظر اليه وتضيق عينيها بسبب ضعف بصرها وهى تحاول تبين من هو وماذا يريد :

– أيوة ساكنه هنا بس فى الشقة اللى فوقى على طول

قالى وهو يهم بالصعود :

– شكراً يا حجه

نظرت اليه المرأة وهو يصعد وقالت بفضول :

– انت مين يا ابنى ؟

التفت اليها ورسم ابتسامه على شفتيه قائلاً :

– أنا من طرف أستاذ “مراد” .. طليقها

صعد وترك المرأة فاتحة فمها دهشة .. ثم قالت لنفسها:

– طليقها !

انتهت “مريم” من ارتداء ملابسها وهمت بحمل حقيبتها للذهاب الى قسم الشرطة كما وعدت “مراد” بالأمس .. عندما سمعت طرقاً على باب شقتها .. اقتربت قائله :

– مين ؟

سمعت صوتاً يقول :

– أنا سواق أستاذ “مراد” باعتنى عشان أوصل حضرتك بالعربية

شعرت بالحنق .. لماذا لا يتركها وشأنها .. لم يعد لها حقوق عليه .. وليس ملزماً بإرسال سيارته الخاصه لإحضارها .. فتحت الباب وقالت للرجل :

– ثانية واحدة هجيب شنطتى

التفتت لتحضر حقيبتها .. لكنها شعرت بالرجل يطوقها بذراعه من الخلف .. وقبل أن تصرخ كتم فمها بقطعة قماش موضوع عليها أحد أنواع الأدوية المخدرة .. لحظات وفقدت وعيها .. حملها الرجل ونزل بها مسرعاً بمجرد أن خرج من البوابة أخذ يصرخ فى المارة قائلاً :

– حد يفتحلى باب العربية بسرعة .. البنت أغمى عليها وجتلها غيبوبة سكر

قال أحد المارة :

– لا حول ولا قوة الا بالله

قام أحد المارة على الفور بفتح المقعد الخلفى للسيارة

تمتم آخر :

– بسرعة يا ابنى على أقرب مستشفى

وقال آخر :

– لا حول ولا قوة الا بالله شكلها صغير .. استر يارب

صعد الرجل بسرعة خلف المقود وانطلق بالسيارة وبصحبته “مريم” فاقدة الوعى على المقعد الخلفى

***********************************

ظل “مراد” ينظر الى ساعته وهو ينتظر “مريم” أمام قسم الشرطة .. على الرغم من طلاقهما مازال يشعر بداخله أنها ملزمة منه .. وكأن شئ خفى يربطه بها .. شئ أقوى من الكلمة التى قالها لتقطع أى وصال بينهما .. حاول الاتصال بها لكن كالعادة هاتفها مغلق .. زفر بضيق قائلاً :

– افتحيه بأه

زاد قلقه عندما ازداد تأخرها .. ركب سيارته وتوجه الى بيتها .. ظل يطرق الباب كثيراً دون رد .. حاول الاتصال بها دون جدوى .. ظل يفكر .. معقول أنه جاء من هنا لتذهب هى من هنا .. لكنه شعر بشئ ينبئه بأن مكروهاً قد حدث .. سمع من الأسفل امرأة تقول :

– مين ؟ .. انت عايز مين ؟

نزل “مراد” ليجد الجارة التى تحدثت معها “مريم” من قبل فقال لها بلهفه :

– متعرفيش هى “مريم” فين ؟ .. بخبط عليها ومحدش بيرد

قالت المرأة وهى تنظر اليه وتدقق نظرها :

– آه فى راجل خبط عليها من ساعتين كده وقال انه من طرف طليقها

قال “مراد” بإهتمام :

– طليقها ؟ .. راجل ؟ .. قال ايه بالظبط ؟

قالت المرأة وهى تحاول التذكر :

– قال انه من طرف واحد اسمه “مراد” وانه طليقها .. أنا اصلا مكنتش أعرف انها اتجوزت تانى

فجأة اتسعت عينا المرأة وهى تنظر الى “مراد” وتقرب وجهها منه قائله بفزع :

– بسم الله الرحمن الرحيم .. مش انت “ماجد” اللى مات

قال “مراد” بحنق :

– لا أنا “مراد” .. أخوه

قالت المرأة وهى مازالت مصدومة :

– أخوه .. سبحان الله .. انت أخو جوزها ولا جوزها ولا طليقها ولا ايه بالظبط

قال “مراد” بنفاذ صبر :

– شكله ايه الراجل ده

قالت الجارة وهى مازالت تتطلع الى وجهه :

– كان شكلك بالظبط سبحان الله

قال “مراد” بضيق :

– مش بتكلم عن أخويا .. يا حجة ركزى .. بتكلم عن الراجل اللى قال انه من طرفى

قالت المرأة وهى تحاول التذكر :

– والله ما أعرف يا بنى مش فاكرة .. أهو جدع كده طول بعرض .. وشكله كده متجوز

نظر اليها “مراد” بغيظ :

– أعمل أنا ايه بمتجوز ولا مش متجوز .. مفيش أى حاجة مميزه فيه ؟

قالت المرأة وهى تفكر :

– حاجة مميزة ؟ .. ازاى يعني .. لا هو كان زى الفل

ثم صاحت بحده :

– وبعدين انت مين عشان تسأل كل الأسئله دى .. أنا ايه يضمنلى ان “مريم” تعرفك وانك طليقها بجد مش يمكن بتضحك عليا

قال “مراد” :

– يا حجه أنا كنت مع “مريم” المرة اللى فاتت لما سلمت عليكي

قالت المرأة بحزن :

– معلش يا ابنى أصلك كنت واقف بعيد وأنا نظرى على أدى

قال “مراد” وهو يعطيها ورقه كتب بها رقمه :

– ده رقمى يا حجة لو “مريم” جت كلميني على طول .. ماشى

قالت المرأة وهى تأخذ منه الورقة وتقول بثقه :

– حاضر يا ابنى ومتقلقش أنا على طول أعدة ورا الباب ومحدش بيطلع ولا بينزل غير لما بعرف

قال “مراد” وهو يرمقها بنظراته :

– ما هو واضح

ثم غادر مسرعاً

***************************************

أفاقت “مريم” لتجد نفسها فى غرفة جيدة الأثاث نظرت حولها فى ريبه ثم انتبهت الى يديها الموثوقتان خلفها وقدميها الموثوقتان .. أخذت تصرخ قائله :

– الحقونى .. الحقونى .. حد يساعدنى

فجأة انفتح الباب ليخد منه الرجل الذى رأته على باب شقتها فأخذت تصرخ فيه قائله :

– أنت ايه اللى انت عملته ده أنا هوديك فى ستين داهية

قال الرجل :

– اهدى يا مدام ثوانى و “حامد” بيه هيجي .. هيتكلم معاكى بس مش أكتر من كده

صاحت بغضب :

– مين “حامد” ده ..وازاى تعمل كده .. انت خطفتنى غصب عنى .. انت ازاى تعمل كده

خرج الرجل دون أن يرد عليها .. حاولت الوقوف لكنها لم تستطع الحركة بسبب قدميها .. جلست على الفراش تتأمل الغرفة وقلبها يخفق بهلع بعد عدة دقائق انفتح الباب ووجدت “حامد” أمامها وخلفه الرجل الذى خطفها .. توجه “حامد” الى مقعد امامها وقال :

– آسفين يا مدام .. بس ملقتش طريقة غير كدة أقدر أتكلم معاكى بيها .. والوقت سرقنى وكان لازم نتكلم قبل ما تروحى القسم

قالت “مريم” بحزم :

– فكنى وسبنى أمشى .. كدة هيبقوا قضيتين خطف مش قضية واحدة

وضع “حامد” ساقاً فوق ساق وأخرج غليونه يشعله وقال بثقه مبتسماً :

– لا ان شاء الله مفيش قضية ولا حاجة

أخذ ينفث دخانه وهو ينظر اليها بجرأة شعرت بالغضب بداخلها .. تحدث أخيراً وقال :

– أنا عرفت حاجات كتير عنك وأهمها ان “مراد” طلقك ورماكى ورجعتى بيتك القديم اللى عايشه فيه لوحدك من يوم ما أهلك ماتوا فى حادثة عربية من 3 سنين

شعرت “مريم” بالدهشة لعلمه بكل تلك التفاصيل عنها فأكمل قائلاً :

– طبعا دى فرصة عشان تنتقمى من “مراد” وترديله القلم

قالت بثقه :

– الطلاق كان بإتفاق بينا .. وان كنت فاكر انى هأذى “مراد” تبقى غلطان

أمر الرجل الواقف بجواره قائلاً :

– فكها

اقتربالرجل منها فشعرت بالخوف .. أخذ يفك قيدها وهى تحاول قدر الإمكان الابتعاد عنه وعدم الإحتكاك به .. قال “حامد” :

– شوفتى أنا طيب معاكى ازاى .. أنا مش عايز أأذيكي .. عايز بس منك خدمة صغيره

قالت بشك وهى تفرق رسغيها بكفيها :

– خدمة ايه

قال “حامد” :

– هتروحى القسم وتقولى ان كل اللى شهدتى بيه قبل كده كلام “مراد” مش كلامك وانك اضطريتى تقولى كده لانه هددك وخوفك .. وممكن كمان تسبكى الحكاية بإنك تقولى ان ده سبب طلاقك منه لانك اكتشفتى انه راجل معندوش ضمير

قالت “مريم” بتهكم :

– بتحلم .. لو فاكر انى هشهد زور يبقى بتحلم .. ولو فاكر انى ممكن أأذى “مراد” يبقى بتحلم

كانت تنظر اليه بثقه شديدة .. ضاق عيناه وهو يقول :

– تقدرى تقوليلى وانتى عايشة لوحدك كده مين اللى هيحميكي منى ؟

شعرت “مريم” بالخوف فأكمل وهو ينظر اليها بشراسه :

– تقدرى تقوليلى ازاى هتحمى نفسك لو بعتلك واحد من رجالتى جوه بيتك يقتلك وانتى نايمة أو يعمل اللى أسوأ من كده ؟

أخافتها نظراته بقدر ما أخافتها كلماته .. قالت بصوت مضطرب :

– ربنا معايا

قال “حامد” بتحكم :

– ممكن أنفذ ده دلوقتى ومستناش انك تروحى بيتك

نظر الى الرجل الواقف بجواره وأشار له بعينه تجاه “مريم” .. أقبل الرجل تجاهها فقامت من مكانها وانذوت فى أحد أركان الغرفة وهى تبكى قائله بفزع :

– حرام عليك اتقى ربنا

التصقت بالحائط خائفة مرعوبة فقال “حامد” للرجل قبل أن يصل اليها :

– استنى يمكن تكون عقلت

ثم التفت الى “مريم” قائلا :

– ها يا قطة عقلتى ولا لسه ؟

قالت وهى تبكى بحرقة :

– حسبي الله ونعم والوكيل فيك انت ايه معندكش ضمير مش خايف من ربنا ؟

قال “حامد” بتهكم :

– أنا قلبي ميت مبخفش من حاجه

قالت “مريم” وهى تنظر اليه بإحتقار :

– فعلاً انت قلبك ميت

أشار “حامد” بعينه الى الرجل ليتقدم بإتجاه “مريم” هم الرجل بلمسها فأنزوت أكثر لتبعد نفسها عنه وهى تصرخ قائله :

– خلاص موافقة

توقف الرجل ونظر الى “حامد” ينتظر اشاره منه فأشار له “حامد” بالتراجع ووقف واقترب من “مريم” قائلاً بحزم :

– خليكي فاكرة يا قطة ان مش “حامد” اللى يضحك عليه .. لو بتقولى كده عشان تخلصى منى وتبلغى عن اللى حصل أول ما توصلى القسم تبقى بتلعبى فى عداد عمرك .. ولو روحتى فين هجيبك يعني هجيبك

ثم قال بشراسة :

– وساعتها مش هعتقك .. فاهمانى .. مش هتعقك

أومأت “مريم” برأسها ودموعها تنهمر على وجهها وجسدها يرتجف خوفاً .. أمسكها “حامد” من ذراعها ليخرجها فجذبت ذراعها بعنف فأشار للباب ساخراً :

– اتفضلى يا مدام المحامى منتظرك تحت عشان يروح معاكى القسم

نزلت “مريم” للدور الأرضى من الفليا وهى تراقب ما حولها .. كان رجلاً فى انتظارهم بالأسفل فقال “حامد” للرجل :

– خلاص مدام “مريم” اعترفتلى بكل حاجة وحابه تريح ضميرها وتقول الحقيقة

ثم غمز لها وهو يبتسم بخبث فأشاحت بوجهها عنه وهى لا تطيق مجرد النظر اليه .. سبقها المحامى الى السيارة وقبل أن تهم بالركوب قال لها “حامد” :

– حفظتى اللى هتقوليه ؟

قالت دون أن تنظر اليه :

– أيوة

قال بنبره محذره :

– أى غلطة عارفه ايه اللى هيحصل

تنهدت قائله :

– عارفه

ركبت مع المحامى فى السيارة التى انطلقت بهما الى قسم الشرطة

************************************************

كاد “مراد” أن يفقد عقله وهو يبحث عن “مريم” اتصل بـ “طارق” قائلاً :

– أرجوك يا “طارق” اتصل بـ “مى” صحبتها يمكن تكون عندها

قال “طارق” :

– حاضر يا “مراد” متقلقش

اتصل “طارق” بـ “مى” التى قالت له بهلع :

– لا مجتش عندى ومتكلمناش مع بعض وأول مرة أعرف بموضوع الطلاق ده

قال “طارق” بقلق :

– ياريت لو كلمتك أو عرفتى أى حاجة عنها تعرفيني لأن “مراد” هيتجنن عليها

قالت “مى” وهى تشعر بالخوف هى الأخرى :

– حاضر بس ياريت لو حضرتك وصلت ليها تعرفنى لأنى أنا كمان قلقانه أوى

قال “طارق” :

– خلاص ماشى اللى يعرف حاجة الأول يكلم التانى

كان “مراد” فى حالة يرثى لها وهو يسير فى الشوارع بسيارته هائماً يبحث عنها بعينيه .. يعلم بأنه لا يستطيع تقديم بلاغ عن اختفائها .. أخذ عقله يفكر بسرعة وهو يحاول أن يجد حلاً .. لا يمكنه الجلوس والانتظار حتى تظهر أو حتى يمر 24 ساعة ليستطيع تقديم البلاغ .. اتصل بأمه فقالت :

– لا مكلمتنيش ولا كلمت حد من البنات .. لا حول ولا قوة الا بالله .. أنا خايفه عليها أوى

قال “مراد” :

– طيب اقفلى دلوقتى ولو كملتك عرفيني

قالت “ناهد” بلهفه :

– ولو عرفت حاجة عرفنى يا “مراد” أنا اعده على أعصابي

كان “مراد” ينهج بشدة وقلبه يخفق بجنون وبهلع .. شعر بغشاوه من العبرات تظلل عينيه وهو يتمتم :

– يارب .. يارب احفظها

*******************************************

وقفت “مريم” خارج مكتب الضابط فى انتظار المحامى .. الذى خرج بعد عدة دقائق واشار لها بالدخول قبل أن تدخل همس فى أذنها :

– “حامد” بيه مستنى تليفون منى

نظرت “مريم” الى المحامى بإحتقار .. كيف يبيع رجل قانون ضميره هكذا .. دخلت “مريم” وجلست وجلست المحامى قبالتها وهو ينظر اليها نظرات ذات مغزى فخفضت بصرها حتى لا ترتطم عيناها بنظراته المهدده .. قال الضابظ وهو يعقد كفيه على المكتب :

– ها يا مدام “مريم” .. محامى “حامد” بيه بيقول انك عايزه تغيري أقوالك

صمتت “مريم” فقال المحامى :

– ايوة يا باشا هى اضطرت تعمل كده عشان كانت خايفه من جوزها اللى هو دلوقتى طليقها لكن خلاص هى اطلقت منه ومعدلوش حكم عليها

قال الضابط للمحامى :

– لو سمحت سيبها هى تتكلم

ثم نظر الى “مريم” التى تطرق برأسها قائلاً :

– ها يا مدام “مريم” عايز أسمع منك

أخذت “مريم” تفكر فى الوضع الذى زجُت فيه .. تذكرت كلمات “حامد” المهددة اياها بالقتل أو ما هو اسوأ .. تذكرت نظرات الرجل الخبيثة التى رمقها بها وهو يقترب منها .. تذكرت بيتها الذى يخلو الا منها .. تذكرت وحشة الليل والسكون الذى يغمر بيتها كلمها حل المساء .. لكنها وسط كل ذلك تذكرت شيئين .. تذكرت “مراد” الذى لا ولم لن تؤذيه أبداً .. شهادتها التى يريدها “حامد” أن تشهد بها ستؤذى “مراد” بشدة وقد يسجن بسببها .. وتذكرت ربها .. وتلك الآيات التى قراتها كثراً فى سورة النساء وهى تقيم الليل ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً ” .. وتذكرت حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ” ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ( ثلاثاً ) ؟ قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : الإشراك بالله و عقوق الوالدين و جلس وكان متكئاً فقال : ألا و قول الزور ” قال : فما زال يكررها حتى قلنا : ليته سكت ” .. عندما تذكرت ذلك شعرت بثقه كبيرة بداخلها وهرب منها الخوف ليحل مكانه الأمان وتشعر أنها فى معية الله .. كرر الضابط كلامه قائلاً :

– مدام “مريم” عايز أسمع منك شهادتك الجديدة

رفعت نظرها الى المحامى بعدما شعرت بأن كل الخوف بداخلها قد تبدد لم تعد نظراته المهدده تجدى نفعاً معها .. التفتت الى الضابط وقالت بثقه :

– لا مش هغير أقوالى يا فندم

نظر اليها المحامى بصرامة فتجاهلته تماماً .. فقال الضابط بإهتمام وهو ينظر اليها :

– يعني الاستاذ “مراد” مأجبركيش انك تشهدى بشهادتك الأولى

قالت “مريم” بثقه شديدة :

– لأ محشد أجبرنى .. كل اللى قولته حصل .. شوفت اللى اسمه “حامد” ده وهو بيخدر “نرمين” فى العربية وبيفقدها وعيها وكان هيمشى بيها لولا انى وقفت ومنعته وصرخت .. ورماها من العربية وهرب .. ده كل اللى حصل

نظر الضابط الى المحامى قائلاً :

– ابقى اتأكد من المعلومات اللى عندك قبل ما تبلغنا بيها

شعر المحامى بالحرج والغيظ ..

قالت “مريم” بحزم :

– وعايزة أأقدم بلاغ فى “حامد” بتهمة خطفى

قال الضابط بدهشة :

– ازاى ؟

قصت عليه “مريم” ما حدث بالتفصيل فقال لها :

– تمام هنفتح محضر بالكلام ده بس محتاجين بطاقتك

قالت “مريم”

– بطاقتى فى البيت هروح أجيبها وارجع تانى

أومأ الضابط برأسه وهو ينظر الى المحامى شزراً .. نهضت “مريم” قائله :

– تسمحلى أمشى ؟

أشار الضابط الى الباب قائلاً :

– اتفضلى

خرجت “مريم” وخلفها المحامى .. وقبل أن يتحدث اليها التفتت اليه ترمقه بنظرات ناريه وهى تقول بتحدى :

– قول للى مشغلك ان كان هو مبيخافش من ربنا فأنا مبخافش غير منه

ثم أدرات لها ظهرها وانصرفت تغادر قسم الشرطة وعينا المحامى ترمقها بغيظ وهو يخرج هاتفه فى عصبيه

**************************************

عاد “مراد” الى قسم الشرطة مرة أخرى عله يجدها .. فدخل الى الضابط الذى طمأنه على “مريم” وقص عليه بلاغها الثاني .. امتقع وجه “مراد وهو يستمع اليه والى ما حدث لـ “مريم” من “حامد”

عادت “مريم” الى بيتها وفى عقلها شئ واحد .. خوفها على “مراد” .. خافت من أن تطاله يد “حامد” لتصبيه بمكروه هو أو أحد من أهل بيتسه .. انتبهت الى كونها تفكر فيه أكثر من تفكيرها فى نفسها .. وخائفه عليه أكثر من خوفها على نفسها .. تذكرت عندما رأته أمام الباب أمس .. شعرت بحنين جارف اليه .. شعرت بالضيق الشديد من هذا الشعور الذى راودها .. جلست لتخبئ وجهها بين كفيها .. حدثها عقلها ليقنع قلبها قائلاً :

– لا تقلق أيها القلب فما تشعر به ليس سوى حنين لرجل يشبه حبيبك

قال القلب بحيرة :

– أأنت متأكد أيها العقل .. أتجزم بذلك

قال العقل بثقه :

– طبعاً متأكد .. لا تقلق فما تشعر به طبيعي وسيزول مع الوقت .. فقط أنت تحتاج الى وقت أيها القلب

صمت القلب قليلاً ثم قال :

– لكننى أحفظ دقاتئ جيداً أيها العقل .. وتلك الطريقة التى أخفق بها عندما أكون قريباً منه .. تشى بأننى قد أحمل له شيئاً بداخلى

قال العقل بعند :

– لا تردد هذا كثيراً حتى لا تقنعنى به .. افعل ما أقوله لك .. وقل أنك متلهف فقط على شبيه حبيبك

قال القلب فى عدم اقتناع :

– أنا متلهف فقط على شبيه حبيبي

قال العقل شاعراً بإنتصاره :

– أرأيت أيها القلب أنت قلتها بنفسك

قال القلب بحزن :

– نعم قلتها لكننى لا أشعر بها

صاح العقل بحده :

– بل تشعر بها لكنك غارق فى الأوهام .. افق قبل أن تحطم نفسك بنفسك يكفيك يا فيك .. أنا العقل وأنت القلب .. انا دائماً أكون على حق .. لكنك تخطئ وتصيب .. استمع الى فأنا أكثر حكمة منك .. أنا الذى أدير هذا الجسد وأتحكم فى كل وظائفه .. لماذا لم تُترك لك هذه المهمة وأوكلت لى وحدى ؟ .. لأننى قادر عليها .. وقادر الآن على ارغامك بما أريد

قال القلب بإستسلام :

– معك حق أيها العقل .. قوتك أكبر منى .. سأردد كلماتك الى أن اقتنع بها .. فلا أريد سوى راحة هذا الجسد .. ومادامت راحته فى الاستماع اليك فسأفعل

قال العقل مبتسماً بثقه :

– رائع أيها القلب .. انت على الطريق الصحيح الآن .. استمر هكذا وتستريح للأبد .. وتذكر أنا دائماً على حق

انتهت المحادثة بين عقل “مريم” وقلبها لتشعر بالراحة لما انتهى اليه النقاش .. تذكرت خطابات “ماجد” تلك الخطابات التى يبث فيها كلماته التى تطمئنها وتنزل برداً على قلبها .. هبت واقفة وفتحت دولابها لتخرج الخطاب .. الخطاب الذى رفضت أن تفتحه منذ أن أصبحت زوجة لـ “مراد” .. جلست على فراشها .. تذكرت “مراد” واتهامه اياها بالخيانة .. نظرت الى الخطاب وهى تشعر بأنها تحررت .. تحررت من القيد الذى منعها من قراءة خطابات “ماجد” .. لم تعد الآن زوجة لـ “مراد” .. أصبح من حقها قراءة الخطاب دون أدنى شعور بالذنب .. نظرت الى الخطاب تقلبه بين يديها .. نظرت الى يديها بإستنكار .. لماذا لا تفتحيه بلهفه كما اعتدتى .. أأتفقت كل جوارحى اليوم ضدى .. لماذا لا ترتعشين بلهفه وشوق .. لماذا أيها القلب لا تخفق بلهفه كما اعتدت عندما أهم بقراءة خطابات حبيبى .. ألم تسمع ما قاله العقل لك منذ قليل .. تحدث القلب بوهن قائلاً :

– آسف أيها الجسد .. أنا ما خلقت لأفكر .. بل خلقت لأشعر .. ورغم كل الكلمات التى أسمعنى اياها عقلك .. الا أننى لن أخفق اليوم كما أخفق من قبل وأنت تمسك بتلك الخطابات .. لأن بكل بساطة .. أصبح لى حبيباً آخر

وكأنها لم تكتفى بعصيان قلبها ويديها .. اعلنت عيناها أيضاً العصيان فبكت شوقاً لهذا الحبيب.

سمعت طرقات على الباب ففزعت وهبت واقفة .. مسحت دموعها وهى تقترب من الباب الذى يتعالى صوت الطرقات عليه قالت بحذر بصوت مرتجف :

– مين ؟

سمعت صوت “مراد” خلف الباب يقول :

– أنا “مراد” افتحى يا “مريم”

شعرت بشعور غريب وهى تستمع الى صوته .. اختفى كل شعور داخلها بالخوف ليحل محله آمان لا حدود له .. فتحت الباب فاقترب “مراد” فإضطرت للرجوع للخلف .. دخل واغلق الباب خلفه .. وجدته ينظر اليها بشوق ولهفه وخوف وجزع .. كتلك النظرات التى رمقها بها بعد أن خرجا من البحر يوم احتراق اللانش .. قال “مراد” بلهفه وهو مازال يحتضن وجهها بعيناه :

– انتى كويسه

قالت بضعف وهى تحاول التظاهر بالتماسك وتناسى خفقات قلبها العنيفه :

– أيوة كويسة

قال بلهفه :

– ايه اللى حصل قالك ايه وعملك ايه عايز أسمع منك

قالت “مريم” وقد انتبهت لوجوده داخل بيتها والباب المغلق خلفه :

– مينفعش كده .. لو سمحت اخرج

قال “مراد” يحده :

– بقولك قوليلى اللى حصل

قالت “مريم” بحده مماثله وهى تنظر اليه وتحاول التحكم فى تلك المشاعر التى تجتاحها بقوة :

– بقولك اخرج لو سمحت .. ميصحش كده انا عايشه لوحدى .. كده مينفعش

أطبق “مراد” على شفتيه بقوة وهو ينظر اليها ثم قال بهدوء :

– طيب أنا هخليه ينفع

صمت لبرهه وعيناه تنظر داخل أعماق عينيها .. ثم قال بحزم وبصوت رخيم :

– رديتك يا “مريم”

توقف قلبها عن العمل لثانيه ثم عاد ليخفق بجنون .. اتسعت عيناها دهشة وهى تنظر اليه وصدرها يعلو ويهبط من سرعة تنفسها .. صاح القلب ضاحكاً بإنتصار :

– أرأيت أيها العقل .. لقد كنت على حق .. ها أنا أخفق كالمجنون بسعادة .. اسكت أيها العقل ولا تملى على أوامرك مرة أخرى .. لقد انتصرت عليك هذه المرة.

…يتبع

عرض التعليقات (10)